الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مشروع الدولة الكردية ... بين الواقعية والمأمول

داخل حسن جريو
أكاديمي

(Dakhil Hassan Jerew)

2023 / 8 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


إبتداء نقول أن من حق أية أية تجمعات بشرية تربطها أواصر قومية وسمات ثقافية مشتركة وتجمعها مصالح معينة ,ولا تلحق ضررا بمصالح الآخرين ولا تعكرصفو أمن المنطقة , إقامة دولة مستقلة ذات سيادة خاصة بها إن إرتأت ذلك , من منطلق حق تقريرمصير الشعوب , إلاّ أن ذلك ليس قدرا محتوما , إذ أن الكثير من الدول لا تقوم على أساس قومي أو ديني , بل أن معظم دول العالم ذات قوميات متعددة وثقافات متنوعة وأديان وطوائف مختلفة , متعايشة مع بعضها في وطن واحد ودولة واحدة بنظم سياسية متعددة , بعضها ملكية وأخرى جمهورية , نظمها مركزية أو فيدرالية , لبرالية أو شمولية . والأمثلة على ذلك كثيرة يكفي أن نشير إلى المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية والهند والصين وروسيا الإتحادية وغيرها . كما أن الكرد ليسوا هم وحدهم موزعين بين أكثر من بلد , فها هم الأذريون والبلوش والتركمان وغيرهم موزعين في أكثر من بلد .
وبالعودة إلى موضوعنا المعني بمشروع الدولة الكردية , نقول بذل الكرد جهودا مضنية وتكبدوا خسائر بشرية ومادية جسيمة على مدى نحو قرن من الزمان , لتحقيق حلم دولة الكردية المنشودة دون جدوى , نوجزها بالآتي :
1. محاولة الشيخ محمود الحفيد بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى عام 1920 ضد سلطة الإحتلال البريطاني للعراق التي إنتهت بإلقاء القوات البريطانية القبض على الشيخ محمود الحفيد ونفيه خارج كُردستان.
2. قام الشيخ محمود الحفيد بعد عودته من المنفى بتحشيد اتباعه ,ومطالبته الحكومة البريطانية عام 1930, بإنشاء دولة كُردية في كُردستان تمتد من خانقين إلى زاخو، دون جدوى حيث تمكنت الحكومة العراقية بمساعدة القوات البريطانية إخماد تمرده .
3.قاد الملا مصطفى بارزاني تمردا مسلحا في منطقة بارزان عام 1931 , بالتزامن مع حركة الشيخ محمود الحفيد في السليمانية، وقد رفع الشيخ أحمد بارزاني طلباً إلى عصبة الأمم حول منح الكُرد الحكم الذاتي، وقد أخمدت الحركة عام 1932 من قبل الجيش العراقي مدعوما بسلاح الجو البريطاني .
4. قاد الملا مصطفى بارزاني تمردا مسلحا عام 1943 ، مطالبا بتشكيل ولاية كُردية تضم كركوك وأربيل ودهوك والسليمانية وزاخو وخانقين ومندلي واعتبار اللغة الكُردية لغة رسمية في تلك الولاية وتعيين نائب وزير كردي في جميع الوزارات العراقية . تمكنت الحكومة العراقية وبالتعاون مع القوات البريطانية من إخماد هذا التمرد , وفر مصطفى برزاني وبعض مقاتليه إلى إيران , ومنها إلى الإتحاد السوفيتي ليستقروا فيها لاجئين . عاد عام 1958 إلى العراق معززا مكرما من قبل قائد ثورة الرابع عشر من تموز عبد الكريم قاسم عام 1958 , ليمارس حزبه العمل السياسي أسوة بالأحزاب العراقية الأخرى .
5. قاد الملا مصطفى البرزاني تمردا مسلحا ضد حكومة عبد الكريم قاسم عام 1961 , ليتوقف بعد سقوط حكومة عبد الكريم قاسم بإنقلاب عسكري قاده حزب البعث عام 1963 .
6. أعلن الرئيس العراقي عبد الرحمن عارف برنامجًا للسلام مع المتمردبن الكرد , من ( 12) نقطة في حزيران عام 1966، والذي لم ينفذ بسبب الإطاحة بعبد الرحمن عارف في انقلاب عام 1968 من قبل حزب البعث .
7.استأنفت حكومة البعث حملة لإنهاء التمرد الكردي، الذي توقف في عام 1969. ويمكن أن يعزى ذلك جزئياً إلى صراع السلطة الداخلي في بغداد والتوترات مع إيران, لينتهي بإصدار بيان الحادي عشر من آذار عام 1970, الممهد لتوقيع اتفاقية الحكم الذاتي للكُرد , بعد تطبيع أوضاع المنطقة أمنيا .
