الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رقصة الكلاب

محمد المهدي السقال

2006 / 11 / 7
الادب والفن


حين عرض عليها قصته الجديدة تحت نفس العنوان , استغربت اختياره ,
ليس لأن الكلاب لا تُعرف برقصة معينة,
ولكن لأنه مازال متأثرا مثل كثير من قراء الستينيات من القرن الماضي , برواية " اللص والكلاب " لنجيب محفوظ .
حاول تبرير استعمال الكلاب في الجملة , بالأثر النفسي الذي يحدثه توظيف الاستعارة كما تعلمها في دروس البلاغة:
أنا نفسي لم أسمع برقصة مخصوصة للكلاب على الحقيقة , غير أن القارئ سيميز منذ الوهلة الأولى بين كلاب الوفاء وكلاب الغدر .
لم تبال بكلامه , لطالما حز في نفسها إصراره على مواصلة ما يسميه نقد وفضح كلاب هذا الزمان ,
و بقدر ما كانت حريصة على إبعاده عن رفاق الحزب الذين ظلوا رافضين لدعوة التوبة , بقدر ما كان مصرا على العيش بذاكرته ,
ألا ترى أن الخطوبة قد طال أمدها , متى سيجمعنا سقف واحد ؟
أمسك عن الرد عليها , وفي نفسه رغبة جامحة للإعلان أمامها , بأن القصة موضوع الحوار واقعية , وأنه عاش تفاصيلها الوقحة على مرأى ومسمع حضور تلك الحفلة المقيتة ,
كيف يشرح لها أنه كان في أسوأ وضع لا يتمناه حتى العدو لعدوه ؟
انشغلت عنه بالاستعداد للالتحاق بالكلية , فوجد مخرجا من سخريتها الباردة ,
ليـتها أدركت ما يعانيه بعد انتهاء كل يوم ,
يسلم رأسه للوسادة , فيغلي كالمرجل في دائرة مغلقة.
يتحدث عن الليلة الليلاء بين الكبار في حفل تكريم وزير , يقولون انتهت مدة توليته , ويقول انتهت مدة صلاحيته ,
لم تكن لتتاح له فرصة رؤية الوزراء بقدهم وقامتهم الحقيقيتين ,
لولا انتقالُه إلى العاصمة , بحثاً عن عمل كيفما كان , بعد أن ضاقت به السبل , وغُلِّقَت في وجهه كل احتمالات الوصول إلى وظيفة في الإدارة , عَقِبَ تخرُّجه بامتياز , من المعهد العالي للتدبير السياسي ,
وصل مبكرا ضمن عمال متعهد الحفلات , بعد ليلة معاناة مع التفكير في اتخاذ قرار , يحسم في القبول أو الرفض , استدعاه " المعلم " بنفسه , ليطلب منه الحضور باكرا ,
افْرَحْ أسِيدي , سيحصل لك شرف توزيع الشاي على الوزراء ,
وأضاف أنه قد وقع الاختيار عليه , اعتماداً على الهيئة التي يتمتع بها , طول وعرض و وسامة ,
ابتسم قبل أن يستدرك, أريدك أنيقا أكثر من اللازم ,
أريد أن " تُـحَـمِّـرَ " لي وجهي بين السادة الوزراء , سيختار لك " عباس " ما يناسبك من اللباس , كي تبدو منسجما مع الجو.
كدت أسأله عما إذا كنت سأقوم بمهمة أخرى غير النادل الذي كنت , لولا أنني لجمت فمي اتقاء غضب " المعلم " ,
تذكرت أمي حين كانت تقول بأن فمي يأكلني , لا أطيق صبراً لمجرد التلميح , ناهيك عن التصريح , و أتعجب الآن كيف صرت أستطيع لجم فمي , خوفا من استشاطة " المعلم" ضدي ,
عانده النوم فاشتد به الأرق , وهو يتمنى لو يخلد لنومة عميقة تعفيه من الاستمرار في الانشغال بموعد الغد ,
نظر إلى بدلته اليومية ملتصقة بالجدار , وجه إليها أصبعه الأوسط , ثم ما لبث أن وجد نفسه يرد الأصبع إلى صدره,
تسمَّع في فضاء الغرفة الوحيدة في سطح العمارة , صوتا يتسلل من ثوب البدلة البنية :
على الأقل , معي كنت محتفظا بكرامتك , واستوقفه الحرف الأخير في مقدمة الحلق ,
كان يحدث نفسه بصوت مرتفع ,
حكى لي عن تلك الليلة و ما تلاها , فتفهمت كيف ظلت كل التفاصيل محفورة في ذاكرته ,
لم يكن يتصور يوما أن يكون ضحية عرض رخيص في حفل تكريم الوزير ,
وصل مبكرا ضمن شباب لم يسبق أن كانوا ضمن عمال المتعهد , هل كان أكبرهم سنا , من الصعب التمييز , لكن ما يميز المجوعة من سبعة أفراد , اشتراك في وسامة الوجوه ,
قال له " عباس " وهو يدعوه لقياس لباس اختاره له , بأن اللون الأخضر يناسب بشرة محياه ,
لكنه لم يفكر سوى في حرص المؤسسة على الظهور بما سيتناسب مع المقام ,
سيكون هناك الوزراء والكتاب العامون والولاة ,
و من يدري ؟ قد تحدث مفاجئات غير منتظرة , قالها " عباس " وهو يبتلع ريقه ,
طال انتظار لحظة بداية الاستقبال , بقي مسمرا في نفس المكان زهاء أربع ساعات ,
احتدت شدة الرغبة في الخروج , كيف يعلن عن حاجته الملحة للتبول , مع مَن سيتكلم ؟ اشتدت الحرقة أكثر ,
ذكر لي أنه قبل إطلاق سراحه بالصدفة , إذ هلَّ علي " عباس " , ليذكره بالابتسام العريض للمدعويين , أن بعض القطرات كانت قد تحررت من سيطرته على الممر , فنزلت دافئة يحضنها قماش مخصوص ,
وبعد العودة تسمر أكثر من ثلاث ساعات ,
قبل أن يهل أول طالع بحاشيته , اصطنع الابتسامة المنصوح بها , تنبه إلى متابعة الزائر بعينيه , تفاصيل هيئته ,
كاد يضطرب , ود لو كان أمام مرآة , ليتأكد من حسن اصطناعه لتلك الابتسامة العريضة ,
وصل الثاني والثالث والرابع والخامس , يسبقهم إعلان ترحيب المكلف الأول بالاستقبال ,
كلهم نظروا إليه من نفس الزاوية ,
لكنهم كانوا يبتسمون له ,
عادت إليه ثقته بنفسه, فصار ينحني برأسه قليلا للاستجابة إلى ما يشبه التحية منهم ,
لو لم تمر هذه المرحلة بسلام , لربما كان قد وجد نفسه مطرودا ملوما محسورا ,
لكن الله ستر , فقد اختير من بين السبعة , ليكون ثالث فتيان التحرك داخل القاعة المغلقة ,
يالله , " حمروا لي وجهي " ,
وانسحب " المعلم " , يشير بيده اليمنى للتأكيد على حسن الانضباط للجو ,
أثارتني حركة الفتى الأول وهو يرد بالإيجاب على " المعلم " , كدت أضحك من حركاته الأنثوية متوازية مع إيقاع صوته الرخيم ,
لم أكن أعرف أنه هو نفسه من سيتولى الإشراف على توجيهنا بين الموائد ,
ذكر لي صاحبي , أنه لم ينتبه لشيء , إلا حين فاجأته كف ناعمة تمرر أناملها على مؤخرته , لم يستدر خلفه للتثبت من الحكاية , لكن دهدهة السيد الوزير تبعت خطوه ,
أحس بالمهانة القصوى حين أدرك الموقف الذي حشر فيه ,
كيف يبدي مقاومة ما ؟
رمق الفتى الأول بين رجلين يبادلانه الحديث كأنه منهم , ركز بصره للتحقق , بدا له الفتى كأنه يترنح بين الأيدي المداعبة ,
فجأة , رفع الستار عن فرقة موسيقية من خمسة أفراد معـصوبي العيون , كيف سيعزفون ؟
جاءه الرد سريعا بالشروع في تسوية الأوتار بين العود والكمان ,
لعلهم يتهيأون لعزف مقطوعة " الأطلس " , كان يعرفها بافتتاح دقة " البندير " مفردة ,
انتهى توزيع الكؤوس التي لم يمسسها شاي , وفي نفسي سؤال عن السوائل التي سيتناولها الحضور الكريم ,
الأكواب معلومة , قطع حبل تفكيره الفتى الأول , وهو يمد إليه قنينة " الويسكي " :
أنتَ ستتكلف بالخدر على يسار الفرقة , انتبه , كن خفيف الرأس , هاوِدِ الضيوف الكرام , سايِرْهُمْ في نشاطهم , من يدري ؟ ربما تحظى بالقبول والرضاء , فتفتح لك ليلة القدر,
صعدتُ تنهيدة عميقة , امتزجت فيها رغبة في الضحك مرة أخرى من هذا الجسد المخنث في هيئة رجل , برهبة من توجس السوء به في هذا الحفل الموقر , لقد وقعت ,
وذكر لي صاحبي كيف مرت عليه لحظات احتمال تفاهات أحد الشخصيات المرموقة في البلد ,
ود لو أن الأرض ابتلعته , لئلا يتذكر كيف تركه يداعبه من الخلف ,
في البداية , وجد تبريرا في حالة السكر , فقد جرت العادة أن يفقد الشارب المنتشي صوابه , ليأتي ما لا يحتمل , لكنه في النهاية , أيقن أنه وسط شواذ بامتياز ,
قال لي بأنه إلى حد الآن , لا يعرف الفاعل من المفعول ,
ابتسمت لروايته , لم تنفعكَ حصيلة القواعد , رغم أنك حصلت فيها على شهادة الإجازة ,
بقي صاحبي جديا في حكيه عن تلك الليلة , وأضاف ,
كانوا يتقنون رقصة الكلاب








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد


.. تفتح الشباك ترجع 100 سنة لورا?? فيلم قرابين من مشروع رشيد مش




.. 22 فيلم من داخل غزة?? بالفن رشيد مشهراوي وصل الصوت??


.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??




.. فنانة تشكيلية فلسطينية قصفولها المرسم??