الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البحر في ديوان -أوراد تدخّن أورادها- خليل إبراهيم حسونة

رائد الحواري

2023 / 8 / 11
الادب والفن


كلنا يعلم أن قلة من الكتاب تناولوا البحر وأشهرهم "حنا مينه" وفلسطينيا تم تناول البحر في كونه يمثل حلم الفلسطيني الذي يستعيد به أمجاد يافا وحيفا وعكا، ورغم أن تناول البحر كان يأتي مقرونا بالأرض، بحر يافا، بحر عكا، إلا أنه مكانة البحر استمرت حاضرة في الذاكرة الفلسطينية، ويمكن أن نجد ذلك في رواية "فوانيس المخيم" لسليم النفار، حيث تحدث عن بحر غزة وبحر اللاذقية.
هذا على مستوى الرواية أما فيما يخص الشعر فقد تجاوز الرواية وكتب عنه العديد من الشعراء الذين تناولوه على أنه مبتلع للناس، مكان للموت، وهذه الصورة انتشرت بصورة أوسع بعد الخراب العربي "خليل إبراهيم حسونة" من الذين تناولوا البحر في قصيدة "يجمع أنفاسه البحر..!!" من خلال اثنتي عشر مقاطعا، قدمت بصورة مكثفة ومختزلة، سنتوقف قليلا عند بعض هذه المقاطع لنرى كيف جاء شكل البحر عن الشاعر:
"البحر يأخذني إليه
كلما جد جده ..
واصطّفت رشاقة حماقة ليل تّوهج
في صدره ..
نجم لم يزل عالقاً في خبء غمده ..
كعقد فريد تجلّى .. وهام في سياق
الموج ..
وظل يحتقن .. "
نلاحظ أن الألفاظ البيضاء تخدم الصورة البهية: "البحر، يأخذني، جد، جده، واصطّفت، رشاقة، تّوهج، صدره، نجم، خبء، غمده، كعقد، فريد، تجلّى، الموج" اللافت في هذا المقطع تكامل المعنى/ المضمون مع الألفاظ المستخدمة، فشكل "جد جده" يوحي للقارئ أن هناك تناسق/تماثل في الموضوع/ الشيء المُتحدث عنه، وهذا يأخذنا إلى سطح البحر وما فيه من تناسق، وأيضا يأخذنا إلى الموج وما فيه من تتابع وتكرار.
إذن الشاعر أوصل فكرته الجميلة عن البحر من خلال المعنى ومن خلال الألفاظ التي نجدها تحمل معنى أبيض وتُنطق/ تُلفظ بطريقة ناعمة، فغالبيتها جاءت مكونة من أربعة حروف أو أقل.
وفي مقطع آخر نجد التناسق بين المضمون والألفاظ:
" هو البحر ..
يفرك أذان أسماكه ..،
ومحارات لم تزل تعشوشب
همهات شذاها تنوء بأحمالها ..
فيصفق البحر لزبد أمواج ..
تعانق بطون أقدام
عاريه ..!"
نلاحظ وجود ألفاظ كبيرة: "محارات، تعشوشب، بأحمالها" على النقيض من المقطع الأول، وهذا يعود إلى أن المقطع متعلق بأعماق البحر/ "أسماكه" وليس بسطحه، ورغم هذا، إلا أن الشاعر استمر محافظا على رؤيته المتناسقة للبحر من خلال "تعشوشب، همهات" حيث يتكرر حرفي الشين والهاء فيهما، فبدا وكأنهما يعكسان حركة موج البحر.
ويتحدث الشاعر عن البحر كونه محطة من محطات النضال الفلسطيني، يقول في قصيدة "بحمله يلهث كل ورد":
"أغنية شوق يبوح شذاها
ملفعة بقسم ..
تنبئني بصفير الريح ..
والحصى أملوحة اثر أملوحة تقاربني
طارت فتون أمواجها على خد الرمال ..
وظلت عيون " دلال" ..
تياّهة الابتهال ..
يرفع جنون هواها علم ..
يصفع هذا الورم .."
اللافت في هذا المقطع تركز الشاعر على الأنثى: "أغنية، شذاها، ملفعة، تنبئني، أملوحة (مكررة) تقاربني، طارت، أمواجها، دلال، هواها" وهذا ما جعل القارئ يشعر أن هناك أنثى حتى قبل ذكرها، كما أن وجود البياض في: "أغنية، شوق، يبوح، شذاها، تنبئني، تقاربني، طارت، خد، عيون، الابتهال، هواها، علم" خدم فكرة الأنثى/ المرأة .
ومن خلال فاتحة القطع نصل إلى اهتمام الشاعر بالإنسان/ "دلال" أكثر من المكان وأكثر من الحدث نفسه اللذين نجدهما في: "بصفير الريح، الحصة أملوحة، طارت أمواجها، يرفع علم، يصفع الورم" وهذا يأخذنا إلى السواد/ القسوة/ الشدة التي اقرنها الشاعر بالعدو الذكر: "بصفير، يصفع، الورم"
وعن انطلاقة الثورة الفلسطينية وإحياء الحلم الفلسطيني يقول في قصيدة "فجر يذرف دموع صحوه ويغفو..!":
"طلع من "عيلبون"
هذا الذي لم تزل تترى أفراح
شطآنه على صباح طازج يتغنى انبثاق
نجمة فارغة..
وامرأة ضارعة..
جدلت أشواقها على جسد نأى
يجلجل: عائدون"
عملية "عيلبون" تعد تحول في مسار حركة الشعب الفلسطيني، فبعدها ليس كما قبلها، فهي من فتح آفاق الوطن أمام المشردين ليتقدموا منه، لهذا نجد الشاعر يتحدث عن الفرح الكامن في ألفاظ: "طالع، أفراح، شطآنه، صباح، طازج، يتغنى، انبثاق، نجمة، فارعة، امرأة، ضارعة، أشواقها، يجلجل، عائدون" فالألفاظ البيضاء تعكس حالة الأمل بالتقدم من الوطن.
ونلاحظ أن البداية جاءت متعلقة بصيغة المذكر/رجل: "طالع، الذي، شطآنه، صباح، طازج، يتغنى" بعدها هذا البهاء/الفرح تأتي الأنثى لتشاركه أفراحه: "نجمة، فارعة، امرأة، ضارعة، جدلت، أشواقها" ونجد أن حضور المرأة تم بعد تهيئة ظرف مناسب يليق بها، وقد كان حضورها بهيا على مستوى المضمون وعلى مستوى الألفاظ: "يجلجل: عائدون" نلاحظ أن لفظ "جلجل" الذي يتكرر فيه حرفي الجيم واللام يحمل الغنائية من خلال تكرار الحرفين، ومن خلال الشكل المتناسق والترتيب الذي ظهر فيه، وهذا يأخذنا إلى أهمية النظام والترتيب ليتحقق الحلم: "عائدون".
وعن إضاعة الحلم وفقدانه يقول في قصيدة "بحر غويط هو الحب":
"لم يزل "جلجامش" يعوذ بالتين والزيتون
وأحوال البلاد ..
يرتديها الرذاذ المقدس ..
بزاقورة نافرة .. يرشف سر الخلود ..
"أنكيدو" يقرع نواقيس " أور" ..
والعنّود تُطلق تراتيل النهود..
في الزمن المُستعاد ..
فتأتي مبتورة الأوراد.."
جلجامش قام بمغامرة طويلة وشاقة وصعبة وخطرة، ليحصل على عشبة الخلود، وأثناء عودته إلى مدينته "أوراك" تأتي الأفعى وتأكل العشبة، فتحظى بحياة متجددة بينما من اجتهد وواجهة الصعاب والأخطار يرجع بخفي حنين، وهذا ما جعله ينب حظه "لمن جنت يداك يا جلجامش، لأفعى الأرض!!" استحضار أهم ملحمة فكرية في الديوان يأتي ضمن حالة الفقد/التيه الذي يمر به الفلسطيني بعد أن أكل أوسلو الأخضر واليابس مما تبقى من (عشبة الخلود) وما خاتمة المقطع "مبتورة الأوراد" إلا تأكيدا على ما آلت إليه أحوال الفلسطيني.
هذا على صعيد مضمون المقطع، أما على مستوى الألفاظ فالشاعر أخذنا إلى عصر جلجامش لهذا نجده يستخدم "جلجامش، المقدس، بزاقورة، الخلود، أنكيدو، أور" نلاحظ أن هناك ألفاظ متعلقة بأشخاص وأخرى متعلقة بالمكان، وغيرها متعلقة بالمفاهيم.
أما على مستوى توظيف الشكل الملحمي في خدمة المضمون، فنجد الخطر المحدق بنا من خلال "يتعوذ بالتين والزيتون، الرذاذ، المقدس" فالشاعر يربط ما هو تراثي قديم/جلجامش مع ما هو معاصر "التين والزيتون" وبما أنهما مأخوذين من كتب، من الملحمة والقرآن الكريم فإن هذا يعد تأكيد/ترسيخ لما يحمله المقطع من مضامين وأفكار، فهو يعتمد على نصوص تراثية ومقدسة لهذا يجب عدم (الشك) فيها.
يؤكد الشاعر أهمية/قدسية/حقيقة ما يطرحه من خلال فاتحة المقطع التي نجدها مرتبة ومتناسقة:
"لم يزل "جلجامش" يعوذ بالتين والزيتون
وأحوال البلاد ..
يرتديها الرذاذ المقدس ..
بزاقورة نافرة"
نلاحظ التناسق في لفظي "جلجامش، الرذاذ" حيث يتكرر حرف الجيم والذال، وهناك تناسق في "التين والزيتون" التي تتشارك بحرف التاء وتنتهي بالنون، وبما أنها مستخدمة في القرآن الكريم فإن هذا يعطيها أبعاد جمالية/ مقدسة وهذا ما يجعل شكل/ طريقة تقديم الفكرة تبدو وكأنها (مقدسية) لا يمكن نقدها/تفنيدها.
وبما أن لأي شخص/فكرة/حدث من موجود مكان فكانت "بزقورة نافرة" التي تأخذنا إلى حضارة السومريين والإثر الأهم الذي تركوه في أور" زقورة أور" وبما أنها مكان للعبادة، فهذا يعد تأكيد (لقدسية/لأهمية) ما جاء في المقطع.
إضاعة الحلم الفلسطيني سبقه مجموعة مقدمات، آخرها ما جرى في سورية وتحديدا في مخيم اليرموك، يقول في قصيدة "اليرموك مرة أخرى":
"صوت البوح يأخذني على مضض ..،
فألم ذاكرتي ، وأدحوها كرغيف خارج من صهد أتونه
مجللاً بجراح تصير غامقة ترتوي بفجر طالع ليكون
جمراً ،
وقارب شوق خارجاً من سُرّة الأرض
يقرأ سفر الجنون .."
نلاحظ أن السواد حاضر في الفكرة وفي الألفاظ: "مضض، صهد، أتونه، بجراح، غامقة، جمرا، الجنون" وهذا ينسجم مع عنوان القصيدة الذي يأخُذنا إلى ما حل في اليرموك من خرابا وتهجيرا ودمار، وهذا ليس بجديد، لكن اللافت في المقطع أن الشاعر يعيدنا إلى المربع الأول، مرابع الجوع بمعناه العادي "الرغيف" وكأنه يريد أن يشير إلى المعاناة (الجسدية) التي يمر بها المهاجر، إضافة إلى المعناة النفسية وما يلازم الهجرة من عذاب وألم، من هنا تم استخدام الصورة الشعرية:
"ترتوي بفجر طالع ليكون
جمراً ،
وقارب شوق خارجاً من سُرّة الأرض
يقرأ سفر الجنون .."
نلاحظ أن الألم يُقدم بلغة استثنائية، وكأن الشاعر يعي أنه يتناول أحداثا صعبة ومؤلمة، فأراد ـ قدر الإمكان ـ التخفيف على المتلقي من خلال الصورة الشعرية، وإذا ما توقفنا عند "سفر الجنون" سنجد أن هناك استمرارية (مقدسة/مقدرة) كتبت على سكان المخيم..
وعن الحب يقول في قصيدة "تموز عشقه يعوي":
"الذاهبون إلى القصيدة
من واد لواد
تطير أحلامهم صوب سدرة المنتهى
أشواقهم تصير سوسنة.. واقفة تظل
بين قلب .. ونهى
تتأمل الأوراد"
إذا ما توقفنا عند هذا المقطع سنجد بياض الفكرة وبياض الألفاظ: "القصيدة، تطير، أحلامهم، سدرة المنتهى، أشواقهم، سوسنة، قلب، تتأمل" وهذا ما يجعله مطلق البياض حيث تجتمع الفكرة والألفاظ معا لخدمة المضمون.
ونلاحظ التناسب في فعل الذهاب إلى القصيدة التي يجب أن تكون متناسقة ومرتبة من خلال "واد لواد، سوسنة" حيث يتكرر حرف الدال والسين، وهذا يعد إشارة إلى التناسق والتناغم في القصيدة، كما أن وجود لفظي مقرونين معا: "سدرة المنتهى، واقفة تظل، تتأمل الأوردة، أكد فكرة التواصل والتكامل في الألفاظ وفي القصيدة.
وبما أن الحب يكون بالتلاقي بين ذكر وأنثى، فقد تناولت القصيدة هذا الأمر من خلال:
" تطير أحلامهم صوب سدرة المنتهى
أشواقهم تصير سوسنة.. واقفة تظل
بين قلب .. ونهى"
فالمذكر في ألفاظ "أحلامهم، أشواقهم، قلب" تذهب وتلتقي مع المؤنث: "سدرة المنتهى، سوسنة، نهى" وهذا ما يجعل طريقة تقديم الحب في القصيدة جميلة وناعمة، وتُوصل فكرة حقيقة هذا الحب وواقعيته، وما تكامله باللقاء بين المذكر والمؤنث، إلا تأكيدا على ذلك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دينا الشربيني: السينما دلوقتي مش بتكتب للنساء.. بيكون عندنا


.. كلمة أخيرة - سلمى أبو ضيف ومنى زكي.. شوف دينا الشربيني بتحب




.. طنجة المغربية تحتضن اليوم العالمي لموسيقى الجاز


.. فرح يوسف مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير خرج بشكل عالمى وقدم




.. أول حكم ضد ترمب بقضية الممثلة الإباحية بالمحكمة الجنائية في