الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قرع الممسوح (قصة)

عبد الله خطوري

2023 / 8 / 13
الادب والفن


اللقطة الأولى، عند فقيه الحومة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الغرفة ضيقة .. رُكن تابع لمقام ما أو ضريح عتيق أو ما شابه يتواجد في زاوية منعزلة في حارة ما من حواري دروب الفقراء .. معتمة إلا من ضوء قنديل صغير علا زجاجَه الكابي السّوادُ والغبارُ .. مفروشة بحصير متآكل تفوح منه رائحة مختلطة باردة عطنة .. قرب مجلس الفقيه مجموعة من هيدورات الخراف فقدتْ لون صوفها الأصلي .. يُسْتَغل وسط الغرفة كمكان للمراجعة وتأديب الصبيان، هكذا خمنت من ألواح خشب مزركشة بخطوط بارزة دقيقة مسندة على الجدران أو معلقة في مشاجب من دسر سميكة، وقضبان زيتون بلا أوراق ملقاة في إحدى الزوايا وآثار صمغ وصلصال وبقايا أقلام قصب منتشرة في الأرجاء ... جوها الآن، وفي ساعة متأخرة من الليل مشوب بالرهبة والتوجس .. دخان بخور يتعالى يتلولب يرتعد بزلزلة يرتعش بها لسانه مرتلا تراتيل مبهمة يهز رأسه يلوح به ذات اليمين ذات الشمال .. دنوتُ وَجِلا مترددا

_نْعَامْ سِيدِي لَفْقِيهْ، هذا ما حصل بالتمام والكمال ...

_عجيب .. هذا أمر عجيب .. لا شك أنهم هم يا ولدي ...

_مَن؟

_اطلب التسليم وديرْ النية...

بقيتُ أمام حركاته الغريبة مندهشا فاغرا فاي لا ألوي على شيء، فبادرني بآهتزازة أخرى مفاجئة من بدنه آلمجلبب حَرَّكه بالكامل بطريقة مباغتة تشبه هجوم ذئب على حَمَل صغير...

_قلت لك اطلب التسليم...

جالسا كنت على ركبتيّ صاغرا أراقب آرتداداته دون أفهم لها معنى...

_التسليم التسليم الله الله افتح يا ولدي الله يفتح عليك...

فهمت هذه المرة المراد، فنقدته بعض الدراهم التي آنتشلها من راحتي غاضبا، زدتُه أخرى، فآرتخت ملامح وجهه وكشر عن أسنان مسوسة وأنياب صفراء ناتئة مشتتة ...

_قُلْ مْسَلْمِينْ مْكَتْفينْ وسيفرج كربك...

_لكن ماذا أصابني يا سيدي؟

_أنتَ مسحور هذا واضح سأكتب لك وصفة من سحر الطبيب في جلب الحبيب تحل سحرك الخائب لا يفلح الساحر حيث أتى بإذن الله وإذن أوليائنا الصالحين وأسيادنا الشرافا وخدامنا الأوفيا .. لكن تلزم النية...

_لكن يا سيدي .. لا حبيب لي أُعاني فراقه كي تجلبه لي...

_لا تقاطع لا تجادل ...

_هَــا أنا يا سيدي...

_ومَنْ مثله في الدنيا حبيب...

قال ينظر إلى ما بين فخذيّ، فأحسست بفضوله الصفيق يخترقني بلا آستئذان، فأسرعت أسلم له أمري قبل أن يفاجئني بما لا طاقة لي به...

_إني رهن إشارتك...

قلت مستسلما، فصرخ بحماس زائد..

_مْسَلْمينْ الله آلجوااااد...

رأسه يرتعد .. يداه تهتزان ترسمان أشكالا بلا معنى في الهواء .. يلوك كلاما غير مفهوم كأنه يمضغ المنطوقات يبلعها يسرط أصواتها .. وقف منتصبا ثابتا واثقا مما يفعل ناولني ورقة لَفها بعناية تضم داخلها وُريقات دقيقة مضغوطة مبرومة مخطوط فيها بماء الزعفران باب محبة جلب مجرب يكتب في ثلاث صفحات طاهرات ما تيسر من كذا وكذا توضع في كل صفحة ثلاث فلفلات سُمر وثلاث فصوص ثوم يانعات وأخرى يابسات وثلاث حُبيبات زريعة الكتان تُحرق واحدة الصبح وواحدة الظهر وواحدة المغرب وهذا هو الطلسم كما ترى عبارة عن حرز صغير أعلقُه في عنقي لحل المعقود وجدول مكتوب بصمغ الأوراد المبارك أخلطه بماء الورد والحناء وزيت سدر النبق أشرب جزءا وأمسح بجزء أدهن به فجيعتي كل صباح على الريق الناشف مدة سبعة أيام متتاليات دون آنقطاع .. ساط في يده مسح على كتفي على رأسي على كل بدني ثم ضرب على كتفي ضربا خفيفا وأمرني بالتسليم للجواد الحاضرين الماكثين الساهرين الغائبين السائرين الغادين الرائحين العابرين المارقين الطائرين الذين يسكنون دواخلنا وخوارجنا وقلوبنا وهياكلنا وأقحاف جماجمنا .. التسليم يا أنتَ يا هُوووهْ .. الخضوع للذين لا نملك حيالهم حولا ولا قوة .. كان يُسلم يُكَتِّفُ يرسم علامات الضرب والطرح والزائد يعقد ما بين يديه يشبكهما فوق رأسه ووراء ظهره كمقيد في الأصفاد يخبط بهما العراء أمامه نافثا رغوة بصاق راحت تنسلت من بين شفتيه الصاخبتيْن دون يأبه بها .. تركته لحاله بعد أن سلب مني مزيدا من النقود داعيا لي بالشفاء المعجل وسَيْلا آخر من الدعوات لم أفهم شيئا من نبراتها المرتعدة .. تذكرتُ وأنا أتابع عرضه ما كان يفعله زوار السادات في المواسم واللمات من طقوس طالما آشمأززت من متابعتها وآنتقدت أصحابها أيما آنتقاد وها أنا ذا أقع برغبتي وإرادتي تحت وقع كماشتيْ هذا المدعي الأفاك .. تبا .. كيف تركتُني أندفع وأنا في كامل صحوي هذا المندفع ؟ مَنْ سخرني مَنْ جعلني هينا إلى هذه الدرجة، مَنْ قض مضجعي وقطع عُرى العقل في عقلي .. أووف .. لا بد أن أقولها لا بد أن أعترف أن تصارح نفسي نفسَها ما باليد حيلة .. لقد أصِبْتُ بحالة عجيبة حار في كشف أسبابها وتفسير أعراضها مَنْ قصدت كي يفك ما ألَّم بي .. تبا .. لم تنفع عقاقير ولا كشوفات ولا إعادة كشوفات رامت تضبط ما حصل لي .. أووهْ .. لا أمل لي .. خرجتُ من عند الفقيه متذمرا كديك رومي ساخط أنظر إلى تحتي الباهت وقد أعدت بالرغم مني البللَ في سروالي من جراء تذكري بلائي الذي حل بي .. آآه .. ما الذي يحصل لي ؟؟؟

_يُتْبَع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان محمد خير الجراح ضيف صباح العربية


.. أفلام مهرجان سينما-فلسطين في باريس، تتناول قضايا الذاكرة وال




.. الفنان محمد الجراح: هدفي من أغنية الأكلات الحلبية هو توثيق ه


.. الفنان محمد الجراح يرد على منتقديه بسبب اتجاهه للغناء بعد دو




.. بأغنية -بلوك-.. دخول مفرح للفنان محمد الجراح في فقرة صباح ال