8. قاد مصطفى بارزاني تمردا مسلحا عام 1974 والذي تم القضاء عليه بمجرد أن تم توقف الدعم العسكري الإيراني للمتمردين الكرد , بعد توقيع إتفاقية الجزائر بين الحكومتين العراقية والإيرانية عام 1975 بوساطة الرئيس الجزائري هواري بومدين .
9. منحت الحكومة العراقية الحكم الذاتي لمنطقة كردستان العراق عام 1975( محافظات أربيل والسليمانية ودهوك ) بموجب ما ورد ببيان آذار لعام 1970, وإختيرت أربيل عاصمة للإقليم منذ ذلك الحين , إلا أن ذلك القرار لم توافق عليه الأحزاب الكردية الرئيسية المتمثلة بالحزب الديمقراطي الكردستاني والإتحاد الديمقراطي الكردستاني .
10 . إستغل الكرد ظروف العراق المأساوية في أعقاب هزيمته المدوية في حرب الخليج الثاني عام 1991, ليعلنوا تمردهم في محافظاتهم. لاقى التمرد دعما قويا ومباشرا من قوات التحالف الدولي الذي قادته الولايات المتحدة الأمريكية , ليعلنوا بسط نفوذهم على منطقة كردستان وإجبار الحكومة العراقية سحب جميع موظفيها منها مدنيين كانوا أم عسكريين , وتسليم المحافظات الثلاث إلى الحزبين الكردين الرئيسيين , وإعلانها ملاذا كرديا آمنا يحضى بحمايتهم .
مما تقدم يلاحظ سعي جميع حركات التمرد الكردي ضد الحكومات العراقية المتعاقبة , للإنفصال عن العراق وإقامة دولة كردية خاصة بهم , مع العلم أنه لم يجر في العراق أي تمييز بين العرب والأكراد وسواهم ، بل ساهم الجميع ببناء دولة العراق بين موالين ومعارضين للنظم السياسية القائمة فيه بمختلف الحقب السياسية . ففي النظام الملكي العراقي تبؤ الأكراد أعلى الواقع الحكومية (رؤساء وزراء ووزراء وقادة عسكريين)، وتمتع الأكراد المعارضين لهذا النظام بمراكز قيادية في الأحزاب العراقية المعارضة للملكية. ركز الملك فيصل الأول على مفهوم "الهوية العراقية"، وحتى عندما حاولت بريطانيا استغلال الورقة الكردية فإن موقف الملك فيصل لم يتغير، بل إنه وافق على إصدار وثيقة رسمية بخصوص الأكراد. ربما كان دستور عام 1958 الجمهوري المؤقت الوثيقة الرسمية الأهم التي تم فيها الاعتراف الصريح بالوجود الكردي. فقد جاء في المادة الثانية منه أن العرب والأكراد شركاء في الوطن العراقي. وفي 11 مارس/آذار 1970 تحقق للأكراد حلمهم عندما تم تثبيت حقهم في الحكم الذاتي في الوثيقة التي أصدرتها الحكومة التي يقودها حزب البعث في العراق.وهو ما قد تحقق فعلا بإقامة منطقة الحكم الذاتي الكردية عام 1975 التي شملت محافظات أربيل والسليمانية ودهوك , متخذة من مدينة أربيل عاصمة لها . وكان للمشروع قابلا للتطور في ضوء ما تفرزه ممارسة تطبيقه لو قدر للمنطقة الإستقرار في حينه .
وبرغم ما مر به العراق من تقلبات وصراعات وحروب لم يتغير حال الأكراد , حيث إستمروا بإشغال مواقع قيادية في الدولة ( رئاسة الجمهورية ووزراء وأعضاء مجلس نواب ومواقع قيادية مدنية وعسكرية رفيعة). كان العراق الدولة الوحيدة بين الدول التي يسكنها الأكراد التي تعترف بالوجود الكردي. ولم يمنع الأكراد من استخدام لغتهم ومن حقهم في التمسك بهويتهم القومية، في حين أن تركيا وإيران ينكرون على الأكراد كل شيء يشير إلى هويتهم الكردية المتميزة .
وتقتضي منا الموضوعية أن نشير إلى محاولة نظام حزب البعث تغيير التركيبة السكانية في محافظة كركوك التي يسكنها عرب وكرد وتركمان , لصالح العرب بتشجيع نزوح عوائل عربية من وسط وجنوب العراق ومنحهم بعض الإمتيازات , ذلك أن كركوك كانت وما زالت موضوع نزاع بين الحكومة العراقية والقيادات الكردية بتصنيفها القومي , كردية أم غير ذلك وما زال الخلاف قائما حتى يومنا هذا , وتوصف دستوريا بالمناطق المتنازع عليها , حبث يرغب الكرد بضمها إلى إقليمهم , وتصر الحكومة على بقائها ضمن محافظات العراق الأخرى .
وعلى العموم نقول أن لا وجود لتعسف قومي للأكراد في العراق في مختلف العهود , وأن حالهم كان حال مواطنيهم العراقيين من القوميات المختلفة في السراء والضراء , وأن ما تعرضوا له من تعسف لا يختلف عما تعرض له الأخرون المعارضون للحكومات العراقية سواء بسواء . ومما يؤسف له حقا , أن التمرد الكردي قد إستخدم من أطراف دولية وإقليمية كورقة ضغط ضد الحكومات العراقية المتعاقبة لأسباب مختلفة, تارة لإضعاف النظام الجمهوري الأول الذي إعتبرته كل من إيران وتركيا , نظاماً شيوعياً مهدداً لأمنها، وتارة لإضعاف الأنظمة الجمهورية اللاحقة ,بوصفها أنظمة قومية عربية لا تقل خطراً عن الشيوعية. أما "إسرائيل" فقد حرصت منذ البداية على دعم الحركة الكردية المسلحة بكل الوسائل وصولاً إلى إرسال الأسلحة والمدربين، لإضعاف الجيش العراقي وإعاقة مساهمته في أي مواجهة عسكرية مستقبلية بينها وبين الدول العربية. ثم وصل الأمر إلى أن تلعب الخلافات العربية دوراً مسانداً للحركة الكردية أيضاً عندما اشتدت هذه الخلافات . وبمرور الوقت فقد إزداد إعتماد القوى المعادية للعراق على إنعاش الحركة الكردية لتمزيق الوحدة الوطنية. ويكفي أن نشير هنا إلى إنهيار التمرد الكردي السريع عام 1975 بعد توقف الدعم العسكري الإيراني لهذا التمرد, بموجب إتفاقية الجزائر المعقودة بين الحكومة العراقية والحكومة الإيرانية في عهد الشاه محمد رضا بهلوي . وهو ما يؤكد عدم جواز الإعتماد أو الإتكاء على دعم القوى الأجنبية التي لا يهمها في المقام الأول سوى مصالحها .
. وثمة سؤال يتبادر إلى الذهن , هل بإمكان الكرد تأسيس دولتهم العتيدة في ظل الظروف الدولية الراهنة ؟ الجواب بكل تأكيد أن ذلك غير ممكن أبدا , فالمنطقة الكردية منطقة مغلقة برا وجوا ومحاطة من جميع جهاتها بدول معادية لمشروع الدولة الكردية , فكيف لهذه الدولة المنشودة التواصل مع العالم الخارجي . فالحلم الكردي حلم عسير لا يمكن أن يرى بصيصا من النور إلاّ بالتعاون وبناء جسور الثقة والمودة وتبادل المنافع مع إحدى دول جوار الإقليم الكردي في الأقل . وتبقى بوابة العراق هي البوابة التي قد يتحقق عبرها بعض مطامح الكرد إذا ما أحسنوا التفاهم مع مواطنيهم العراقيين بعامة ومن العرب والتركمان بخاصة . وهذا يتطلب تصحيح الوضع السياسي القائم حاليا في العراق , بإقامة حكومة عراقية رشيدة بعيدة عن أشكال المحاصصة الطائفية والإثنية ومداخلات الدول الإقليمية والدولية , همها الوطن والمواطن , ديدنها الحق والعدل والمساواة بين المواطنين بصرف النظر عن إنتماءتهم الأثنية والدينية والطائفية , والإيمان بوحدة العراق أرضا وماءا وسماءا , وعدم الإستقواء بقوى إقليمية ودولية لتحقيق مصالح آنية ضيقة , فمصلحة العراق يجب أن تكون فوق جميع المصالح , فالعراق ياق بإذن الله , وهم زائلون طال الزمن أم قصر .
وخلاصة القول أن مشروع الدولة الكردية , مشروعا متعسرا تحكمه العلاقات الدولية الشائكة , وتتخذ منه بعض الدول ورقة ضغط ضد الحكومات العراقية المتعاقبة والتلاعب بأمن المنطقة لمصلحة تلك الدول , وإن ولادته لا يمكن أن تتم بدون توافق دول جوار العراق , تركيا وإيران وسورية التي يتواجد فيها الكرد . ولعل حال الكرد اليوم في العراق بإفضل صوره , حيث تتصرف حكومة إقليم كردستان كأنها دولة مستلقة , علم ودستور ومجلس أمة وقوات مسلحة خاصة بها, تبرم الإتفاقات مع الدول الأخرى وتتصرف بموارد الإقليم على هواها , كما لا يمكن تشكيل أية حكومة عراقية دون موافقتها , والعكس ليس صحيحا حيث ليس للحكومة المركزية أية سلطة على الإقليم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. متضامنون مع غزة في أمريكا يتصدون لمحاولة الشرطة فض الاعتصام


.. وسط خلافات متصاعدة.. بن غفير وسموتريتش يهاجمان وزير الدفاع ا




.. احتجاجات الطلاب تغلق جامعة للعلوم السياسية بفرنسا


.. الأمن اللبناني يوقف 7 أشخاص بتهمة اختطاف والاعتداء -المروع-




.. طلاب مؤيدون للفلسطينيين ينصبون خياما أمام أكبر جامعة في الم