الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


علي بابا والخيانة المضادة

قيس كاظم الجنابي

2023 / 8 / 13
الادب والفن


-1-
أما حكاية (علي بابا مع اللصوص الأربعين والجارية مرجانة على التمام والكمال)، فإنها حكاية مختلف في نسبتها؛ فهي أولاً حكاية منحولة على كتاب (ألف ليلة وليلة). وثانياً، انها وجدت مخطوطاتها في الغرب الأوربي، وكان البحث عنها أو حتى نسجها له علاقة بأصداء حكايات الليالي العربية في الغرب الإسلامي، ولربما قام أحد العرب بنسجها على منوال(ألف ليلة وليلة)؛ بطلب من أحد المستشرقين الذين صاروا يبحثون عن حكايات جديدة لترجمتها الى القارئ الأوربي، وقد تحدث بعض الباحثين الغربيين المهمومين بالليالي العربية حول نسخها المخطوطة ،وكذلك فعل محقق هذه الحكاية؛ فهذا (دانكن ب. ماكدونالد) يشير الى انه " لم يعثر قط على أثر عربي لها، بل لقد أنكر حتى احتمال وجود صيغة عربية لهذه الحكاية "،ويحتمل ان صيغتها العربية كانت تقبع في البودليان منذ 1860م، حين اكتشف البروفسور (إيتيه) مخطوطات بـ" الليالي"، فاذا به يكتشف هذه الحكاية في أكسفورد.[ الليالي العربية المزيفة، حكاية علي بابا/247، الليالي العربية المزيفة ،تح محمد مصطفى الجاروش، دار الجمل ، بيروت، 2011م].
وكاتبها هو(يوحنا بن يوسف وارسي)، الذي يحتمل انه سوري المولد والثقافة وناشر في جريدتي (المقطم، والمقتطف) وقد كتبها بعربية قريبة من اللغة الفصحى التي تشوبها بعض الأخطاء وتظهر بعض المفردات العامية. ومن الواضح ان محرّرها كان يتوخى أناقة الأسلوب، لا سيما في استخدامه صيغاً بلاغية منمّقة هي الأكثر ملاءمة لكتاب (المقامات).كما يوجد معجم واسع من المفردات؛ فبينما تتناثر على امتداد النص مرادفات مسجوعة. مع ذلك فان جذور الحكاية ليست بالتأكيد إحدى القصص التقليدية التي يكتبها مدوّنون بلاغيون، بل قصّة فولكلورية متحدرة من حكاية شعبية واسعة الانتشار.[راجع/250]
وقد ساق بعض الباحثين اعتقاداً بوجود تأثيرات أوربية حول هذه الحكاية أو تركية أو غير ذلك، وما يتعلق بـ(حنا دياب) الذي أحضره الى فرنسا الرحالة بول لوكاس في 25/آذار – مارس/1709م، الذي ربما دون هذه الحكاية وأزال عنها بعض الغموض فهو ضرب من ربما يصاحبه شيء الغموض. أما ما كتبه تشالز سي. توري حول العثور على أصل عربي لهذه الحكاية، فانه توصل الى ان الخلاصات "التي خرج بها ماكونالد والتي عرضها بحرص بالغ، تعتبر متينة إجمالاً. ليست هذه الصيغة من الحكاية عبارة عن نص مُترجم عن الفرنسية ولا عن أية لغة عربية أخرى. بل لقد كُتبت بتصرف باللغة العربية في محاولة لوضع قصّة شعبية أخرى، بل لق كتبت مستقلة بصيغة مكتوبة، وهي مستقلة عن الصيغة التي قدّمها غالان وشديدة الارتباط بها في الوقت نفسه.
واذا كان للنسختين، وهذا ممكن، اصل مكتوب مشترك فانه يصبح مؤكداً، على ذاكرته لكتابتها، وقد فعل هذا بتصرف شديد".[ص257] وهذا ربما كان وراء الاعتقاد بان النص الأصلي الذي يقبع خلف هذه المخطوطة شديد الاختلاف عنها، الا أنني أجد نفسي مرغماً على افتراض أن واضع الحكاية عربي متعلم، ذلك ان شخصاً كهذا يمكن أن يرتكب أخطاء نحوية وان سقط في الدّارج كما هي الحال في هذه المخطوطة.[ص277]
-2-
تقوم حكاية (علي بابا..) على وجود جذر واح(أب واحد) له فرعان(ابنان)، هما: قاسم، علي بابا؛ وقد تزوج قاسم امرأة غنية وتزوج علي باب امرأة فقيرة، فكان الثاني يعمل حطاباً، يخرج يومياً لجمع الحطب، ليعود به لبيعه من اجل اعالة نفسه وزوجته. وفي واحدة من المرات رأى نحو أربعين فارساً قادمين عليه، فخاف منهم وظن انهم قطاع طرق، فارتقى شجرة وأخفى نفسه في أعاليها، ولكنهم حين بلغوا مكانه ترجلوا وفتحوا باباً في الجدار، بعد ان قالوا: افتح يا سمسم، فانفتح الباب ودخلوا ووضعوا ما يحملونه من الحلي والجواهر التي كانوا يسلبونها من التجار والناس بالقوة. ثم ركبوا خيولهم وعادوا. فلما ابتعدوا نزل علي بابا ووقف أمام الباب وقال: افتح يا مسم، فانفتح الباب، فلما دخل المكان وجده مملوءاً بالجواهر والمعادن النفيسة، فحمل منه ما امكنه وترك الحطب.
وصارت حالته تتغير فكشف لزوجته ما استجد من احواله، ولكن زوجته كشفت السر لزوجة شقيقه قاسم، فلما ذهب قاسم عثر عليه اللصوص وقتلوه وقطعوه أربع قطع. ثم تستمر هذه الدراما في تحولها، اذ تبدو الحكاية مصاغة بحبكة عالية من السبك، وهي تهتدي بحكايات (ألف ليلة وليلة) ولكنها لا تستخدم الاستهلال الشائع فيها، ولا تعدد الليالي فهي تسير بشكل طبيعي ،ونسق من الحركة التفاعلية القائمة على استخدام بناء الحكاية الشعبية في السرد والسجع، واستغلال بعض المواقف والاحداث ؛ لأن الحكاية بالأساس قامت على اختلاف القدرات المادية، وبالتالي اختلاف الأسباب والمؤثرات ومن ثم المتغيرات ،ويبدو ان اختيار الاخوة ليكونا مختلفين هي نوع الإحالة الى الحظ، والقدر، والمؤثرات العجائبية على حياة الانسان.
تبدأ الحكاية بداية استهلالية مثيرة:
" حكى والله أعلم في غيبه وأحكم فيما مضى وتقدم من أحاديث الأمم الماضية والشعوب الخالية انه كان في غابر الزمان وسالف العصر والاوان في مدينة من مدن خراسان العجم رجلان شقيقان أحدهما يُسمى قاسم والثاني يسمى علي بابا، وقد توفي أبوهما وما خلف لهم الا تركة حقيرة ومتروكات غير غزيرة فاقتسما ما خلف لهما أبوهما ولو كان قليلاً بالحد والانصاف من غير انتزاع ولا خلاف".[ص199]
فقد زج المؤلف في البداية كمقدمات ضرورية للامساك بالخيط الازم لإثارة المتلقي وكسبه الى جانبه، وانتهت باستحواذ علي بابا على الكنز "الى ان اتاهم هادم اللذات ومفرق الجماعات ومخرّب القصور ومعمّر القبور وهذا آخر ما انتهى الينا من حديثهم وغاية ما بلغنا من اخبار قديمهم وحديثهم من خط العبد الفقير الراجي غفران مولاه العلي القدير يوحنا بن يوسف وارسي تجاوز الله عن زلاته".[ص245]
حيث دمج الناسخ حكايته مع الحكاية الاصلية ،وجعل نفسه مؤلفاً حاله حال المصنفين الآخرين الذين يدونون الزمان والمكان واسم المصنف ؛ وبهذا اختلط الناسخ بالمصنف ، مما يضع أمامنا احتمال قيام يوحنا بكتابة هذه الحكاية من حفظه أو من بنات أفكاره على وفق سياق كتاب حكايات(ألف ليلة وليلة)؛وبهذا صارت الحكاية جزءاً من فضاء الليالي العربية، ولكن ليست من كتاب الليالي العربية الآنف الذكر، وهذا ما يضع السرد العربي في إشكالية مقلقة، ربما شعر بها مدونو (مخاطبات الوزراء السبعة) أو كتاب(مائة ليلة وليلة) أو كتاب(الليالي العربية المزورة) ومنها حكاية (علا الدين ..)،وحكاية( علي بابا..)؛وبهذا شكلت الحكايتان ثغرة لاختراق السياقات والانساق المتعارف عليها، لكيفية اثبات نسبة مثل هذه الحكايات الى السرد العربي الشعبي أو عدمه.
-3-
ترتبط الكثير من الحكايات بوجود شيء ثمين له اغراء كبير مؤثر على الانسان وخصوصاً اذا كان فقيراً وعنده شعور بالحرمان والعوز أمام الآخرين؛ لهذا نجد (الكنز) في الغالب هو المثير ،والشيء العزيز الذي يقترب منه، وهو الشرف ؛ شرف الفرج وشرف الكلمة وشرف الأمانة، حيث يكون وجود الشيء وسيلة للوصول الى ما هو أثمن، فقد كان طريق الجبل هو المكان الذي سيوفر له الحطب ويقوده الى الكنز، فم ان بلغه وعرف مكانه وقف فرحاً؛ لهذا الاكتشاف ،وهو علامة سحرية تفك الطلسم الذي يفتح باب الكنز(افتح يا سمسم بابك)؛ وهذا المفتاح السحري نشكل بطريقة سردية يقوم الراوي بروايتها باستمرار، عبر جملة (قال الراوي) مما يعني وجود مستمع لهذا القول، وكانت الشجرة وسيلة للسمو حالها حال الجبال والقبب والمنائر واعلامات التي تشير الى قدرة الانسان على تجاوز العقبات وكشف الاسرار، ليشكل الحكي واحداً من أسباب الحوار وربما المسامرات التي توازي الاحلام والمنامات بوصف الحكاية حلماً جماعياً.
وبالطبع يخوض علي بابا العديد من المعارك مع اللصوص، فيبقى منتظراً؛ بينما يسقط أخوه قاسم قتيلاً في بداية تجربته، وكأن اسم قاسم مشتق من التقسيم حين يقسّم أربع قطع من قبل اللصوص؛ بينما اسم علاء الدين يدل على العلو والانتصار. ومع أنّ الحكاية قد كتبها ناسخ مسيحي ، كما يبدو الا ان الهوية فيه إسلامية تحاكي الليالي العربية، وعربية في لغتها الفصيحة التي تعرضت لعدد من الهفوات اللغوية والاملائية بسبب ثقافة المصنف المحدودة والضعيفة؛ وكأن ثنائية الوجود هي التي تعمل عملها في هذا الكون(أرض – سماء)و(نبات- حيوان)و(هواء – ماء)، ففي هذه الحكاية ثمة فقر وغنى ،ولصوص وضعفاء مضطهدين(فقراء)، وشجر وجبل ،ورجال ونساء، وهو في الزواج الأول لا يذكر طبيعة الزواج، لكنه في زواج الجبل/الثاني يشير الى الافتضاض وكأن ذلك كان في بداية نشأة المجتمع حيث لا يوجد قلق على بكارة الانثى، فلما تكاثر الناس صارت البكارة دليلاً على عفة وعفوية المرأة.
-4-
تكاد ان تكون كل من حكاية علاء الدين وعلي بابا، رداً مضمراً على الفكر السائد في حكايات الليالي العربية، التي مثلت عقدة الخيانة لدى المرأة مع العبيد السود حصراً، ثم جاءت (مخاطبات الوزراء السبعة) و(مائة ليلة وليلة)؛ فحاولت حكاية علي بابا قلب المعادلة، فجعلت الرجل هو الذي يخون ،ولأن النسق الذكوري هو السائد في السرد العربي، وفي الهوية السردية الرسمية والشعبية ،فان يشرك المرأة مضطراً لن تكون شريكة الرجل في خياناته التي تسوغ له نفسه في اقترافها ،مما يعني ان الخيانة بوصفها ثقافة سائدة في العصور العربية المختلفة والمتأخرة حصراً، وذلك لأن أصحاب السلطان والقوة والمكنة هم من هامش المجتمع؛ من شراذم اللصوص والعبيد والخصيان والعيارين والشطار؛ فان الخيانة تكون لدى هؤلاء طبيعة حين تسنح لهم الفرصة، من أجل الاستحواذ على الأموال والنساء والمتع، فيعمدون الى اذلال النساء الجميلات المخدرات في قصور الملوك، ولأن الهامش مضطهد في الغالب فانه اذا سنحت له الفرصة، في لحظة ما، تتضاءل لديه الثوابت والقيم الأخلاقية الضرورية التر تردعه، فينساق بطريقة ثأرية لتدمير الآخر الضعيف الذي فقد السلطة؛ فقد جاء في حكاية علاء الدين عن أخيه قاسم انه" صار يركض بين اللصوص فانفلت من الأول والثاني والثالث لكن كانوا أربعون(!) رجلاً فما قدر ينفذ من الكل فلحقه رجل منهم وطعنه طعنة في صدره خرج السنان يلمع من ظهره وقضى نحبه هذا جزا من استولى عليه الطمع ونوى لإخوته الغدر والخيانة. ثم إن اللصوص لما دخلوا الكنز وبان لهم ما أُخذ منه غضبوا غضبا شديداً وغلب على ظنهم ان قاسم المقتول هو غريمهم وانه هو الذي أخذ ما نقص من أموالهم".[ص210]
كما وصفت الحكاية التاجر بـ"الخائن الافاك الكذاب".[ص234]وكان التاجر الغريب يحمل تحت ردائه خنجرا[ص241]؛ وفي الغالب يضمر الرجل "الغدر والخيانة"[ص242] ولكن هذا لا يعني انتهاء زمن خيانة المرأة تماماً، وانما تحولت الى استخدام أسلوب الغدر بالاغتيال ، حيث دنت من قائد اللصوص و"غرزت الخنجر في صدره فشهق شهقة عظيمة ومات وعجل الله بروحه الى النار".[ص242]
ومن هنا صار الرجل شبيهاً بها في الغدر والخيانة والاغتيال ،أما الخيانة الجسدية لدى المرأة فقد اختفت وصار موقف المرأة ايجابياً فاعلاً يوازي دور الرجل وموقفه، فقد كان التاجر يستخدم المكيدة الخفية والحيل المخفية والدسائس لغرض الغدر بالخصم.
لهذا يتأخر زواج محمد من مرجانة الا بعد القضاء على زعيم اللصوص، حيث "راقت الأمور وظهر السرور وارتفع الشرور وتزوج محمد بالجارية مرجانة وكتب عقد نكاحها عند قاضي المسلمين".[ص244] وقد اقترن الزواج بزوال البكارة في ظل فلسفة الافتضاض التي تتعلق بفرك الخاتم والكلمة السحرية "افتح يا سمسم".
وهنا أصبح الافتضاض للجارية البكر، علامة للانتصار والأمان والغنى؛ بينما كان افتضاض شهريار لبكارة شهرزاد علامة للشك والغيرة، وتوقع الخيانة، فحصل التحوّل في القيم والأعراف والرؤى؛ مما يرجح لدي ان هذه الحكايات كتبت ونسجت بعد شيوع حكايات (ألف ليلة وليلة) فحاولت الرد عليها مستعيرة هويتها العربية الإسلامية، ومن المحتمل ان كاتبها أو مبتكرها امرأة/انثى على خلاف الليالي العربية ، حيث تبدو صورة الانثى موازية لصورة الذكر، وتبدو صورة العلاقة بين الطرفين قائمة على وجود نوع من التجانس، بحيث يبدو نسق الحياة أكثر الفة حيث يتعرض الرجال للقتل فقط ،ولا تتعرض النساء اليه، ويتعرض الرجال للخيانة والطمع والجشع والانتهاك ،بينما لا تتعرض الى مثل ذلك المرأة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لقطات من عرض أزياء ديور الرجالي.. ولقاء خاص مع جميلة جميلات


.. أقوى المراجعات النهائية لمادة اللغة الفرنسية لطلاب الثانوية




.. أخبار الصباح | بالموسيقى.. المطرب والملحن أحمد أبو عمشة يحاو


.. في اليوم الأولمبي بباريس.. تمثال جديد صنعته فنانة أميركية




.. زوجة إمام عاشور للنيابة: تعرضت لمعاكسة داخل السينما وأمن الم