الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جدلية المادية والمثالية في مسرح إلمر رايس

نانسي كايزن
د نانسي كايزن دكتوراه في فلسفة الفنون

(Dr Nancy Mohammed Aly)

2023 / 8 / 12
الادب والفن


 جدلية المادية والمثالية في مسرح  إلمر رايس

مقدمة

لعل ما يلفت النظر الدارس لمسرح إلمر رايس هو إنعكاس أثر الثقافة المادية مع أثر الثقافة المثالية فى مسرحه, مع تناقض كل من الفكرين, فلا شك أن الجمع بين هذين النقيضين فى ثقافة الكاتب سيكون له تأثير فى صور الصراع فى مسرحه, نتيجة لإجتماع هذين الضديين, وقبل أن يعرض له البحث فى هذا الفصل بعد التمهيد لمؤثرات تجربته الحياتيه, لمعرفة كيف حدث هذا التوافق بين المؤثرات المادية والمؤثرات المثالية فى مسرحه. فعند استعراض بعض الملامح من نشأته, نجد أنه ولد  (1892 - 1967) في نيويورك ابناً لأسرة رايزنشتاين اليهودية، لكنه سرعان ما اضطر إلى تبديل اسم عائلته إلى رايس، تحسّباً لأي تمييز ضده... وهذا ما يشير إلى ملمح مهم من ملامح سيكلوجية إلمر رايس, وهو تغييره لإسم عائلته, ليس هذا فقط وإنما تخليه عن دراسته للقانون منذ بدأ الكتابة للمسرح.

نخرج من هاتيين الواقعتين إلى الطبيعة السيكلوجيه لشخصية إلمر رايس التى تتضح فى ميله الفجائى إلى التغيير من حالة إلى حالة أخرى , وهذه الرغبة فى التغيير تشكل إشاره إلى انفتاح فكره على أكثر من إتجاه وعدم رهن هذا الفكر لمسار محدد بعينه. ولهذا يصبح من الطبيعى أن يلجأ فى كتاباتة المسرحيه إلى كتابة مغايرة للمألوف.

وبذلك دخلت كتابته فى إطار ما يصنفه د. رشاد رشدى بالحركات المضاده للواقعيه, إذ يقول " النزعة التعبيرية نزعة أدبية وفنية عامة ومسرحية خاصة فإنها تصنف في إطار الحركات المضادة للطبيعية التي تنفذ إلي اللاوعي عبر تيار الشعور ؛ لذلك تتشارك مع نزعات فنية أخري سبقتها وتداخلت معها".

صارت كتابات إلمر رايس إذا فى مسار المسرح المضاد للواقعيه فكانت  أولى مسرحياته المنشورة «قيد المحاكمة» في العام 1914. وهي حققت نجاحاً كبيراً فاق كل توقعات كاتبها وأحلامه، مما شجعه على مواصلة طريقه ليصبح لاحقاً من أبرز كتاب «غيلد ثياتر» ذي التوجه الاجتماعي اليساري، مما أعتبر أحد معارضي قيم مسرح  برودواي. ومن الطبيعى عند إذن أن ينتقل رايس إلى مشروع المسرح الشعبي ضمن إطار «مشروع المسرح الفدرالي» مما أدى إلى  سخط السلطات اليمينية بسرعة، وقد ترتب على هذا محاسبة لجنة النشاطات المناهضة لأميركا له لاحقاً.  


مسرحياتة وجدت لها موقعا من الشهره والاهتمام في مسارح العالم, وكانت بها اشاره كبيره ترافقها علامة استفهام واضحه عن خلفيه ما يجري في الحياه وما يراد الوصول إليه من تفعيل الحروب الإقتصاديه والعسكريه والإعلاميه وغيرها في العالم. 

ومثلت الصدى الانساني الرافض للحروب والاستغلال والتميز الطبقي والعنصري , وتعتبر مسرحيات رايس من تلك المسرحيات التي ساهمت في انضاج المسرح الأمريكي إلى جانب مسرحيات أخرى لكتاب أخرين مثل يوجين اونيل وتنسى ويليامز, فمجمل تلك المسرحيات أهتمت بتصوير تفاصيل العلاقات الإجتماعيه والتحول الذي رافق الحياه في الولايات المتحدة في أوائل القرن الماضي مع أن أغلب تلك النصوص المسرحيه كانت في الغالب تحاكي المسرح الاوروبي لكنها عملت على تأسيس النموذج الامريكي للمسرح وتعميمه عالميا كتجربه متقدمه, فعلى سبيل المثال مسرحيه الاله الحاسبه وهي من اشهر مسرحيات رايس, والتي وصفها النقاد بانها تمثل  صرخه جادة, حيث تنتقد وتحلل بشكل ملفت للنظر شخصيه الانسان في المجتمع الحديث. والتى قدمت ضمن نشاطات واهتمام تجمع المسرح الحي الذي كان يشرف عليه لورانس لانجينر.

في تلك المسرحيه عبر رايس عن جوهر الفنان الكامن في تكوينه, ووصفها النقاد بانها تجربه تعبيريه متفرده, ويبدو ذلك فى نظر النقاد من خلال المضمون الذي اختاره لمعالجه مشكله الانسان التي جلبها لنفسه, حيث ابتكر وصنع الاله التي اقسته وحلت بديلا له في العمل الذهني والجسدي ذلك, المضمون المتميز الى جانب الشكل يعد اختيار بالغ الاهميه.

ومن هنا يستطيع البحث ملاحظة التداخل بين تفانى الإنسان فى عمله وآلية التكرار الذى يفنى فيه حياته, وهنا تظهر سمات التداخل بين ماهو مادى مع ما هو مثالى, حيث الشخصية المسرحية المثالية متفانية فى عملها مما يحولها إلى آله شبيهه بالآله التى يعمل عليها.

كان القاسم المشترك فى هذه الفتره أيضآ هو محاكاه نظريات فرويد ومسأله النقد المتواصل للقوانين, وكذلك عن أحوال الإنسان وصراعه مع الظروف المعقده التي تحيط به. ونجد ذلك واضحا في تلك المسرحيات ذات الفصل الواحد التي كتبها يوجين اونيل البحر و مسرحيات تنسى وليامز احزان الامريكيين, ولقلة الاقبال الجماهيري على تلك الأعمال إتجهت المجموعة ومنهم إلمر رايس إلى البحث عن نصوص مسرحيه طويله. وتحقق ذلك في فتره زمنيه لاحقه حيث توجهت للبحث عن نصوص من المسرح الاوروبي, فاختارت الطائر الازرق لميترلنك و طائر النورس لتشيكوف وحياه انسان لاندرييف, كما قدمت رائعه ابسن النرويجي الاشباح وكذلك مسرحيه برنارد شو مهنه مسز وارن, لكنها توقفت عن الانتاج المسرحي بسبب وقوع الحرب العالميه الاولى ثم عادت الى ممارسه جهودها بعد توقف الحرب.

وهكذا تميز رايس بالموهبه والحساسيه الفنيه, تلك العوامل من حيث تحقيق افكاره المطلقه الباحثه عن جواب للسؤال المرتبط بخلق العصر كما يظهر ذلك الاتجاه في نتاجه الروائي وأعماله مثل رحله الى بولونيا والمدينه الامبراطوريه والعرض يجب ان يستمر معنى رواياته لم تحصل على ذات الاهتمام الذي حصلت عليه المسرحيات التي تكتبها في فترات حياته التي انتهت عام 1967. 


بعد الحرب بزغ فجر جديد للمسرح الامريكى, وفى ذلك يقول رايس " ظهر العديد من الكتاب المؤثرين من الذين كتبوا مسرحيات مؤثره ومهمه وعلى قدر كبير من النضوج الفكري والفني كما فتح المسرح الامريكي الأبواب الواسعه منذ البدايه لاحتضان المحاولات التجريبيه تلك التي تطورت فيما بعد لتساهم في انضاج الحياه المسرحيه في المدن الصغيره و بقيه الولايات ولم يعد الانتاج المسرحي مقصورا على نيويورك أو واشنطن". 

وهنا تجدر الاشاره إلى جهود فرقه المسرح الحي فى انتاج مسرحيات تجريبيه للغايه منها مسرحيه الوصله التي يعتبرها النقاد مسرحيه مهمه جدا, كما قدمت مجموعه من المسرحيات الاخرى المتباينه في النجاح مثل مسرحيات جلبر وويليام وكارلوس ويليامز وقصه حديقه الحيوان لادوارد أولبي والشريط الاخير لكراب من مسرحيات صموئيل بكت وكذلك الحلم الامريكي لإدوارد أولبى, تلك المواد المذكوره  اقتربت في رأي العديد من النقاد من تحقيق الهدف المطلوب وهو محاكاة البيئة الامريكية وكذلك تجديد المشكلات التي كانت تلوح في الافق, كما قدمت تلك المسرحيات الموقف الثابت للكثير من الكتاب وهم يواجهون المشكلات المعقدة الاجتماعية.

 وفى ذلك يطالعنا د. شاكر المخلف فى كتابه إذ يقول " أولئك الكتاب مدوا حركه المسرح الامريكي بالعديد من النصوص المسرحيه المتميزه وجاءت معهم الافكار الجديده والجريئه والتي كتبت وفق رؤيه حديثة, وتقدمت كثيرا على المسرحيات التي قدمها المسرح الاوروبي المعاصر, وقد حظيت تلك النصوص المسرحيه بالنقد والتحليل, حيث تضمنت تلك المسرحيات الممارسات السياسيه لكنها  تحمل عناوين تمثل طابع تلك المرحله".

ويضيف د. شاكر " تضمنت مسرحيات رايس آراء جريئة واضحة تخدم قضايا التعبير الروحي الحر والحاله المتواصله في مجال كفاح الانسان ضد العبوديه الاجتماعيه والسياسية والاقتصادية  والبحث عن السبل الكفيله لتحقيق ذلك ضمن اشكال الكوميديا والتراجيديا والميلودراما والمونودراما دون تكوين ايديولوجي نفسي, وعندما وجد أن المسرح لا يساعده في التوصيل احيانا اتجه الى الكتابه في القصه والروايه كما في تحت المحاكمه والصليب الحديدي ويوم الحساب وبقاع امريكيه والهروب الى الغروب وانسجام تام والجاره والقطار النفقيه واثنان على الجزيره ومشهد في الطريق  والحب بين الاطلال وبين عالمين والضفه اليسرى وفتاه الاحلام , حيث نجد فى ذلك النتاج الادبي انه يولي اهتماما متجانسا احيانا ومتنافرا احيانا,  ولكنها تلتقي في هدف واحد ذلك يمثل تعبير عن حاله واحده وعن القلق العميق الذي يشغل بال الفنان والمفكر الذي يعيش في وطنه من خلال عصر زمني مضطرب مثقل بالصراع والحروب".

وهنا يصبح طبيعيآ فى ظل تلك الظروف القلقه أن يتقلب فكر إلمر رايس ما بين الحياة النفعية وهى تمثل حاله ماديه, والخيال الذى هو أقرب إلى الروح المثالية. 

 ومن هنا نجح رايس إلى حد كبير في خلق لغة مسرحية امريكية جديدة, وإيجاد نظام الإتصال والتخاطب وفق موضوعات مختلفة ورسم انماط من الشخصيات المميزه التي تستقر في الذاكره, كما تطورت بشكل واضح طرق التمثيل والمحاكاه, كما حققت قفزه كبيره في فنون الاداء والاخراج والتمثيل ايضا, بما يؤكد ظهور لغة مسرحية جديدة وجدت لها طرق في التطور المعرفي والفني. 

كما اختيرت الكثير من النصوص المسرحية الامريكية لتقدم على خشبه المسرح في دول العالم ومنها المسرح الاوروبي ذلك النجاح الهائل ضمن الفتره الزمنيه القياسيه انطلق من تعزيز الروابط وتأكيد النظريات الجديده التي يعمل من خلالها الكتاب ورجال الفن المسرحي, وجاءت النظريات الجديده بمجملها لتشكل قاعده الانطلاق نحو القمه في المسرح العالمي.

ويضيف د. شاكر " كما وضع رايس خبرته العلميه التي اكتسبها من طول صحبته للمسرح كرجل اتخذ منه مهنه فى فتره من الزمن جاوزت الاربعين عاما قضى مجملها في النشاط المسرحي في كتابه المهم المسرح الحي الذي مكنه ان يعرض ويتناول ويرسم الافكار وتفاصيل التجارب التي درسها للكثير من طلاب المسرح في الولايات المتحده وبقيه دول العالم فى محاضراته المهمه التي تشكلت منها فيما بعد فصول كتاب المسرح الحي. 

ويضيف " تلك التجربه ترفع الستار عن أفكاره ومنطلقاته التي اكتسبها ضمن تنفيذ مشروعه المسرحي داخل تكوين المسرح الامريكي, حيث ألقي تلك المحاضرات على مجموعه منتخبه من طلاب الدراسات العليا في جامعه نيويورك, حيث ساهمت تلك المحاضرات في الكشف العميق عن الحقائق الايجابيه المتعلقه بفن المسرح, فكره وتكنيكآ, وكذلك العناصر المركبه المختلفه التي تسهم في بناء وتشغيل وتخصيص فضائه العام, لم يكن رايس في غضون ذلك يستند على مقرر مسرحي معين في علم المسرحيه  بل على تجاربه كمؤلف ورجل مسرح يمتلك رؤيه ثاقبة, وكان في محاضراته يتوقف عند النصوص العالميه المشهوره مثل توقف من يريد استبيان المضمون او القيمه الفنيه في تلك الروائع العالميه, عمليه النقد والتحليل لديه كانت تنطلق من موقف تنويري يقود بالنتيجه الى حسم الخلاف او يلغى الرؤيا غير الواضحة, وفى تقديري كانت مهمه كبيره وشاقه تطلبت منه مجهودا كبيرا لكي يقرب النموذج الذي يرسم في تلك المسرحيات".

يقول رايس واصفا تلك التجربه " كل ما تعمقنا في الدراسه يزداد الحماس للموضوع, وتضاعفت اسئله طلاب الدراسات العليا تلك التي كانت اثناء المناقشه المتواصله".

ويقول رايس " الفرق الجوهري بين عمليه الخلق والتوصيل عن بعضهم البعض اختلافا كليا في احد اهم يمثل النشاط الانسان التلقائي ذلك الصادر عن الذات الواعيه للفنان بينما تمثل الاخرى عمليه ميكانيكيه ذات نفسه صناعي تكنولوجي تنظمه الاله هذا الاختلاف قد لا يظهر في مجتمعات بدائيه من لانه يظهر بوضوح تام كلما اصبح النسيج الاجتماعي للمجتمع اكثر تدخل واعقد حالا في التركيب ان اي كتاب او مسرحيه او رسم يعتبر يعتبر عملا فنيا عندما يغلق الفنان وربما كان عملا فنيا بعد مماتي ايضا ولكنه يصبح سلعه بمجرد تسويقه واستغلال اقتصادين الكثير من الكتاب والفنانين يفضلون ان يعبروا عن مجنون زاويتين في اعمال مباشرا هم الفنانين الذين يكسرون الحديث عن مبادئ الفن وهم يمثل التي ليست لها اعمال فنيه خالده للفنان يطمع في الشهره والرضا عن النفس والشعور بالطمانينه التي تستمد من اعماله الفنيه لذلك ندرك اهميه جهاز التوصيل بالنسبه له لان طريقه ادائه لوظيفته غالبا ما تحدد طبيعه درجه الاستجابه الى انتاجه يستطرد رايس عن اهميه التوصيل على النحو التالي اكتب المسرحيات عدت لتؤدي امام الجمهور النظاره في حيز المسرح وبينما ينطبق هذا الوصف على النشاط الموسيقي الأوبرا إلا أن تقديم الفن المسرحي يعتبر أكثر تعقيدآ لدرجه ان الفارق بينهما يصبح فارقا في النوع  واذا ما نظرنا إلى الآداء والمسرح وعوامل أخرى تمثل مؤسسه يمكن ان نطلق عليها لفظ جسم حي تسمى المسرح لها صفاتها الخاصه بتكوينها ان الجسم الحي المسرحي هو الفضاء الذي يستخدم في توصيل المسرحيات إلا أن له جودا إجتماعيا وفنيا خاصآ به ويمكن توضيح اهميه ذلك بانه لولا وجود فن المسرح لما وجد اصلا فن كتابه المسرحيات ولكي نصل الى هذا المستوى من الفهم يجب علينا الناس تقسى طبيعته مهمه الدراما المسرحيه قبل ان نخوض في طبيعه العناصر المكونه للمسرح بشكل تفصيلي شامل  يرى رايس الن جوهر الدراما المسرحيه يستند الى الحركه الفعل وليس الكلمه ويضع رأيا قاطعا ان المسرحيات تكتب لكي تمثل وليس العكس  كما في تعريف ارسطو عن الماساه هي محاكاه للحركه فهي تعني حرفيا اغنيه الماعز ويبدو انها تشير الى طقوس دينيه قديمه اقدم فيها الماعز قربان الكلمات".

وعن المسرح الحى نقلآ عن جريدة مسرحنا " النظرة الخاطفة علي عناوين هذه الحقبة  كشف عن انشغال بارز بإلحاق المسرح كأجزاء مصاحبة لجسمه الحي . علي سبيل المثال كتاب ( ألآن س دونر ) “ حياة تصميماتنا The Life of our Design “ (1949)، وكتاب “ المسرح الحي The Living Theater” تأليف ( المر رايس )، وكتاب “ حياة الدراما The Life of the Drama” تأليف ( اريك بنتلي) (1964) ومقال ( بيتر بروك ) “ المسرحية هي الرسالةThe Play is the Message “ (1965) . اذ يجادل ( بروك ) في صياغته الأيقونية “ يجب أن نحاول اكتشاف المسرحية ككائن حي، ثم نستطيع تحليل اكتشافاتنا “ . ظهر هذا الاتجاه الذي يؤكد علي حيوية المسرح أو الشيء الحي في العديد من التكرارات بما في ذلك تلك التي أكدت علي الخصائص الحية لكل من الممثلين والجمهور، مثل اشادة ( روبرت بروستيان) بالمسرح الحي عام 1959 في عرض  مسرحية “ الليلة نرتجل Tonight We Improvise”  تأليف (بيرانديللو) “ لفهمها الفريد أنه لا يمكن أن يوجد مسرح حي بدون جمهور حي “ . وقد أدى هذا النقد إلى استمرار الحس النقدي للمسرح نفسه باعتباره كيانا حيا شبه مستقل وعزز اعتبارات المسرحيات المستقلة والعروض وحتى دور المسرح نفسها كجزء من الجسم الحي للمسرح" .  

ويربط الكاتب والمنظر المسرحي الأميركي إلمر رايس، في كتابه “المسرح الحي”، بين الاستثمار التجاري الذي يقوم على الربح وثقافة الاستهلاك ومسرح “الفارس” في “برودواي”، مؤكدا أن الطابع الغالب في المسرح المحترف في أميركا هو طابع المؤسسة التي يموّلها أشخاص هم المستثمرون، والمديرون ممن يراودهم أمل كبير في تحقيق الربح.

هذا النمط من المسرح ينتشر في العديد من الدول العربية، ويُعدّ منافسا قويا للمسرح الجاد، بسبب ضعف وعي شرائح واسعة من الجمهور.

لذلك لا مفرّ من أن يكون الفيصل في اختيار مسرحيات ينتجها مسرح محترف هو تقدير المنتج لما تستحقه هذه المسرحيات من أرباح، وهي مسرحيات لا تهتم كثيرا بعناصر الدراما وبنائها وجمالياتها، بل بالإضحاك، إذ كلما ازداد عدد المواقف أو الشخصيات المغرقة في الضحك كان العرض المسرحي أكثر جذبا للجمهور الواسع، الباحث عن الترفيه والتسلية، ومن ثم أكثر إدرارا للأرباح.


ويلاحظ رايس " أن هذا المسرح يستغل المسرحيات استغلالا اقتصاديا، وهو ما يُعرف بالاتجار بالمسرحيات، وذلك يعني خضوع العرض المسرحي للطلب، ولمبدأ أن السلعة الرديئة تطرد السلعة الجيدة. كما يعتمد بالدرجة الأولى على تمويل المنتج المستثمر، وعلى فرقة مسرحية لا تعتمد على المعونات من الجهات الرسمية مثلما هو حال المسرح الوطني وفرقه. ويؤكد أصحاب هذا المسرح أن الإجادة الفنية في المسرح غالبا ما تعوق النجاح التجاري".


إسلوب إلمر رايس التعبيري.

تركز هدف الفن التعبيري في التجسيد الموضعي الخارجي للتجربة النفسية المجردة، عن طريق توسيع أبعادها، وإلقاء أضواء جديدة عليها، لكي تكشف عن الأشياء التي يخفيها الإنسان أو التي لا يستطيعون رؤيتها لقصر نظرهم. وتجسد التعبيرية جوهر الأشياء، دون إظهار خارجها، ولذلك فهي لا تعترف بأن هناك تشابهاً بين الظاهر والباطن.

 تهتم التعبيرية بالإنسان ككل، ولذا فإن الشخصيات في المسرح التعبيري تتحول إلى مجرد أنماط أكثر منها أناس من لحم ودم، وأحياناً تتحول إلى مجرد أرقام أو مسميات عامة.

وتقوم المسرحية التعبيرية على شخصية محورية تمر بأزمة نفسية أو عاطفية، لذلك يستعين المؤلف بعلم النفس في أحيان كثيرة حتى يبلور مأساة الشخصية الداخلية.

