الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-شارع الأناناس- للأمريكية جيني جاكسون، هل هي رواية طليعية؟

حكمت الحاج

2023 / 8 / 11
الادب والفن


هذه رواية ممتعة عن الحب والعائلة والطبقة. تتابع "شارع الأناناس" حياة ثلاث نساء في أسرة عريقة في بروكلين هايتس: امرأة ولدت بالمال، وأخرى تزوجت منه، وأخرى تريد التبرع بكل شيء لديها.
دارلي، الإبنة الكبرى في عائلة ستوكتون التي تتمتع بصلات جيدة وحراسة مشددة، لم يكن عليها أبدًا أن تقلق بشأن المال. لقد اتبعت قلبها، واستبدلت بوظيفتها وميراثها من أجل الأمومة، وضحت بنفسها أكثر مما كان مطلوبا منها. ساشا، أخت زوج دارلي الجديدة، أتت من أصول أكثر تواضعًا، مما جعل الجميع قلقين بشأن نواياها. وجورجيانا، آخر عنقود العائلة، تقع في حب شخص لا تستطيع (ولا ينبغي لها) أن تحبه، وعليها أن تواجه ذاتها التي تريد أن تكونها.
تم سرد الرواية من خلال ملذات الحياة التي يتمتع بها واحد في المائة فقط من سكان نيويورك، وهي رواية ذكية تتهرب من مجابهة الواقع وانتقاده المباشر لتتألق بالذكاء التلميحي، مليئة بالشخصيات المفهومة التي يمكن التعرف عليها بسهولة والمحبوبة أيضًا -إذا كانت بدون خطايا-. إنها تدور حول عدم القدرة على التقرب من الغرباء، وتلك الأميال الشاسعة بين من يملكون والذين لا يملكون، وجنون الحب من النظرة الأولى، وكل ذلك ملفوف في شكل قصة هي قطعة من المتعة الخالصة.
"شارع الأناناس"، من تأليف الروائية الشابة جيني جاكسون، التي تشغل منصب نائبة الرئيس والمحررة التنفيذية في مؤسسة النشر الشهيرة "ألفريد كنوبف". تخرجت جيني في جامعة كولومبيا، وتعيش في بروكلين هايتس مع عائلتها. و"شارع الأناناس" هي روايتها الأولى الصادرة هذا العام عن دار بنغوين للنشر، رواية آسرة تدفع حدود السرد القصصي التقليدي إلى أقصى مديات التجريب. وبأسلوبها السردي الفريد، والعناصر التجريبية المتخللة في نسيج السرد الذكي الجذاب، يمكن اعتبارها عملًا أدبيًا طليعيًا.
تأخذ الرواية القراء في رحلة عبر حياة متساكني "شارع الأناناس"، الحي الذي يبدو عاديًا لكنه يخفي عددًا كبيرًا من الأسرار والخفايا. يتحدى أسلوب كتابة جيني جاكسون المعايير التقليدية، حيث تشتغل في خلفية المشهد تقنيات غير تقليدية مثل الروايات الجزئية المتفرعة، وأسلوب القص غير الخطي أو غير المتتابع زمنيا، والاستعمال المرهف لتقنية تيار الوعي، مما يذكرنا بجيمس جويس في روايته الشهيرة "يوليسيس".
من خلال هذه التقنيات المبتكرة، تستكشف رواية "شارع الأناناس" Pineapple Street موضوعات الهوية والذاكرة وتعقيدات العلاقات الإنسانية. وتتعمق الرواية في بواطن عقول الشخصيات، وتعمل على طمس الحدود الوهمية الفاصلة بين الواقع والخيال. ويضيف استخدام جيني جاكسون للصور الحية واللغة الشعرية ميزة إضافية وطبقة من العمق في السرد، مما يخلق تجربة قراءة غامرة حقًا.
"شارع الأناناس" ليست رواية تقليدية. إنها تتحدى ما بعد الحداثة، وتتبنى النزعة الطليعية، وتدفع حدود ما يمكن أن يحققه الأدب. إن أسلوب جيني جاكسون الجريء والتجريبي جعل هذه الرواية من الكتب التي يجب قراءتها لمن يبحثون عن قصة فريدة ومثيرة للفكر.
وبرأيي، فإن أحد الجوانب الأكثر لفتًا للانتباه في "شارع الأناناس" هو كون السرد غير خطي في بنائه، حيث تنسج المؤلفة ببراعةٍ الماضي والحاضر معًا، ليخلق صورة نسيج من الذكريات والتجارب التي تشكل حياة الشخصيات. هذا النهج غير التقليدي لسرد الحكايا يعكس تعقيدات الإنسان
والذاكرة، حيث تتصارع الشخصيات مع ماضيها وتأثير ذلك في حاضرها ومستقبلها.
كذلك يضيف تكنيك "تيار الوعي" المستخدم في معظم ثنايا الرواية بُعدا آخر للتلقي الفعال، ويضفي غلالة من العمق للسرد، إذ يتم إعطاء القراء لمحة عن باطن وأفكار ومشاعر كل شخصية على حدة، مما يسمح بمزيد من الحميمية.
علاوة على كل ذلك، تتحدى "شارع الأناناس" المعايير والتوقعات المجتمعية، وتذهب عميقا في استكشاف موضوعات الهوية وسيولة الذات. ولا تقتصر الشخصيات فيها على التسميات أو الأدوار التقليدية المناطة بها داخل الخطاب الروائي، بل إنها موجودة في حالة تطور مستمر. إن الروائية الأمريكية جيني جاكسون توسع من خلال تناولها هذه الموضوعات، حدود ما يعتبر مقبولًا في الأدب، مما يزيد من ترسيخ روايتها الاولى "شارع الأناناس" كعمل طليعي.
أخيرًا، آمل أن تترجم هذه الرواية المهمة إلى لغتنا العربية، ليطلع عليها القارئ العربي النهم إلى كل ما هو جديد في عالم الرواية العالمية.

