الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المراوغة بين الغريزة والمنطق في قصص سرير عنكبوت

محمد عكاشة
كاتب

(Mohamad Okasha)

2023 / 8 / 8
الادب والفن


المراوغة بين الغريزة والمنطق فى قصص
( سرير عنكبوت )
ثمة مراوغة خفية بين المنطق ومكتسباته وبين الغريزة بمشتقاتها كالمشاعر والعواطف وعوامل الإحساس , هذه المراوغة الخفية فى قصص ( سرير عنكبوت ) تضعنا أمام قضايا تخص الذات وعلاقتها بالآخر , ورغم أننى أجنح فى كتاباتى عن قناعة تامة بأن الغريزة هى الأصل , وهى الأقوى والقادرة على مجابهة المنطق . ولكن المنطق له من الحجج الكثير يسوقها عند التعرض لهجمات عاطفية غريزية كى يقنع الذات بالرجوع لقيمه التى إكتسبها من الموروثات البيئية والشرائع فينشأ الجدل ويتأجج عند الذات المضطربة القلقة التى تبحث عن بدائل تضمن لها الإستقرار والعيش . والجدل بين المنطق وأدواته وبين الغريزة هو جدل أزلى منذ بدء الخلق ولكن تظهر بوادره عندما ترفض الذات الرضوخ للقواعد التى شيدتها المجتمعات على مدار التاريخ الإنسانى , وبكل ما طرح من نظريات إجتماعية هندسة للإنسان كيفية التعامل مع الآخر لتضمن له إستمرارية الحياة بشكلها المتفق عليه من أسلافهم , ورغم إختلافى مع دكتور محى الدين الصافى مؤلف كتاب توضيح المنطق القديم – فى تصديره بأن المنطق : هو العلم بالقواعد التى لو راعاها الإنسان – كان تفكيره صحيحاً سليماً .
وتعصم العقل عن الخطأ فى التفكير , وأن علم المنطق موجود فى العقل بالغريزة ولهذا إستعمل الناس قوانين المنطق فى نفكيرهم قبل أن يدون علم المنطق , وقد استشهد ببعض الفلاسفة القدامى والمحدثين وطرح الجدل الذى دار بينهم عن تعريف المنطق ووضع نظريات له .
ولكن إذا تأملنا مقولة أن المنطق موجود بالعقل بالغريزة فسنجد أن هناك جدل أصلاً بين الغريزة والعقل , أو بالأرجح صراع .
فمثلا الغريزة تدفع الإنسان لمضاجعة النساء وقتما تلح عليه , أو العاطفة التى تدفع ابن النادل ليحب إبنة سيد القوم , ولكن عندما يتدخل العقل بمنطقه المكتسب والتى هى عبارة عن قوانين وتعاليم أتفق عليها .
تتراجع الذات لتحقيق هذه الأفعال , ولكن تبقى فى جوهرها حية تبحث عن عوالم إفتراضية تصل لحد الوهم كى تقنع نفسها بأنها حصلت عليها فتتأثر الذات بتلك المشاعر - فيظهر ذلك جلياً فى قصص سرير عنكبوت سنجد هذا الصراع الدائر من بداية الكتاب حتى نهايته - ولكنه صراع خفى , يرمز ولا يصرح متكأً على هذه الذات المضطربة القلقة خاصة فى قصة الأنفاس الضيقة وعطر الحنين وحديث الكهوف , والإنفصال عن الواقع يدفع للهروب والبحث عن عوالم أخرى بديلة , أو بالأحرى أن نطلق عليها الفرار إلى ذات أخرى تغنى عن التشتت الظاهر كما فى عطر الحنين ووجه آخر للغواية , وفى الفراغ , وإذا تكلمنا عن علاقة الروح بالجسد سنجزم أنها علاقة مضطربة أيضا وذلك إذا إستسلمنا يقيناً بأن الجسد هذا التكوين الحى لا يتآلف مع الروح على مدار القصص . فروحه تتخيل وتخلق حياه بديلة , وتتوهم وتجرى حوارات وديالوجات داخلية .
أما الجسد فهو الحقيقة المادية الظاهرة والمعروفة مكانها باللحظة ذاتها – كما فى قصص حنين وفى الفراغ وعطر الفقد .
