الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أنت شو قدمت للوطن !

حسن عطا الرضيع
باحث في الشأن الاقتصادي وكاتب محتوى نقدي ساخر

(Hasan Atta Al Radee)

2023 / 8 / 11
الفساد الإداري والمالي


من الأسئلة العالقة في ذاكرة المشاهد العربي لسلسلة مرايا للفنان السوري القدير ياسر العظمة لوحة " محكمة في حب الوطن" : أنت شو قدمت للوطن مقابل الذي قدمه رسمي بيك !
فشخصية رسمي بيك هي مثال حي للمسؤول العربي المُتخم والذي ينخر جسده الفساد حذاء تكدس ثروته المادية دون بذل جهد أو تقديم خدمات عامة تتناسب مع حجم هذه الثروة، رسمي بيك شخصية قاتمة لمسؤول في دولة نامية قد أكل الأخضر واليابس، وحول الدولة إلى ما يشبه حاكورة أو بيارة خاصة به، يبطش هنا ويسرق هنا ويستخدم الضوء الأخضر ويمارس عربداته باسم الدين تارة والوطنية تارة أخرى دون حسيب أو رقيب، فهو يمتلك سلطة تنفيذية تتحكم في القضاء والتشريع، كما أنه وبُحكم قبضته الأمنية ونفوذه المتزايد فإنه يعمل في التجارة يُزاحم أصحاب الفعاليات الاقتصادية، ويُشاركهم في قوت عيشهم ويتقاسم معهم الأرباح رغم أنه لا يُعتبر شريكاً أو مضارباً في رأس المال، لكن يستغل سطوته وعصاه الغليظة للحصول على المزيد من المكاسب المالية.
لا شك أن المسؤول المُتخم والذي تُعتبر انجازاته في التنمية والتحرر من ثقافة الاستهلاك غير المنتج تُعتبر هامشية لا تّذكر مع تنامي الأزمات المعيشية والاقتصادية، حيث أن التجربة التاريخية وحركة التاريخ تشير بأن وراء كل أزمة ركود أو كساد اقتصادي ليس ندرة للموارد أو الافتقار للثروات الطبيعية بقدر ما هي بسبب الفساد وهدر المال العام وانسيابه تدفقاً لخزينة المسؤول والذي غالباً ما يبتعد عن استثماره في البلد التي مكنته من امتلاك الملايين من الدولارات خاوةً وباستخدام سلطة الحديد والنار، تلك الأموال تسافر إلى بلاد تمتلك بنوكاً سرية يتم المقامرة فيها في أسواق المال وحانات المال ، فهذا المسؤول طفيلي وما صادره من أموال من قوت الفقراء والمعتاشون يعتبر كالزبد يذهب جفاءً، فنسبة كبيرة منه يذوب كما تذوب الحلوى الهشة مع تفجر أية من الأزمات المالية والاقتصادي في عالم أضحى أسيراً للوهم الذي يزيد حجمه عن عشرة أضعاف حجم ما يُنتجه الناس وقوى الإنتاج من سلع وخدمات .
من الخطيئة أن يسأل المسؤول المُتخم والمتنعم بخيرات البلاد التالي ذكرهم: ( فقير ، عامل كادح بأجرة دون حد الكفاف ، مزارع، عاطل عن العمل، مريض لا يجد العلاج، طالب عاجز عن إكمال مسيرته الدراسية، ذوي احتياجات خاصة بلا رعاية، أيتام بلا سند، نساء بلا حماية، عابر سبيل ، مشرد في الطرقات، مديون أثقلته الديون) أنت شو قدمت للوطن ؟
سارق يسأل من سرقهم : أنت شو قدمت للوطن ؟
السؤال الذي يجب أن يُطرح ماذا قَدم المسؤول للوطن سوى مزيداً من الدمار والخراب والظلم وهذه الأمور يراها المسؤول بأنها تافهة لا قيمة لها مقابل جهود المسؤولين في حماية الجبهة الداخلية وكبح جماح الدب قبل أن يفوت الكرم .
فالأجدر أن يتغير طرفي الحديث، فالأصل أن يُسأل المسؤول عن إخفاقاته في الحُكم وعن مصدر ثرواته ، فهناك سؤال بريء يجب أن يُسأل : من أين لك هذا ؟
فمن سُرق منه بعضاً من رغيف الخبز وبعضاً من حصته في العلاج والتعليم والرفاه فهو من يحق له مسائلة السارق وليس العكس، فالسارق يحميه القانون والسلطة والقضاء، فمن اليسر عليه أن يُقزم المشكلة الاقتصادية ويحد من أية تساؤلات تدور في عقل السائلين لجهة أن هناك مؤامرة كونية تعصف بالنموذج الأفلاطوني المثالي في الحُكم ، فالحاكم المثالي أصدر لنا مقولة تقول : لا يُفتي أهل الدثور لأهل الثغور ولا شأن لربات الحِجال بمعارك الرجال.
أنت شو قدمت للوطن ؟
يُمكن أن تكون الإجابة على النحو الآتي :
عاطل عن العمل : درس في الجامعة مرحلتي الدبلوم والبكالوريوس، تخرج ولم يحصل على فرصة عمل، قدم للوطن الكثير، لم يسب أو يخون الوطن، يحاول جاهداً البحث عن فرصة عمل ، أمانيه فرصة بسيطة بفتات الأجور، لا يُهم ، فالمهم لديه فرصة عمل حيث تنبع فلسفته في الحياة من القول المأثور : من لا يعمل لا يُحترم .
حملة دراسات عليا عاطلون عن العمل: قدم عمره للوطن، تعب ودفع الكثير من المال، ولا يزال لديه أمل بغد أفضل، منهم من صمد في البلد ومنهم هاجر للنجاة من جحيم الفقر وقلة الحيلة وللعلاج المبكر من أية أمراض قد يُصاب بها مصدرها الإحباط واليأس.
مرضى لا يجدون الدواء : قدموا للوطن الكثير، توجعوا وعانوا من الداء ولم يجدوا الدواء، لا يشتكون ، طلباتهم بسيطة لا يحتاجون رأس كليب بل بعضاً من الدواء المدعوم .
طلاب عاجزون عن دفع رسوم التعلم : شباب في عمر الزهور، في بدايات حياتهم العلمية، درسوا بأقل الإمكانيات المتاحة، تفوقوا واصطدموا بواقع صعب، لا يوجد مالاً يكفي لرسوم الجامعات، صبروا، نزلوا إلى الأسواق والمزارع للبحث عن عمل لساعات طويلة مقابل الحصول على أجرة تُدفع مجتمعة لفصل دراسي، ضحوا لأجل الوطن.
الجميع قدم للوطن بدون مقابل، فتجاراتهم هنا ليست خاسرة كما هو الحال عند التاجر الذي يدفع دولار واحد للحصول على دولار أخر.
ما أجمل هذه البلاد وما أصعب غربتها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -أمام إسرائيل خياران.. إما رفح أو الرياض- | #مراسلو_سكاي


.. استمرار الاعتصامات في جامعات أميركية.. وبايدن ينتقد الاحتجاج




.. الغارديان: داعمو إسرائيل في الغرب من ساسة وصحفيين يسهمون بنش


.. البحرين تؤكد تصنيف -سرايا الأشتر- كيانا إرهابيا




.. 6 شهداء بينهم أطفال بغارة إسرائيلية على حي الزهور شمال مدينة