الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مكان بين الأمم

محمد قاسم علي
كاتب و رسام

(“syd A. Dilbat”)

2023 / 8 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


إستغرقت مؤخراً في التفكير بعنوان الكتاب الذي قرأته حيث أجده عنواناً مثيراً للإهتمام، "مكان بين الأمم، إسرائيل و العالم" مؤلف الكتاب هو بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء الكيان الصهيوني. جاءت قرائتي لهذا الكتاب متزامنة مع إنشغالي في قراءة كتاب "ليست لدي إرادة للسلطة" للكاتب ديك هاريسون، "لماذا ليست لدي إرادة للسلطة؟ بغض النظر عن كيفية البحث، لا يمكنني العثور على أي شيء. أنا بلا جدوى، أريد أن أنجح، بلى، لكن لا إرادة للسلطة." تاغه إيرلاندر، رئيس وزراء السويد 1946ـ1969.
لست هنا بصدد تقديم عرض لكتاب نتنياهو "مكان بين الأمم" ، أو تبرير أفكاره أو تمريرها، لكن الحق يقال أن هذا الرجل يملك رؤية للدولة. ينبغي الإفادة من تجربته و دراسة تحركاته و وضعها تحت المجهر.
علنا نكون منصفين إتجاه أنفسنا، إذا إتخدنا من أقسى الكلمات بداية للتصحيح و إعداد مراجعة شاملة للذات. أروي قصة حدثت معي قبل ثلاث سنوات، أثناء جلوسي في مقدمة السيارة مع مدرس الفلسفة و التاريخ و اللغة السويدية ، إيرك أنكلوند بينما هو يقود السيارة و أنا أجلس بجانبه نتبادل الحديث في مختلف الجوانب من فلسفة و تاريخ ودين و سياسة، على طول الطريق من المدينة التي نسكن فيها الى مدينة تبعد حوالي 33 كيلومتراً، متجهين لمشاهدة عرض في المسرح. قبل وصولنا الى المسرح ببضع دقائق، وجه المعلم تسائله اللي بالقول: محمد أنت متعلم ومن قابلتهم أنا شخصياً متعلمين، كيف تنفرون من الديموقراطية و ترتضون الديكتاتورية، لماذا لا يكون التغيير؟ ، أذكر أنني أجبته حينها بالقول "إن من سعى للتغير تم قتله بدم بارد، و جوبه بقمع وحشي" كلامي كان متزامن تقريباً مع ثورة تشرين...
هنا السؤال البارز
لماذا لا يكون التغيير؟
هل كانت إجابتي على تساؤله صحيحة، بالطبع لا، بل، كانت الإجابة ترقيعية. لكي تكون الإجابة صحيحة يجب الخوض في الأعماق الى أن نصل الى المشاكل الحقيقية المتجدرة و نحاول إصلاحها. من هنا إرتأت الحاجة الملحة الى تبني فلسفة و إيديلوجيا تقلب الامور و تغير في الأشياء التي إعتاد عليها الناس منذ عقود و حقب زمنية طويلة. إذا إستطعنا تبني فلسفة تغير من الواقع البائس في منطقتنا، و من ثم العمل بجد و تفاني لإجل تحقيق مكاسب حقيقية على الأرض، عندها فقط سنتجه إتجاه دولة تكون وطناً للجميع و لها مكاناً مرموقاً بين الأمم.
عندما زار رئيس وزراء السويد تاغه إيرلاندر، الولايات المتحدة وصف مشكلة الولايات المتحدة بفقدان الإيديولوجيا، لكن ماذا عن السويد؟ لم يستطع تاغه إلا و ان يفكر في الشكل الذي سيبدو عليه الحال لو كان حزب الشعب و حزب الوسط وحدهم في السوق السياسية، فيكتب: "بقوة أكثر من ذي قبل شعرت بالحاجة الى وجود عمود فقري إيديولوجي لعمل الاحزاب". يجب على الحزب ان يترك أفعاله "تبدو و كأنها جزء من خطة كبيرة مدروسة جيداً" قادرة على غرس الإيمان في المستقبل.
على الرغم من تشككه في الأيديولوجيا في سنواته اللاحقة (دوام التشكك إحدى صفاته كما تخبرنا مذكراته)، إلا أننا نجده يكتب في مستهل مذكراته، و تحديداً بعد تركه للمنصب بسنوات قليلة، يكتب عن اهمية الأيديولوجيا في نشاطه السياسي في سنين عمره المبكرة،
"إذا كنت، من خلال نشاطك السياسي، تريد فقط الدفاع عن الموجود أو إجراء تعديلات صغيرة على البنية الإجتماعية، فأنت لا تحتاج الى رؤية إيديولوجية للمجتمع مدروسة بعناية. يختلف الموقف عندما تعتقد بأنه يجب إعادة بناء الهيكل الإجتماعي من الالف الى الياء. عندها يصبح من الضروري معرفة سبب الفشل، فقط بعد أن تفهم هذا يمكنك أن تختبر التطور المؤسف الدي يمكن ان يتأثر. لا يحتاج السياسي الذي يحافظ على المتعارف عليه في المجتمع الى الإيديولوجيا، بينما محو ّل المجتمع يجب أن يمتلكها لإيجاد معنى في عمله.
بدا ان الماركسية توفر مثل هذا الأساس، فقد نظرت الى الماركسية كمحاولة لإيجاد القوانين التي يجب أن يعيش الناس بموجبها."
مذكرات 1901ـ1939 ، تيدن ستوكهولم، 1972، ص. 119.
الإيديولوجيا هي من عززت دافع الإستمرارية لدى إيرلاندر بصورة أو بأخرى، في إحدى مذكراته نجده يتذمر من حال المجتمع السويدي الذي يؤمن بأن الارامل و العجائز و الاطفال يجب أن يحضوا بالرعاية، لكن في نفس الوقت لا توجد طريقة مناسبة تحثهم على الدفع لأجل هذه الإلتزامات. حيث من المعروف بأن الضمان الإجتماعي كان من أولويات الحزب و هو أحدى قوام الرفاهية، من المعروف عن إيرلاندر إنتماءه الى الحزب الإجتماعي الديموقراطي تأثراً بوزير الضمان الإجتماعي غوستاف مولر.
وصول أمم الى ما هو عليه ليس من دواعي الصدفة، و هنا أترك المقارنة بين الأمم التي تعيش في شمال الكرة الأرضية و بين حال الوضع عليه في منطقتنا، تذكر جيداً بأن العمل المنظم المضني و الدؤوب رفع من واقع تلك الشعوب. أما الفلسفات الرجعية التي يتبناها سياسيي الصدفة كانت ذا أثر مدمر على البنية الإجتماعية في المنطقة العربية.
من الضرورة أن أروي قصة عن التفكير الإستراتيجي في عالم السياسة، بعد عودة نتنياهو الى رئاسة الحكومة الإسرائيلية عام 2009، قام بإلقاء خطابه المعروف بخطاب بار إيلان. في خطابه هذا، وجه نتنياهو الدعوة الى السلطة الفلسطينية من أجل الإستمرار بالمفاوضات دون شرط: "أناشدكم، جيراننا الفلسطينيون، تحت قيادة السلطة الفلسطينية: دعونا نبدأ المفاوضات على الفور، دون شروط مسبقة. إسرائيل ملتزمة بالإتفاقيات الدولية و تتوقع من جميع الأطراف الأخرى الوفاء بإلتزاماتها. نريد أن نعيش معكم بسلام و حسن جوار" ، الكلام في الظاهر ليس سوى كلام يٌبطن الكثير من النوايا و الخطط السياسية التي يسعى نتنياهو الى تحقيقها. كيف يرى نتنياهو السلام مع الفلسطينيين؟ هل يا تُرى نتنياهو يسمح بوجود جيران فلسطينيين جنب الدولة العبرية؟.
ما جاء في كتابه "مكان بين الامم" هو عرض كامل لرؤية نتنياهو لمستقبل الدولة العبرية، بالتالي خطابه يُبطن ما يكشف عنه الكتاب، و هنا يظهر دور السياسي البارع. فالسياسي ليس بالضرورة يهتف في وسائل الإعلام و يقامر على حساب مجتمعه.
يرى نتنياهو أن عرض الدولة اليهودية لا يمكن أن يكون 15 عشر كيلومتراً بل يجب السيطرة على الضفة الغربية عن طريق توسيع الإستيطان، حيث يكون عرض الدولة اليهودية 65 كيلومتراً و بذلك تكون إسرائيل قد أمنت عمقها الإستراتيجي بينما مرتفعات الجولان هي مصدر مهم للمياه لإسرائيل و لها أهمية أمنية قسوى لا يمكن التفريط بها، أما بشأن الفلسطينيين فيمكن توطينهم بسهولة في العالم العربي الذي يملك مساحة 500 ضعف مساحة إسرائيل.
يرى نتنياهو بأن السلام الدائم مع العرب يجب أن يكون من منطلق "قوة الردع المعتمدة على قوة الحسم" بإعتبار أن أنظمتها إستبدادية ، بينما تعامل إسرائيل يكون بالنقيض مع الدول الديموقراطية حول العالم.
يرى نتنياهو العرب بالمجمل بإعتبارهم أمة لا نفع منها، و لا يمكن أن تستقيم في نهج الحضارة إلا من خلال سياسات القوة، و إنه لا يمكن الوثوق بهم، متلونون، يبدلون آرائهم و مواقفهم بسرعة عجيبة، و أن قادتهم السياسيون يتخذون من القضية الفلسطينية فزاعة لتحقيق أهدافهم الشخصية، و هذه النقطة تحديداً لا يمكن المجادلة بشأنها، و تتوافق بالكامل مع تجربة كافة الانظمة السياسية المحيطة بفلسطين.
ختاماً، أود القول بأن: الأول (تاغه إيرلاندر) يُعلمنا كيفية توضيف الإيديولوجيا، المثابرة و العمل الحثيث من أجل خدمة الناس و رفع شأن الأمة لكي يكون لها مكاناً مرموقاً بين الأمم. الثاني (بنيامين نتنياهو) نتعلم من نقده اللاذع، كي نشخص أسباب الفشل، أرى في الإثنان أدوات يٌمكن من خلالها إجراء تصحيح في البنية الإجتماعية. عندما نراقب و نتعلم و نعمل سيكون لنا مكاناً بين الأمم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تهدد بحرب واسعة في لبنان وحزب الله يصر على مواصلة ال


.. المنطقة الآمنة لنازحي رفح | #غرفة_الأخبار




.. وثيقة تكشف تفاصيل مقتل الناشطة الإيرانية نيكا شكارامي عام 20


.. تقرير إسباني: سحب الدبابة -أبرامز- من المعارك بسبب مخاوف من




.. السعودية تسعى للتوصل لاتفاقيات شراكة أمنية مع الولايات المتح