والروح غالبا تشدو العبور للآخر إذا أحست أنها حبيسة بقيود صنعتها عوامل إجتماعية تقليدية , والروح لها وسائل دفاع عن ذاتها ووجودها – فإما بالمراوغة أو بإدعاء الإستسلام كما فى قصة ( وجه آخر للغواية ) والصراع هنا صراع وجودياً , فذاته غالبا ترى أنه بدون إحتواء الروح لا توجد حياة , كما فى قصة عطر الفقد ويتضح ذلك فى جملة ( وانتحرت الشمس على صفحة آخر مياه زرقاء ) والإنتحار من الجائز أن يكون بديلا عن الفقد والإغتراب وقد عرف روسو الإغتراب فى كتابه " العقد الإجتماعى " قائلا ( إن تغترب يعنى أن تعطى أو تبيع ) فالإنسان الذى يصبح عبداً لآخر لا يعطى ذاته وإنما يبيع ذاته على الأقل من أجل بقاء حياته , ورغم تأثر ( هيجل ) بروسو إلا أنه فى كتابه " فنومولوجيا الروح " بيَّن الثقافة والإغتراب والثقافة عنده تعنى أن يعارض الفرد ذاته . وتحدث عن الأنا هو الآخر . ومن ثم فإن الآخر يبدو لى كأنه ذاتى وآخر غير ذاتى فى آن واحد .
ورآى ماركس فى الإغتراب يناقض رأى هيجل فيقول ( إن ماهية الإغتراب لا تكمن فى كون الإنسان يموضع ذاته بصور غير إنسانية , وفى تعارض مع ذاته ) وهنا نجد أن الصراع الدائر هو فى الأساس بين الذات والآخر والذات هو الآخر ولكن مع إختلاف المسميات , هل هى الروح أم الذات وما علاقة الذات بلآخر والآخر بالذات , فسنجد الصرع والجدل قوامه العلاقة الضطربة مع الآخر الذى هو ذاته فى الأساس . كما أن فى قصة حديث الكهوف وسرير غريب ومن النافذة أحكى له .. , وكما يؤدى الإغتراب إلى الصراع والإضطراب والهروب – أيضا من شأنه أن يفرض واقعاً سوداوياً كما فى قصة عتمة الأشياء وتعاطفه مع الصرصار التى كانت تحثه على إغتياله وقصة سحب سوداء وسرير غريب , والإغتراب أيضا جعله يبحث عن وجهه فى قصة بورتريه ويوهم نفسه أنه يعيش فى واقع بديل كما فى قصة ( من النافذة أحكى له ) ولا يكتفى بهذا بل ينقل أوهامه إلى الآخرين .
وهناك حالة فقد حقيقية يقابلها إصرار على البحث عن بدائل ولكن يشوب هذا البحث تصادمات وانفصال عن الواقع عرضنا لهما سلفاً وحالة البحث هذه أحياناً تتقمص فعل الصياد الذى يحاول أن يوقع فريسته – فتوقعه هى – رغم أننى أؤمن أن الذات فى هذه القصص غالباً ما تكون فريسة لصياد متعدد الوجوه والإمكانيات والتى تؤهله ان يصطاد فريسته بل هو فريسه حبيسة يراواغها الصياد كيفما شاء ويقدم على إلتهامها بترو وبرود – كما فى قصة ( سرير غريب ووجه آخر للغواية ) . وهنا يتجلى الواقع مع الخيال مع الوهم فى آن واحد فلا توجد أرض ثابته فى القصص ولا زمن ثابت – بل هى مراواغة بين الزمن واللازمن والمكان واللامكان . وذكر الزمن والأماكن ماهو إلا لخدمة الحالة المجردة التى تميل إلى الرمز وكما آشرت فى مقولة هيجل وماركس بأن وعى الذات أو ثقافة الذات هى التى تبث إليها الوعى بما يدور حولها – ومن هنا ينشأ الجدل والرفض والبحث عن بدائل , فلا الزمن هو الزمن ولا المكان هو المكان كما فى قصة ( فى الفراغ ) و ( من النافذة أحكى له ) ( وفاصل طويل ) فتنداج التواريخ والأسماء والأماكن وذلك ليرتقى الرمز وتكثر الدلالات – فلكل جملة دلالتها وقد أفاض مراد وهبه فى كتابه ( ملاك الحقيقة المطلقة ) بأن الزمن هو زمان حى وزمان لا حى والزمان الحى معاش جوانياً , والزمان اللاحى مطروح برانياً ولهذا فهو كم , والزمان عند ارسطو ( فيبدو وكأنه حركة ولكنه ليس كذلك ) واتفق معه أفلاطون أن الزمان لا يوجد إلا مع الحركة .
ولهذا فالمُثل ليس لها زمان لأن ليس فيها حركة , وطرح عدة أسئلة أهمها من أين يبدأ الوعى بالزمان ولأننى قد أشرت إلى الإضطراب والإغتراب فى القصص فمن الوارد أن أشير أن لا يوجد وعى بالزمان أيضاً والأماكن تبدو غير ثابته ولا تتسم بملامح واقعية وتحمل مسميات يذهب ويعود إليها البطل أو الراوى ولا هى مؤثرة فى سير الأحداث أو السرد – لهذا يفتح باب الدلالات على مصراعيه فى هذه القصص , وقد تحدث ابن رشد عن التأويل قائلاً ( إن إخراج دلالة اللفظ من الدلالة الحقيقية إلى الدلالة المجازية ) وتذخر سرير عنكبوت بتنوع التأويلات وطرح دلالات معتمدة على الرمز وأيضا متكئة على سلوكيات توحى للقارئ أنها تميل إلى نظريات إجتماعية ونفسية وفلسفية وقد طرحت سرداً يميل إلى بنية الإرتباك أو الفلاش باك , أو القطع المتوازى الذى يطرح جدلاً للقارئ عمن يتحدث وعمن يستمع ويجيب , هل هم أشخاص متعددون أم ديالوجات داخلية بين الذات والذات , أو الروح والروح الأخرى , ولا يخلو السرد من إستدعاء جمل من الذاكرة أو إستدعاء حوارات سابقة كى يوضح التناقض بين الأفعال , أو ليوضح علاقة الجملة بصورة سابقة أو حالية , أو بمشهد يعيش فى داخله ويساهم فى أحداثه .
والدراما هنا دراما رومانتيكيه لا تشبع المتلقى بقدر ما تجعله قلقا متوتراً كقلق الأبطال والمشاهد سريعة ومهزوزة كإضطراب أصحابها , وتذخر اللغة فى القصص ببساطة وشاعرية رغم صعوبة ترابط العبارات ببعضها , ولكنها حكايات مجردة تنحو بإتجاه التأويل .
والسرد أشبه بكولاج من جمل متعددة الألوان والمناظير , جمل من الماضى والحاضر . جمل رتيبة مع جمل حارة مع صور مستعارة لملئ الإطار مع مشاهد ومقاطع منثورة – تربطها ثقافة المتلقى , ولكن تبقى مفتوحة الدلالة أو يتلقاها كل متلقى حسب حالته وتوافقه مع السرد , و السرد أشبه بخط متعرج ولكنه خط سائر ينتج عنه رسماً توضيحياً لحالة الأبطال , بالضبط كرسم القلب بنبضاته , ولكنها نبضات من القرار إلى الجواب بإيقاعات مختلفة ومتنوعة , والأم لها الدور الأسمى فى الرجوع إليها واللجوء إلى حكمتها , أو البحث عنها وإستدعائها فهى له الملاذ الدائم الذى يفتقده كما فى قصة الآخر والأنفاس الضيقة وبديل إصطناعى وإذا رصدنا القصص رصداً إحصائيا سنجد أن ( هى ) لها الدور الأكبر بالفعل ,
فهى إما الفتاة التى يبحث عنها أو المرأة التى إقتتنصته , أو البنت البريئة التى تحبه وهاجمها المرض أو هى فى الخيال ولا توجد فى الواقع وهو فى حالة بحث عنها لفقده إياها , أو هى قضاياه الروحية حقيقة وبصراعه معها أصابته بالإضطراب وعدة أمراض أخرى , أو جعلته يبحث عن ذاته ويبحث أيضا عن ملامحه التى غابت ويحاول جاهداً أن تعود إليه , غابت أو سرقت منه – المهم أنه إفتقدها , ويحاول رسمها من جديد حتى ولو إستعان بصديقه الرسام كى يساعده فى قصة بورتريه .
إن الأدب معنى بطرح سلوكيات المجتمعات ورصد كل ما من شانه التعبير عن قضاياه الإجتماعية والنفسية شريطة إمتلاك كل أدوات الإبداع – لهذا أرى أن مشروع الروائى عصام حسين فى السرد ينمو بسرعة وقد اتضحت ملامحه فى هذه المجموعة .

محمد








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إصابة الفنانة سمية الألفى بحالة اختناق فى حريق شقتها بالجيزة


.. تفاصيل إصابة الفنانة سمية الألفى بحالة اختناق فى حريق شقتها




.. الممثلة ستورمي دانييلز تدعو إلى تحويل ترمب لـ-كيس ملاكمة-


.. عاجل.. تفاصيل إصابة الفنانة سمية الألفى بحالة اختناق فى حريق




.. لطلاب الثانوية العامة.. المراجعة النهائية لمادة اللغة الإسبا