 ويتضح ذلك فى كتاب الكاتب ميلتون ماركس فى كتابه ( المسرحيه, كيف تدرسها وتتذوقها) فيقول: " اعتمدت التعبيرية تقنية خاصة في تكثيف الحوار، وأحيانا بحوار داخلي (مونولوج) يتسم بالغنائية والبوح، وخلق منافذ جديدة في التعبير الفني للبطل، والصور الشبحية التي تشكل عامل ضغط نفسي، وبالتالي ينكفئ داخل أعماق ذاته، التي تتسيد رؤيته المنسكبة على ما يقع خارجها - الموضوع-، بمعنى أن البطل يرى الواقع الخارجي وفق رؤيته المشوهة للواقع، لهذا تكون الأشباح والأقنعة ضمن تقنية كتابة النص التعبيري, فالمؤلف التعبيري يحاول خلق سراب من الواقعية على أساس تشويه الواقع عمدا، فهو يقدم قصة داخلية لا تكاد تعتمد على القصة الخارجية. فتفقد الشبه بالحياة الواقعية, والنصوص التعبيرية تشترك: بالتفكير المشوش للبطل، وبالقيم غير الواضحة، ومحاولة أن يكيف الإنسان نفسه في عالم يتسم بالإرباك. فضلا عن اعتماد التعبيرية على سلسلة المشاهد التي تبدو مفككة، وكل مشهد يكون صورة تلتئم لتكوين الصورة الكلية للنص. وتدخل المؤثرات الصوتية والبصرية طرفا في نسيج النص ذاته، ليبلغ تأثيرها مداه كاملا".

وعن المذهب التعبيرى يقول الكاتب قحطان بيرقادار فى مقاله على موقع اللقا : "تطور المسرح التعبيري بوصفه حركة في ألمانيا وانتشر تأثيره، ووصل قمته بعد الحرب العالمية الأولى في مسرحيات الكتاب المسرحيين مثل: إرنست تولر، وفرانك، وديكند، وجورج كايسر، وجوزيف، وكاريل كابك".

 

ويضيف " أما في الولايات المتحدة، فإن مسرحيات إلْمر رايس، ويوجين أونيل، وآخرين قد تأثرت بالتعبيرية. كما يمكن أن يُرى تأثير التعبيرية أيضاً في بعض الشعر الألماني الذي كُتب في أوائل القرن العشرين. ولو أن التعبيرية لم تعد حركة محددة، فإن أهدافها وطرقها ما زالت موجودة في كثير من الدراما والفن المعاصرين".


عن التعبيرية يقول الباحث وهبة مجيدى" نتيجة لشعور الإنسان بقدوم الحرب الكونية الأولى، انبثقت حركات فنية ومنها التعبيرية وهي "نزعة فنية وأدبية ترمي إلى تمثيل الأشياء كما تُصورها انفعالات الفنان أو الأديب، لا كما هي في الحقيقة والواقع, وهذه النزعة ظهرت في الأدب والفن، وقد ظهرت أولا في ألمانيا قبيل الحرب العالمية الأولى 1914 وازدهرت حتى 1924) .

وعن أوديت أصلان يقول "  التعبيرية نشطت في ضروب الفنون المختلفة, أيضا و"لا تقتصر على الأدب وحده، بل تشمل الموسيقا والرسم والرقص والمسرح, ومن غير شك، إن التعبيرية حركة ضد النزعة الواقعية والتأثيرية، بوصفها "دراما أوتوبيوغرافية، أو بالأصح دراما اعترافية"  

ويطالعنا الكاتب ستيان عن المذهب التعبيرى ونشأته فيقول : " لقد انتشرت التعبيرية في الدراما والفنون المختلفة، وامتصت طبيعة المشاعر التي سادت تلك الحقبة التاريخية ما قبل الحرب الكونية الأولى، وفي مرحلتها الأولى، شددت على الاحتجاج في وجه السلطة والمجتمع والعائلة، ومواجهة الكبت والحرية مقابل السلطة وضد مكننة الإنسان، معتمدين على ذات البطل، وسيادة اللاشعور، مما يبلور عالما متقطعا، معتمدين على الرؤية الوحيدة للبطل الحالم بجو كابوسي، والحبكة تميل إلى التفكك والتجزؤ إلى أحداث مترابطة، وإلى أحداث عرضية، ولوحات, لذا فقد أصبحت الشخصية تعرف بالصفات دون الأسماء أما بعد الحرب وما رافقها من مجازر اتخذت التعبيرية صبغة راديكالية ونزعة ماركسية" 

وهنا يضيف أصلان " لقد حافظت الدراما التعبيرية على الحدث المتقطع، والبطل الذي يبحث عن نفسه، بوصفه مجهولا عن نفسه، وتكمن مأساته بإثم ربما اقترفه، ولم يستطع فهمه، أو الوقوف عنده فيقع فريسة للاضطهاد.

وعن المذهب التعبيري في المسرح يقول فاروق عبد الوهاب " فى فيينا عاصمة النمسا ، في أوائل هذا القرن استطاع شخص يدعي سيجموند فرويد ، أن يحدث ثورة في التفكير الإنساني فتحت أفاقا جديدة للمفكرين والمشتغلين بالفنون ... ونتج عن أبحاث فرويد قلب لفكرة الناس عن السلوك الإنساني ، وذلك بتأكيد أهمية العقل الباطن واختراع علم التحليل النفسي الذي يتتبع تاريخ كل حالة مرضية ويرد كل تصرفات الإنسان إلي أسباب ربما رجعت إلي السنين الأولي من حياته ، كما أكد أهمية الأحلام في الكشف عن الواقع النفسي الداخلي للشخصية".

ويضيف " في ذلك الوقت أيضا كانت الروح المادية والآلية قد بدأت تسيطر علي حياة البشر في أوروبا وأمريكا وبدأت اعتبارات الكم تتحكم في مصائر الأفراد والأمم واستتبع ذلك تفكير مادي علمي كاد يلغي الجانب الروحي أو العاطفي عند الناس ... كما استتبع ذلك أن يكون المسرح مثل سائر الفنون ، واقعيا طبيعيا في معظمه ، وانحسرت عبقريات الفنانين في تصوير أشياء تحدث يوميا بطريقة فوتوغرافية ... وبالطبع كانت هناك محاولات متفرقة للثورة علي هذه الاتجاهات تمثلت في بضع مسرحيات وروايات رومنسية تغلب عليها فكرة الهرب من هذا الواقع الذي كان الفنانون يرونه مجديا يتسبب في خراب نفسي للبشر... ولكن هذه المحاولات كانت ، كما أسلفت محاولات فردية متفرقة ، لا تصلح لتكون إتجاها عاما أو حركة ذات أثر ملموس".

ومما تقدم يتلاحظ للبحث أن التأثير المادى قد إنعكس على مسرح إلمر رايس مثلما إنعكس على كل الحياة الواقعية والمسرحية فى أمريكا فى فترة من الفترات. الأمر الذى ألجأ كتاب المسرح إلى الهروب من ضغوط الحياة المادية والكتابة فى إتجاهات مسرحية مختلفة كالرومانسية وغيرها. 

كل هذه الظروف ، أدت ، كما يقول ألاردايس نيكول  في كتابه ( تاريخ الدراما في العالم) إذ يقول عن ظهور مسرح الذات " مسرح الذات اقترن ظهوره بظهور حركات فنية مضادة للواقعية في تكتيكها وفي وجهتها الأساسية مثل السيريالية والتكتيكية والمستقبلية".

وهو ما جاء أيضآ على لسان د. رشاد رشدى كما يطالعنا إبراهيم العريس باحث وكاتب  فى مقاله على موقع إندبندنت عربيه, يقول د. رشاد رشدى " وقد عبر أوسكار كوكوشكا الرسام والكاتب المسرحي عن وجهة نظر التعبيرية بقوله " علينا أن نصغي باهتمام إلي الصوت الداخلي. وكل المطلوب منا أن نترك العنان لكل شئ فما روحنا إلا ترديدآ لأصداء المؤن".

وعبر ألارديس عن التعبيريه بقوله " ان ثورة التعبيرية في المسرح كانت مؤثرة لان مذهبهم ( يدعو الى نوع جديد من التأليف المسرحي لم يدم بصفتها الفنية الخالصة طويلاً ولكن أثّر تأثـيرً بالغاً من خلال العشرين سنة الماضية على كُتّاب ماكانوا ليفكروا في الكتابة على هذا النحو لو المذهب التعبيري".

ومن الجدير بالذكر ان هذه المذاهب وفلسفتها لم تقتصر على نمط واحد من أنماط الإبداع, بل شملت أيضاً الرسم والموسيقى والنحت والدراما وصنوف الأدب الأُخرى, ما تركت آثاراً كبيرة لا على مجتمعاتها التي ظهرت فيها فحسب, كما فى كتاب ابراهيم حماده ( معجم المصطلحات الدراميه والمسرحيه) حيث يقول " التعبيرية أيضاً هي الحركة التي اِحتضنت جميع الفنون عندما بدأت في المانيا سنة 1910م , ويُفترض ان المصطلح عموماً قد أُقتُرِح من قبل بعض الرسوم التي عرضها "أوغنت هارفيه" عام 1901م في صالون المستقلين  في باريس تحت عنوان (( التعبيرات)).

ويقول دريني خشبه فى كتابه ( أشهر المذاهب المسرحية) : " تلعب الاضاءة دوراً كبيراً  في تعميق العوالم  الداخلية والخارجية للشخصيات  التعبيرية, وتعمل على تركيز الانتباه نحو الشخصية التي تعيش حالة المعاناة النفسية وبعزلها مع معاناتها عن الشخصيات الأخرى والعالم المحيط بأستخدام اضاءة المناطق أو البقع, فضلاً عن تعميق دور الشخصيات المساعدة في صنع هذه المعاناة  وخلق جو نفسي  وجماعي متوتر  يقوم على الوحشية والرمزية المرعبة, ويلجأ المُخرج  الى استخدام  الأضاءة في الأكثار من الأركان الشاحبة واستخدام ألوان قوس قزح في تغيير المناظر واتقان اظهار الأشباح وأطياف الوحوش والجن والزواحف مما يساعد  في تصوير دخلة البطل".


يطالعنا د. نبيل راغب فى كتابه ( المذاهب الأدبية من الكلاسيكية إلى العبثية ) :

" التعبيريه أسم أطلقه النقاد الألمان ، نشأ نتيجة إحتجاج النقاد في محاولة الرومانسية والواقعية أبعاد العناصر التي لا تدخل ضمنها. وهذا المذهب كما يوحي أسمه ، محاولة لإكتشاف تقنية وطريقه للتعبير عما يعتقد الكاتب المسرحي بأنه يشكل الحقيقة الباطنة في مسرحية ، وهو طريقة أوفى وأكثر تأثيراً من  بقية طرق المذاهب المسرحية. فهو من جهة يشكل إحتجاجاً لما في الرومانسية من أباطيل عاطفية ، ومن جهة أخرى يشكل إحتجاجاً على إتجاة الواقعية علي الإكتفاء بالتصوير الدقيق للمواقف الظاهرية في الحياة واللهجات والوسط الاجتماعي والأخلاق والعواطف والأفكار عند طبقة من طبقات المجتمع".

ويضيف " فالتعبيري يرى أن الرومانسية تحاول أن تستبدل التأويل الأمين للتجربة الإنسانية بتأويل مزيف ؛ ويرى أن الواقعية تضيع الحقائق السيكيولوجية الباطنة نتيجة إنشغالها بالنقل الدقيق للظواهر . ثم أن التعبيرية تكشف عن تأثير الإشغال المعاصر بتجارب الرجل المعاصرالفنية والمعقدة والشعورية واللاشعورية على المسرحية ، وتفصح عن ضيق كل من الكاتب المسرحي والمخرج ذرعاً بالقيود التي فرضتها المسرحية الطبيعية في نهاية القرن التاسع عشر، وتظهر رغبة شديدة في الإستغلال الكامل لجميع ما في المسرح الحديث من وسائل هائلة في المعدات وفي الإضاءة ، وتحاول أن تُخرج بالوسائل التخيليه القويه ما في المسرحية التجربية من مفاهيم فلسفية أو مادية . والتعبيرية تتيح أقصى مجال من الحرية في إستخدام الأساليب والوسائل الفنية والأجواء . فقد نجد في المسرحية الواحدة إنتقالاً فجائياً –لانعطي له أحياناً تفسيراً – من الشعر إلي النثر ، ومن الواقعية الموضوعية إلي ذروة المونولوج الذاتي ، ومن حوار واقعي تقليدي إلي  كلام مسرف الإيجاز . ولما كان التركيز ينصب على تجارب الفرد أو الجماهير الأساسية فإن المسرحية التعبيرية تتجه نحو تبسيط الحبكة المسرحية وتقليل الفعل الموضوعي ، وذلك لكي لا ينصرف الإنتباه عن الأمور الرئيسية.

ويرى فاروق عبد الوهاب ارتباط التعبيرية بفن الرسم حيث يقول" وقد ارتبطت التعبيرية في نشأتها الأولي بالحركات التكعيبية والمستقبلية في الرسم ، وذلك لأن الهدف الأساسي الذي كانت كل هذه الحركات ترمي إليه هو الغوص تحت السطح واستكشاف ما وراء الظاهري وتحقق لهم ذلك في الرسم بنبذ الخطوط الواقعية ومحاولة التعبير عن المسطحات الأساسية التي تتكون منها تجربة جمالية ما ، أو باستخدام الخطوط المستقيمة الحادة والطريقة التركيبية أي بالتعبير عن تجارب عدة مركبة في وحدة تشكيلية واحدة . ولم يكن هدف التعبيرية في المسرح يختلف كثيرا عن ذلك ." 

وفى التفريق بين الكتابة التعبيرية للمسرح والكتابة التعبيرية للروايه يقول فاروق عبد الوهاب " إذا ألقينا نظرة عجلي علي تاريخ الأدب المسرحي ، لوجدنا أن عدم إمكانية الغوص إلي ما يدور بداخل عقل الشخصيات كأن يشمل أحد العوائق الخطيرة التي تواجه الكاتب المسرحي, فمن البديهي أن الناس لايمكن تصويرهم بصورة مرضية كاملة من خلال ما يفعلون أو يقولون ، وبينما يستطيع كاتب الرواية ٠ مثلا- أن يصل إلي ما تحت السطح عند شخصياته وأن يكشف لنا عن عواطفهم الخاصة الدفينة ودوافعهم التي ترقد في اللاوعي ، نجد أن الكاتب المسرحي يعجز عن تحقيق ذلك ، وعندما كشف علماء النفس العالم النفسي الداخلي الزاخر بالأحاسيس والعواطف وجد بعض كتاب المسرح أن تكتيكهم القديم لا يمكنهم من مسايرة هذا التطور. وبالطبع كانت الواقعية التي سادت المسرح في القرن التاسع عشر تأبي علي الكتاب استخدام المونولوج أو المناجاة وتدمغهنا بالافتعال ، وحاول كثير من كتاب المسرح المحدثين التغلب علي هذه المشكلة وتصوير الحدث النفسي داخل الشخصيات ؛ وكان لويجي بيرانديللو من أمهر من تصدوا لحل هذه المشكلة مسرحيا باستخدام الأقنعة والجنون الحقيقي والمفتعل والشخصي". 

وتمثل ذلك فى مسرحيته ( ست شخصيات تبحث عن مؤلف) ومسرحيته ( هنرى الرابع ) التى أصطنع فيها الجنون. وأيضآ فى لجوء مسرح أوجست سترندبرك إلي الحلم ما يؤكد انعكاس المثالية فى بناء المسرحية التعبيرية واشتباكها مع المادية كوسيلة لتصوير الواقع الداخلي للشخصية، ولم يكن لويجى وأوجست وحدهما اللذان حلا تلك المشكلة, فقد لجأ ت.س. إليوت التغلب علي المشكلة من خلال الطبيب النفسي ، وقسًم إيفرينوف الشخصية الواحدة إلي عدة جوانب ، أما آرثر ميللر فقد لجأ إلي وسيلة مسرحية بسيطة وهي الشخص الذي يحدث نفسه.

ويلخص لنا مقال الاتجاهات المضادة للواقعية ..ب – التعبيرية, على موقع المسرح العالمي على الفيسبوك,  فيقول " لكى  نتعرف على التعبيرية فهي باختصار تعني بالتعبير عن رؤيا شخصية للحقيقة، لذا فلا يهتم الكتاب بتصوير المظاهر الخارجية، بل بتصوير التجارب والأفعال في ضوء رؤيا الكاتب لها, فالكاتب المسرحي يعبر عن رؤياه لما يحدث مهما كانت هذه الرؤيا شخصية".

ويضيف " عكس الواقعيين الذين يرون الحقيقة في ملاحظة المظاهر الخارجية، يبحث التعبيريون عن الحقيقة داخل النفس البشرية. ومادام الكاتب يسعى إلى تصوير هذه الحقيقة الداخلية، فهو يختار الوسائل التي تكفل له التعبير الملائم، ولذلك نجده أحيانًا يغير أو يشوه مظهر الأشياء".

ويرى كاتب المقال أن " الكاتب يستخدم لغة تلغرافية، أو لا ترتبط مفرادتها ببعضها البعض كما في الواقع، وقد يستخدم الرموز وقد يطلب من الممثلين استعمال حركات آلية, فكل ما يعاون الكاتب على التعبير عن رؤياه جائز، إذ أن الكاتب التعبيري لا يعنيه أن يصور ما يشبه الحياة، والإنسان هو دائمًا محور اهتمام التعبيريين، فهو- في نظرهم- يسعى إلى الاكتمال، وقادر على أن يكون عظيمًا نبيلاً, إلا أن الثورة الصناعية جعلت حياة الإنسان آلية؛ ويرى التعبيريين أن العالم وكذلك النفس الإنسانية قد شوهتها قوى غير بشرية، أي صناعية، ولذلك فهم يلجأون إلى اتجاهين لمعالجة مأساة الإنسان الحديث , إبراز النواحي والعوامل التي ساعدت على تشويه الإنسان وإحالته إلى آلة، ومن هذه العوامل- بل وأبرزها- القيم الزائفة, وهو ما لا يتضح في الدراما التعبيرية بنسبة الاتجاه الأول نفسها، وهو يرسم الطريق إلى مستقبل أفضل".

ونخلص من كل هذه الأمثلة إلي أن أنواعا متعددة من التكنيك قد استخدمت كمحاولة كشف الواقع النفسي الداخلي للشخصية , حيث كان التعبيريون يعتقدون أن الشخصية الحقيقية للإنسان ترقد تحت أقنعة مختلفة من السلوك التقليدي؛ وأن وراء الوجه الاجتماعي للشخصية عالم غريب شاسع الأطراف يضم العواطف البدائية والرغبات التي لا تظهر الي السطح إلاً نادرا ، وأن الي الكاتب أن يستكشف هذا العالم ويجسده في تجسيدات خارجية بحيث تترجم الواقع النفسي الداخلي إلي آشياء محسوسه مشتركة بين البشر لكى يتوفر التعاطف المطلوب في الدراما. 

ويوضح سترتدبرج من طبيعة الثورة المسرحية التي كانت تأخذ أبعادها في أوائل القرن العشرين حيث كتب في صدر مسرحية (الحلم) ١٩٠٢ " يمكن لأي شئ أن يحدف فكل شئ ممكن ومحتمل .. لا وجود للزمان أو المكان فعلي خلفية لا قيمة لها من الواقع ، ينسج الخال أنماطًا جديدة ، تكوينات من الذكريات والتجارب والتهويلات الحركة والعبثية والارتجالا".

ويستطرد " المسرحية تقدم لنا شكل الحلم الذي لا تربط أجزاءه علاقات ما ، إلاً أنه يحب أن يكون لها شكل منطقي ظاهري". 

وذلك يطابق ما يراه رايس عن مهمه خلق التوصيل المطلوب إذ يقول فى كتابه المسرح الحى : " أستشهد بلعب الاطفال في سنواتى الاولى عندما كنت أستخدم الدومي ونماذج صورا وتماثيل الحيوانات عندما كنت أسعى الى محاكاه تجربتى الخاصه كما تحصل المحاكاه والتقليد النظام الذي يفرضه الاباء في وجبات تناول الطعام او في النوم او اي نشاط ثماني اخر ويستند الى اقبال المشاهدين على الم لهى المائيه الصامته وكذلك العروض التي تقدمها مسارح العرائس وكذلك العروض المسرحيه التنكريه وايضا المهرجانات الجماهيريه الكبرى كما في الاحتفالات الوطنيه والاعياد وحفلات الطقوس الدينيه من تلك التي لها ثقافه عالميه كذلك الحال في الافلام الصامته ذات الشعبيه الكبيره التي تم شكل من اشكال الاداء المسرحي الممذوج بالخبره السينمائيه الحديثه".

وقد طبق سترندبرج تلك النظريات في الدراما بكتابة مسرحيات مثل ( الحلم) ، و ( سوناتا الشبح ) و ( إلي دمشق).

ويصيغ فاروق عبد الوهاب ذلك إذ يقول " ظل سترندبرج لفترة محددة، مجددا وحيدا في هذا المجال ، ولكن سرعان ما انتشرت التعبيرية في المسرح حتي بلغت أوجها في الفترة ما بين ١٩١٣١٩٢٥ وخاصة في ألمانيا ثم وجدت طريقها إلي الولايات المتحدة في عشرينيات هذا القرن عند يوجين أونيل و إلمر رايس وجون كفنان وماركونولي وكون موارد لوسون".

