الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المغرب : الدولة المخزنية والقمع .

سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)

2023 / 8 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


" تفكيك وتحليل الدولة المخزنية "
1 --- المخزن ، الاستعمار والقمع .
طوال عدة قرون ، والنظام المخزني ، يمارس سياسة قمعية ومنهجية ، من أجل الحفاظ على أسس حكمه وتوطديها . وقد كان خصومه ، في اغلب الحالات ، يعدمون بعد لجمهم واضعافهم . وإذا نجوا من الإعدام ، فذلك من اجل المتاجرة بحياتهم على المستوى السياسي ، و " قلبهم " بهدف جعلهم أدوات لمخططاته .
لقد كان الإعدام اذن هو القاعدة ، من حيث كونه وسيلة ردع متقدمة ضد الخصوم . على ان هناك حالة استثنائية ، كان القصر وخدامه يلجؤون فيها الى اختطاف اعيان وممثلي القبائل ، وذلك عندما ترفض هذه الأخيرة تسديد الضرائب ، والتنازل عن المحصول .
فقد كان هؤلاء الاعيان يؤخذون كرهائن ، حتى يؤدي الثوار ( العصاة ) الضرائب المفروضة . وفي حالة الرفض ، يتم اعدام الرهائن ، وتنظيم حملات عسكرية ، لنهب وذبح القبائل التي يمثلونها . وهكذا كان مقابل الضريبة ، هو الاختطاف ( الذي تعرضت له مرتين من قبل البوليس السياسي DGST ، المرة الثانية كانت بالأمس ) ، او الفدية او الموت .
لقد كان النظام المخزني يعتبر ان الحرب الظافرة ، هي التي تنتهي إمّا باستعباد الخصم ، او موته . وبما ان الاستعباد ، هو شكل من اشكال الموت ، فان الحرب المنتصرة ، كانت تؤدي الى إبادة وسائل الخصم العسكرية ، والسياسية ، والنفسية الأهم ، والاستحواذ على موارده ، وامكانياته الاقتصادية . وهكذا ، فان ايّ شكل آخر من اشكال القمع ، ومن بينها الاختطافات ، كاقتصاد وتسيير للقمع ، لم يكن الاّ بديلا ثانويا جدا .
ويمكن القول ، ان الشعب المغربي قد تعرض لهذا الشكل من الحرب على يد القصر المخزني ، الى حدود الغزو الاستعماري للمغرب .
بما ان دعامة الاستعمار والامبريالية هما الربح والاستحواذ على الموارد ، فان اقتصادهما السياسي للحرب العدوانية ، كان ولا يزال يثبت قدميه على اقتصاد صارم للوسائل المادية ، مع العمل في نفس الوقت بأشكال جديدة من الحرب ، التي ينبغي ان تؤدي باقل كلفة ، الى استسلام وإخضاع الشعوب المعتدى عليها . فالحرب النفسية بشكلها العصري ، خرجت للوجود هكذا ، مع تطور الأيديولوجية الاستعمارية .
لم يكن الهدف من الوسائل العسكرية المستعملة ، سوى ان تجسّد على الساحة ، النتائج المحققة على صعيد الضمائر ، بفضل عملية نسف غادرة وطويلة الأمد .
لقد كان الايديولوجيون الاستعماريون ، يؤكدون انّ ميدان المعركة الحقيقي الوحيد ، يوجد على مستوى الوعي الجماعي للشعوب المعتدى عليها والمحتلة . وهكذا يمكننا ان ندرك معنى عبارة الجنرال " ليوطي " Lyautey الشهيرة " على المرء ان يظهر قوته لكي لا يضطر لاستعمالها " . أي اظهار ان باستطاعتهم خوض الحرب ، وان لهم وسائل ذلك ، لكي لا يضطرون لدفع مصاريف باهظة ، ومؤدّية الى الإفلاس للقيام بها ..
ان كل استراتيجية الحروب الاستعمارية واقتصادها السياسي منذ حوالي قرن ، تتلخصان في هذه العبارة المقتضبة ، التي استبق محتواها المفهوم الراهن للترهيب والردع في المجال النووي . ولقد هيمن هذا المستوى الأيديولوجي على كل السياسة القمعية للمخزن في ظل الاستعمار . ولا يزال يهيمن الى حد ما على السياسة القمعية للمخزن الطقوسي منذ استقلال Aix-les- Bain ، والى اليوم من 1956 الى 2023 .
ان الاستعمار ، كنظام للاستغلال الكلي للمصادر ، لم يكن له اذن ، ان يكتفي بنهب ظرفي ، مقابله الطبيعي هو القمع الوحشي ، إنْ لم يكن إبادة القبائل كما كان يفعل المخزن طوال القرون الماضية . ومن هنا ، فان سياسة الرأسمال الاستعماري ، كانت لها كمقابل وكمساعد ، استراتيجية قمعية ذات خصوصية ، تعمل على تشجيع إقامة نظام استغلالي دائم ، لا يقوم على نهب المصادر فحسب ، بل أيضا وبالأخص على تجنيد قوة عمل السكان المحتلين لفائدته .
وهكذا فان قانون الربح ، كان يملي على المستعمر ، استبدال اعدام وقتل الخصوم ( أي المقاومين ) ، بسجنهم او تكبيلهم بالحديد ، واكراههم على الاشغال الشاقة ، واحالتهم الى أوضاع العبيد ، وبذلك كانت لهم مردودية قصوى ، بحيث انهم لم يكونوا يكلفون الاستعمار سوى غذائهم ، الذي كان الغرض منه تجديد قوة عملهم .
وهناك وجه آخر من قانون الربح ، لا يقل أهمية ، وهو قابلية المكبلين على " الحركة " ، بحيث كانوا ينقلون وفق الاوراش ، وخاصة منها تلك التي كانت تمليها متطلبات الغزو العسكري ، كالموانئ ، وطرق المواصلات والتحصينات .
وهكذا ، اختفى عشرات الالاف من المقاومين والسجناء المغاربة ، دون ان يظهر لهم اثر ، وماتوا على مذبحة قانون الربح الاستعماري . لقد كان الرهائن يخطفون من قبيلتي بني وراين ، وآيت سغروشن الجموحتين ( جامح ) ، بناحية تازة ، فيقومون وارجلهم مكبلة بالحديد ، بوضع رصّة السكة الحديدية للطريق الامبراطوري ، الرابط بين فاس والجزائر . كما كانت اليد العاملة السجينة تسلّم للشركات الكبرى التي أنشئت من طرف بنك " شنايدر " ، و بنك " باريس والأراضي المنخفضة " Paribas ، لتشييد البنية التحتية المرفئية ، والحضرية ، والسكة الحديدية للساحل الأطلسي ، بينما كان سجناء المخزن ، يُستعملون كيد عاملة مجانية لصيانة الطرقات البلدية ، واعداد المراكز الاستعمارية الصغيرة .
كانت للاختفاءات الجماعية ، اثناء الغزو الاستعماري للمواطنين المغاربة الرافضين ان يستخدموا كمرتزقة ضد القبائل البربرية العاصية ، أربعة اهداف رئيسية :
ا – اضعاف الإمكانيات الديمغرافية للشعب المغربي ، وبالتالي شل قدرته على المقاومة .
ب – التجنيد الاستعبادي للسجناء المكبلين بالحديد ، لإقامة الأساس الاقتصادي للرأسمال الاستعماري .
ج – تحطيم البنيات الاقتصادية لنمط الإنتاج المغربي ، بغية ادماج المغرب تدريجيا ضمن الدورات الرأسمالية القائمة .
د – الشروع في البلترة الاجتماعية لجماهير الفلاحين المغاربة ، لإضعاف جبهة المقاومة من جهة ، واطلاق مسلسل هجرة الفلاحين المغاربة نحو الاوراش الاستعمارية ، من جهة ثانية .
ان الاختفاءات الجماعية لعشرات الالاف من المقاومين المغاربة ، طوال الخمسة وعشرين سنة التي دامها الغزو الاستعماري في بدايته ( 1912 – 1936 ) ، والتي شكلت ، أي الاختفاءات ، أدوات ساطعة للحرب الكلية ضد الشعب المغربي ، كانت تتواصل بسياسة من العسف بلا حدود ، وخاصة في مناطق المغرب الجنوبية . فبمباركة ومساعدة المحتلين ، تحولت مراكش ونواحيها ، الى معاقل شخصية حقيقية ، لِمَا كان يسمى في السابق بقيّاد الجنوب الكبار : القايْد الگندافي ، القايد المتوگي ، القايد لگلاوي .. ولكن سرعان ما فرض هذا الأخير ارادته على الحكام الاخرين . وقد كانت سلطة هؤلاء القيّاد الكبار ، هي مقابل تعاملهما مع الاستعمار من اجل غزو المغرب . فقبل هذا الغزو بكثير ، كانت كل تحركات المصالح الأجنبية التابعة لبلدان اوربية مختلفة ، تجد في هؤلاء القيّاد من يتواصل معها . وفي هذا الصدد ، فان المدني لگلاوي ، الابن الأكبر للتهامي الگلاوي السيء الذكر ، كانت له علاقات مع وكلاء سريين اوربيين من مختلف الجنسيات . وليس من قبيل الصدفة ان يتم احتلال منطقتي مراكش واگادير ابتداء من السنوات الأولى ( 1911 – 1914 ) للغزو الاستعماري .
لقد انظم القُيّاد الكبار مع انصارهم ، الى الجيوش الغازية ، لمحاربة المقاومة المغربية في المنطقة التي كان يقودها الهيبة ماء العينين آنذاك . وقد تواصل قياد الجنوب الكبار ، وهم مغمورون بالتشريفات لتعاملهم وخيانتهم ، من الجنرال Lyautey وخلفاءه ، بتوقيع على بياض يطلق أيديهم لينهبوا ويقتلوا على هواهم ، ويقيموا ثروات طائلة على حساب الجماهير الموضوعة تحت سياطهم .
هكذا عرفت أقاليم الجنوب في ظرف أربعة وأربعين سنة من الاستعمار ، قمعا وحشيا ، واختطف الناس بالألاف من طرف زبانية القياد الكبار ، ولم تجد لهم عائلاتهم اثرا . وكانت اية محاولة من هاته العائلات تليها اعمال انتقامية ، تؤدي الى اختطاف واختفاء اشخاص آخرين ، مع مصادرة ونهب ممتلكاتهم .
لذلك خيم صمت رهيب على أقاليم الجنوب طوال ازيد من أربعة عقود . وقد كان الأشخاص المختطفون ـ المحبوسون والمكبلون بالحديد ، يحتضرون ويموتون في دهاليز الرعب ، وظلام القصبات التي كانت جميعها عبارة عن قلاع محصنة ترمز في اعين السكان ، الى قوة وخيانة طغاة الجنوب . ان قياد الجنوب ، وخاصة منهم باشا مراكش التهامي لگلاوي ، يستحوذون على الأرض والماء ، وكلهم يشغلّون في اقطاعاتهم شعبا ، يستغلونه ويسخرونه بلا رحمة ، وكلهم يقتطعون رسوما باهظة وغير مشروعة. ويتركون الاشقياء الذين يتجرؤون على الاحتجاج يقبعون في قصباتهم المحصنة التحصين المتين .
ان اختطاف الأشخاص في أقاليم الجنوب ، تحت الحكم المتسلط للقياد الكبار طوال أربعة وأربعين سنة من الاستعمار ، كان اذن يهدف بالخصوم الى إرهاب السكان ، واجبارهم على الركوع ، بغية استغلالهم حتى العظم . وعلى عكس اختفاء عشرات الالاف من الأشخاص الذين القي عليهم القبض خلال الغزو الاستعماري ، كان هذا الاختفاء ، يرمي لتحقيق اهداف متعددة : عسكرية ، سياسية ، اجتماعية ، اقتصادية وايديولوجية ... الخ .
وتجدر الإشارة الى حالة أخرى من الاختفاءات الجماعية للمغاربة ، وقعت في نهاية 1945 بوهران ، التي تعرضت لها التجريدة المغربية المكونة من زهاء أربعين الف رجل ، في المعارك ضد جيوش المحور في تونس وفي إيطاليا ، وفي فرنسا وألمانيا . فقد أُنزلت التجريدة المغربية في وهران ، حيث كان عليها ان تلتحق بالمغرب عن طريق البر ، بعد فترة استراحة قصيرة . وعلى اثر ازعاجات متكررة لا مبرر لها ، ارتكبها الضباط الفرنسيون داخل بعض الوحدات المغربية ، تسمّمت العلاقات بسرعة ، وتحولت الى معارك حقيقية استعملت فيها جميع الأسلحة . فتدخل الطيران والفرق الأجنبية Les sénégalais ، سبب خسائر فادحة في جنود التجريدة ، وألقي القبض على المئات من الضباط ، وضباط الصف ، والجنود المغاربة ، ولم يظهر لهم اثر ابدا ، بل وأُرسل العديد من الضباط ، وضباط الصف ، والجنود المغاربة ، الى معتقل " كإيان " للأشغال الشاقة ب " غويانا " ( أمريكا الوسطى ) ، حيث قضوا نحبهم جميعا .وهكذا ، وبعد خمس سنوات من المعارك البطولية ، كان جزاء الجنود المغاربة ، هو مذبحة وهران ، واعتقال و اختفاء جزء مهم منهم .
واذا كان الهدف الأساسي لسياسة المخزن القديم القمعية ، هو التصفية الجسدية السريعة لخصومه ، فان سياسة الاستعمار في هذا المجال ، كانت ، بحكم قوانين الربح والاستغلال ، مزيجا من الوسائل ، منها الاختفاءات التي تهدف الى تصفية الخصوم من الساحتين العسكرية والسياسية ، مع الاحتفاظ بهم على قيد الحياة ، من اجل استغلال قوة عملهم الضرورية لتطور المشروع الرأسمالي في المغرب .
ويمكن القول . ان الاختطافات الاستعمارية للمغاربة ، خلال حرب الاحتلال ، كانت في واقع الامر ، موتا اجتماعيا ، واقتصاديا ، وعسكريا ، وسياسيا ، لان المختطف لا يبقى حاضرا في المجتمع المغربي ، مع انه يبقى حيا بالنسبة للرأسمال الاستعماري . فهؤلاء المغاربة المختطفون ، كانوا اذن ، موتى مؤجلين ، يقضون نحبهم بسبب العمل الإستعبادي ، والانهاك ، والتعذيب .
لقد شكلت الاختفاءات احدى الوسائل المتعددة ، الهادفة الى تدمير المجتمع المغربي في مجموعه . أي في هياكله الاجتماعية ، وأنماط انتاجه الاقتصادي والثقافي .. الخ ، بغية فرض الهيمنة الكلية للمحتلين ، وتسهيل التنظيم المستمر للاستغلال والنهب .
ان المجتمع والشعب المغربيين ، ككيانين أصليين ، هما اللذان كانا اذن مستهدفين ، باعتبار ان المشروع الرأسمالي كان يرمي الى تدميرهما ، وبالتالي موتهما ، ابتداء من اللحظة التي اصبحا فيها خاضعين لمتطلبات المصالح الأجنبية . وبالمقابل ، فان النظام المخزني ، باعتباره تشكيلة اقطاعية عتيقة ، لم يكن يهتم على غرار الرأسمال الاستعماري ، بقوة عمل خصومه السياسيين . ولذلك كان يصفيهم عندما كانت تتوفر له الوسائل ، من اجل إرهاب السكان بغرض الهيمنة والنهب . لكن سياسته القمعية ، بسبب الهياكل الاجتماعية القائمة ، لم يكن بإمكانها ان تمس الاّ كيانات اجتماعية مستقلة محددة ، هي القبائل . اما وحدة المجتمع والشعب المغربيين ووجودهما ، فلم يكونا قط مهددين ، لا سيما وان مشروع المخزن ، لم يكن يخضع لمصالح الأجنبي ، باستثناء بعض الفترات .
وبالمقابل ، فان قيّاد الجنوب الكبار ، جعلوا من الاغتيالات والاختطافات ، دعامة أساسية لسياستهم القمعية ، بموافقة ومباركة وعون المحتلين ، بغية إقامة الرعب والهيمنة والنهب . وهكذا نلاحظ ان سياسة الگلاوي وزبانيه في القمع ، كانت تنتمي في نفس الوقت ، الى سياسة المخزن القديم التقليدي ، وسياسة الاستعمار الفرنسي ..
2 --- حالة النظام المخزني الحالي .
كان مفهوم المخزن ، بمعناه الواسع ، يدل على السلطة ، والحكم والإدارة ، التي كانت في الماضي بيد السلطان العلوي ، ومجموع المكلفين بتسييرها وممارستها ، على امتداد مجال جغرافي معيّن يسمى المغرب . وكان هذا الأخير كمساحة وحدود متقلبة حسب المراحل والسلالات ، يتطابق مع صلاحيات وشرعية السلطان ، بحكم ( انتسابه ) المفترض الى ( الرسول ) .
هذه الصلاحيات وهذه ( الشرعية ) ، تشكل على المستويين الأيديولوجي والسياسي ، سندات ملكية من نوع خاص ، بحكم انها تُقَدّم وكأنها تابعة لقانون ( إلاهي ) ، وبالتالي فوق قانون البشر ، أي فوق الدستور الذي لم يكن بعد ، لان اول مرة سيعرف فيها المغرب دستورا كان في بداية الستينات .
ان هذا القانون وسندات الملكية هذه ، يسري مفعولها على مجال المخزن هذا بالضبط . فكلمة ملك تعني تحديدا المالك لسلطة الجبر والقهر والقمع ، وللمجال الجغرافي الذي تمارس عليه هذه السلطة . وكل ما يوجد في هذا المجال ( وبالدرجة الأولى البشر ) ، هو ملك للملك وخاضع لسلطته . كما ان كلمة سلطان مشتقة من كلمة السلطة . فالسلطان اذن ، هو من يملك الرعايا ، وهو من يملك السلطة على مجال جغرافي يسمى سلطنة ، او مملكة ، او امبراطورية التي يخشاها النظام الموريتاني ، ويرى الحل في تغيير الحدود ، بين الجمهورية الصحراوية وبين المغرب ، في حين تكون الحدود الجديدة قد امّنت الكيان الموريتاني من شر الإمبراطورية .
والعلاقة بين الملك ، او ( السلطان ) ، والجماعة البشرية ( الرعايا ) التي تعيش فوق المجال الجغرافي المملوك له والتابع لحكمه ، هي علاقة خضوع وتبعية ، وليست بعلاقة قوانين . ومن ثم ، فان للملك او السلطان رعايا Des sujets لا يمكنهم في هذه الشروط ، ان يطمعوا في ان يكونوا مواطنين ، فأحرى ان يكونوا شعبا . فالسلطان في المخزن القديم التقليداني ، الذي كان يمركز في شخصه السلطة الدينية والسلطة الدنيوية ، كان وحده دون غيره ، هو مصدر وحامل كل الحقوق الغائبة والمغيبة ،وبخاصة الحق العام .
فبينما المصدر الوحيد للقانون الإسلامي هو القرآن . فمن الواضح اذن انّ السلطان يتسلط على القرآن ، ويستغله لإضفاء الشرعية المفقودة على شخصه ، وحكمه ، وملكيته ، وحقوقه ، وكل ذلك على حساب الرعايا ( العبيد ) مِمّنْ لا يمكنهم التطلع الى وضعية اخرى ، غير وضعية الخضوع والتبعية ، اي دولة العبيد على مجتمع العبيد . ومن هنا ، فان اي امتياز يخصص لفرد ، او ل ( مجموعة ) من الرعية ، او حتى لعشيرة منها ( القبائل ) ، هو من قبيل المنح ، وذلك بهدف ربطهم بشخص السلطان او الملك ، عن طريق مصالح معينة . وهذه المسألة واردة بمقتضى الدساتير التي عرفها المغرب منذ بداية ستينات القرن الماضي .
يلاحظ ان وصول الحماية الفرنسية ، لم يغير شيئا من الوضعية المتميزة للسلطان ، والذي يجدر التذكير ، بان الغزو الاستعماري قد تم باسمه . وبالفعل ، فإنّ مغرب نظام الحماية قد ظل نظاما ثيوقراطيا ، حيث ان المبدأ المغربي الحديث المتعلق بفصل السلطات لم ينقل الى الحق العام ( الشريف ) .
وهكذا ، فان المغاربة الرعايا ، وجدوا انفسهم مستعمرين بنفس الصفة . وقد شكل هذا المزيج بين الوضعيتين القانونيتين ، كرعايا وكمستعمرين ، أرضية لسياسة القمع خلال الحماية ، والتي كان من نتائجها الطبيعية ، ليس اخضاع المغاربة طوال القرون الماضية فحسب ، بل أيضا ، وبالخصوص ، الاستغلال المنهجي الكلّي والوحشي لقوة عملهم ، بموازاة الاستغلال المنهجي لمصادر ثروة البلاد .
وقد قاد قانون الرعية / العبيد ، وقانون المستعمر الى اخضاع مزدوج ، او بالأحرى اخضاع مضاعف ، هو جوهر العنف نفسه . والحال انّ ايّ اخضاع مزدوج ، الاّ ويعني الاستغلال والنهب والامتيازات ، التي لا يمكن ان تُحْفظ وتُجدّد ، الاّ بالإكراه والقمع . وهذه كلها صفات مميّزة ،وجدت مجال تطبيقها او تجريبها في الجنوب المغربي على الخصوص ، تحت وطأة الگلاوي . فالمقابل لخيانة هذا الأخير ، كان انْ تركت له حرية تحرك شبه اقطاعية ، مكنته شيئا فشيئا من مراكمة الثروة وثروات هائلة . فكل ما يُنتِج شيئا من المال في مراكش ، وفي الاطلس ، كان يوجد بين يديه : لحْلايقية ، السحرة ، العاهرات ، الرعاة ، الرحل ، الفلاحين ، تجار الشاي والسكر ، الجمّالة ... الخ . فكل بشري في الجنوب ، الاّ ويقتطع منه الباشا ضريبته .
ان محتوى مفهوم المخزن ، ما قبل الحماية وخلالها ، كان يتعلق بنوعين من الحكم ، لكل منهما اقتصاده الخاص للقمع . فحكم المخزن القديم ، كان يقضي على وجه العموم ، بالتصفية الجسدية للخصوم ونهب ممتلكاتهم . أمّا حكم الحماية ، فانه استعمل نسقا كاملا من الوسائل ، لتنظيم الاستغلال الكلّي والمنهجي ، ومن ضمن هذه الوسائل ، كانت هناك الاختفاءات التي شكلت اذن ، تجديدا في مجال القمع بالمغرب .
لكن ، إذا ما تفحّصنا المعنى الحِرفي لكلمة المخزن ، فانه يعني متجرا ، مستودعا ، مكتبا ، مكان للخزن او للحفظ ، ثكنة ... الخ . وبما انه كان يشير أيضا الى السلطة ، والحكم والإدارة ، التابعة للسلطان السابق ، فهذا يعني انّ تلك السلطة كانت مُجسّدة ماديا و مُندرجة
، مرموز اليها ، ومعرّفة في المجال القروي المغربي ، ببنية تحتية حضرية ، مُكوّنة من قلاع كانت في آن ، ثكنات عسكرية ، ومستودعات لتمويل الجيش ، وأماكن حيث يُخزن منتوج الضريبة ، او الغنيمة بعد نهبها طواعية او بالأغارات ، ومراكز للاعتقال المؤقت للرهائن ، ونقاط دعم لتوسيع سلطة المخزن وادارته .
و ( المولى ) إسماعيل ، هو اول سلطان كانت له في تاريخ المغرب ، فكرة انّ احسن وسيلة لتثبيت دعائم حكمه ، هي تأطير البلد وتطويقه بمجموعة من القلاع المُشيّدة في النقاط الاستراتيجية . وهكذا ، كانت هناك في نهاية القرن السابع عشر ، ستة وسبعون قلعة في المجموع . ويمكننا ان نفترض ان دلالة هذه القلاع التي كانت مخازن ذات وظائف متعددة ، على سلطة وحكم وادارة السلطان ، ترجع الى عهد ( المولى ) اسماعيل .
لقد كانت هذه القلاع / الثكنات اذن ، في نظر سكان القبائل البربرية المغربية ، بمثابة نقاط دلالة على حكم جاء من بعيد غازيا ، مجهولا وشريرا ، يستعملها كقواعد لحملاته العسكرية ، ضد القبائل البربرية التي رفضت إعطاء الضريبة ، ورفضت تقديم المحصول ، كما كانت قلاعا لنهبه وقمعه ، مع ما يرافق ذلك من تقتيل جماعي . كان هناك جدار من العداء وانعدام الثقة ، ما بين هذه القلاع ، وسكان المناطق المحيطة بها ، خاصة وان الجنود القاطنين بها وعائلاتهم ، كانوا أجانب عنهم تماما . فهم عبيدا جاء بهم ( المولى ) إسماعيل من السنيغال ومالي الحاليين ( والذين كان يطلق عليهم في السابق اسم السودانيين ) خلال حملاته جنوب الصحراء . وتجدر الإشارة الى انّ فرقا هامة من أبناء جنوب الصحراء ، قد جُنّدت ضد المقاومة المغربية خلال الغزو الاستعماري ، واستعملت كحطب نار اثناء الحملات القمعية .
ومع توطد الغزو ، أُنشئت فرقة من الجنود الاضافيين ، اغلبهم من اصل قروي ، الذين أطلقت عليهم سلطات الحماية اسم المخزن ، وكانوا ، ولا يزالون حتى اليوم أداة قمع فعالة جدا . وهذه الفرقة التي حافظ عليها النظام المخزني المغربي الحالي ، تستعمل أيضا لإطلاق النار على التلاميذ والطلبة ، واغراق المظاهرات مع الجيش والدرك في الدماء ، وتكسير الاضرابات أيضا . وهي تشكل الى جانب البوليس ، ركيزة للدفاع عن النظام الذي يجوعهم ، ويجوع اسرهم الغارقة في الفقر وفي قلة الحاجة . ويمكن انْ نقول ، أنّ لفرقة المخزن هذه ، نفس الدور الذي لعبه " سليگان " Les sénégalais ، اثناء الغزو العسكري الاستعماري .
ان مفهوم المخزن المقرون بالحكم ، والإدارة ، و المستودع ، والثكنة ، والقلعة ، والجيش " بوسيطْ " .. مقرون أيضا بالقمع الذي هو احد أوجه الحرب ، خاصة النفسية ضد الشعب المغربي . وهكذا كان العنف والقمع يقدّمان على المستوى الأيديولوجي ، على انهما نوع من الخلاص واللعنة الضرورية ، لإرجاع الرعايا ( الضّالين ) المنتفضين والثائرين الى ( الصراط المستقيم ) ، أي طريق العناية الإلهية المتماشي مع وضعية الرعايا الخاضعين . لذلك ، لم يكن هناك ايّ حدّ لهذا العنف وهذا القمع ، لانهما يشرّعان بقانون فوق وضد الناس ، أي الخضوع التام للسلطان ولنظامه في اقطاعية الحق الإلهي .
وحتى موت الرعايا ، كان يقدم على انه مظهر من مظاهر رحمة السلطان اللاّمتناهية ، يعود على المعذبين بالجنة والغفران . فلم تكن التصفية الجسدية للخصوم ، والحالة هذه ، الاّ تجسيدا ، لتوسيع وتقديس العف ، والظلم ، القمع ، والاحتقار ، والاذلال للرعايا .
كل هذا الخليط الأيديولوجي ، نجده أيضا في قلب الاقتصاد السياسي للقمع ، في ظل المخزن الحالي ، مخزن محمد السادس ، كمخزن الحسن الثاني . ذلك انه وراء واجهة ولعبة المؤسسات ، المقامة من اجل الضحك والتلاعب بمجموعات الصحافيين الأجانب ، المُجاملين المنافقين ، والمَشْريين ، كفضيحة Moroccan Gate ، فان القصر الملكي الذي اخذ على عاتقه استقلال Aix-les Bains ، ظل في العمق مخزنيا كما قبل عقد الحماية في 1912 ، أي اقطاعية من اقطاعيات الحق الإلهي ، بكل صلاحياتها المُبيّنة أعلاه . والكل يتذكر الفصل 23 من الدساتير السابقة ، كان ينص على ان شخص الملك مقدّس ، ولا يجوز المساس به . وكذلك الشأن بالنسبة للفصل 19 السابق ، الذي كان يعد دستورا داخل الدستور ، وكان ينص على ان السلطان هو ( امير المؤمنين ) ، مثلما كان في القرون الماضية . وللإشارة لم يفت بعض المراقبين الأجانب ان يسجلوا هذا الامر . ففي سنة 1970 ، اقام الحسن الثاني دستورا جديدا لملكية مطلقة ، متسترة وراء مظهر تمثيلية وطنية زائفة . وعلى اية حال ، فان دستور 1962 نفسه ، حافظ على عنصر فارق في القدم ، الا وهو الثيوقراطية المزيفة الكاذبة . وهذه الأخيرة التي أسدل عليها ستار المؤسسات لا تظلّل أحدا . فأعضاء البرلمان لا يمثلون الشعب المغربي ، بل انهم يمثلون الملك رئيسهم الذي يحكمهم ويتحكم فيهم ، بخطاب الامر اليومي الذي يلقيه عليهم الملك في دورة الخريف التشريعية . والملك الحالي محمد السادس هو حجر الزاوية في هذه الثيوقراطية ، التي لا توجد الاّ من خلاله ولأجله ، واجل اسرته ، وعائلته ، واقاربه من الأصدقاء ، وزبائنه ، وخدامه من المغاربة والأجانب ، فهو طاغية من العصور البالية والقديمة ، ضال في زمننا الرديء المفضوح عند الغير قبل منّا .. أي في زمننا الراهن نعيش في وسط عصر وسطي غريب . وبما ان كل ثيوقراطية لا يهمها غير البقاء والاستمرار ، فان الملك السلطان المغربي الحالي ، يهيئ ابنه الأمير الحسن ليكون على صورة الحسن الثاني رئيسا فعليا للنظام المخزني .
ان المخزن الحالي ، إقطاعية الحق الإلهي ، لا يتعامل مع المغاربة الاّ كرعايا فقط ، فالحسن الثاني كان يجهر بهذا الوصف من دون ان يسبب له حرجا ، فكان لما كان يلقي فيهم خطابه ، فانه يبدأ بتعبير طقوسي ، لان الدولة المخزنية طقوسية : " رعايانا الاوفياء " ، مع العلم ان في بعض الدساتير 1962 ، 1970 ، 1972 ، 1980 ، 1996 ، 2011 ، يجري الحديث عن مواطنين . ويلاحظ ان الملك محمد السادس ، حين نبّهوه الى خطورة التعريف ، اصبح يفتتح خطاباته بكلمة " شعبية العزيز " ، لكن من خلال نوع الحكم القائم ، ومن خلال الممارسة السياسية القائمة يوميا ، فان محمد السادس يعتبر المغاربة مجرد رعايا على خطى والده الحسن ، وخطى اجداده . وبإشارة بسيطة ، نوع البرتوكول المخزني الغارق في الممارسات الرجعية الطقوسية ، طريقة تنظيم حفل الولاء ، وعند افتتاحه دورة الخريف التشريعية ، وفي طرق تعيينات الأشخاص الذين يلتحقون كموظفين سامين بإدارة السلطان ، لا بإدارة الشعب الغير موجود ، والذي لا يتعدى مستواه درجة رعية .
ان الحياة اليومية للشعب المغربي ، تثبت ان ( جهاز ) المؤسسات القائمة منذ ستينات القرن الماضي ، والى الآن مع محمد السادس ، ليست سوى فزاعة ، وواجهة مخصصة للخارج ، تسمح لزبناء القصر الملكي ، والبرجوازية المغربية الهجينة ، التي لا علاقة لها بالبرجوازية الاوربية البناءة والمنتجة ، بلعب لعبة الديمقراطية لفائدتهم ، ولعب لعبة الكوميديا الديمقراطية الممنوحة من طرف ( أمير المؤمنين ) ، وهو نفسه الذي يقوم ، لصالح طبقته ، وحماته ، ودعائمه الأجانب ، بإدارة استقلال ممنوح ، مسروق ومصادر من الشعب المغربي ، الذي يحيى حياة الرعوية التي يعيشها ، اكبر تأكيد ، على طابع الدولة المخزنية كدولة رعوية بتريركية .
ان المخزن الحالي ، باعتباره اقطاعية من القانون الإلهي ، يحكمها طاغية ، يقدم شخصه على انه ( مقدس ولا يجوز المساس به ) ، ينتحل اسم الجلالة ، فهذه الاقطاعية تشكل منذ سنة 1956 الى 2023 ، اطارا سياسيا / أيديولوجيا من عصر آخر ، حيث المغاربة ليسوا سوى رعايا منعدمي الحقوق .. وينطوي قانونها ( الشرعي ) على الخضوع والاذعان الضروريين . فحين يركع ضابط في الجيش ليقبل يد الملك ، ويقبل يد ابناءه ، ويقبل يد زوجته ، ويقبل يد كل قريب من ( السدة العالية بالله ) ، ترسم وبشكل اسهل ، نوع الدولة التي لن تكون غير دولة نيورعوية ، نيوبتريمونيالية ، نيوبتريركية ، طقوسية ، تقليدانية ، لا علاقة لها اطلاقا بالديمقراطية ، وسكانها هم مجرد رعايا عند الراعي الأول ، يعيشون بدون حقوق ، التي ينوب عنهم فيها ولوحده الراعي الكبير ، جلالة السلطان قدس الله روحه .. والحال ان التناقضات المتفجرة التي توجد داخل التشكيلة الاجتماعية المغربية ، بسبب الامتيازات اللامحدودة للملك ، ولكل من بداخل القصر الملكي ، وطبقته و زبنائه ، لا يتم تجميدها وحدّها ، الاّ عن طريق العنف والقمع الوحشيين . ولهذا الغرض وضع نظام بوليسي في بداية الستينات ،بفضل المساعدة الكثيفة والمتعددة الاشكال ، لعدة حكومات من اوربة الغربية ، والولايات المتحدة الامريكية ، وحتى " السافاك " الإيراني ، الذين عملوا كمرتزقة في خدمة النظام المخزني البوليسي المغربي .
ان الرعايا المغاربة في ظل النظام المخزني البوليسي ، هم في وضعية انعدام الحقوق ، او هم منعدمي الحقوق ، والحال ان هذه الوضعية ليست ظرفية ، ولا هي وليدة الصدفة ، بل انها التجسيد المؤسّسي والسياسي الدائم ، لإيديولوجية المخزن المخزنولوجية ، الموجودة في المغرب منذ اكثر من 350 سنة .. وهي حالة نظامية شاذة لدولة مخزنية ، شعرت بها الحركة التقدمية المغربية ، منذ نهاية الخمسينات ، وطيلة الستينات والسبعينات ، ووصل التناقض والرفض لنظام الرعايا العبودي ، في احداث 16 يوليوز 1963 ، وفي حركة 3 مارس 1973 بالأطلس المتوسط ، ووصلت ذروتها بتنظيم انقلابين للجيش المغربي في سنة 1971 ، و في 1972 ، بدعوى محاربة الفساد الذي تحتضنه الدولة المخزنية . فالمغرب اصبح على مرّ السنين محكمة استثنائية واسعة ، ترمي احرار وشرفاء الشعب ، بمحاضر بوليسية مفبركة ومزورة ، في غياهب سجون الملك بكل المعمور المغربي .
والواقع ان أسباب هذا الجهل من طرف الرعايا ، بالوضعية السياسية التي يوجد فيها المغرب ، تعود بالأساس الى ان النظام المخزني المغربي ، كان ولا يزال يتمتع بحماية الحكومات الغربية ، ومساعداتها المكثفة ، خاصة في المجال البوليسي الفاشي . كما كان يحظى بتواطئ وصداقات متينة ، داخل أجهزة الاعلام بأوربة الغربية ، والولايات المتحدة الامريكية ، وكندا . وهذان العاملان ، هما اللذان يوجدان في اصل مؤامرة الصمت ، حول كل ما يمس النظام المخزني المغربي ، وهي مؤامرة كانت تبررها وتغذيها مصالح دنيئة ، واعتبارات جيوسياسية ، وجيواستراتيجية ، لان النظام المخزني كان يعتبر على غرار ايران الشاه فيما مضى والسعودية ، احد الأركان الأساسية في المنطقة الخلفيّة ، لما يسمى ب ( العالم الحر ) . فسياسة القمع تنم اذن ، بالضرورة عن التقاليد القمعية لمخزن القرون الماضية . ومن هنا ، فلا غرابة ان يعلن الحسن الثاني عشية محاولة الضباط الاحرار قلب النظام في 16 غشت 1972 ، التي اعتبرت بانتفاضة ضباط الجيش الوطنيين الاحرار ، ان الله وضع الملك على العرش ليحافظ على الملكية . ومن اجل ذلك ، نص المذهب المالكي على انه لا يجب التردد في إبادة ثلث الشعب ذوي الأفكار الضارة ، من اجل حماية الثلثين الآخرين ، اذا اقتضى الحال ذلك ..
ان هذا النظام المخزني الذي تضرب جذوره الأيديولوجية ، في دموية مخزن القرون الماضية ، قد يبدو شاذا لذوي الحس السليم . ومع ذلك ، فان منطق الكراهية والقتل الذي يحمله ، يوجد في قلب المآسي والمجازر الجماعية : 1959 في الريف ، 1965 و 1981 في الدارالبيضاء ، 1971 في الرباط ، 1973 بالأطلس المتوسط ، يناير 1984 بالشمال ومراكش .... الخ . والى كل هذا يجب إضافة المأساة الصحراوية التي نظمها الحسن الثاني ، مثلما ينظم أي سيناريو كما كان يفعل ، والتي تجري منذ سنة 1974 ، حاملة معها منذ انفجارها ،عشرات الالاف من القتلى ، والمشوهين ، والمغتالين ، والمختفين من اجل مجد وعظمة جلالته وعشيرته ، حيث اعترف الملك محمد السادس وعلى خلاف والده بجزائرية الصحراء الشرقية عندما اعترف بالحدود الموروثة عن الاستعمار ، واعترف بالجمهورية الصحراوية ، واصدر ظهيرا يُقرّ بهذا الاعتراف الذي يحمل توقيعه بخط يده ، ونشر الاعتراف في الجريدة الرسمية للدولة العلوية عدد 6539 / يناير 2017 .
وبموازاة التصفية الجسدية على نطاق واسع ، للخصوم السياسيين الحقيقيين ، او المحتملين ، او المفترضين ، كما في عهد المخزن القديم ، فان الحسن الثاني ومحمد السادس ، استخدما تشكيلة كاملة من الوسائل القمعية ، التي اثبتت فعاليتها خلال الغزو العسكري الاستعماري ، يساعدهما في ذلك حمايتهما للأجانب ، وخدمتهما للدولة الإسرائيلية . ولقد رأينا فيما سبق ، كيف ان مناطق الجنوب المغربي ومراكش ، كانت تحت نير التهامي لگلاوي ، مختبرا رهيبا للقمع المتعدد الاشكال : التصفيات الجسدية ، التعذيب ، الاختفاءات ، التعذيبات الجنسية ( نظام الجلوس على القرعة ) ( الزفزافي ، علي اعراس ... ) .. تزمامارت ، قلعة مگونة... الخ .
في هذا السياق من الوسائل المستعملة ، وبموازاة التصفيات الجسدية ، تندرج الاختطافات -- التي تعرضت لها مرتين من البوليس السياسي ، بأوامر مديره العام المدعو عبداللطيف الحموشي -- ، وهي على نقيض الفكرة الرائجة ، لا تشكل واقعا حديث العهد في الترسانة القمعية ، بل انها تمارس بكيفية منهجية منذ سنة 1960 . أي منذ استقلال Aix-les Bains ،والى اليوم . وهنا نتساءل عن اختطاف اكثر من سبعة الاف مغربي في ليلة ظالمة ، بمجرد الانتهاء من تفجيرات الدارالبيضاء في 16 مايو 2003 ..فكل شيء كان محضر له . اختطاف اكثر من 7000 مواطن لا يعرفون أسباب اختطافهم وتعذيبهم ، والحكم عليهم ظلما بعقوبات وصلت الإعدام ، ووصلت مددا طويلة لشيء غير مقبول .. ومرة أخرى من فجر الدارالبيضاء في 16 مايو 2003 ، وفجر مدريد في 11 مارس 2004 ؟ ..
وهكذا فان سياسة القمع التي تستعمل ضد الشعب المغربي ، تنمّ في آن واحد ، عن سياسة المخزن القديم وسياسة الاستعمار ، كما عن سياسة باشا مراكش " التهامي لگلاوي " السيء الذكر ..
ولذلك فان الاستقلال الممنوح في سنة 1956 ، لفائدة القصر الملكي ، وزبنائه ، والبرجوازية المغربية الوسخة ، وحلفائهم ، كان له كمقابل ارث استعماري جديد ، ليس على المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية فحسب ، بل أيضا على مستوى القمع . ولنذكر بان الوسائل الموروثة عن الاستعمار ، قد تم اغناءها منذ سنة 1945 ، بتقنيات قمعية استعملت ضد الشعوب المكافحة من اجل تحررها ، في كل من آسيا وافريقيا ، وامريكا اللاتينية .
ويمكن القول اجمالا ، ان تدويل الرأسمال ، واستغلال العمل على نطاق هائل .. كان مقابله هو تدويل القمع والعدوانية ، مع نتائج طبيعية هي البؤس ، والجوع ، والجهل ، والامراض ، والمآسي . فكما ان المشروع الرأسمالي الاستعماري كان بهدف تدمير التشكيلة الاجتماعية المغربية ، وانّ كيان المجتمع والشعب نفسه كان في خطر ، لكونهما كانا خاضعين للضرورات والمصالح الأجنبية ، فان الاستقلال الممنوح للنظام وليس للشعب المغربي عام 1956 ، يشكل اطارا تستمر فيه عملية التدمير هذه ، بل وتتعمق على مر السنين لفائدة الملك ، والقصر الملكي ، والبرجوازية المغربية الوسخة ، والحلفاء الأجانب .
فإذا كان الاستقلال قد سُرق ، وصودر من الشعب المغربي ابتداء من 55—1956 ، فان كل الوسائل قد استخدمت منذ ذلك الحين ، لتكون الاسبقية لمصالح الملك ، ومصالح القصر الملكي ، والزبناء والمتواطئين معه .
ان التشكيلة الاجتماعية المغربية الحالية ، على غرار تشكيلات العالم الثالث ، تعيش انتقالا نحو ( الرأسمال ) ، الذي توجد اعصابه المحركة ، في مراكز الهيمنة ، فتوسع وتعمق العلاقات الرأسمالية داخلها ، لا يمكن ان تنمو الاّ في علاقة وثيقة مع الرأسمال العالمي . والحال ان هذه العلاقات هي بالضرورة هيمنة واستغلال ، انْ لم تكن علاقات نهب . والطبقات التي تدير قاعدة الرأسمال المغربي ، هي بالضرورة ، بحكم متطلبات مصالحها ، طبقات وسيطة وسمسارة لأقطاب القوة في الرأسمال العالمي . ولهذا ، فان الحسن الثاني ، ومحمد السادس وطبقتهما ، والبرجوازية المغربية ، و ( احزابها ) ( السياسية ) ، هم من الناحية الموضوعية ، مجرد رعاة للمصالح الأجنبية والإسرائيلية في المغرب .
ان تشييد أسس الرأسمال الخاص ، او رأسمال الدولة في كل اوربة الغربية ، ومن قبل في اوربة الشرقية قبل انهيار أنظمتها البرجوازية الصغيرة على سبيل المثال ، قد تم على حساب جماهير الفلاحين الذين خضعوا لعلاقات انتاج النظام الجديد ، والتي كانت في جوهرها علاقات عنف وقمع . والغزو الاستعماري كان من بين أهدافه الرئيسية ، فرض نمط الإنتاج الرأسمالي ، بغية الافلاس الاقتصادي للجماهير القروية ، وتجنيدها لخدمة مصالح الغزاة . ومن المعروف ان وضع المشروع ( الرأسمالي ) في المغرب قد تم بقوة الحديد والنار .
لقد تواصل الغزو الاستعماري اذن ، بوسائل وطرق أخرى ، في اطار استقلال مسروق وممنوح عام 1956 ، كان نوعا من مغربة للاستعمار . فكما هو الشأن في المخزن الحالي مخزن محمد السدس ذو الحق الإلهي ، ( امير المؤمنين ) ، فان العلاقات هي علاقات الراعي ، او بالأحرى السيد برعيته ، وتستدعي بالضرورة الخضوع والاذعان ، ووضعية انعدام الحقوق . فدوام هذا الغزو الاستعماري يعني ، استمرار البؤس ، ، والجوع ، والجهل ، والمخدرات ، والاعتقالات ، والتعذيب ، والاختطافات ، والاختفاءات ، والاغتيالات ، والتقتيل الجماعي ... أي العنف والقمع المتعدد الاشكال ، وبلا حدود كما حصل غداة تفجيرات الدارالبيضاء في 16 مايو 2003 ، وتفجيرات مدريد في 11 مارس 2004 ..
ويمكن التثبت من هذه الوضعية ، بالمعطيات والأرقام التي تنشرها المنظمات الدولية ذات الاختصاص ، عن المراتب المخجلة للنظام المخزني العلوي ، مقارنة مع ، ليبيا ، وسورية ، وبيهودا والسامراء ، تونس ، العراق ، اليمن ... الخ .
وبصيغة ادق ، فان حوالي 20 عائلة مغربية ، ومنها " القصر ، الملك ، واسرته ، وعائلته " ، تهيمن ، وتملك ، وتنهب ، وتخرب البلاد لفائدتها ولفائدة الأجنبي ولإسرائيل . ففيما يخص القصر الملكي ، فان ثروته تضخمت بشكل فاحش ومنقطع النظير ، في حين توسعت دائرة الرعايا المفقرة التي تعيش على الكفاف ، والاغلبية منها تعاني قساوة ومرارة العيش حيث كثر التسول الذي اخد اشكالا صادمة ..
وهكذا ، فإذا كان يتم التأكيد على ان شخص الملك مقدس ولا يجوز المساس به ، كما كان ينص الفصل 23 من ( الدساتير ) المغربية ، فانه رغم حذف كلمة " مقدس " ، فان ثمنه هائل ، بقدر هول ، البؤس ، والجوع ، والجهل ، والامراض ، والاعتقالات ، والتعذيب ، والاختفاءات ، والاختطافات ، والاغتيالات ، والتقتيل الجماعي الذي يعرفه الشعب المغربي منذ ستينات القرن الماضي ، وزاد القمع بشاعة ، والسيطرة على الثروة التي هي ثروة المغاربة المفقرين والجائعين والمرضى ..الخ في عهد محمد السادس بشكل فضيع لا يتصور .
ولهذا سيفهم القارئ الكريم ان سياسة القمع في المغرب المخزني ، لها بالضرورة كنتيجة طبيعية ، مآس متكررة ، على حساب الرعايا المفقرة . وهنا وامام بشاعة المنظر الغير مقبول على الاطلاق ، اليس المخزن القديم والحديث كان ولا يزال ، لعنة حقيقية على الشعب المغربي . فحين تتعرض لظلم واعتداءات بوليس الملك السياسي ، فيقطعون عنك الكونكسيون رغم تأدية واجب الاشتراكي قبل حلول موعد الأداء ، ويحرض عليك مدير البوليس السياسي المجرمين للاعتداء عليك ، ويصل الاعتداء حد تكسير اليد اليسرى ، وتكسير ضلع من القفص الصدري ، ويقوم مدير البوليس المدعو عبداللطيف الحموشي ، ووزير الداخلية المدعو عبدالوافي لفتيت ، وبأشراف رئيسهم ( صديق ومستشار ) الملك المدعو فؤاد الهمة ، بأطلاء الصباغة على كل واجهة منزلي بسبب مقالة نشرتها بالموقع العربي " الحوار المتمدن " ... نطرح السؤال . هل النظام المخزني قدر المغرب الراهن ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الكوفية توشح أعناق الطلاب خلال حراكهم ضد الحرب في قطاع غزة


.. النبض المغاربي: لماذا تتكرر في إسبانيا الإنذارات بشأن المنتج




.. على خلفية تعيينات الجيش.. بن غفير يدعو إلى إقالة غالانت | #م


.. ما هي سرايا الأشتر المدرجة على لوائح الإرهاب؟




.. القسام: مقاتلونا يخوضون اشتباكات مع الاحتلال في طولكرم بالضف