الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عبد الكريم قاسم في الميزان

داخل حسن جريو
أكاديمي

(Dakhil Hassan Jerew)

2023 / 8 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


إبتداء أقول أن ما دعاني لكتابة هذا المقال, هو إفتراءات يثيرها بعض ضعاف النفوس والمغرضين الحاقدين على كل ما هو خير ونبيل في التاريخ العراقي ,كان آخرها التشكيك بوطنية الزعيم الخالد عبد الكريم قاسم , بدعاوى باطلة مفادها إرتباطه بالسفارة البريطانية , وكأنهم بذلك يريدون القول بأن ثورة الرابع عشر من تموز, مشروع بريطاني لتصفية حسابات بريطانية مع رموزنظام الحكم الملكي المباد ,الذين أفنوا حياتهم برعاية المصالح البريطانية , حتى لو كان ذلك على حساب مصلحة العراق , دون أن يكلف هؤلاء الأدعياء أنفسهم تقديم أي دليل يمكن أن يثبت دعاواهم الباطلة تصريحا أو تلميحا. بينما يعرف القاصي والداني وبإجماع غالبية العراقيين , أن ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958 كانت ثورة وطنية حقيقية تحررية , نقلت العراق من نظام الحكم الملكي الخاضع للنفوذ البريطاني على مدى نحو أربعة عقود, والمكبل بأحلاف عسكرية غربية لا تمت بصلة لمصلحة العراق أبدا , إلى نظام جمهوري ديمقراطي تحرري بعيدا عن هيمنة النفوذ الأجنبي , وهيمنة شيوخ العشائر وكبار الإقطاعيين المتحكمين برقاب أبناء الشعب الذين كانوا يعانون من أبشع أشكال التخلف والجهل والفقر والحرمان ,حيث فتحت لهم أبواب الحرية لممارسة حقوقهم السياسية . لم تعد هناك إعتقالات سياسية بسبب العقيدة ,حيث أطلق سراح جميع المعتقلين من سجناء الرأي من مختلف التوجهات السياسية , وجرت محاسبة كل من إرتكب جرائم بحق الشعب العراقي طبقا للقانون على مرأى ومسمع العالم أجمع .
كان مفاد هذه ألإفتراءات الإدعاء بإرتباط عبد الكريم قاسم بالسفارة البريطانية ومؤسساتها الإستخبارية , والإيحاء بذلك بين الفينة والأخرى عبر وسائل الإعلام ومنصات التواصل الإجتماعي, للتشكيك بوطنية الرجل الوطني الغيور الذي قل مثيله في العفة والنزاهة في تاريخ العراق بأسره , والتي يشهد له بها أعدائه قبل محبيه , على الرغم من قصر فترة حكمه التي لم تتجاوز الأربعة سنوات ونصف السنة ( 1958 – 1963 ) . ولعل من المفيد أن نشير هنا إلى ما أدلى به صدام حسين أحد ألد أعداء عبد الكريم قاسم والمشارك في عملية في محاولة إغتيله الفاشلة عام 1959, وذلك في حديث متلفز مع بعض أعضاء قيادته , بثه عبر تلفزيون العراق مطلع العام 2000 في لحظة صحوة ضميرنادرة , أعلن فيها صراحة عن ندمه عن سوء تصرفه وتصرف حزبه تجاه عبد الكريم قاسم ألذي أشاد بوطنيته , ملقيا اللوم بهذه التصرفات الهوجاء على الرئيس المصري جمال عبد الناصر المتطلع يومذاك لزعامة البلدان العربية على حد تعبيره , وإلى قصر نظر خصومه من القوميين والبعثيين الذين وصفهم بالمراهقين . ويمكن الإطلاع على نص الحديث عبر قناة اليوتيوب مباشرة .
كان آخر هذه الإفتراءات التي إطلعت عليها عبر قناة اليوتيوب مؤخرا , حديث الأكاديمي الكويتي الدكتور عبد الله النفيسي عن إرتباط عبد الكريم قاسم بالسفير البريطاني في بغداد عام1958 المدعو السير همفرى , الذي أجرى معه كما يقول مقابة تلفزيونية في بيته في لندن في إحدى زياراته لها , حيث بين له السفير أن عبد الكريم قاسم من رجال بريطانيا المخلصين , وهم من أوحوا إليه بالمطالبة بضم الكويت إلى العراق , عندما أعلنت بريطانيا عن نيتها منح الكويت إستقلالها عام 1961, وذلك لمعاقبة الكويت التي خرجت عن بيت الطاعة البريطاني ومغازلتها مصر عبد الناصر على حد زعمه . كما إدعى أن السفير تربطه علاقة صداقة حميمة بعبد الكريم قاسم حيث أراه صورا يمارسون فيها لعبة التنس وكذلك السباحة معا في حوض السباحة في السفارة البريطانية , دون أن يعرض لنا أي من هذه الصور , كما أنه لم يقدم دليلا على ما يؤيد صحة روايته المزعومة.
ويذهب آخرون أبعد من ذلك بمزاعهم حيث يدعون أن ثورة الرابع عشر التي دكت أحد أكبر قلاع الإستعمار البريطاني في المنطقة , وإقتلعت أحد أكبر مناصري بريطانيا في الشرق الأوسط يومذاك , إنما حدثت بإيحاء من بريطانيا . فأي هرطقات أسخف من هذه الهرطقات ؟ فهل يعقل أن تسعى بريطانيا للتخلص من أصدقائها المخلصين الراعين لمصالحها ,او لنقل تبتزهم كما يريد لنا النفيسى أن نصدق مزاعمه , بالنسبة لمشايخ الكويت الخاضعين لحمايتها والمؤتمرين بأوامرها والمتحكمين بثرواتها ,وخوض مغامرة قد لا تحمد عواقبها وتهدد مصالحها لسبب تافه لا قيمة له كما يدعى النفيسي , أو التفريط بنظام الحكم العراقي القوي الحليف الأمين لبريطانيا والعضو المؤسس لحلف بغداد .
ولو فرضنا صحة هذه الروايات المزعومة , فما الذي حدث ليجعل ثورة الرابع عشر من تموز أكبر ثورة وطنية تحررية ديمقراطية راديكالية في منطقة الشرق الأوسط والبلاد العربية , معادية لكل أشكال الإستعمار بمسمياته المختلفة , لتواجه بعدها هجمة إستعمارية رجعية شرسة لقوى الظلام التي أطاحت بها الثورة ,في محاولة للعودة لزمام كرسي الحكم بأغطية مختلفة تارة قومية وأخرى دينية , وبدعم دول عربية وأجنبية .وللأسف كان لها ما أرادت في الثامن من شباط عام 1963 , حيث قضى عبد الكريم قاسم ورفاقه نحبهم بمجزرة يقشعر لها البدن .لعبت بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية والكويت ودول جوار العراق دورا بارزا بتصفية نظام حكم عبد الكريم قاسم ,ومصادرة معظم مكتسبات ثورة الرابع عشر من تموز التقدمية . أليس من الجهود الإساءة لهذه الثورة العظيمة ورموزها الوطنية , على الرغم ما رافقها من إخفاقات وأخطاء إرتكبها بعص مناصريها في خضم صراع عقيم بين بعض الأحزاب السياسية التي أتيحت لها فسحة من الحرية للعمل دون مضايقة السلطة الحاكمة.لعل من المفيد أن نشير إلى بعض مكتسبات ثورة الرابع عشر من تموز التي لم يتح لها إكمال عامها الخامس :
1.فك إرتباط العراق من حلف بغداد ,وإنتهاج سياسية الحياد الإيجابي ونصرة الشعوب المضطهدة والساعية لنيل إستقلالها .
2. فك إرتباط العراق من كتلة الجنيه الإسترليني البريطاني , وتحرير الدينار العراقي من قيود الإقتصاد البريطاني وتداعياته .
3. تحجيم نفوذ شركات النفط الأجنبية المتحكمة يالنفط العراقي إستخراجا وتسويقا , بإصدار قانون النفط رقم (80) الذي حرم هذه الشركات من التصرف في جميع الأراضي العراقية بإستثناء ما هو حاليا تحت تصرف هذه الشركات والتي لا تتجاوز مساحتها أكثر من (1%) من مساحة العراق , أي حصر التنقيب وإستخراج النفط في عموم الأراضي العراقية , وتسويقه في حالة إكتشافه بالحكومة العراقية حصرا, الأمر الذي أثار غضب هذه الشركات وجن جنون حكوماتها .
4. إنبثاق منظمة البلدان المصدرة للنفط أوبيك في بغداد عام 1961 برعاية عراقية .
5. القضاء المبرم على نظام الإقطاع المتحكم برقاب الفلاحين سنيين طويلة وبخاصة في محافظات وسط العراق وجنوبه .
6. إلغاء قانون دعاوى العشائر وخضوع جميع العراقيين لقانون مدني موحد .
7. إصدار قانون الأحوال الشخصية الذي أعطى حقوقا متساوية للمرأة والرجل , والذي لاقى معارضة شديدة من رجال الدين .
8. تأكيد الدستور العراقي المؤقت ولأول مرة على أن العرب والأكراد وسائر الإقليات شركاء في هذا الوطن .
9.الشروع ببناء مصانع في جميع محافظات العراق عبر إتفاقية التعاون الإقتصادية المعقودة بين العراق والإتحاد السوفيتي عام 1959 , نذكر منها : معامل الورق والأسمدة في البصرة والزيوت النباتية في العمارة والزجاج في الرمادي والنسيج الصوفي في الناصرية والحرير في الحلة والنسيج القطني في الكوت والإطارات في الديوانية والأدوية في سامراء والأجهزة الكهربائية في بعقوبة والمعدات الزراعية في الأسكندرية والسكر في الموصل وتعليب الأغذية في كربلاء وغيرها .
10 . البدء بمشروع كهربة عموم العراق عبر شبكة كهرباء وطنية توليدا وتوزيعا .
11 . تحديث خط سكك حديد العراق ( بغداد – البصرة ) .
12. البدء بمشروع بناء ميناء أم قصر .
13 . توفير ألسكن أللائق لآلاف الأسر الفقيرة النازحة إلى بغداد من محافظات جنوب العراق بسبب الإظهاد الإقطاعي في مناطقهم , بتمليكهم أراضي سكنية فيما عرف بمدينة الثورة التي بقي سكانها أوفياء لعبد الكريم قاسم حيث هبوا جميعهم للدفاع عنه عند حدوث إنقلاب الثامن من شباط , ليواجهوا دبابات الإنقلابيين بصدور عارية مفعمة بحب زعيمهم .
14. أتاح حرية العمل النقابي المهني والعمالي والفلاحي دون أية مداخلات حكومية .
15 . نشر التعليم بأنواعه وبجميع مراحله وإبتعاث آلاف الطلبة للدراسة في الجامعات الأجنبية , وعدم حكرها على أبناء العوائل الميسورة .
16. صيانة وحدة العراق والحفاظ على أراضيه وسمائه ومياهه , وعدم التفريط بشبر واحد منها , بخلاف ما حصل لاحقا بتفريط علني بالكثير من الأراضي العراقية , إذ وقف بحزم ضد محاولات شاه إيران بالتمدد على حساب الأراضي العراقية وبخاصة ما يتعلق منها بحقوق العراق التاريخية في شط العرب , التي تنازل عنها صدام جسين عام 1975 فيما يعرف بإتفاقية الجزائر ,ومطالبته بحقوق العراق التاريخية في الكويت , التي فرط بها كثيرا ممن تولوا السطة فيما بعد عبر إنقلابهم الدامي في الثامن من شباط عام 1963 .
وهذا غيض من فيض وهناك المزيد التي لم يتسع المجال هنا للخوض بتفصيلاتها .
ولابد أن نشير إلى أن طريق ثورة عبد الكريم قاسم لم يكن ميسورا, كما قد يعتقد البعض , فقد واجهته مشاكل كثيرة منذ الأيام الأولى للثورة , كان أولها قيام بعض من شاركوا في الثورة ومناصريهم من الأحزاب القومية وبدعم من الرئيس المصري جمال عبد الناصر بالمال والسلاح , بمطالبتهم بضم العراق فورا إلى ما كان يعرف بالجمهورية المتحدة ( مصر وسورية ) التي كان يرأسها جمال عبد الناصر , وسط معارضة شديدة من الأحزاب الوطنية واليسارية والكردية , والتي أحدثت شرخا عميقا في صفوف الشعب العراقي . قامت الجهات المطالبة بالوحدة الفورية بسحب وزرائها من حكومة الثورة في أشهرها الأولى كخطوة ضغط أولى , بعدها حاول بعض عسكريها التخلص من عبد الكريم قاسم بقوة السلاح دون جدوى , بعدها بإعلان العقيد عبد الوهاب الشواف التمرد العسكري في حامية الموصل بعد تلقيه السلاح والعتاد من الجمهورية العربية المتحدة والذي راح ضحيته ضحايا كثيرة في مدينة الموصل أثناء التمرد وبعد فشله والقضاء على منفذيه .
أعقبت إنقلاب الشواف حوادث دامية في مدينة كركوك عرفت بمجزرة كركوك , راح ضحيتها نفوس كثيرة , أتهم بها الشيوعيون حيث وصفها عبد الكريم قاسم نفسه في خطاب ألقاه في كنيسة ماريوسف ييغداد بأسوء من مجزرة هولاكو . ومنذ ذلك الحين تدهورت العلاقات بين عبد الكريم قاسم ومناصريه الشيوعيين , إلاّ أنها لم تصل أبدا إلى حد القطيعة , إذ بقي الشيوعيون داعمين لحكومة عبد الكريم قاسم على الرغم من قيام أجهزة الشرطة بزج الكثير منهم في معظم انحاء العراق في السجون , معظمهم بتهم كيدية باطلة , حيث يرى الشيوعيون أن ثورة الرابع عشر من تموز, ما تزال ثورة وطنية يمكن تصحيح بعض مساراتها, بالصبر والتأني وليس أمامهم خيارا أفضل , وتلك هي وجهة نظرهم بإعتقادي التي دفعوا بسببها ثمنا باهضا في إنقلاب الثامن من شباط الأسود .وشهدت فترة حكمه القصيرة تمردا كرديا مسلحا قاده الملا مصطفى البرزاني الذي إستقدمه عبد الكريم قاسم من منفاه في الإتحاد السوفيتي , ومنح الأكراد حقوقهم السياسية شأنهم بذلك شأن الآخرين . والغريب أن البرزاني قد إنضم إلى زمرة إنقلابيي الثامن من شباط المعادين أساسا للتوجه القومي الكردي .
ويحسب لعبد الكريم قاسم أنه كان عفيفا شريفا مخلصا لخدمة العراق , لكن تقاذفته تجاذبات سياسية عنيفة , دون أن يسعى لبناء قاعدة سياسية خاصة به , بل راح يراهن على محاولة التوازن بين الأحزاب السياسية , كما كان هناك سعي محموم من دول الجوار وبخاصة الكويت وشركات النفط العاملة في العراق , وبدعم كردي لا مبرر له لأسقاطه والتخلص منه . كما يحسب لعبد الكريم قاسم يطولته وشجاعته بوجه خصومه , إذ أنه لم يهرب من المواجهة مع خصومه كما فعل آخرون صدعوا رؤوسنا بقيم الشهادة والبطولة , حيث بقي صامدا في عرينه مع نفر قليل من رفاقه في وزارة الدفاع حتى آخر لحظة في حياته , ولم يطلب الرحمة من أعدائه حيث واجه رصاصهم في مبنى الإذاعة بكامل إناقته العسكرية مرفوع الرأس يهتف بإسم الشعب . ويكفيه عزا وشرفا أن خصومه بقوا مذعورين حتى بعد إعدامه , حيث دفنوا جثمانه سرا , ولم يكتفوا بذلك فقد نبشوا قبره ورموا جثته في نهر ديالى كما تنقل الروايات كي لا يبقى له آثرا ليكون مزارا لمناصريه ومحبيه .
ويعاتبه بحق بعض مناصريه ومحبيه وربما كانوا على حق , على إمتناعه تزويدهم بالسلاح عند حدوث الإنقلاب , دفاعا عن الثورة , ذلك أن إستهداف عبد الكريم قاسم لا يعني إستهداف شخصه فحسب على الرغم ما يمثل ذلك من أهمية بوصفه مفجر الثورة وقائدها, بل كل القوى الوطنية المناصرة للثورة , فتصفية الثورة إنما تعني تصفية مناصريه من القوى الوطنية , وهذا ما حدث تماما حيث مارس الإنقلابيون أبشع الجرائم بحق خصومهم . ربما إعتقد عبد الكريم قاسم بقدرته على التصدي للإنقلاب العسكري التي ثبت عدم صحتها . ويعتقد البعض أنه أراد تجنيب الشعب حربا أهلية , فأيا كانت الأسباب نقول رحم الله عبد الكريم قاسم الذي عاش عفيفا ومات شريفا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موسكو تنفي اتهامات واشنطن باستخدام الجيش الروسي للكيماوي في 


.. واشنطن تقول إن إسرائيل قدمت تنازلات بشأن صفقة التبادل ونتنيا




.. مطالبات بسحب الثقة من رئيسة جامعة كولومبيا الأمريكية نعمت شف


.. فيضانات عارمة اجتاحت جنوب البرازيل تسببت بمقتل 30 شخصاً وفقد




.. بايدن أمام خيارات صعبة في التعامل مع احتجاجات الجامعات