الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ريفيو فيلم حرب الفراولة لخيري بشارة - السعيد عبدالغني

السعيد عبدالغني
شاعر

(Elsaied Abdelghani)

2023 / 8 / 13
الادب والفن


رأيت الفيلم على أربع مرات كالعادة ليس لشيء في الفيلم بل لأسباب تتعلق بالطاقة، حتى في القراءة يحدث ذلك مؤخرا.
خيري بشارة كاسم مخرج لا يتردد كثيرا وسط الناس العادية، لم اسمعه كثيرا ولم ارى أفلامه وانا صغير على التلفاز، كنت أرى كادر هنا او هناك أحد الأصدقاء أو الصديقات يرفعهم، ذلك منذ زمن بعيد.
فمستويات التلقي تختلف كثيرا في الاختيارات مع كبر العمر والمعرفة، مستوى الطفولة في حيز طفولتي يخضع لاختيارات آخرين.
ابتعدت كثيرا عن السينما المصرية والعربية لأن ما أراه هنا وهناك لا يوفر الجمالية أو وجهة النظر الجمالية، رغم مشاهدتي للكثير ولكن أغلبها قديم.
يؤذي العين تفاهة الكادر، وقلة الجودة في التمثيل، وضحالة الأفكار والتجارية الشديدة، وليس هو انتصار لأي سينما تصدر عن بلد معين بالاطلاق، لكن نسبة التجارية والتفاهة كبيرة جدا هنا.
هذا بما يتعلق بسائد السينما، ليس بالكل.
وخيري بشارة مثله مثل داود عبدالسيد ومحمد خان ويسري نصرالله وأسامة فوزي، يقدموا رؤية شخصية مختلفة ومغايرة وفنية، أستطيع الاختلاف مهما كان، لأن لديهم ما يختلف عليه، ليس ما لا يوجد بالأساس كالسينما السائدة.
رأيت أفلام له من مدة كبيرة لكن لم أكتب حينها، لتوفير الجمالي بعدم تفكيكه واكتفي بالشعر فقط، حتى أتى ببالي مشاهدة ما شاهدت وما لم اشاهد في السينما المصرية والعربية.
يناقش خيري بشارة رؤيته عن السعادة ولكنها مناقشة أو تأمل مختلف جدا، فهي سريالية وجودية وليست شاطحة اي ممكنة الحدوث ولو حتى كانت بعيدة.
السعادة كفكرة جوهرية في الفيلم، رجل غني يبحث عن السعادة بعد وفاة ابنه، التي لن يعلنها إلا قرب النهاية.
ويظن أنها موجودة في شخصية حمامة التي يقابلها صدفة، ربما ينسخها فيه، ربما يستلهمها منه، فيدعوه لبيته ويدعو حبيبته التي لم يتزوجوا بعد، ليمضي معهم عقد السعادة!
إنها أفعال عبثية تتعلق بأحد فقد الكثير من الثقة في النظام والترتيب والأشياء الواضحة والسائدة.
يسألهم طوال الوقت"ما هي السعادة؟" الأسئلة الماهوية عن المشاعر أو المعاني لا توجد إجابة واحدة عليها أو واضحة، إنما هي تصورات مختلفة بين الناس.
هو يقتضي إسعاده مقابل الكثير من المال، يشتري منه أن يكون جواره، يحيا بعض المشاكل، يعيش حياة مختلفة مليئة بالمعاني التي يوفرها المال.
الرفاهية أو حالة الشبع التي قد تنتج حالة من اللامعنى في كل شيء، وهذه الحالة أيضا توجد في الاكتئاب، شبع كبير من كل شيء ينتج مساواة بين الأشياء وبحث عن أشياء مختلفة في خانات أخرى الأفعال مثل المحرم والمحظور.
المفارقات في عدم تصديق حمامة ذلك، أو أهمية عقد السعادة في البداية، كون الإنسان متعود على الاتفاق على شراء أو بيع شيء ملموس مادي، ليس شيئا مجردا.
يرضى في النهاية رغم استغرابه لكن المبلغ كبير، وهو يحتاج المال ليحصل على السعادة، لعبة في التصورات بينهم. الإنسان دوما ابن الخيالات، ثقته في بعضها يسميها حقائق والأخرى ما يطلق عليها فقط خيالات.
أحدهم يشتري البؤس أو الحياة العادية، بالمال، والآخر يبيع حياته التي لا يجد فيها الكثير، لكن بمقارنتها مع حياة ثابت بيه يكون الأمر مختلفا.
قوة المال وتصور شرائه لكل السعادة الممكنة وللراحة والطمأنينة رغم أن ذلك غير واقعي، ولا يعني ذلك عدم أهمية المادة كعامل أساسي في العيش.
بل غير واقعي للشكل الواقعي نفسه، وهو أن الصدف طوال الوقت موجودة، و الإنسان مرتبط بأشخاص أخرى نفسيا لهم حيوات أخرى، ولهم أجساد ومزاجيات، والاجساد تتغير وتمرض وتموت، ولا يمكن حماية الإنسان نفسه من الزمن.
الحياة التي لا يوجد فيها احتمالات كثيرة قادر عليها الإنسان تنتج الكثير من الحبكات أو العقد التي تجعله يعيش على معاني كثيرة ويدرك طوال مشيه.
الفيلم مليء بالمظاهر الفنية الدقيقة جدا فحمامة أيضا ليس شكلا عاديا للإنسان بل هو شكل فني حتى لو خارج الإطار الفني كوظيفة، لكنه يغني، يجاوب على أسئلته من أفلام اسماعيل يس وكذلك حبيبته يسرا، فردوس.
حتى وإن عاش قبلهم الرجل الغني ثابت بين الموسيقى والاغاني والخ، في استيقاظه على موسيقى ووسط جميلات، إلا أنها في حالته أشكال صلبة جدا، غير متفاعلة، على عكس حمامة وفردوس.
فردوس التي تغني دوما وتشارك حمامة كل شيء، حتى في هواجسهم، هم أحياء عند بعضهم، يفعلون الأشياء في غياب كل منهم عن الاخر، مقاومة أو مساعدة للآخر.
الاسماء أيضا (حمامة)الطائر الحر النقي و(فردوس) رغم نطقها بالفتح إلا انها نفس الكلمة عن الجنة، (ثابت)اسم الرجل الغني وهو ثابت فعليا، يظهر ذلك حتى في محادثتهم، حمامة كثيرة الحركة سواء بوجهه أو بجسده بينما الرجل الغني ثابت قليل الحركة جدا، ودقيق، المشي منظم.
يمكن وصفه حياتهم جميعا بالعبث، أو البحث الحقيقي عن أشياء تبدو أنها حقيقية كالسعادة، ممسوكة، وإصرارهم على ذلك.
قد ينتج ذلك وينتجه غالبا الألم النفسي للفقد، يحدث صدمة تجعله يتشكك في معاني ما يفعله، ما حوله، الاسئلة الماهوية، الميتافيزقية(لكنها هنا خفيفة لصالح الوجودية).
فالفقد حوله للاهتمام بذاته ليس للسؤال عن لم مات ابنه؟ اي أنه شعر به لضيقه هو، لعدم راحته هو، وهذه طريقة في العيش نفسه، غير الطريقة الأخرى التي تسأل وتكسر للأعلى، عموديا.
ولكنها تكشف طبيعة الذات، بحثها عن راحتها فقط بغض النظر عن إيلام الآخرين، أو الصدق في التعامل مع نفسه أو الإنسانية.
مرة يسرقوا بنك هو مملوك في الأساس لثابت بيه، لكن الخروج عن المألوف والقانوني هو ما في الأمر، ليس المال نفسه، بل الحالة نفسها.
مرة يكون امرأة هو وحمامة ويدخلون السجن معا ورغم معاناة حمامة مع مفهوم المرأة كونه شرقي فهو يحتقر كونه يصبح امرأة، لكنه يكون في النهاية ويتجاوب وينعم صوته، ويمشي في غنج، حتى يضيق ويبكي في صدر فردوس. ربما هذا يؤكد على قسوة المال في التأثير على أن يكون ضده من وجه نظر حمامة وعلى عدم قوة المفهوم القائل بالإيمان الإنساني بأي شيء مهما على صوته وعاش عليه.
يتم في ذلك مناقشة الكثير عن المرأة في مصر، وضعها وعلاقتها بالرجل، الضغط والتعالي والتفرقة.
مع بعض
الأمر الثالث في الحلول المأخوذة من فم حمامة وهو العيش في الصحراء مع بعض الحوار اليوتوبي عن ماذا فعلت الحدود الجغرافية في العالم والناس، كيف فرقت الجميع؟
شعرت أنه أتى بالكثير من الحالات التي تعتبر لاقانونية، غائبة عن الكثير وهي الجريمة في سرقة البنك، المرأة في العلاقة بين الذكورة والأنوثة، الصحراء في التأمل والوسع والعزلة.
هذه ثلاث مناطق شائكة في الإنسان، ومخيفة وصعب تخيلها للإنسان العادي.
كون القانوني/ المنظم/ العادي/ اليومي/ أصبح بلا معنى بالنسبة له، لأنه قدر عليه قدرة كبيرة، فيحتاج شيء به مجهول، أو الشكل الآخر به خطر، لكي يثير فيه العيش نفسه والحياة.
وفي النهاية القتل الذي يرفضه ثابت بيه ويقدم عليه حمامة كنوع من البدائية، وتغيير حمامة بعده تماما. بعد قتل امه، التعبير الأكمل عن ارتباطه بأي شيء، أو المتبقي، المجرد الأخير الذي يظهر مقاومته وصرخته.
ثابت بيه لديه قيم أكثر حرية في حالة المرأة والنظرة لها، كتعبير عن المال(الرأسمالية) الذي يجلب الحداثة لكنه بقيم أخرى باردة حيث طلب من فراولة بعدها الزواج ليس لحب أو لأنه وجد السعادة في زواجها بل لأن الاحتمالات التي حوله لا يوجد بها غيرها كنوع من العبث وآثار التيه.
ثمة من يتيه وتتدمر حياته، أو من يتيه ولديه رصيد من البيت في شيء قد يوفره المال، ورصيد من الأفعال.
لكن حمامة فقير فتركيزه أقوى على خسارته فردوس أو فراولة، ربما هذا الصدق الذي سببه صدف كثيرة أيضا غير مبرر لكنه حقيقي.
تربية حمامة كمنشي، وفي النهاية هو ما يقتلك من زاوية أخرى أمر مضحك على المستوى الفلسفي، يجب أن يكون هناك حدود بين الإنسان ومنشيه كالمخدرات مثلا لكي لا تقتله في النهاية.
تتخذ القوانين الحديثة ليست في الدساتير بل أيضا كسائد القتل كشكل أقصى للجريمة لكنها لا تقبل وجود ما يعادله ويفوقه بلا دم موجود على سكين أو على جسد.
وهذا منطقي كون المثبت تستوجب ماديته.
بعض الكادرات خاصة به، منها قيام ثابت بيه وهي تغني فردوس، للوقوف معطيا ظهره لحمامة، مفهوم الثنائية، التضاد الثنائي، حتى لو لم يكن أخلاقيا كخير أو كشر.
وجهه أمام البحر، خوفه منه، حزنه، كأي وسع يشعر الذي يدرك بالضآلة مهما كان.
تعابير ثابت بيه من علاقة فردوس وحمامة، فرحه المغطى بالكثير من الشوق لأن يكون له علاقة مع الأرض، وتصوير المرأة كأنها الفردوس الارضي الوحيد أو التي تحل حاجته لما لا يعطيه شيء آخر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المراجعة النهائية لطلاب الثانوية العامة خلاصة منهج اللغة الإ


.. غياب ظافر العابدين.. 7 تونسيين بقائمة الأكثر تأثيرا في السين




.. عظة الأحد - القس حبيب جرجس: كلمة تذكار في اللغة اليونانية يخ


.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت




.. تفاصيل اللحظات الحرجة للحالة الصحية للفنان جلال الزكى.. وتصر