الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التجديد في كتاب -فهم الدين، بحث تنويري- سعادة أبو عراق

رائد الحواري

2023 / 8 / 12
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


فهم الدين، بحث تنويري سعادة أبو عراق
الخطاب الديني مهم في مجتمعنا، وذلك لأنه أحد أهم العناصر التي تشكل ثقافة المجتمع ونظرته إلى الحياة، وأجزم أن سبب تخلفنا وتراجعنا أمام الأمم والشعوب الآخر يرجع إلى فهمنا الخاطئ والمتخلف للدين، وهذا يجعلنا نستنتج أن من يقدمون الخطب الديني، أما متخلفين/جهلة، أو مدسوسين يعملون لصالح أجندة معادية, فقد أسسوا وأوجدوا خطاب تلقيني، وأصبح كل من يحاول خرج عنه كافر، مرتدا، خرج الملة.
ومن هنا تم تلفيق تهمة التحريف والتكفير لمحمد شحرور ولكل من يقدم خطابا دينيا حديثا معاصرا، مما جعل عملية اختراق الفكر الديني السائد عملية صعبة وحتى مستحيلة، وذلك لأن العامة تأسسوا على أفكار تلقينه تحد من تطلعهم نحو الحياة بواقعية وموضوعية.
الطرح الديني المتخلف
يبين الباحث عقم الأفكار الدينية السائدة والتي عملت على: "حصر الذهن في علوم تقليدية، مثل علوم القرآن والحديث والسير والتاريخ والمغازي والفقه، وتم استبعاد علماء الطبيعة والفكر على أنهم زنادقة، مما جعل الأجيال اللاحقة، لا تعلم شيئا غير العبادات، كخيار وحيد يتنفس منه المعدومين أريج الجنة" ص 20، وهذا يأخذنا إلى التخدير الذي استخدمه رجال الدين منذ العصر الأموي وحتى اللحظة في تخدير الشعب والأمة وجعلها أسيرة لفكرة الغيب والنعيم في الآخرة، من هنا تم قتل وتشويه كل المفكرين العرب من خلال الزندقة التي ألصقت وما زالت تلصق بكل من عارض نظام الحكم ويعارضه.
"سعادة أبو عراق" يعطي أمثلة على هذا التشويه من خلال التاريخ: "أسلمتنا إلى أولاد (مليكشاه) سلطان السلاجقة يقتسمون بلاد الشام والعراق وإيران، والخليفة في بغداد، عساه يحكم على جواريه وخدمه، والفقهاء لا يرون في ذلك انهيار للمجتمع، ولا يرون من واجبهم وقف هذا الانهيار، بل حث الناس على العبادات، والدعاء والاستغفار لعلهم يدخلون الجنة" ص22، أليس هذا الحدث مطابق لواقعنا، فنجد الحكام يعملون لخدمة الأعداء ويبذرون ثروة الأمة على تفاهات لا تسمن ولا تغني من جوع، والشعب/الأمة تستمع إلى تعليمات (الفقهاء) في كيفية الضوء والصلاة وأحاكم الحج والصوم!!. فيا لنا من أمة تجهل واقعها وتركض خلف شكليات.
وعن مفهوم الفرقة الناجية التي هي في حقيقة الأمر الفرقة المخربة والمهكة والهالكة يقول: "كان مصطلح الفرقة الناجية، دافعا للشعور بالطهر والتميز، واعتبار الغير منحرفا عن الدين، وبالتالي منزلقا نحو الكفر، وقد صنف محمد عبد الوهاب، جماعته الوهابية بالفرقة الناجية، وباقي المسلمين منحرفون...ومثلهم فعل حسن البنا، إذ اعتبر جماعته فرقة ناجية" ص23، الخراب الكامن في فكرة الفئة/الفرقة الناجية أنها تقسم المجتمع وتمزقه بطريقة عنصرية، فما يتبع الفرقة الناجية له خيرات الدنيا والآخرة، ومن لا يتبعها، ينتمي إليها فهو زنديق، كافر، عليه غضب الله ووكلائه في الأرض.
ردا على فكرة الفرقة الناجية يقدم سؤال عقلاني منطقي: "وتدعوا الله أن يمحق الكافرين، وكأنهم ذباب أو بعوض يجب أبادتهم، ولا يعلم أن البشر متكاملين في هذا العالم، فلو نقص إنتاج القمح عن كفار روسيا، لحدثت مجاعة في مكان ما، علاوة على أن حذاء هذا المسلم القاعد، ودواء وهاتفه وسيارته وملابسه من صنع الكفار، الذي يشي بهم إلى الله" ص23و24، أجزم لو توقف كل من يدعوا على (الكفار) بالهلاك وكل من يقول (آمين) عند هذا الواقع لتراجع فورا والآن عن طلب الهلاك للكفار، لأنه لا يمكن شيئا من مقومات الحضارة ولا الصناعة ولا الزراعة، وما هو إلا مستهلك، وعبء على البشرية وعلى المجتمعات المنتجة والفاعلة.
وعن العلوم العربية الإسلامية التي أخذها الغرب وبنى عليها أسس نهضته الحالية: "إن ما نتغنى به اليوم ونقول: إن الغرب قد أخذ هذه العلوم العربية من الحضارة الإسلامية، وبنى عليها حضارته الحديثة، نقول هذا تقليل من شأن الحضارة الحديثة، وتعظيما لتاريخنا، ولكن لماذا لم نتساءل عندما قتلنا العلوم الطبيعية، من اجل العلوم الدينية،؟ لماذا تعاملنا مع العلم العقلي، كما يتعامل الفلاح مع الأعشاب الضارة في حقله؟ لماذا قام العلماء الأوروبيون بالبناء؟ فوق المداميك التي بناها العرب والمسلمون؟ في وقت نحن عزفنا عن الجانب المادي؟ لماذا أطنبنا في تخيل ما في الجنة من نعيم، وما في جهنم من أهوال، وما في القبر من عذاب؟ وحافظنا على حد القتل والرجم والجلد، وقطع اليد لأنه سهل النفيذ، ولم نضع علما في إصلاح السلوك، ولم نستطع أن نطور النار الرومية ـ كما سميت ـ حيث استعملوا البارود الذي تعلموا صناعته من الصين، في الحروب الصليبية، كقذائف نارية في المعارك البحرية، ليطورها الأوروبيون إلى مدافع وصواريخ.
أن كل الأمم التي تقدمت لم تتقدم، لا بدين المسيحي ولا اليهودي ولا بالبوذية أو الهندوسية أو الشيوعية أو الاشتراكية، إنما تقدمت بالعالم وبالعلم فقط" ص177و178، هذا هو الواقع، هذه هي الحقيقة، لمن أراد أن يتقدم، ومن يريد أن يبقى في غياهب الظلام فما عليه إلا نسب تخلفنا إلى ابتعادنا عن الله، ابتعادنا عن الإسلام، الإسلام الذي قدم مشوها ومحرفا عن حقيقته كدين رافع للعمل والإنتاج، وملزما أتباعه بالأخلاق والعطاء.
الطرح المتقدم
ضمن هذه الأفكار البائدة والمتخلفة والواقع البائس، كان لا بد من تقديم بديل من خلال هذه الفكرة: "فالله ليس بشرا يريد جمهورا من المؤيدين، يعبدونه لكي يملأ الجنة، أنه انحراف عن المهمة التي أوكل بها آدم، وهي خلافته في الأرض فلم يفرض عليه التبتل والانصراف لعبادة، بل العمل نيابة عن الله في إعمار الأرض" ص33، الجميل في هذا الطرح التركيز على العمل الإنتاجي وليس العبادة المجردة، فهناك مفهوم مشوه للعبادة بثه رجال الدين الذين يعملون لتجهيل الأمة وإبقائها غارقة في سباتها من خلال تركيزهم على العبادة المجردة وكأنه هي فقط المطلوبة، من هنا نجد الشعوب والأمم الحية تهتم بالنتاج وتطويره ونحن نهتم بفقه العبادات!!
مفهوم التسبيح
الباحث يقدم نظرة جيدة عن التسبيح وكيف يجب أن يكون: "أن الله لم يمنع المسلمين بأن يمدوا من أبصارهم في خلق السماوات والأرض، (الذين يتفكرون في خلق السماوات والأرض) وهذا لا يعني السماء كما تراها العين بل بمحتوياتها العظيمة، لكي نسبح الله على هذه القدرة الفائقة، بل نبحث في علم الفلك ونستخرج النظريات، لأن التسبيح ليس علما، بل البحث في مكونات الفلك وحركة الكواكب والنجوم وعلاقاتها مع بعض.
إذن علينا أن نرفض الفكرة التي تقول: إن القرآن به علوم كثيرة، تنتظر الزمان الذي تكشف فيه، بل على عقولنا أن تكتشف القوانين الطبيعية التي خلقها الله لينظم بها الكون، لا أن ننتظر أن يكتشفها الكفار لنباهي، بأن القرآن اكتشفها أولا، ...ويجب ن نكف عن تبخيس الجنس البشري، في الصناعة، بتحديهم بأن يخلقوا ذبابة" ص67، نلاحظ أن الباحث يعطي مفهوما عمليا للتسبيح، فهو ليس أقولا نعدها على الله لكي يعطينا الثواب ثم يدخلنا الجنة، بل هو طريقة التفكير في مخلوقات لله للوصول إلى القوانين التي تسير الحياة على الأرض وفي الكون، ومن ثم استخدام تلك القوانين لتطوير حياتنا.


الخلافة
ويأتي كتاب "فهم الدين" على تنال فكرة الخلافة ضمن اطار التقدم الصحيح والسليم من الحياة، فهو ينقد ما هو سائد من طروحات دينية، ويعطي بدائل وفهم سليم لما يجب أن يكون، من هذه القضايا مفهوم الخلافة مبينا أن الطرح يجب أن يكون: "الإسلام حضارة أخلاق، ليس دولة خلافة" ص14، وهذا يقدم المتلقي من الواقع، ومن المستقبل، ويبعده عن الماضي، بمعنى أنه يدفعه للنظر إلى الأمام وليس إلى الخلف الذي لم ولن يُعاد مهما بذلنا من جهد، فالماضي مات وانتهى ولم يعد له وجود، إلا في عقول الحالمين التائهين: "أن الرغبة في إعادة تلك الحضارات، إلى الحياة من جديد، تساور جميع الأمم، فقد حاول موسوليني إعادة الحضارة الرومانية، فأخفق وأعدمه جنوده، ولعل الحمى التي اجتاحت المسلمين، لإعادة نظام الخلافة، ولا يعرفون عن الخلافة ونظامها شيئا" ص137، أجزم أن من أهم مشاكل العقل العربي النظرة الوردية للماضي، والابتعاد عن الواقع والتطلع نحو المستقبل، وطرح فكرة التقدم إلى الأمام ومن الواقع الحاضر وليس من الماضي الغابر تمثل حقيقة موضوعية وصحيحة، إذا أردنا فعلا أن نتقدم إلى الأمام ولا نتأخر أكثر مما نحن فيه من تخلف وجهل وضياع.
من هنا يضع هذه الحقيقة متحدثا عن أسباب انهيار الخلافة الإسلامية: "‘لا أننا لا ننظر إليها كحضارة أصابها وهن، وأقعدها عن النمو، ووجب دراسة الأمراض التي أنهكتها، فنعالجها ونعيد انطلاقتها من جديد، ولكننا استعملناها للتفاخر بالأمجاد، كتعويض نفسي، لشعورنا بالتخلف الحضاري، عن التي سبقتنا به الأمم" ص ص174، دون أدنى شك نحن بحاجة إلى هذه الحقيقة، حقيقة أننا نعيش على ما تم إنجازه في الماضي، فأصبحت الفتوحات والخلافة الراشدة أفيونا نتعاطاه لكي لا نعمل أو نواجه ضعفنا وبؤسنا الحالي، فكانت فكرة إعادة الخلافة سببا يضاف إلى أسباب تخلفنا وضياعنا.


مقاصد الدين
وعن مقاصد الدين وما الغاية منه يقول: "هو وسيلة لإسعاد المجتمعات والأفراد، وليس هدفا لذاته، فإذا لم يكن هدف التدين السعادة التي هي هدف في ذاتها، فإنه يفقد مبرر وجوده، بمعنى أن الدين يجب أن يوصلنا لهدف ما بعده هدف" ص19، اللافت في هذا الطرح أنه يقدم فكرة السعادة/الرخاء للمجتمع وللأفراد، وليس فكرة البلاء والشدة وتحمل (القرف) بحجة الثواب في الآخرة، فهو يريد أن يكون الفرد والمجتمع سعداء في الحياة الدنيا كما يريدها في الآخرة، وهذا يمثل تجاوزا للأفكار السائدة التي تطرح اقتصار السعادة على الآخرة فقط وليست في الحياة الدنيا.
ويتقدم أكثر بمفهوم الدين قائلا: "أن الهدف من الدين، ليس الذهاب إلى الجنة، بل إقامة الإلزام الخلقي، وليس صلاة ركعتين، أفضل من الدنيا وما فيها" ص113، فالباحث يهتم بالأفعال التي تخدم المجتمع وليس تلك الأفعال/ (العبادة المجردة) التي يقوم بها الفرد، فهو يريد الدين أن يكون دافعا للعمل لبناء مجتمع منتج وملتزم أخلاقيا، وليس مجتمعا ملتزما بالشكل.
وبهذا الصدد نجد هذه الحقيقة: "نحن نرى تهافت المتبرعين لبناء المساجد بسخاء ولا نجد لمؤسسات خيرية للنفع العام" ص125، لكي لا نكون خارجين عن الملة ونريد نشر الكفر وعدم بناء المساجد وإعمار بيوت لله، نطرح هذا السؤال على المتلقي، كم مسجد في الحي الذي تعيش فيه؟ وكم ملعب/حديقة/متنزه/مكتبة عامة فيه؟
الباحث "سعادة أبو عراق" يحث القارئ على التقدم إلى الأمام من خلال طرح هذه الحقيقة: "(فأعمال الخير التي يقوم بها الكفار يجازون عليها في الدنيا) فلماذا إذن متعلم منهم، ونستخدم ما عملوه وما اكتشفوه؟ ما دمنا نقول إنه غير مقبول عند الله؟ فلماذا نقبله نحن؟ إنها من أبشع الفتاوى التي عملت على تجهيلنا وما دمنا بهذا التبخيس لأفعالهم، وبالتالي لم نعرف معنى العمل للصالح العام، ما يقدمونه من علوم واختراعات واكتشافات وأدوية وألات" ص127و128، فكرة التشويه والتنقيص من إنجازات الأمم والشعوب الأخرى يبقينا عجزة أمام ما يقدمونه من إنجازات، فحالنا كحال الكسيح الذي يقول بعدم أهمية الرجلين ودورهما في الحركة والتنقل، ويريد كل من يمشي على الأرض أن يكون مثله بلا حركة ، بهذا الشكل نحن ننظر إلى الحياة، إلى الأمم الفاعلة والمؤثرة.
من هنا يعظم الباحث فكرة الإنتاج ويجعلها هي مقصد الدين والهدف منه، مؤكدا أن الأخلاق هي أساس الالتزام تجاه الآخرين وتجاه الله: "الأخلاقيون هم الذين يقدمون خدمات مجانية، أو شبه مجانية لغيرهم من المجتمع، وهنا نقول إن الإلزام الخلقي ليس فقط إشاعة السلم، بل تقديم ما هو مطلوب للحضارة، فكل من يقدم إلى الآخرين من أشياء لازمة وضرورية ومفيدة، أكان غذاء أم لباسا أم دواء أو فكرا ومعرفة أو ثقافة أو متعة جمالية، فإنه يمارس فعلا أخلاقيا، وسوف يجزى عليه بقدر البشر الذين استفادوا منه" ص129و130، إذن الباحث يريد مجتمع متدين لكن بطريقة مُنتجة وملتزم أخلاقيا تجاه الآخرين، ولا يريده مجتمعا منغلقا على ذاته، يكفر الآخرين ويريد إدخالهم النار نيابة عن الله، فالمسلم الحقيقي هو الذي ينتج ويخدم الآخرين دون أن ينظر الثواب أو الجزاء منهم، فأجراءه محفوظ عند الله.
الكتاب من منشورات دار كنوز المعرفة للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، الطبعة الأولى 2022.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مفاوضات التهدئة في غزة.. النازحون يتطلعون إلى وقف قريب لإطلا


.. موجة «كوليرا» جديدة تتفشى في المحافظات اليمنية| #مراسلو_سكاي




.. ما تداعيات لقاء بلينكن وإسحاق هرتسوغ في إسرائيل؟


.. فك شيفرة لعنة الفراعنة.. زاهي حواس يناقش الأسباب في -صباح ال




.. صباح العربية | زاهي حواس يرد على شائعات لعنة الفراعنة وسر وف