الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ولا عزاء للورق

حسن مدن

2023 / 8 / 14
الصحافة والاعلام


تبدو عبارة «ولا عزاء» بدون أن نضيف إليها أمراً، مربكة بعض الشيء. فيلم فاتن حمامة الشهير «لا عزاء للسيدات»، أكسب هذا التعبير انتشاراً، لكنه سابق له كثيراً، وبحسب المرحوم محمد شوقي أمين، الذي كان عضواً في مجمع اللغة العربية بالقاهرة، فإن أصل التعبير عائد إلى الإعلانات التي كانت تنشر في الصحف المصرية قديماً، حين يحدد مكان استقبال العزاء للرجال، ويجري، أحياناً، استثناء النساء من واجب التعزية، فيكتب في الإعلان: «ولا عزاء للسيدات»، وبالتالي لا لوم عليهن.

ليست عبارة «ولا عزاء للسيدات» وحدها، هي المستخدمة. يقال أحياناً، وعلى سبيل المثال فقط، «ولا عزاء للحمقى»، حين يدفعون ثمن حماقاتهم. ورأينا أن نستخدم عبارة «ولا عزاء للورق» ونحن نتناول فيديو نشرته، مؤخراً، إحدى الصحف الكويتية الناطقة باللغة الإنجليزية، يتضمن مقابلات مع تلاميذ صغار من أعمار متفاوتة، من الجنسين؛ حيث يظهر الواحد، أو الواحدة منهم، وبيده صحيفة ورقية، فيما معدّ الفيديو يسأل: ما هذه التي بيدك؟.

واحد منهم على الأقل قال إنه يرى واحدة مثلها في يد والده أحياناً، فيما قال أكثر من واحد، إنها تنقل الأخبار التي ينقلها التلفزيون. وطبيعي ألا نتوقع من تلاميذ في هذا العمر أن يدركوا أن الصحف الورقية تتضمن مقالات وتحقيقات.. إلخ، لذا لا تبدو أجوبتهم غريبة. لكنّ هناك أمراً آخر طريفاً عندما طلب من التلاميذ أن يتصفحوا الجريدة، كما اعتدنا نحن أن نفعل، لنُفاجأ أن ما من واحد منهم أحسن فعل ذلك، فبعضهم قاموا بفتحها عشوائياً، على مصراعيها من منتصفها، لا من يمينها ولا من شمالها، فيما قام بعضهم بإخراج كل ورقتين على حدة ووضعوهما جانباً، ليخرجوا سواهما تباعاً، مع أن أعمار بعضهم كافية لأن تجعلهم يتصفحونها بشكل صحيح، كما كان أبناء جيلنا والأجيال الأسبق، يفعلون ذلك عندما كانوا في أعمار هؤلاء التلاميذ، ما يظهر «غربة» الجيل القادم، عن الجريدة في شكلها الورقي الذي نشأنا عليه وأحببناه.

نعود للعنوان ثانية، برأي محمد شوقي أمين أن «لا عزاء للسيدات»، مثلاً، عبارة غير دقيقة من ناحية بنائها اللغوي، فإذا كان العزاء هو الصبر، فإننا حين نقول «لا عزاء للسيدات»، كأننا نقول لا صبر للسيدات، وفي هذا ظلم كبير للنساء، حتى أن الرجل اقترح أن يقال بدلاً عن ذلك: «لا تعزية للسيدات».

وحتى عنواننا «ولا عزاء للورق» غير دقيق، لا معنى ولا دلالة. قد تختفي الصحافة الورقية في أفق منظور، ولكن من الصعب جداً الجزم بأن الورق، في صورة الكتاب الورقي بالذات، سيختفي بهذه السرعة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -أسلحة الناتو أصبحت خردة-.. معرض روسي لـ-غنائم- حرب أوكرانيا


.. تهجير الفلسطينيين.. حلم إسرائيلي لا يتوقف وهاجس فلسطيني وعرب




.. زيارة بلينكن لإسرائيل تفشل في تغيير موقف نتنياهو حيال رفح |


.. مصدر فلسطيني يكشف.. ورقة السداسية العربية تتضمن خريطة طريق ل




.. الحوثيون يوجهون رسالة للسعودية بشأن -التباطؤ- في مسار التفاو