الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مغامرات اللغة أو الماوراء الشعري  قراءة في بعض قصائد الشاعرة سنيا الفرجاني (5)

محمد العرجوني
كاتب

(Mohammed El Arjouni)

2023 / 8 / 9
الادب والفن


الحلقة الخامسة:

القصيدة :
ملقط شعري ضائع
من أخذ هذا الأيل كان يحرس رأسي؟
من دخل مخدعي في غفوتي وشحذ الساكن الليليّ
قرب مشط خشبيّ.
يعرفني هذا البلبل الحاضن
يحملني إلى الهواء حين تثقلني الأرض الوعرة.
يقفز على أشباح وجهي
يرفعهم عن قصد
لأسقطهم
وأطير.
ملقط شعري ضائع
والجنة لاتوجد فيها مرايا لأعيد ترتيب تسريحتي
صورتي هذا الصباح
لن تعجب حرّاسه
لشَعري أجراسه
وللملقط حكمة دقّها.
(نص منشور بالفيس بوك)

قراءة تمنح القصيدة أبعادها المعلنة والخفية وتكشف كثيرا من زوايا حاولت الإختفاء وراءها فكشفني.
كيف نلتقط هذا النص؟ أي ملقط نستعين به؟ ليس لنتف الحرف كما قد يفعل من اسميهم "بآكلي المعنى"، وإنما لنتلمسه في عزلته حتى نشعر بأن قيمته في تواجده رفقة كل الحروف.
لكل متلق ملقط/استراتيجية بها يستقبل ما يقرأ. وهو ما سوف أتحدث عنه فيما يخصني بالنسبة لهذا النص :
لكن قبل ذلك نتساءل كيف تُبنى هذه الاستراتيجية؟ ومن أي مادة نصوغ هذا الملقط؟
"الحجر" الأساس في هذا البناء يتشكل مما يمكن تسميته : قوة التفاعل الناتج عن التأثير. فهناك تفاعل لأن هناك تأثير. تفاعل يعتمد على :
- "مواد" البناء التي نجدها في اللغة المستعملة وخاصة تلك الكلمات المحورية التي تكون بمثابة نواة حولها تتشكل القصيدة، أي تلك التي نشدها بملقط التلقي.
ثم تلك الرتوشات التي تزين النص. أي الصور التي بها يحاول الكاتب جذبنا نحو عالمه، وهنا نستعمل ملقط المتعة.
وأخيرا تحريك قدراتنا لاختراق هذه الصور، اختراق سيبراني لاكتشاف تكونها وكنهها منذ "انفجارها" الأول وكأننا أمام كون وعلينا أن نحدد لحظة انفجاره/ولادته لما لهذه اللحظة من أثر يشبه أثر الفراشة، فلا يمكن التقدم عبر النص إلا ونحن منتشين على فراش ذبذبات أجنحة تلك الفراشة. وهو ما يفرض علينا استعمال ملقط الفراشة.
كيف إذن حصل التفاعل؟
التفاعل متأصل منذ تواصلي مع قصائد الشاعرة. فكما في هذا النص، حصل التفاعل نتيجة تأثير أساسه المفاجأة أو كما يحلو لأصحاب منهج التلقي، هو قدرة الشاعرة على تكسير أفق انتظار القارئ. وبهذا الأسلوب أو التقنية التي لمعت بها منذ نصوصها الأولى، فهي تستعمل سواء عن قصد أو غير قصد، غربالا به تعزل القراء. فهناك من يجن ولا يتقبل هذا اللعب بعواطفه أو بنهمه في أكل واشباع رغبته في التهام المعنى لكن هذا التكسير يحرمه من ذلك فيبتعد بكسله. وهكذا لن يتابع تلك المفاجآت وتلك الانكسارات إلا من يستمتع في جبرها بتجربته التي لا تمل بل تجربة تستمتع وتتلذذ كلما كان انكسار من كلمة إلى أخرى ومن جملة إلى جملة.
أما بالنسبة للروتوشات الجمالية فنجدها منذ بداية النص. "ملقط شعري ضائع". حيث الشيء التافه في نظر آكلي المعنى، يصبح ذا قيمة جمالية في النص، لأنه ذو جمالية عند المرأة في علاقته بالشَّعر. فهو ضروري للتجميل. لكنه أجمل بكثير حينما يكون هذا الشيء في علاقة بالمرأة الشاعرة التي تضفي عليه قيمة فائضة وذلك من خلال إحساسها المرهف بضياعه. بل ويمكن لنا أيضا أن نتعامل مع هذه الجملة بتغيير حركة "الشين" خاصة أننا مع شاعرة تتذوق اللغة بحركاتها النزقة فتصبح الجملة : "ملقط شِعري ضائع". وهكذا نكون أمام مثال من الروتوشات التي تتخلل النص فتجعله ينبض حياة...
الآن يمكن لنا شحذ قدراتنا على اختراق صور النص. اختراق سيبراني يوصلنا حتما إلى نورونات الشاعرة لحظة التقاطها عجائب الكون الذي تدور في فلكه.
يمكن لنا إذن تصور وقفتها أمام المرآة كأي امرأة لتجمع شعرها أو بعضا منه بملقط قبل الخروج. لكنها "أضاعته". في هذه اللحظة تعوضه بملقط اللغة، الشِّعر. كان غائبا في لحظة ما. لكن اللغة أسعفتها أمام هذا الغياب المادي، فعوضتها بحضور رمزي. فاسترسلت في شد شعيرات الشِعر. وهكذا أصبح الملقط "أيلا". وصف بلاغي قوي. وهو ما يجر الشاعرة إلى الطبيعة ونجد "البلبل الحاضن فيحملها إلى الهواء فتطير" بعيدا عن "ثقل الأرض الوعرة"وعن أشباح وجهها"... لكن سرعان ما تتوقف عن هذا الحلم مادام" الملقط ضائعا". فتحس بحرج هي الذاهبة إلى الجنة من دونه علما أنها لن تجد المرآة بها" لترتيب تسريحة شعرها". ثم تسترجع واقعها حيث تعرف أن "حراس الصباح لن تعجبهم صورتها" بدون ملقط. ملقط يمتلك "سر دق أجراس الشعر" التي تعلن خروجها تماما كما كانت الأجراس في الحكايات تعلن عن خروج الأميرة رفقة وصيفاتها...
هكذا اخترقنا لحظتها الأنثوية حيث الملقط هو الفاعل الأساسي في هذا السرد الباذخ. سرد همه هو إثارة الإعجاب بلغة تتناسل صورها لنتفاعل معها كمتلقين متذوقين لعبة اللغة الحلوة. أما آكلو المعاني ما عليهم إلا أن يلتفوا حول فكرة ضياع الملقط واعتصارها عساهم يشبعوا نهمهم...


يجرحني الكلام الذي لا أقوله فيك
حين أحبك
بعد المغيب.
كم الأرض أسطورة اللون وقت المغيب
يسقط الحب منها
سلالا
ثقالا
وكم يعتريني الزجاج حين المزاج قصيدة
والكلمات منفى.
.....................
أنِستْ بك المغارب
والقوارب
والطحالب
والعناكب
والمناكب في حقول البرتقال
أنست بك أنظمة الخيال
كتبتك على مجاذفي
وملاحفي
فجرحني الكلام .
كتبت عنك سماء
فاغتالها الطائرون بقصف
كئيب
وإني أحبك بعد المغيب
و لكن شطآن جربة
لم تنته فوقها
مفردات اللهيب.
مازال وصفي كنصفي
انشطار
يحملق في لون شمس بعيدة
يبللها البحر
حين تفرّ إلى نصفها المختفي.
شمس إليه
وشمش عليه
فأجلس ماء بماء
وملحا بملح
أقاوم جرح الكلام
تحت الظلام....
ولا أكتفي.
......................
يراني
.........................
أوليس لم ينتبه
حين فرّ بعشب
ومرّ على حلمها دون سلام.
هنا الحلم
لا يستفيق
الرحيق
طريق
الوعود
في الهبوب العاطفي
الأرجوانيّ
الشقيّ المهيب.
لو يراني الله على حافة هذا البحر
أسرق
الشمس
والماء
سيصلبني.
الماء المالح يلزمني
لأطهّر جرح الكلام يأتي في المغيب
والشمس أيضا تلزمني
لأجفف
جرح الكلام يغادر في المغيب.
يقضم البحارة صوتي
خمورا
فلا يشربونها.
يجف
على جلدهم
يضرب أو يقطع الأرض فلا يعرفونها.
أوليس
شرب حتى اكتفى
نام في "برج الغازي مصطفى"
وحين طفى القارب في المغيب
اقترب
شرب الكلام وذهب.
كان الوصف وصفة
عبرت من هوميروس إلى ناموس هذا القرن العجائبيّ.
كان المغيب الشهيّ.

شعر قديم من عام الفيل المعاصر
بتاريخ مارس 2000
ملاحظة :برج الغازي مصطفى حصن اسباني على سواحل جربة يسميه البعض حصنا عثمانيا
ونسب الاسم للقرصان مصطفى من جماعة برباروس

(منشورة بالفيس بوك)


القصيدة التي تبدو كنواة لملحمة قد تُعنون ب "سونيادا"، تجري أحداثها بجزيرة جربة التي يعتقد بعض المؤرخين أنها الجزيرة التي توقف بها الأمير أوليس أو عوليس، أمير إيثاكا باليونان، عند عودته من الحرب ضد مدينة إليون أو طروادة، والتي تحدث عنها هوميروس في ملحمته الأولى الإليادة. أما الملحمة الثانية فهي الأوديسا والتي تتحدث عن رجوع شخصية اوديسيوس اوليس أو عوليس الذي تاه بالبحر الأبيض المتوسط قبل أن يرجع لإمارته ويلتحق بزوجته بينيلوب. وهكذا توقف بجزيرة اللوتوفاج أي جزيرة سكان يأكلون فاكهة لوتيس والتي تؤدي إلى النسيان. وهي جزيرة جربة التونسية.
قصيدة لها فعلا نفس ملحمي وفضاؤها أيضا يساعد على ذلك حيث القلاع وكل ما قد يُستغل من أجل بناء يشد الأنفاس وبطبيعة الحال كل هذا بفضل خيال واسع لشاعرة تعرف كيف تغرف من مخيالها الماورائي... مادامت "جربة بشطآن لم تنته فوقها مفردات اللهيب"...
مكينة الخيال لدى الشاعرة، تشتغل بالطاقة الشمسية. مكينة لتوليد الصور الكونية. وكأننا امام مفاعل ومعجل "سيرن" تتفاعل بداخله هذه الصور/النص لتصبح بمثابة مصعد فضائي يحملنا إلى ماوراء الشعر... حيث رواق القيامة.
(يتبع)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟


.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا




.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط


.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية




.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس