الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سلام على هيروشيما و نكازاكي

علي فضيل العربي

2023 / 8 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


في الذكرى 78 لدمار هيروشيما و نكازاكي بقنبلتين نوويتين صرّح الأمين العام ( للأمم المتّحدة ) قائلا : " طبول الحرب النوويّة تدّق مرّة أخرى . إن انعدام الثقة و الانقسام يتصاعدان . شبح الحرب النووية الذي كان يلوح في الأفق خلال الحرب الباردة قد ظهر من جديد . و تهدّد بعض الدول ، بشكل متهوّر باستخدام أدوات الإبادة هذه . "
لقد حمل لنا يوم السادس من أوت / أغسطس من عام 1945 م خبرا مفجعا ضرب كل ّ كلّ القيّم الإنسانيّة عرض الحائط . جنون السياسة الأمريكيّة ألقت ( بالولد الصغير ) * على مدينة آمنة ، آهلة بالسكان المسالمين ، فحوّلتها إلى محرقة جهنّمية و مقبرة للعظام ، المحترقة ، المشويّة على نار حاميّة أرسلتها طائرة أمريكيّة باسم ( الولد الصغير ) . و قضى في تلك المحرقة النوويّة - على حين غفلة - أكثر من مائة و أربعين ألفا من أبناء آدم و حواء ، كان أغلبهم يغط في نوم عميق . و منهم من كان غارقا في حلم معسول . و بعده بثلاثة أيام ، و في التاسع من الشهر نفسه ( أي بعد ثلاثة أيام ) و السنة نفسها ألقت طائرة أمريكيّة قنبلة ثانية ( الرجل البدين ) على مدينة نكازاكي فأأودت بحياة أكثر من أربعة و سبعين ألفا من الأبرياء . و لمّا تزل آثارهما الماديّة و النفسيّة شاهدة على فظاعة تلك الجريمة .
و لو قدّر لنا تخيّل حجم تلك المأساة النوويّة و هولها لحظة وقوعها ، و كيف تلقّتها ساكنة هيروشيما و نكازاكي ، لأصابنا الخرس و الجنون المزمن .
وقعت الواقعة الرهيبة ، و ها هي ذكراها هذه السنة تمرّ على العالم في جوّ من التوتّر السياسي و في غمرة الحرب الأوكرانيّة / الروسيّة ، و حروب بينيّة و انقلابات و أزمات غذائيّة و صحيّة في القارة السمراء .
و لأنّ من قام بإلقاء القنبلتين الذريتين على مدينتي هيروشيما و نكازاكي في بلاد الشمس المشرقة ، هي الولايات المتحدة الأمريكيّة ، القوّة العظمى على وجه الأرض - التي هي فوق القانون ، و لا أحد يجرؤ على محاسبتها - فقد مرّت الذكرى الأليمة في صورة عناوين على الصحف و المواقع الالكترونيّة لا غير ، و كأنّ الذكريات التي آلمت البشريّة حتى العظم ، لم يعد يذكرها سوى الموتى ، أو ذهبت ألامها و أحزانها مع الضحايا .
إن الشعوب تستطيع أن تغيّر الحكومات و السياسات إذا ارادت و عزمت . مثلما تغنى بذلك الشابي ، بلبل تونس الخضراء ، رحمه الله : إذا الشعب يوما اراد الحياة .. فلا بد أن يستجيب القدر .
و في خضم الحرب الروسيّة الأوكرانيّة المجنونة عاد الحديث عن إمكانيّة استعمال اللأسلحة النووية لحسم أطوار النصر . و هو حديث ثلّة من المجانين ، هم من سلالة ( الولد الصغير) و ( الرجل البدين ) ، و كأنّ البشريّة المعاصرة لا تقرأ التاريخ ، أو لا تفهم ما تقرأه من صفحات التاريخ . و لم تتعظ ممّا حدث في شهر أوت عام 1945 م في هيروشيما و نكازاكي . إن العمى السياسي أشد فتكا على البشر من العمى البيولوجي . و إنّ الشعوب التي سلّمت مقاليد مصيرها إلى سلالة من السياسيين الرعن ، الحمقى ، المغامرين ، المتهوّرين ، تشبه جماعة سلّمت دفّة سفينتها في محيط هائج إلى ربّان أعمى ، أصمّ ، أبكم .
و من مصلحة الشعوب ، بل و من واجبها ، و من أحكم الحكم ، أن تنتفض ضدّ انتشار الأسلحة النووية التي تهدّد كوكبنا الأرضي بالدمار و الخراب و الفناء . و تتّخذ هذه الذكرى الأليمة محطّة للتغيير . إنّ المطالبة بإزالة الترسانة النوويّة و البيولوجيّة و الكيماويّة ، أهم من المطالبة بالديمقراطيّة ، بل أولى من الحريّة . أليس السلم و المحافظة على الحق في الحياة من أولويات حقوق الإنسان .
لقد انتفضت شعوب الأرض في جميع قارات العالم ، منذ القدم ضدّ الديكتاتوريّة و الاستبداد و الظلم و العبوديّة و الاحتلال ، فلماذا هي عاجزة اليوم عن الانتفاض ضد الأسلحة النوويّة المدّمرة للبشر و الحيوان و البيئة و للحياة كلّها . إنّ مصير الشعوب بين يديها ، و ليس بين أيدي أفراد من هواة السياسة و محترفيها تحت مسمّى الشرعيّة الدستوريّة وأليات سلطويّة للدولة المعاصرة ، كـ : الانتخابات( الحرّة ) أو المزيّفة أو الانقلابات العسكريّة .
كان من المفروض ، و قد وقعت الواقعة منذ 78 سنة ، و ألقي( الولد الصغير ) و ( الرجل البدين ) على رؤوس الأبرياء في هيروشيما و نكازاكي ، أن يرسّم ( مجلس الأمن ) الذي مقّره في الدولة المعتديّة ( الولايات المتّحدة الأمريكيّة ) شهر أوت من كلّ سنة ، كشهر لمناهضة إنتاج الأسلحة النوويّة و انتشارها ، و ذلك بإقامة تظاهرات و مظاهرات و محاضرات في الساحات و الشوارع و الجامعات و المخيّمات و النوادي و الملاعب الرياضيّة ، وتصميم شعار مثل : ( لا للأسلحة النوويّة ) أو ( أوقفوا إنتاج الأسلحة النوويّة ) أو ( دمّروا الأسلحة النوويّة ) ، و يوضع – هذا الشعار - على جميع أقمصة الرياضيين ، في مختلف الرياضات الجماعيّة و الفرديّة ، و يوضع كملصقات على جدران المدن و البلدات و على وسائل النقل المختلفة . إنّنا في حاجة – اليوم ، لا إذا ، و قبل وقوع الكارثة العظمى – إلى المرور من مربّع الكلام إلى مربّع الفعل .
و السؤال المحيّر ، فعلا ، هل توارثت الدوّل النوويّة الغباء عن أسلافها ؟ لمن تُنتج هذه الترسانة النوويّة ؟ ليخبرنا عقلاء القوم عن نوع هذا العدو الأرضي أو الكوني و حجمه ، و الذي تخشى منه البشريّة ؟
إنّها فوبيا الوهم و الغرور التي انتابت هذا الإنسان الغربي المعاصر عندما فقد صلته بالسماء ، و رمى القيّم الروحيّة وراء ظهره .
لقد صرّح رئيس الوزؤاء الياباني ( ابن الدولة الضحيّة ) فوميو كيشيدا بمناسبة إحياء الذكرى الأليمة ، قائلا : " إنّ الطريق إلى نزع السلاح النووي أصبح أكثر خطورة بسبب الانقسامات الدوليّة العميقة و التهديدات النووية من قبل روسيا " و أضاف : " من الضروري إعادة تنشيط الزخم الدولي نحو عالم خال من الأسلحة النووية مرّة أخرى " .
و مهما قيل عن مظاهر الخوف و القلق و الرعب التي صار يعيشها الإنسان من جرّاء انتشار الأسلحة النوويّة بين أيدي الأقوياء من العقلاء و المجانين ، فإنّ الخطر الفعليّ المحدق ، و التوجّس من وقوعه حقيقة لا شكّ فيها .
و لا ندري ماذا يخبيء لنا المستقبل ؟ و كم نخشى أن نستيقظ يوما ما ، على فجر جهنّمي ، و قد انبلجت ظلمته بفعل لهيب قنابله الذريّة ، لا بنور شمس الصباح المشرقة و نسائم الفجر العليلة و زقزقة العصافير و هديل الحمائم البيضاء .
يا شعوب العالم ، في الغرب و الشرق ، انتفضي ضدّ حفّاري القبور ، فإنّ وجودك السلمي مهدّد ، و هو بين يدي ( ولد صغير آخر ) لا عقل له أو( رجل بدين ) لا قلب له .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة تقتحم جامعة كولومبيا لتفريق المحتجين| الأخبار


.. مؤشرات على اقتراب قيام الجيش الإسرائيلي بعملية برية في رفح




.. واشنطن تتهم الجيش الروسي باستخدام -سلاح كيميائي- ضد القوات ا


.. واشنطن.. روسيا استخدمت -سلاحا كيميائيا- ضد القوات الأوكرانية




.. بعد نحو 7 أشهر من الحرب.. ماذا يحدث في غزة؟| #الظهيرة