وعن أداء الممثل في المسرح التعبيري يقول د. سعد أردش فى كتابه ( المخرج فى المسرح المعاصر) : " نجد ان الفنان التعبيري ميالاً الى عد نفسه انساناً حالماً ذا قُدرة على التنبؤ, لقد نؤدي على ذلك الانسان لكي يفجر الواقع التقليدي ويقتحم القشرة التي أحاطت بنفوس الناس من أجل التعبير الحر عن الطاقات المكبوتة داخل النفوس,ولما كان الفنان التعبيري الحالم غير قادر على تمثيل العالم التقليدي "الساقط" , بوصفه ومحاكاته , فإنه أخذ يرمي إلى تجريد الأشياء اليومية وتفريغها من سياقها الطبيعي ثم تجميعها من جديد من أجل خلق أفاق تشعُ بالروحانيات".

ويضيف " تحتم على الممثل التعبيري ان يتمتع بقدرة الادراك التعبيرية في قرائته لحوارات النص متصوراً وباعثاً ذلك العالم الداخلي المتأزم بشخصية البطل وانفعالاته النفسية الداخلية ومزاجها وأهدافها التي تروم الوصول اليها,وهذه القدرة الأدراكية تفترض مقدرة الممثل التي يتم بواسطتها ترجمة تلك الانفعالات والخصائص السلوكية واسترجاع ملامح تلك الحركات والوضعيات والأشارات وطريقة الالقاء ونبرة الصوت وشكل الكلام مع الشخصيات الأخرى ومن فهم الممثل وقدرته على التنقل واِسترجاع التقنيات الجسدية والصوتية كافة,لأزمة شخصية البطل ومقدرته بسهولة على التقاط تلك الحركة وتلك النبرة المسيطرة واسلوب التنقل والحركة واسلوب الصوت والالقاء".

وأيضآ يشرح لنا مالكولم برادبري وجيمس ماكفارلن، فى كتاب ( الحداثة ) : " الفنان التعبيري شأنه شأن الدراميين يكُنُّ الأحترام ليس للموضوع, اِنما لقدرة الفنان الخلاّقة, لقدرته على اِضافات ذاته على الموضوع ومن هنُا جاءت دراما "الأنا  ich-Drama ".

وهنا يتبين لنا جليآ  طريقة إلقاء الممثل التعبيري وخصائص الحوار في النص التعبيري الذي يتخذ عدة أوجه من حوارات طويلة وأحياناً قصيرة متقطعة, وقد يمتزج الشعر مع النثر مع انتقالات حادة فيما بينهما وقد تكون الحوارات حشواً لا تسير مع الفعل المنطوق بواسطة الممثل اذ توجّه كلمات النص حركة الممثل واشاراته وايماءاته وهي في الوقت نفسه تُحاول ان تُثير فيه شعوراً تعاطفياً وبصورة مباشرة.

 فآداء ممثل المسرح التعبيرى قائم على محاولة رسم صورة داخلية معبراً عن الصراع الروحي للشخصية وأزمتها النفسية, وهو ليس صورة تقليدية أو تشبيهية تُحاكي الواقع بل يستمد الممثل في أداءه للشخصية الرئيسية بمُساعدة الممثلين للشخصيات الثانوية,

ويكشف أداء الممثل الأعماق النفسية للشخصية واِبرازها وتصوير تجارب العقل الباطن  ويبتعد الأداء عن المظاهر الجسدية الخارجية, وهو غير مترابط وذو مقالات حادة من حالة الى أُخرى ومن موقف الى آخر وحسب الحالة النفسية, ويميل أداء الممثل الى الإيحاء والرمز والتجريد, وهو حامل للفكرة لا مُفسر لها, ويكسر الممثل في أدائه حالة الإندماج التام والتقمص الكامل مع الشخصية ومع المُتلقي. وأداءه ليس بطلاً تراجيدياً ولا يُجسد الشخصية بل هو مترجم لحالات الروح, ويعتمد  الممثل التعبيري على الاداء الحركي الحسدي والصوتي لبلوغ الصراع الروحي والأزمة النفسية, ويميل قسم من الأداء  الى الحوار الجانبي والمناجاة المونودرامية, الغرابة في الأداء الذي لا يتحدد بأبعاد انسانية ثابتة تظهر بوضوح فى آداء الممثل التعبيرى.

ويتضح للبحث أيضآ عن سمات المسرحية التعبيرية كما فى مسرحيات رايس التى سوف يشمل البحث لاحقآ تحليلها الآتى :

- إشتمال المسرحية التعبيرية على شخصية رئيسية واحدة تعاني أزمة روحية أو ذهنية أو نفسية ، على أن تري البيئة والناس في المسرحية من خلال نظرة تلك السخصية الرئيسية إليها.على أن تكون متفرسة يترجمها مؤلف المسرحية ويعبر عنها بوسائل المسرحية الرمزية .

 - تتألف المسرحية التعبيرية عادة من عدد كبير من المشاهد والمناظر.

 - المشهد الأول غالباً ما يكون من مشاهد الحياة ، وذلك لتيسيرالدخول الى الموضوع.

 - تهدف إلى تصوير دخيلة النفس وتجسم تجارب العقل الباطن ، فليس المهم تصوير المظاهر الخارجية المحتملة الوقوع.

 - شخصيات الرواية التعبيرية نماذج ، لا أفراد عائدين ومن ثمة يسمون بأسماء رمزية أو ندعوهم : الرجل أو المرأه أو الشاعر أو الشرطى.... الخ

 - اللغة مقتضبة يكثر فيها حذف أواخر الجمل .. وهي لغه سريعه تلغرافية ...ويفضل أن تكون لغة دارجة تبتعد عن اللغة الرسمية التي لايستعملها الناس في تفكيرهم الخاص.

 - التمثيل يكون فيها سريعاً، خيالياً ، متنوع المناظر مصحوب بالموسيقى والأصوات الرمزية ، حافل بالحيل المسرحية كالأقنعة والملابس الغريبة والإضاءة التي تثير الخيال.


إلمر رايس و المسرح غير التجاري في أمريكا

يقول إلمر رايس " علي الرغم من أن نيويورك تعتبر مركز الإنتاج الحقيقي الوحيد للمسرح الأمريكي ،. وأن كلا من الكاتب المسرحي والمخرج والممثل إنما يبني شهرته علي منصات مسارح برودواي ، فإن مسارح برودواي الثلاثين والمسرحيات التي تنتج هناك ،. ويتراوح عددها بين الستين والسبعين مسرحية ، إنما تمثل نسبة بسيطة من مجموع النشاط المسرحي في الولايات المتحدة . ولا تكتمل أي دراسة للمسرح الأمريكي دون أن تدرس الأشكال المختلفة لهذا النشاط الواسع الانتشار دراسة شاملة ".

ينقسم المسرح إلي نوعين أساسيين : المسرح المحترف والمسرح غير التجاري ، وغالبا ما يدار النوع الأول إدارة تجارية علي عكس النوع الثاني . ولكن هناك حالات إستثنائية متعددة لهذه القاعدة العامة ، فضلا عن وجود تداخل كبير بين النوعين ،. فمثلا كثيرا ما تمول الفرق المختلفة بطريقة أو بأخري كما يحدث في كثير من الأحيان أن تستخدم فرق الهواة مخرجين محترفين ، بل وممثلين محترفين في أحيان أخري .

ويدخل في نطاق المسرح التجاري - إلي جانب مسارح بردواي ٠ مسارح الطريق - أي الفرق المتجولة - أو ما بقي منها ،والمسارح الصيفية ، وعدد من المسارح المتناثرة التي تمتلكها الشركات المساهمة أو مسارح الأحياء في المدن الكبري ، فضلا عن المسارح التي تعرف باسم " او ، التي - كما يدل عليها إسمها - تكون خليطا من المسارح التي تقع من حيث الموقع الجغرافي والتشغيل خارج منطقة برودواي .مسارح خارج منطقة برودواي "

وقد انكمش نشاط " مسرح الطريق" بدرجة مخيفة في المدن التي تزورها الفرق المتجولة سواء أكان عرض المسرحية قبل أو بعد عرضها في نيويورك ،. - وقد وصف بالتفصيل ما كانت تقوم به فرقة متجولة منذ أربعين سنة مضت - أما اليوم فلا يمكن تصور مثل هذه الجولة . وقد يحدث أن جيلا بأكمله لا يتمكن من مشاهدة مسرحية تقدمها غرقة محترفة. أما الجولات التي تقوم بها الفرق المختلفة في تجربة المسرحية خارج نيويورك فينحصر نشاطها في بضع مدن علي الساحل الشرقي : نصف أسبوع في كل من نيوهاتن ، وبرنستون ، وويلنجتون، وأسبوع أو أسبوعين في بوسطن واشنطون والتينور وفيلادلفيا . أما جولة عرض المسرحيات بعد عرضها في نيويورك فهي آخذة في الانكماش أيضا بسبب الزيادة المطردة في جميع النفقات ، فضلا عن زيادة إقبال الناس الي الأجازات الشتوية . وقد شجع تطور الطيران الناس في جميع أنحاء الولايات الًمتحدة علي تمضية أجازاتهم الشتوية في نيويورك حيث يمكنهم الذهاب ألي المسرح".

ويطالعنا الكاتب د.سامى عبد الحميد فى مقاله على المدى عن المسرح التجارى فيقول " اذا كان الأمر كذلك لما أفرد المنظِّر المسرحي التقدمي (ألمر رايس) فصلاً كاملاً عن المسرح التجاري في كتابة المشهور (المسرح الحي) حيث يقول "واما على أن تسلك مسلك المسرح التجاري، فالطابع الغالب اذن للمسرح المحترف في امريكا هو طابع المؤسسة التي يمولها اشخاص من الممولين والمديرين ممن يراودهم أمل كبير في تحقيق الربح فلا مفر اذن من ان يكون الفيصل في اختبار مسرحيات ينتجها مسرح محترف هو تقدير المنتج لما ستحققه هذه المسرحيات من أرباح" . ونذكر أيضاً مقولة المخرج الانكليزي الكبير (بيتر بروك): "وقد يبدو للوهلة الأولى أن المسرح الميت ، كإحدى المسلمات ، مسرح رديء ." ويبدو أننا نضيع الوقت اذا ما انتقدنا ذلك النوع من المسرح الذي نراه دائماً والذي يرتبط كثيراً بالمسرح التجاري الذي نحتقره ونذمه كثيراً . فكيف تريد يا أخي علاء أن نحذف كلمة (تجاري) بعد هذا ؟نعم، لا عيب في وجود مسرح تجاري في أي بلد في العالم والتجارة ليست مسبّة توجه إلى مهنة من المهن أو حرفة من الحرف ولكن المسبّة توجه عندما تكون عروض المسرح التجاري هزيلة في مستواها الفني وتغيب عنها الرسالة وتلجأ إلى ما هو رخيص ومدغدغ للغرائز وما هو ثرثرة في فنون الأداء ".


مسرحيات ألمر رايس.

مسرحية مشهد على الطريق لإلمر رايس: 

تنتمي «مشهد في الطريق» إلى النزعة الطبيعية في الأدب، أي إلى ذلك التيار الذي يكتفي بتقديم الحياة كما هي، من دون تزيين أو حتى تعليق، حتى وإن كانت تنتمي في سياق فكر كاتبها ونيّاته إلى نزعة تسعى إلى السؤال حول ما الذي حل بالحرية الروحية للإنسان... هذه النزعة التي أبدى رايس، في العدد الأكبر من مسرحياته السابقة على «مشهد في الطريق» واللاحقة لها، قناعته بأنها العنصر الأساس الذي يمكنه أن يكون فاعلاً في تحرير الإنسان من ضروب العبودية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي سيق إليها. والإنسان هنا، في عمل رايس، هو الإنسان الأميركي تحديداً، إنسان المدن الكبرى المنتمي إلى تلك الأقليات التي اجتمعت كلها لتبني أميركا الحلم، ثم راحت يدمر بعضها بعضاً في لعبة هبوط إلى الجحيم. طبعاً، ليس من المنطقي هنا القول إن كل هذا يمكننا أن نراه واضحاً في «مشهد في الطريق»، لكنه، بدوره، يتضح عبر تراكم يراه المرء ماثلاً في الكثير من أعمال هذا الكاتب، التي يصل عددها إلى حوالى أربعين مسرحية، أهمها ما كتبه قبل الحرب العــالمية الثانية، حتى وإن كان واصل الكتابة حتى رحيله في عام 1967.


عن المسرحية يكتب الكاتب ابراهيم العريس فى مقاله " جزر متعددة في سجن كبير مس كوشنغ: يا لها من طفلة مسكينة! - مسز جونز: (وهما تصعدان الدرج) حسناً، أنت لا يمكنك أبداً أن تسبري غور هؤلاء الذين يتّسمون بالهدوء في مظهرهم، ولن أدهش لأدنى درجة لو أنها سارت على النهج نفسه الذي سارت عليه أمها. إن لها صديقاً تبدو عليه النعمة، لا أظن أنه يلف ويدور حولها للا شيء، وقد رأيته في ساعة متأخرة من مساء أمس ثم بعد ظهر اليوم، بعد أن رجعت من مركز الشرطة... (وتواصل مسز جونز حديثها إلى أن تدخلا المنزل. مسز أولسون تصعد سلم الدور السفلي، يظهر من اليسار بحار بصحبته فتاتان وقد لف ذراعيه حول خصريهما، يسير الثلاثة ببطء عابرين المسرح)، ستارة. على هذا النحو ينتهي المشهد الأخير لواحدة من أبرز المسرحيات الواقعية والاجتماعية في المسرح الأميركي لمرحلة النصف الأول من القرن العشرين. نهاية لا شيء فيها استثنائي قبل إنزال الستارة... تماماً مثل ما حدث قبل رفعها: إننا هنا أمام شريحة من الحياة المتواصلة تُقدّم إلينا في ثلاثة فصول، مع وحدة أرسطية في الزمان والمكان، وتحديداً ضمن إطار ما مال إليه الكتاب، دائماً في القرن العشرين، من تقديم لشريحة الحياة تلك في مكان سكني واحد يجمع أنماطاً من البشر يُقدّمون بصفتهم، في مجتمعهم الصغير، كناية عن أهل المجتمع الكبير. ولما كان ما يحدث حقاً، يحدث في التراكم المتواصل، مُكوَّناً من أحداث صغيرة، تعني كل شيء في دلالات العلاقات في ما بينها، يصبح ما يُقدّم أمام أعيننا جزءاً من ذلك التراكم، وعلينا نحن معشر المتفرجين، إذ في إمكاننا تخمين ما حدث قبل رفع الستارة، لأن جزءاً منه يروى لنا في الفصول، أو من خلال ما يحدث في هذه الفصول ونراه بأم أعيننا، علينا أن نتخيل ما سيحدث بعد ذلك، وتحديداً على ضوء موقعنا مما شاهدنا... مع نهاية لا تقول لنا شيئاً محدداً، لأنها لا تخرج عن كونها ثرثرة جيران، هم هنا لكي يعلقوا على أحداث وشخصيات يعتقدون أنها، بالنسبة إليهم، مشهد يرونه، ناسين للحظة أن ما يرونه، وما نراه، يمكن أن يحدث لنا ولهم أيضاً، ليطلع غيرنا وغيرهم، يعلقون يتحسرون ويخيل إليهم أن «هذا لا يحدث إلا للآخرين».

 تحليل المسرحية

من هنا، فإن الأحداث في (مشهد في الطريق) ليست كثيرة وليست مهمة في حد ذاتها، بل في دلالاتها بالنسبة إلى حياة الأشخاص الذين يتحركون أمامنا، ويزيد عددهم عن 25 شخصية، معظمهم أساس في حركة الأحداث، أو في التعليق عليها. وهذه الأحداث مع ذلك المناخ الحار الخانق الذي يدفع معظم سكان البناية إلى الجلوس خارجها قرب الواجهة، فيما ثمة أشخاص آخرون يطلون من نوافذ الشقق مشاركين، إما فاعلين أو معلقين، أو حتى مجرد متفرجين. ومنذ البداية يطالعنا بعض السكان، مثل آل جونز القساة وآل فيورنتينو الطيبين، إضافة إلى المثقف العجوز... وكل هؤلاء جيران آل مورانتس التعساء. وهم هنا يتحدثون عن السيدة مورانتس وعلاقتها بموظف شركة بيع الحليب سانكي. وسنعرف منهم أن روز ابنة السيدة مورانتس تخشى الفضيحة، لذلك تطالب أمها بأن تكون أكثر تكتماً في شكل علاقتها... فلا ترتدع الأم ما يجعل الأب مورانتس يطلق النار على زوجته وعشيقها ويرديهما قتيلين، وإذ تعود روز من المستشفى حيث أمها مسجاة قتيلة، تطلب من صديقها سام كابلان، ابن المثقف العجوز أن يتركها، بعدما أفسدت أخته العلاقة البريئة بينهما. ويبدو واضحاً هنا أن روز تقبل مصيرها، تماماً كما كانت للحظات سابقة، قد قبلت بالمصير المفجع الذي كان من نصيب والديها... وتترك المكان وكلها إيمان بأن الحب الحقيقي في حياتها، كما حياتها الحقيقية المقبلة، لن تقوم لهما قائمة إلا بعد أن تعرف نفسها حقاً... وفيما هي تغادر، تعود الحياة في البناية إلى سيرتها الأولى... في انتظار حدث جديد يصبح مضغة في أفواه الجيران".


مسرحية الحالمة

في عام 1945 كتب إلمر رايس مسرحية " الحالمة ".. وتولى اخراجها بنفسه مقدما فيها زوجته بيتي فيلد في دور البطولة .

تدور المسرحية حول انطباعات بطلتها " جورجينا " كما تراودها في أحلام اليقظة ، وهي من هذه الناحية تمدنا بموضوع دراسي يمزج بين شطحات الخيال والتحليل النفسي . فالمشاهد لا تفتأ تعقد المقارنات بين ما تتصوره البطلة ، وما هو قائد بالفعل . ويصل هذا التقابل المقصود إلى درجة من التشابك والتداخل يتعذر عندها الفصل بين الحقيقة والوهم ، وبين السرحان الواعي والتداعي اللاشعوري برغباته الدفينة ورموزه المستترة .

على أن الشيء الذي يسترعي انتباهما على الفور هو المقدرة الحرفية البارعة التي تضم بين جوانبها كل امكانيات العرض المسرحي وتعرف كيف تطوعها في تنسيق سياق ممتع من قصة بسيطة هينة . فالمشاهد المتلاحقة ، والقطعات المنظرية المتغيرة ، والأضواء التي تتناوب الانفراج والتركيز ، والإيقاع المتصاعد إلى مرتبة التلاحم اللاهث ، والأجواء العديدة التي تحملنا إليها المواقف .. كلها عناصر رتبت بحذق لكي تشد المتفرج إلى مقعده وتجتذب منه حاستي السمع والبصر .إننا نعيش مع البطلة في لحظاتها الحرجة ، ونشاركها في أزمة الاختيار التي تحيرها ، ونستشف من تصرفاتها قوة في الملاحظة لدى المؤلف واقتصادا أريبا في ابراز معالم الشخصيات .. ثم تتبين في لهجة المعالجة الساخرة ظلالا دسمة تنفذ بنا إلى أبعد من الموقف الجاري وتكشف لنا عن بعض مظاهر حياتنا وسلوكنا .

تحليل المسرحية

فى نص مسرحية (الحالمة), نجد أن البطلة وعن طريق أحلام اليقظة يتم من خلالها بلورة أزمنة ماضوية ومستقبلية، وبذلك يتضح أن مفهوم الزمن في النص يختلف، فالبطلة تستدعي الماضي بأحلام يقظتها "صوت المذياع، وفتاة يلتقيها بيرسيفال داخل الإذاعة، وإذا بجورجينا، تتحول إلى تلك الفتاة، وتبدأ بطرح الأسئلة، وتكتشف أنها تحب زوج أختها وهو لا يعلم بذلك". 

هذه القدرة الفائقة بإستعادة الأزمنة حدثت مع هاملت وهو يستعيد بحواره مع شبح هاملت الأب، والملاحظات التي يوردها وما كتبه من حوار إلى الممثلين. وكذلك في نص (العاصفة) إذ يتحكم البطل باللعب بالشخصيات الأخرى ويغرقها في البحر من غير أن يمزق أجسادها

وهو ما يوضح لنا تأثر أعمال إلمر رايس بالنصوص الشكسبيرية كأحدالجذور الرئيسيه للمذهب التعبيرى.

وأيضآنجد فى  نص المسرحية اعتماد المؤلف على تغيير المشاهد داخل الفصل من غير الإعلان عن ذلك، إذ تعبر البطلة جورجينا المسرح بسرعة، يخفت ضوء الحمام ثم يضيء من جهة اليمين, وهي تقنية تقترب من صياغة المشاهد في النصوص الشكسبيرية أيضآ. وكذلك في (هاملت) اعتمد شكسبير على المسرحية داخل المسرحية، لبناء الحدث وانطلاقه، والمسألة ذاتها تم استخدامها في نص (الحالمة) إذ يعتمد مؤلفها على الحلم داخل حلم في أكثر من مشهد في نصه, ولم يكتف المؤلف بذلك بل وظف نص (تاجر البندقية) لمؤلفها شكسبير، إذ تنهض فيه البطلة جورجينا بتمثيل دور بوريشيا داخل نص (الحالمة). هنا يكون التأثر كبيرا وواضحا باستخدام التقنية الكتابية ذاتها التي اعتمدها شكسبير للكشف عن عوالم أبطاله وما يضمرونه ولبناء الحدث الدرامي. والجدير بالملاحظة، أن التقنية الكتابية المعتمدة على تجزئة الحدث إلى مجموعة مشاهد تشكل صورا للبطل في حالاته المتعددة وانهياره، وهو يحاول التصدي لحالة التصدع والتهشم، وهذه البنية هي ذاتها التي اعتمدها شكسبير، حالما يباغت البطل بأمر جديد عليه، كما هو حال مكبث بلقائه بالساحرات، وهاملت بلقائه بشبح هاملت الأب. فينطلق الحدث من زاوية غير متوقعة؛ تتطلب دفاعا مستميتا ينهض به البطل، كما حدث مع جونز، الذي طورد في الغابة، أو مع جورجينا المطاردة من ماضيها وأحلامها التي لا تتوقف.


مسرحية الآلة الحاسبه:

تأليف إلمر رايس سنة التأليف: 1923

 والتى تعتبر أهم مسرحيات رايس, وعنها يطالعنا الكاتب عوادعلى فى مقاله " اتفق "رينيه" و"ويليس" على تنفيذ نص "الآلة الحاسبة" للكاتب المسرحي "المر رايس". نشر النص عام1923م، وأنتج مسرحيا وسينمائيا فيما بعد.

يتشكل النص من سبعة مشاهد، تدور فى سبعة آماكن: حجرة نوم ومكتب، صالة طعام والمحكمة، المدفن ولوحة رعوية، ثم مكتب آخر".

يحكى العرض مأساة السيد "صفر" بطل المسرحية، وكيف يعيش احباطاته اليومية، ليبحر بينها وبين عالم آخر لا يستطيع أن يجد نفسه فيه (لا يتأقلم).. حيث يجد نفسه مطرودا من العمل بعد خمسة وعشرين عاما.. بسبب شراء صاحب العمل "آلة حاسبة".

المشهد الثاني، حيث يستقبل هو وزوجته السيدة "صفرة"، زملاءه فى العمل مع زوجاتهم، وكل زميل له اسم برقم "واحد" و"اثنان"، وهكذا مع زوجاتهم بنفس الرقم.. وتجيء الشرطة للقبض عليه بتهمة قتل رئيسه فى العمل.

فى المحكمة يعترف السيد "صفر" ويحكم عليه بالإعدام.. لتبدأ رحلته إلى العالم الأخر، بداية من المدافن، حيث يتعرف على أخر قتل أمه، ثم فى مكان أشبة بجنة عدن، حيث يلتقي بزميلته القديمة "بدايزى" وربما حبيبته.

لكن السيد "صفر" بدلا من أن يشعر بالصفاء، شعر بالتوتر، لافتقاده إلى التعليمات التي كانت تقود حياته.. بينما فى المشهد الأخير يعود "صفر" للانهماك فى العمل، والعمل المتكرر، كما الآلة الحاسبة.. ويكتشف أن روحه ستعود إلى الأرض أسيرة لشخص ما، لأنه لا يمكن لأحد أن يحررنا إذا كانت رغبة أروحنا أن تظل فى العبودية.


بالتالي هذا الجو الكابوسى مع أسطورة الآلة وسطوتها، حتى أصبح الفرد ضمن تروسها، كلها عوامل مناسبة لاستخدام الواقع الافتراضي، وعلى الإخراج كسر وحدة التلقي ونقل الجمهور إلى كابوس تكنولوجي، وغمر الممثلين على خشبة المسرح فى جو افتراضي تشكيلي قابل للتحول.. من خلال عنصر الصورة Pixel فى مقابل عالم المادة ليزكى الخيال، مثلما يحدث فى العاب الفيديو , وقد امتلأت خشبة المسرح بعدد من الشاشات التي هي مكان الديكورات المتجددة.


والمثال الذي يوضح توظيف الصورة مع التقنية الرقمية والإيهام بالواقع الافتراضي، فى المشهد الأول يتم متابعة (صفر) فى صالة الشقة، وعندما يدخل غرفة النوم، يقف بطريقة معينة، بحيث تتابعه كاميرا ثلاثية الأبعاد، فيبدو على الشاشة وكأنه مستلقيا على السرير.

ولكل مشهد من مشاهد النص، تم تفصيل ديكور افتراضي، يمكن التحكم فيه أثناء العرض تبعا لحركة الممثلين.. بالإضافة إلى إمكانية عرض صور ممثلين على الشاشات الجانبية، ويبدو وكأنهم يتفاعلون مع الممثلين على خشبة المسرح أمام الجمهور.. بذلك لعب المشهد الافتراضي دورا فى نفسية المشاهد.

يذكر "جارافى" (كمثال) أنه فى المشهد الثاني، كان "صفر" وحبيبته "ديزى" موجودين معا بداخل مكتبهما، وأثناء لقاء حميمي.. بينما الممثلين بعيدا عن خشبة المسرح، تعرض الشاشة الكبيرة مشهدهما معا، وفجأة يختفي الديكور الخلفي للصورة وهو يبدو وكأنه ينزاح بعيدا، والجسدان فى فراغ، وهى لحظة انفصال عن العالم، وقد تحولا إلى شبحين بينما تبدأ الصورة فى الصغر.



قصة المسرحية وتحليلها

بطل المسرحية هو مستر صفر. والشخصيات هي مستر واحد واثنان وثلاثة واربعة وخمسة وستة وزوجاتها مسز واحد واثنين وثلاثة واربعة وخمسة وستة. تبسط المسرحية نفسها في 8 مناظر تنقلنا نقلات سريعة في الزمان والمكان.

يقضي مستر صفر حياته العملية ولربع قرن بين الارقام - أرقام على اوراق الفولوسكاب وعلى ورق الحائط وامام عينيه في كل مكان وعلى لسانه في كل لحظة - تتخبط وتتلاطم كالأمواج في رأسه. وبعد ربع قرن يقرر صاحب العمل فصله واستبداله بآلة حاسبة جديدة سريعة تستطيع فتاة من المدرسة الثانوية تشغيلها في يسر. هنا تنهار الدنيا ولحظة خاطفة تظهر ومضة برق حمراء ثم يغمر الظلام كل شيء - لقد قتل مستر صفر صاحب العمل بمبرد حاد. ولكن هل نجح في وقف تيار الآلات الحاسبة المتطورة.

يقول الكاتب ديادى صباح عطا الله فى جريدة الأدب كلية الآداب جامعة بغداد " تحدي الكاتب المسرحي الأمريكي المررايس شرور المجتمع الرأسمالي الأمريكي, كما انتقد ضعف نظام القضاء الأمريكي, تتميز كتابات رايس بالالتزام الأخلاقي، و تعطي مسرحياته صورة عن الواقع الثقافي الأمريكي, فهذه المسرحيه تصور  معاناة شخص يدعى السيد زيرو (صفر) حيث يتم استبداله بآلة حاسبة بعد خمس و عشرين سنة من الخدمة, في نوبة غضب يقتل مديره حيث يحاكم و يتم اعدامه,

ونستشف من ذلك انتقاد رايس امتهان و استغلال الإنسان في مجتمع تسوده الآلة".


تتكون المسرحية من عدد من الشخصيات المتشابهة لا فرق بينها في المشاعر، ولا حتى الاسماء فهي تعرف بالارقام فنجد مستر واحد ومستر اثناء، ومستر ثلاثة... الخ. واما البطل فهو اقل الارقام انه السيد صفر، فهو اسير المكاتب والدفاتر، وهو كاتب حسابات كان يتمنى ان يكافئه صاحب المتجر على الخدمة برفع مرتبه وهذا ما كانت تطالب به زوجته اما صاحب العمل فلا يرى سواء ابدال السيد صفر بآلات معدنية تمتاز عليه بعجزها عن الخطأ.

اما الانسة )ديزي( هي المقابل لعالم النساء للسيد صفر في عالم الرجال وهي موظفة سجينة الدفاتر الحسابية تحب زميلها لكنها لا تستطيع ان تعبر عن حبها له وهو ايضا يحبها لكنه لا يستطيع ان يتقدم ويبوح بحبه لها. لكن استطاعت ان تعيش وتستمتع بحياتها في العالم الآخر. ويعيش صفر بعد موته بالفردوس بنعيم ويلتقي ب (ديزي) ويقضيان وقتا جميلا اذ انتحرت بفتح الغاز حتى تذهب وراءه.

لكن يعود صفر الى الارض مرة اخرى ويعمل ايضا على آلة حاسبة متطورة تذهله ويعمل بسعادة.

اراد السيد صفر ان يكافئ عل عمله بعد خمسة وعشرون عام لكنه يفاجئ بأن مديره قد ادخل تغيرات بالقسم وطوره بالآلات الحسابية.

المدير: لقد كنا نعتزم منذ مدة ادخال تغيرات على هذا القسم 

صفر: كنت اظن انك تتابع عملي

المدير: انك على صواب. فالحقيقة ان خبرائي اكفاء، اشاروا علي بإدخال الالات الحاسبة.

صفر: الالات الحاسبة ؟

المدير: اجل، لعلك رأيتها، انها اجهزة آلية تقوم بالجمع اوتوماتيكيا.

لكن اشد من ذلك بأن المدير يتاسف له بأنه سوف يتخلى عن كفاءته.

المدير:... انها تنجز العمل في نصف الوقت، وتستطيع فتاة متخرجة من مدرسة ثانوية ان تديرها، انني بالطبع اسف جدا لفقد موظف قديم أمين...

صفر: انتظر لحظة ايها المدير. دعني ارى الامر بوضوح اتعني اني مفصول؟

المدير: انا اسف ليس هناك اختيار آخر... اسف جدا... موظف قديم... كفاءة، اقتصاد، عملي، عمل .

وتستهزئ مسسز صفر زوجته بحياتها وانها لم تجد فيها ا رحة ومعنى.

مسسز صفر: لم اشعر ابدا بسعادة في حياتي امسك الخشب.


تحليل مسرحية الآله الحاسبة.

وفي ثورة غضب يقوم صفر بقتل المدير تعبيرات عن ما في داخله من نكبات وحزن لأنه لم شعر بآدميته وانسانيته طول حياته وانه كان يعمل كفعل الآلة لكن سرعان ما استبدلوه بآلة حقيقية فشعر بإنسانيته وضياعها خلال الخمسة وعشرون عاما فأنهار وقام بقتل رئيسه.

الشرطي: اين مستر صفر ؟

صفر: كنت اتوقع قدومك.

مسسز صفر: لماذا يأخذونك ؟

صفر: قتلت المدير عصر اليوم .

والعجيب بالامر ان صفر لم يخفي دليل فعلته عندما جاء الشرطي ليلقي القبض عليه وسرعان ما اخرج صفر الياقة التي كان يرتديها عندما قتل مديره.

صفر: ... اريد ان اعطيك شيئا.

الشرطي: ما هذا ؟

صفر: الياقة التي كنت البسها.

الشرطي: ماذا افعل بها.

صفر: عليها بقع دم.

في المشهد الرابع نجد محاكمة صفر وهو لم يدافع عن نفسه وانه قام بالجريمة وقتل المدير لينتقم من نفسه، هذا الانتقام سببه الاضطرابات النفسية وما يلبث في دواخله من خوالج نفسية جعلته يعكس عملية الانتقام على نفسه، ولا يدافع عن نفسه ويعترف بقتله للمدير.

صفر: اجل، لقد قتلته لم اقل اني لم اقتله، هل قتلت ؟ لقد قتلته يقينا ... اريدكم ان تفهموا هذا، لقد قتلته أتفهمون؟.

وكان يتكلم في تاريخه المتأثر به عندما قتل عاطفته ومشاعره وك ا رمته واعتباره آلة لا شيء لها ولا معنى عندما ظهرت آلة اخرى تتفوقه وغير قادرة على ارتكاب الخطأ وانشغاله له فقط بالارقام وجمعها.

صفر: ... اريدكم جميعا ان تفهموا هذا. واحد، اثنان، ثلاثة، اربعة، خمسة، ستة، سبعة، ثمانية، تسعة، عشرة، احد عشر، اثنى عشر، انتم اثنى عشر، ستة وستة تساوي اثنى عشر، انني قمت بعملية الجمع كثيرا، ستة  زائد ستة تساوي اثنى عشر ... اللعنة على هذه الارقام.

ونجد السيد صفر بعد موته في القبر لم يعاقب كما كان يتوقع بل كان يعيش حياة كما يحلو له.

صفر: ... الحشائش رطبة مريحة هذه هي الرفاهية حقا هذا فعلا مكان لطيف ماذا يسمونه ؟

شر دلو: حقول الفردوس.

صفر: ماذا

شر دلو: حقول الفردوس.

ونجد ان صفر قد عاد الى الارض مرة اخرى ليعمل على آلة حاسبة وستيعاده بعد ان كان هو الة حاسبة.

صفر: ماذا ستكون وظيفتي؟ آلة حاسبة اخرى ؟

تشارلز: أجل، ولكنها لن تكون مثل تلك الآلات الحاسبة العتيقة، ستكون رائعة خارقة...

والتحول هنا عندما مات سيد صفر وعودته الى الحياة وتحوله الى آلة حاسبة اخرى وتحوله من انسان حالم الى مجرم.

تحليل المسرحيه

- في نص المسرحية (الآلة الحاسبة) وحالة الهذيان اختلطت فيها اللحظة الراهنة: القتل، والوظيفة، والزوجة، والأرقام... الخ، هذه الصورة المتراكبة من أزمنة متداخلة، وأمكنة مختلفة تعيد الانتباه لطبيعة المفهوم الزمني النفسي الذي سبق الإشارة إليه في حوار هاملت مع أوفيليا، عن طريق نبش الماضي وصوره. فالمستر صفر يختزل خمسة وعشرين عاما في لحظات، ليتم من خلالها محاصرته، كما حاصرت ابنتا لير أباهما. 


-أيضآ حين يخرج المحلفون ويبقى المستر صفر يلقي خطابه وكأنهم موجودون، ويخاطب المائدة خالية؛ هذا نمط من تشتت رؤية الشخصية وفقدانها لمجساتها مع العالم، وكذلك فقد كل من: مكبث، ولير، وهاملت طمأنينتهم مع العالم وفقدوا استقرارهم. إن تخبط منظور الأبطال الشكسبيرين وجد صداه في التعبيرية من حيث تشويش الرؤية وضبابيتها وميلها إلى الكشف عن المؤثرات النفسية والاجتماعية التي دفعت الأبطال إلى حالة من السوداوية.

- أيضآ يظهر الرجال بشعور مستعارة مختلفة الألوان، وبأزياء مماثلة باللون الأصفر

متشابهة وإن اختلفت ألوانها, لقد استنفدت التعبيرية القناع وصار جزءا لا يتجزأ من مواصفات النص التعبيري، بوصف الأقنعة شخوصا تتكاثر من خلال البطل، مما يكشف عن شخصيات متعددة داخل البطل، وكلما توالت الضربات المتلاحقة، ازداد البطل عريا وتكشفا ونزعا لأقنعته التي يختفي خلفها. 

- كما يصف المؤلف: يظهر شبحان بعيدان في المقبرة سرعان ما يكونان شخصين معروفين هما جودي والشاب, ويلاحظ قدرة التحول في الأشباح واتخاذ صور اشخاص معروفين للبطل. حدث مع جونز. 

- استخدم المؤلف مؤثر جرس الباب بتكة حادة كالتي تصدر عن مفاتيح

أزرار الآلة الحاسبة، وفي النص ذاته استخدم: قصف رعد، برق، صراخ في أمكنه متعددة من النص. أما في مشهد المقبرة فقد حدد نعيب بوم، نقنقة ضفادع، مواء قطط، صوت طائر من بعيد.

- أما في نص (الغوريلا) فما إن يضرب يانك يده على قفص الغوريلا حتى يرج الغوريلا القضبان بقبضته وبهمهمة عالية، ويرد سائر القردة بهمهمة غاضبة، وتتكرر زمجرة القردة . أي تدخل المؤثرات طرفا ببناء الشخصية والحدث كما تجلى ذلك في النصوص الشكسبيرية.

- استلال الجذر الشكسبيري للصفة واناطة وظيفة مضافة اليه، بحيث يكون النص قادرا على امتصاص حالة التهشم والارتباك والتشويش؛ في عالم يسوده الخراب ويقرع

طبول الحرب، وفي الوقت ذاته، يفقد الانسان خاصيته كما يفقد اسمه كما هو حال المستر صفر.

- حوار الشخصية يكون متقطعا مليئا بالفجوات وإن عاش البطلان معا 

"ديزي: لم نفترق ذلك اليوم. . جلسنا في ظل شجرة

صفر: ترى أيتذكر المدير أن خمسة وعشرين عاما قد مرت

ديزي: وأثناء عودتنا تلك الليلة. . كنت تجلس بجانبي في عربة الشحن الكبيرة

صفر: عندي إحساس، بأنني سأحصل على علاوة كبيرة" 

إن هذا الحوار يشير إلى صلات مقطوعة بين البطلين، وهما يعيشان في عالمين مختلفين، وإن كانا يتحاوران في مكان وزمان واحد. وينتبه إلى صيغة بناء الشخصية الدرامية البطلة الشكسبيرية التي يدخل الأبطال الآخرون طرفا بتبوء تصوراتهم التي تشكل لاحقا استراتيجية البطل, والتعبيرية استفادت من عملية تركيب بناء الشخصية الشكسبيرية، وطورتها عبر التوسع في تفتيت البطل التعبيري وتجزئة الشخصية التي تبدو أحيانا هلامية. 
وفى مقارنة بسيطة بين ما كتبه رايس وما أعدته المخرجة فرح، على هامش مهرجان «الكويت للمسرح الأكاديمي», عرض مسرحية «أقفاص»... عندما يتحوّل الإنسان إلى آلة, نجد أنها تخلت عن الخط الذي سار عليه الكاتب الأميركي الذي استعرض حياة «مستر زيرو» بالتوازي مع مرحلة ما بعد مماته، وهو في الحالين لا يقدم ككائن بشري وإنما كآلة، رمز له الكاتب بالرقم صفر للتعبير عن نظرة المجتمع الدونية له، ونتعرف من خلال سير الأحداث كيف تسلب الآلة الإنسان كرامته وحياته. بينما اشتغلت المخرجة فرح في نصها المعد على خط زمني واحد، بدأ من صدامه مع مديره، مروراً بجريمة القتل، وصولاً إلى مرحلة السجن، وهو المبرر الذي لجأت إليه المخرجة الشابة لتغير اسم العمل إلى «أقفاص» وهناك خلف القضبان الرمزية يتخلص «صفر» من حياته ليتحول إلى آلة.

على مستوى الرؤية الإخراجية، نجحت المخرجة فرح الحجلي في الاشتغال على عنصر التمثيل، فجاء أداء الممثلين متزناً، وانسجم بطل العمل أكبر مع شباب التعبير الأربعة، الذين أحاطوه طوال العرض ليقدموا بأجسادهم وتحركاتهم تشكيلات بديلة عن الديكور، فكانوا قضبان السجن. كما استغلوا العصي التي بين أيديهم لتصبح مكتباً تارة، وأداة للجلد تارة أخرى، وكان لوجودهم طوال العرض الفضل في الحفاظ على الإيقاع وعدم الانزلاق إلى الملل، في حين كانت الديكورات بسيطة ما سهّل حركة الممثلين على المسرح.


من خلال التحليل لمسرحية الآلة الحاسبة نرى ان:

الكاتب عرض لنا الكثير من التحولات النفسية داخل الشخصية الرئيسية للبطل اذ من خلالها عمل على نقد الواقع المعاش من قبل الشخصية.

اهتم الكاتب بالبعد السيكولوجي للشخصية التعبيرية وصراعها الاجتماعي والنفسي والاقتصادي مع المحيط.

سلط الكاتب الضوء على ما هو مخبئ ومخفي في داخل النفس الانسانية.

ركز الكاتب على تجسيد الوضع الخارجي للتجربة النفسية المجردة، عن طريق توسيع ابعادها، والقاء اضواء جديدة عليها، لكي يكشفوا عن الاشياء التي يخفيها الانسان والتي لا يستطيعون رؤيتها.

منح المر رايس ( الشخصية الرئيسية أهمية، وتغيرها تبعا لبعدها النفسي الخاص كما في شخصية مستر زيرو في مسرحية الآلة الحاسبة.

الشخصيات المحورية جميعها تتميز بتفاوت الصراع النفسي الداخلي للشخصية فمرة نجدها تتميز بالعظمة ومرة اخرى بالذلة كما فى مسرحية الآلة الحاسبة مستر زيرو والفتاة في مسرحية الآلة البشرية.

اهتم الكاتب بالإنسان كله، لذا فأن الشخصيات في المسرحيات التعبيرية تتحول الى مجرد انماط اكثر منها انسان, واحيانا تتحول الى مجرد ارقام او مسميات عامة كما مستر زيرو ومسسز زيرو والمدير. 

هنالك اختلاف داخلي وخارجي لميول الشخصيات القلق / الخوف مما خلق نوعا من الصراع ينشط الفعل الدرامي.

تحول الشخصيات المسرحية يعمل على خلق اهداف جديدة من خلال تنشيط عقل الانسان ووجدانه، ومنعها من الركود.



النتائج.

1.الحركة التعبيرية هي تلك الحركة التي اِحتضنت جميع الفنون عندما بدأت في المانيا سنة 1910م .

2.ان ثورة التعبيرية في المسرح كانت مؤثرة؛ لان مذهبهم ( يدعو الى نوع جديد من التأليف المسرحي لم يدم بصفتها الفنية الخالصة طويلاً ولكن أثّر تأثـيرً بالغاً من خلال العشرين سنة الماضية على كُتّاب ماكانوا ليفكروا في الكتابة على هذا النحو لو المذهب التعبيري.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل