الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من فلسفة الشعر الشعبي العراقي

وليد عبدالحسين جبر
محامي امام جميع المحاكم العراقية وكاتب في العديد من الصحف والمواقع ومؤلف لعدد من

(Waleed)

2023 / 8 / 12
الادب والفن


يعتقد البعض ان الفلسفة والفكر والادب والفن والمعارف العالية المضامين حكرٌ على فصيح الشعر العربي لا المكتوب بلهجات البلدان المختلفة ، و اندلعت عبر التاريخ حروب كلامية في هذا الخضم لستُ بصدد التعرض لها ، غير انني مع الشعر حيثما يكون سواء في منطقة فصيح اللغة ام بلهجتها الدارجة ، فليس كل نظم شعر ولا كل شعر حقيقي مكتوب بلغة فصيحة والعكس صحيح ، ذائقة الانسان تميل وتنحاز حيث يكون هناك شعر حقيقي ولو كان مترجماً ، لذا اريدُ ان اشير بعض الاشارات لأبيات من قصيدة كتبت بلغة الشعر الشعبي العراقي للفيلسوف " علاء ال ياسين " من مدينة الناصرية العنقاء ، ولست في مقام المبالغة او مدح الشاعر وانا اصفه بالفلسفة ، من يضغط على زر البحث في اليوتيوب و يستمع لقصائده جيدا ، سيفهم قولي و يتفق معي ، والاّ ماذا تسمي بداية قصيدته التي اتناولها في هذا المقال :
النظرة المعرفية يقودها الادراك رأساً تتجه للمستمر بالنور
النظرة المتحفية للقديم المات تتلاشى يقيناً من يمرّ عاشور
هنا الشاعر بفلسفته العميقة ميّز بين ان تنظر الى قضية الحسين بن علي عليه السلام نظرة معرفية خالدة ومستمرة على مر العصور وبين ان تنظر اليها نظرة تاريخية بحتة كما يريد البعض و لا تعني الان شيئا سوى اثار قديمة مكانها المتاحف ، منذ بداية القصيدة يبدأ الشاعر وبقوة شاعريته المعهودة ليقول صراحة اننا يجب ان نتعامل وننظر الى قضية كربلاء نظرة اوسع من انها معركة آنية حصلت في يوم ما وانقضت ولا تعني لنا شيئا فهي نور مستمر عبر الاجيال .
ليبدأ بذكائه يزاوج بين الوقائع التي حصلت اثناء معركة كربلاء وبين مدلولها المعرفي والتاريخي فيرى ان قيام العدو بتعطيش الحسين عليه السلام وعائلته واصحابه لم يؤثر على خلودهم لأنهم اصحاب مبادئ سامية و طلب السلامة والابتعاد عن الحرب ومخاطرها لن يكتب لصاحبه العيش بكرامة او خلود لذا:
اليعطش على المبدأ للخلود يروح
ماي الذلة سوّه شكثر ناس كبور
فمن تحمل العطش في سبيل مبدأ سامي يخلد ، اما من آثر الماء على حساب كرامته ومبادئه فلا يكون سوى ميت منسي ونقذ نفسه من الحرب .
ثم يكمل بفلسفته مناقشته لأمهات المسائل في قضية انسانية مهمة مثل قضية معركة كربلاء التي حصلت في بدايات العصر الاسلامي ٦١ هجرية ، ليعود وترتيبا على ما بدأ به قصيدته فأنه يفّرق بين الثورات ايضاً تبعا لمبادئها واهدافها فليست كل ثورة تكون ثورة ممدوحة وهادفة وخالدة :
ثورات المصالح بالمهد وتموت ثورات المبادئ بالزمان ادور
فالثورة التي تندلع لمصلحة حكم او حصول على مناصب منذ ولادتها ميتة ولا يمكن ان تكتب لها الحياة ، عكس ثورة المبادئ تستمر عبر الازمنة والاجيال تدور معهم .
ليصدم القارئ والمستمع بمشكلة كتابة التاريخ وخاصة التاريخ العربي والاسلامي الذي اقرّ اغلب المحققين ان في حوادثه الكثير منها مكذوب ومنحول وموضوع ، مما جعلنا نسير في قضايا ملغومة و نحتاج دراسات ودراسات لنحصل على الحقيقة :
اقلام الحاشية من تكتب التاريخ
دوّر تلكى كل مخذول بيه منصور
فالشاعر يؤكد وجوب البحث طويلاً في التاريخ لنتعرف على اصحاب المبادئ و ثوراتهم ، فليس كل من لهج التاريخ بمدحه وتمجيده هو الذي انتصر بمبدأه وموقفه ، ربما هناك مغمور ومخذول في التاريخ هو الذي انتهج صحيح الطريق ووقف موقف مشرف .
فثورة المبدأ والمعرفة هي المعنى الحقيقي للثورة التي يجب ان يلتف حولها الثوار والمصلحين لذا فأن الحر الرياحي احد قادة جيش العدو الذي انشق عنهم والتحق بجيش الحسين عليه السلام
الحر صار حر من افتهم معناك من شتّم حزبهم والتحق بالنور
اما قبل ان يلتحق بثورة المبادئ فهو عبد لمصالحه وتعاليم الاحزاب الانتهازية التي لن يكتب لها الخلود حتماً.
ليختتم قصيدته بتناول البعد السياسي لثورة عاشوراء معلناً رأياً واضحاً بأن :
الدستور عالفقرة سياج يصير
اذا لا مو سياج اشطب على الدستور
بالضبط هذا هو هدف الدستور الذي يمثل الشعب اذا لم يكن مانع من ظلم الشعوب و حافظ لحقوقهم ومحققا مبادئ المساواة والعدالة بين الناس فما فائدته !
ثم يربط بين ماضي الثورة الحسينية وحاضر انصارها مستخدماً اللغة الحديثة في تناول الموقف الحسيني :
بمنشورك كلت ابن المدعي مرفوض
اصحابك فقط علقوا عالمنشور
فهنا ايماءة الى اهمية الفكر والمشاركة بالموقف الفكري فكأن الحسين عليه السلام كتب منشورا عبر صفحته في الفيس بوك رفض فيه ان يتولى زمام الامور الشخص المتهتك الذي لا يملك الكفاءة والمهنية في الادارة فأيده اصحابه بالتعليق على هذا المنشور و الاتفاق معه .ليصل شاعرنا الى نتيجة بحثه الفلسفي في القصيدة بعد كل ما تقدم :
هنانه الموقف بكل عنفوان يعيش
والدنيا بكبرها تصيحلك مشكور
نعم موقف الحسين عليه السلام عاش طيلة القرون التي مرت وطيلة القرون القادمة والاحرار الذين تعلموا منه الموقف في جميع الامم قدموا له الشكر والود ولا اعتقد ان قارئ تغيب عن ذاكرته مقولة الثائر الهندي " غاندي " تعلمت من الحسين ان اكون مظلوما فأنتصر وغيره كثيرين .
بربكم اليس هذه مقطوعة فلسفية مليئة بالأفكار والآراء العميقة كتبها شاعر عراقي كبير بلغة يمكن ان يفهمها الناس بمختلف مستوياتهم الثقافية ، نعم انها كُتبت بلغة الشعب فكانت شعرا شعبيا ، ساهمت في ايصال اعمق الافكار والقراءات بأسهل لغة و لهذا الشاعر الفيلسوف قصائد فلسفية اخرى نتعرض لها في مقالات اخرى ان شاء الله.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بحضور شيوخ الأزهر والفنانين.. احتفال الكنيسة الإنجيليّة بعيد


.. مهندس الكلمة.. محطات في حياة الأمير الشاعر الراحل بدر بن عبد




.. كيف نجح الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحسن طوال نصف قرن في تخليد


.. عمرو يوسف: أحمد فهمي قدم شخصيته بشكل مميز واتمني يشارك في ا




.. رحيل -مهندس الكلمة-.. الشاعر السعودي الأمير بدر بن عبد المحس