الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الوطنيّة والمواطنة، مشروع تدجين طوعي (12)

زاهر بولس

2023 / 8 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


في باب التماهي مع القاهر ينتقد عودة هذه الظاهرة التي، بحسب عودة: "لا تملك إلا الاعجاب بابن خلدون الذي كان، منذ التاريخ الوسيط أوّل من التفت إلى هذه الظاهرة العميقة حين كتب في المقدمة: المغلوب مولع أبدًا بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيّه ونحلته وسائر أحواله وعوائده". وينبّه إلى الكلمتين: مولع أبدًا! ويضيف عودة: "هذه الظاهرة خطيرة آنيًا واستراتيجيًا لأنّها تجعل العربي تبعيًا ومقلّدًا في العلاقة بين الشعبين. قد لا يرضى بالفتات، ولكنه يرضى بفوقيّة المواطن اليهودي وبأولويته على مستوى الحياة اليوميّة، مكان العمل، وعلى مستوى مبنى الدولة".
يبدو أنّ عودة لم يقرأ سوى النّص ولم يفقه روح النّص التي تحدّث بها ابن خلدون، فجاءنا مستخدمًا النّص كي يدعو للأسرلة جهارًا! ففيها: "أبعاد مدنيّة مثل العمل، التعليم، الصحة، المؤسسات الرسميّة، وأن تكون جزءًا من المجتمع في اسرائيل". بمعنى أنّه يتشبّث بنص ابن خلدون مشدّدًا على كلمتي"مولع أبدًا" ليقول لنا بأن لا مفر من الأسرلة فهي قدر محتوم بدلالة نص ابن خلدون! صفحة 175 من كتابه. وهذا ما يشدد عليه نظير مجلي بدوره في كتاب "مسؤوليّة الأقليّة" حين يقول أمّا "التخلي عن المواطنة الإسرائيليّة أو العقلية الإسرائيليّة أو الكينونة الإسرائيليّة فغير وارد بالحسبان"! صفحة 204.
لكن إذا ما رجعنا إلى النّص في مقدمة ابن خلدون فهو يشرح لماذا هذا الولع أبذًا وكيفيّة التحرّر منه، وهذا ما يسقطه عودة أو لم يستطع سبر غور النّص وإدراك بواطنه. فيقول ابن خلدون: "والسبب في ذلك أنّ النفس أبدًا تعتقد الكمال فيمن غلبها وانقادت إليه: إمّا لنظرهِ بالكمال بما وَقَرَ عندها من تعظيمه، أو لما تُغالط به من أنّ انقيادها ليس لغَلَبٍ طبيعيّ إنما هو لكمال الغالب، فإذا غَالَطَتْ بذلك واتَّصل لها حَصَلَ اعتقادًا فانْتَحَلَتْ جميع مذاهب الغالب وتشبّهتْ به، وذلك هو الإقتداء... والسبب في ذلك، والله أعلم، ما يحصُلُ في النفوس من التكاسل إذا مُلك أمرها عليها وصارت بالاستعباد آلة لسواها وعالة عليهم، فيقصُرُ الأمل ويضعف التناسل، والاعتِمار إنّما هو عن جِدّة الأمل وما يحدث عنه من النّشاط في القِوى الحيوانيّة. فإذا ذهب الأمل بالتكاسل... تلاشت مكاسبهم". وأنا بدوري أنبّه أيمن لمقولة: "إذا ذهب الأمل تلاشت المكاسب" ليضعها نُصب عينيه. فما هو دور القائد غير المُستكتب إذًنْ إن لم يكن إعطاء الأمل لشعبه وبث روح الثقة بالنفس الجمعيّة؟ إن الرّوح التي يبثّها الكتابان تركيعيّة دونيّة، تطالب الشعب العربي الفلسطيني بالتأسرل أمام اللا شيء، فاليهود مجموعة قوميّات لدين غير متجانس بصيغته العصريّة بعد التحوّلات التي أعملت يدها في التوراة نصًّا وفهمًا، واللغة العبريّة ليست بلغة إنما لهجة من لهجات العرب، حتّى لَكْنَة الرّاء/غين الأشكنازيّة تبيّن لي أنّها مسلوبة من المركز الحضاري الموصلي في العراق، وهم بدون ثقافة أدبيّة يهوديّة، بل مجاميع ثقافات أنتجت ثقافة وهميّة متدنّية شبيهة ببرنامج "الأخ الكبير" التلفزيوني!، وطعامهم طعام العرب الفلسطينين، وملبسهم ملبس الغرب، وموسيقاهم خليط من عرب وغرب، دون أدنى حد من الجمالية إلا ما صيغ بروح عربيّة كما فعل الملحنان العربيان يهوديي الديانة صالح وداوود الكويتي اللذان حلّقا في عالم الموسيقى العربيّة حينما عاشا في وطنهم العراق وماتا جوعًا في دولة الكيان، وحتّى تفوّقهم العسكري الآني فهو بسلاح الغرب.. والقائمة تطول، فبودّي أن يشرح لي أيمن ونظير سرّ دعوة التأسرل وفي خدمة من، مادامت حضارتنا أرقى حضارات العالم، وأقولها بتواضع وقناعة لا عن عصبيّة؟ وكيف سيتعاملا مع انهيار الولايات المتحدة الأمريكيّة وتشظّي هيمنتها وصعود قوى اقليميّة بقواها الذاتية؟ فهل سيدعيا العرب للدفاع عن مواطنتهم أم التماشي مع وطنيتهم اذا ما الميزان يومًا مال؟
وكيف نسي أيمن عودة أن من واجبه كشخص يتربّع على مقعد قيادي هام، وهنالك فارق بين أن يكون الإنسان قائدًا او أن يُنتخب ليتربّع على مقعد القيادة، بأنّ على عاتقه تقع جِدَّة الأمل وحثّ النفوس لاستبعاد التكاسل من أجل إحقاق الحقوق، غِلابا. أو فليعلن عن فشل المشروع السياسي الذي قاده مدى سنوات، وهذا عمليّا معنى مشروعه الجديد، وليتنحّ جانبًا، لا أن يورطنا بمزيد من الأسرلة والدونيّة!
(يتبع)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انتخابات رئاسية في تشاد بعد 3 سنوات من استيلاء الجيش على الس


.. الرئيس الصيني في زيارة دولة إلى فرنسا والملف الأوكراني والتج




.. بلحظات.. إعصار يمحو مبنى شركة في نبراسكا


.. هل بات اجتياح مدينة رفح قريبا؟




.. قوات الاحتلال تقتحم مخيم طولكرم بعدد من الآليات العسكرية