/ شيء من العتبات (لهواة نقد العتبات!)
• لاقت رواية "شارع الأناناس" للكاتبة الأمريكية جيني جاكسون اهتمامًا كبيرًا منذ إصدارها في العالم الإنگلوسكسوني، مطلع هذا العام. ومع ذلك، هناك جانب واحد ترك القراء في حيرة، وهو تصميم الغطاء الواقي للغبار (الجاكيت) للغلاف المقوى للطبعة البريطانية الفاخرة التي اصدرتها دار بنغوين، والذي صممته الفنانة "سيارا أليوت". يتميز الغلاف بشكل بارز بصورة لنصف برتقالة محتفظة بقشر نصف البرتقالة الآخر (انظر الصورة المرفقة بهذا المقال)، والتي يبدو أنها غير مرتبطة بالعنوان أو بمحتوى الكتاب. هذا الاختيار أثار الفضول وأثار الأسئلة بين القراء حول الرمزية وراء هذه الصورة التي تبدو عشوائية، لكن يمكن النظر إليهامن زاوية ما على أنها فتاة ترقص بجذل. هذا مع العلم ان رسمة مصغرة لثمرة أناناس بالأسود والأبيض استعملت كفاصل بين الفقرات على طول الرواية بعدد صفحاتها البالغ 304 صفحات من القطع الكبير.
• نُشرت الرواية لأول مرة في الولايات المتحدة الأمريكية عام 2023 بواسطة دار فايكنغ للنشر. ونُشرت لأول مرة في المملكة المتحدة عام 2023 بواسطة هاتشينسون هاينمان للنشر، وكلا الدارين جزء من مجموعة شركات بنغوين راندوم هاوس العملاقة.
• تتكون الرواية من مقدمة وخاتمة وإهداء واقتباسين وصفحة تنويه وشكر.
• أهدت المؤلفة روايتها إلى: توري.
• الاقتباس الأول مستل من مقال "الأطفال الأغنياء الذين يريدون هدم الرأسمالية" بقلم زوي بيري، نيويورك تايمز (2020)، "سيكون جيل الألفية هو المستفيد الأكبر من تحول الأصول في التاريخ الأمريكي حيث ستصبح عشرات تريليونات الدولارات بين ايدي أجيال العقد القادم فقط".
• الاقتباس الثاني "أعيش في بروكلين باختياري"، وهو مستل من "مرتفعات بروكلين" بقلم الروائي الأمريكي الأشهر "ترومان كابوت"، المنشور في مجلة هوليداي (1959).
• صورة المؤلفة على الغلاف الداخلي الخلفي للغطاء الواقي من الغبار © بعدسة سارة شاتز.

* ينشر هذا المقال بالشراكة مع مجلة "كناية" الرقمية المستقلة، وموقع "الحوار المتمدن". كل حقوق النشر محفوظة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا