الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حديث البيدق/ افريقيا .. الماضي منبوذ و المستقبل موعود. (1)

نورالدين علاك الاسفي

2023 / 8 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


حديث البيدق/ افريقيا .. الماضي منبوذ و المستقبل موعود. (1)

نورالدين علاك الأسفي.
[email protected]

* من لا يستطيع النضال من أجل مستقبله؛ فلن يستحقه.
إبراهيم تراوري

لم يكن الرئيس الانتقالي لبوركينا فاسو النقيب إبراهيم تراوري ليجانب الصواب و هو يعرب عن أمل راود الأفارقة ردحا حين قال إن الشعوب الإفريقية منسية في الكتب والأفلام والتاريخ، شاكرا لروسيا تذكرها دائما دور الشعوب الإفريقية. و بذلك حسم رغبة حفية بالاعتبار و جاهر بتحد من رجع صدى ما يزال يعتمل في صدر كل إفريقي.كلام تراوري هذا جاء خلال كلمته في الجلسة العامة للمنتدى الروسي- الإفريقي لسنة2023 ، التي أقيمت في مدينة سان بطرسبورغ بمشاركة عديد القادة الأفارقة.
و عند عودة الرئيس الشاب من الديار الروسية؛ لم يكن مستبعدا أن يجد حشود غفيرة من مواطنيه في استقباله، فقد انتظموا في مسيرة راجلة وعلى الدراجات حاملين الأعلام الروسية. لقد بات يذكرهم بنفس شعارات الزعيم السابق طوماس سانكارا الذي تولى السلطة كذلك عقب انقلاب عسكري، وقاد البلاد من 1983 حتى 1987، و اغتيل في عملية توجه فيها اتهامات لضباط بالجيش على علاقة بفرنسا.
إبراهيم تراوري كان بعد أشهر من الانقلاب قد علق الاتفاق العسكري مع فرنسا، و اتخذ قرارا صعبا بطرد القوات الفرنسية من البلاد. كما رفض كل الضغوط على قادة الانقلاب في النيجر (الذي وقع 26 يوليو 2023)، والتي تقوم بها المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا “الإيكواس” لإعادة الرئيس النيجري محمد بازوم (حليف فرنسا)، واعتبر تهديد المجموعة بالتدخل العسكري ضد النيجر بمثابة إعلان حرب على بلاده أيضا.
هذه اللهجة لم تكن الأولى أو الأخيرة التي سيسمعها الغرب و هو يدفع بوكلائه المحليين لحشد القوى لاسترداد ما بات في حكم التاريخ هباءا؛ حيث بات يرى دولا افريقية تلبست حماس الانسلاخ من طوق الإرث الاستعماري الضارب تاريخا في أوصال القارة السمراء؛ فالدول الغربية هددت و ما تزال دول القارة الإفريقية بوقف المساعدة من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ردا على تعاونها مع روسيا. كما وضع شروطا لعدد من الدول بأنه إذا لم تتخذ موقفا عدوانيا تجاه روسيا، فستحرم المساعدة. و بهذا حاول الغرب جاهدا عرقلة القمة الروسية الإفريقية في بطرسبورغ، بممارسة ضغوط غير مسبوقة على الدول الإفريقية. مما عجل برئيس الاتحاد الإفريقي لينبس بلسان الحال: قارتنا تثق في مستقبل التعاون مع روسيا.
و الحال أن إفريقيا باتت قلقة من أعمال الغرب في أوكرانيا و من عواقب عمله على إطالة للصراع. فقد سبق و التقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بممثلي الدول الإفريقية في سان بطرسبورغ. وخلال الاجتماع، كشف رئيس جنوب إفريقيا، سيريل راموفوزا، عن نقاط مبادرة السلام العشر لحل الوضع في أوكرانيا. رغم أن ساسة الكريملين يعترفون بأنه لا يوجد نقص اليوم في مبادرات السلام في أوكرانيا- و في البال تحضر خطة الصين في هذا الشأن، وكذلك فكرة البرازيل. و من واقع انفتاح روسيا على إفريقيا و احترام تاريخها، فهي تعتبرها شريكا كامل الصفة. بخلاف الدول الغربية، التي تعاملها كمستعمرات سابقة.
وعلى الرغم من حقيقة أن إفريقيا بعيدة عن منطقة الحرب، إلا أنها تشعر بالقلق من أن تؤثر تصرفات الغرب سلبًا في نوعية الحياة في البلدان الأخرى. لكنهم، في الولايات المتحدة وفي أوروبا غير مستعدين لتقبل حقيقة أن حقبة السياسة الاستعمارية ةلت، و صارت شيئا من الماضي. إنهم يخشون من إفريقيا قوية وذات سيادة وقادرة على التطور.
و الحاصل أن الدول الإفريقية و هي تؤكد مشاركتها في القمة الروسية الإفريقية ساهمت في ترسيخ و تعزيز العلاقات مع روسيا الاتحادية مهما كانت الظروف. فرغم معارضة الدول الغربية، وبالرغم من الضغوط التي تتم ممارستها أحيانا بشدة، خبرها بوتين؛ الشيء الذي حدا به الى الاحتفاء بشرخ هذه العزلة؛ التي يجتهد الغرب في إقرارها؛ إلى الاجتماع مع كل القادة الذين حضروا القمة؛ كل واحد على حدة.
هذا الاحتفاء لم يكن الأول؛ فالإشارات توالت تترى تستحضر التاريخ الغائب الحاضر. فالرئيس الإريتري أسياس أفورقي يعتبر خلال لقائه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إن حلف الناتو بحاجة للإنعاش وهو في وحدة العناية المركز. بل و الأدهى أن الاتحاد الأوروبي منظمة معيبة؛ و يرى أن قبل ثلاثين عاما، عندما اتخذوا قرارا باحتواء روسيا، ارتكبوا خطأ جسيما، لأن روسيا لا يمكن احتواؤها، ولن يكونوا قادرين على ذلك مطلقا. و للحقيقة. فقد سبق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن وصف الناتو ساخرا بأنه يعاني من "موت سريري".
أما الرئيس زيمبابوي إيمرسون منانغاغوا، و هو يعرب عن تضامن بلاده مع روسيا في الأزمة الأوكرانية؛ لم يعزب عن باله الإشارة إلى أن هذه الحرب هي صراع للحلف من أجل الهيمنة على العالم. لذا غدا لازما اتخاذ موقف موحد بمخرجات من القمة الإفريقية الروسية عازمة على تحدي النظام الاستعماري الجديد.و العمل على تشكيل نظام عالمي عادل؛ متعدد الأقطاب. و لم يفت إيمرسون أن يعرب أن بلاده تبدي تضامنها مع روسيا في عمليتها العسكرية الخاصة. و كان أن ووقعت روسيا وزيمبابوي اتفاقية تعاون في مجال الاستخدام السلمي للطاقة الذرية.
أمام ها الزخم الذي تعمل عليه روسيا حثيثا على مرأى الغرب. جعل من نجاح القمة الروسية الإفريقية يؤكد أن محاولات الغرب حصار روسيا عقيمة؛ لكن القمة الروسية بالحضور الوازن للدول الإفريقية رعت رسائلها بجرأة؛ كما أراد المجتمعون إيصالها للعالم.فالقمة في مدينة بطرسبورغ أحيطت باهتمام اعلامي دولي لافت، وذلك بالنظر إلى طبيعة الظروف الدولية الشائكة والمتوترة التي انعقدت فيها، وكذلك بالنظر إلى طبيعة ردود الأفعال الغاضبة التي يمكن أن يثيرها توقيت انعقادها لدى الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين، وهو ما سوف يعتمد أساسا على كيفية تقييمهم لدوافعها ولنتائجها المتوقعة ولتداعياتها المحتملة بالنسبة لحصارهم الشامل الذي يفرضونه على روسيا ويحاولون به عزلها وإضعافها بتشديد المقاطعة الدولية لها وإغلاق كل دوائر الحركة أمامها حتى تظل تحت الحصار والمقاطعة لأطول فترة ممكنة.
و جاءت هذه القمة الروسية الإفريقية. لتكسر إحدى حلقات هذا الحصار الأمريكي الأوروبي ولتشكل نقطة البداية لتطورات مهمة أخرى قد تأتي لاحقة عليها أو داعمة ومكملة لها.
بالنسبة لروسيا، وهي الداعية لهذه القمة والتي قامت بالدور الأكبر في الإعداد لها وفي التحضير لبرنامج عملها، فان القمة الروسية الإفريقية كانت تحمل قيمة رمزية أهم بكثير مما قد يتصوره المتابعون لها أو المعنيون بها. ويعكس هذا التقدير أهميتها، هذا المناخ الواضح من الحماس الزائد لهذه القمة ولما يمكن أن تتمخض عنه من نتائج سوف تدفع بمسار العلاقات الروسية الإفريقية خطوات أبعد للأمام.
وهذا هو ما حرص الرئيس بوتين علي إظهاره وتأكيده وهو يحاور القادة الأفارقة المشاركين في أعمال هذه القمة، ويعرض عليهم وبسخاء غير مسبوق استعداد روسيا لتقديم أقصى ما يمكنها تقديمه من دعم لهذا العدد الكبير من دول القارة الإفريقية، بدءا من شطب عشرين مليار دولار من الديون المستحقة عليها لروسيا، إلى تعويضها عن وارداتها من الحبوب الأوكرانية التي توقفت بإمدادها بما يقابلها من الحبوب الروسية بلا مقابل حتى لا يتضرر أمنها الغذائي، وكذلك ما عرضه على هؤلاء القادة الأفارقة من مساعدات تكنولوجية روسية لتعظيم استفادتهم من مواردهم الاقتصادية والطبيعية مؤكدا أن ما تحتاجه إفريقيا هو التكنولوجيا المتقدمة وبعدها سوف يمكنها تحقيق الاكتفاء الغذائي الكامل لشعوبها.. وبعروضه وتنازلاته ومساعداته يكون قد حاول تأسيس شراكة استراتيجية روسية إفريقية؛ تؤسس بزخم كبير عودة حقيقة لمسار التاريخ كما كان مأمولا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقتل 5 أشخاص جراء ضربات روسية على عدة مناطق في أوكرانيا


.. هل يصبح السودان ساحة مواجهة غير مباشرة بين موسكو وواشنطن؟




.. تزايد عدد الجنح والجرائم الإلكترونية من خلال استنساخ الصوت •


.. من سيختار ترامب نائبا له إذا وصل إلى البيت الأبيض؟




.. متظاهرون يحتشدون بشوارع نيويورك بعد فض اعتصام جامعة كولومبيا