الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل تستطيع الحكومة اعادة ثقة الشعب بالدولة؟

عدنان جواد

2023 / 8 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


هل تستطيع الحكومة اعادة ثقة الشعب بالدولة ؟

في الدولة العراقية الحديثة، ومنذ العهد العثماني الى نهاية نظام صدام حسين، مبنية على اختصار الارادة الشعبية بإرادة الحاكم، ففي العهد العثماني الذي استمر ثلاثة قرون، كان يتم باختيار الولاة الذين يحكمون الولايات الثلاث(بغداد، البصرة، الموصل) من قبل القصر السلطاني والباب العالي في الاستانة، غالبا ما يتم اختيار الدولة العثمانية والياً عسكرياً، حاكماً قوياً، يتميز بالقسوة والصرامة على السكان، يفرض الضرائب الثقيلة على الناس لتمويل المجهود العسكري ، ويتم اختيار وجهاء عراقيون في الولايات الثلاث من الموالين والاقطاعيين لتمشية امور الدولة.
وفي العهد الملكي، حاول الحكم الملكي تطوير آليات الحكم في العراق، بإرساء علاقات جديدة بين الحاكم والمحكوم، بترسيم اسس الدولة ولكن ضعف في السلطة، تقوم على اساس الشرعية الانتخابية وتمثيل الوان الطيف العراقي، فاصدر دستور عام 1925 والذي سمح بحرية التعبير والعمل السياسي، ومنح مقاعد للأقليات الدينية، ولكن كان التطبيق على ارض الواقع يختلف عما كتب على الورق، وبقيت هذه النصوص حبر على ورق، فكان تمثيل البرلمان مقتصر على شخصيات من الاقطاعيين والتجار والوجهاء والمقربين من القصر والحكومة، ويتم اعادة انتخابهم بطرق غير ديمقراطية، وابتعاد افراد الشعب عن النشاط السياسي بسبب التهميش وشيوع الفقر والجهل وغياب الاطر التمثيلية الفعالة، والاعلام والصحف والمجلات كانت تتبع الطبقة السياسية الحاكمة، ومن يخرج عن سياقها يتعرض للمضايقة والاعتقال.
اما في العهد الجمهوري، يتميز هذا العهد في الانخراط الشعبي في الساحة السياسية، سواء بالمشاركة في التظاهرات او الانتساب الى الاحزاب، ولكن لم يكن بصورة ديمقراطية، ففي هذا العهد ضعفت القيم المدنية وغياب ثقافة الاختلاف والتسامح، وشيوع الانقلابات العسكرية والعنف السياسي ضد الخصوم، وسجل العنف وتصفية الخصوم والعسكرة عندما تسلق حزب البعث الى السلطة والذي استمر من 1968 الى 2003، الذي غيب المؤسسات والتنوع العرقي والديني والفكري والاجتماعي باسم العروبة والقومية، وتكريس فكر احادي شمولي طوال ثلاثة عقود جلب الويلات والدمار وتشويه المجتمع وتحطيم الفرد، لذلك فان انعدام الثقة بين الحاكم والمحكوم قديمة وتجذرت في نظام صدام وحزب البعث بالذات، فالدولة كانت مختصرة على ابناء عمومة صدام واقاربه، وفي الدرجة الثانية ابناء المحافظات القريبة من تكريت، وفي الدرجة الثالثة النافذين في حزب البعث، فكانت الوزارات المهمة في الدولة ، وخاصة الامنية منها لا يقبل فيها الا ابناء تلك المحافظات واولاد الرفاق الكبار من المحافظات الاخرى، حتى انه كانت تضاف درجات لمعدل الطالب الذي حصل والده على شارة ام المعارك او انواط الشجاعة او شارة الحزب، واليوم مع الاسف يعمل بهذه المميزات للنظام السياسي الحالي كعوائل الشهداء، والسياسيين وغيرها.
الدولة كانت تمثل طبقة محددة من الشعب وهي الحاكمة الآمرة الناهية، والطبقة الاخرى هي المستعبدة، وهي التي منها الجندي والعامل والفلاح، وكل حلم هذه الطبقة ان يصبح ابن الفلاح مهندس زراعي وابن العامل مهندس مدني وربما دكتور حسب درجة الذكاء والجد والاجتهاد، ولكن ان يصبح وزيراً او ضابطاً كبيراً فهذا حلم بعيد المنال، وفي بداية الانهيار لهذا النظام ، عندما بالغ في استخدام النفوذ والسلطة والمال له ولعائلته والمقربين منه، وافقار الشعب وتنعمهم بالخيرات، فبعد الحروب والانتكاسات وضعف النظام لقوته وهيبته، بعد ان استخدم سلاحه ضد شعبه، انعدمت ثقة الشعب بالدولة واركانها وقراراتها، وكلام رئيسها ، بل انتشرت الرشوة وتمشية المعاملات والسرقات منذ ذلك الزمن.
وبعد عام 2003بدخول الامريكان واللصوص من اصحاب الجنسيات الامريكية والبريطانية، الذين قدموا ليحكموا ويسرقوا الاموال العامة، وفي المقابل فان جماعة صدام وبعض الدول العربية التي ارسلت اموالها وانتحاريها الى العراق، الذين ارادوا افشال هذا النظام والعملية السياسية الجديدة، فاستخدموا المتفجرات والقتل والذبح للناس حتى يعود نظامهم السابق، و بقينا في كل حكومة نقول انها فترة انتقالية، وسوف يتغير الامر وتستقر الدولة وتحكم المؤسسات، ولكن كل حكومة تلعن التي قبلها، وزادت الفجوة بين الحاكم والمحكوم، وانعدمت الثقة بمؤسسات الدولة، فالمواطن الذي يراجع لدوائر الدولة لا يثق بالموظف الذي ربما يتلف او يضيع معاملته اذا لم يدفع رشوة من اجل تمشيتها، والمريض لا يثق بالطبيب الذي ربما يصرف دواء بدون تشخيص والذي غالباً ما يصرف من الصيدلية الخارجية!، لذلك اغلب الناس تذهب للهند وايران من اجل العلاج والتشخيص الصحيح، وانعدام الثقة بين المعلم والتلميذ ، حيث اغلبية المدرسين لديه دروس خصوصية في معاهد خاصة او في المنزل، والتدريس في المدرسة ما هو الا اسقاط فرض، وانعدام الثقة بين المرشح والناخب، فبمجرد ما يفوز المرشح يغلق تلفونه بوجه الناخب، ويعود فيخدعه في الانتخابات القادمة، حتى وصلت انعدام الثقة في كل مؤسسات الدولة، واخرها توزيع قطع الاراضي في المحافظات، ففيها الكثير من اللغط وانها توزع حسب المحسوبية، ومدى قرب المستفيد من المسؤول، ونتائج صف السادس الاعدادي الحالي والظلم الذي تعرض له الكثير من الطلاب من غبن وعدم الحصول على استحقاقهم، والسبب التقصير في التصليح او عدم احتساب الدرجة بصورة دقيقة، فالكثير منهم كان قد جمع اجوبته وانه من المتميزين واذا بدرجته اقل من الثمانين، وتولد هذا الشك من عدم الثقة بكل شيء يمثل الدولة والحكومة، من تراكم الازمات واستخدام النفوذ والسلطة في اختراق القانون لمصالح شخصية وحزبية، وما يشاع عن استبدال دفاتر الطلاب، واستبدال الاسماء في التعيينات واختيار البعثات وغيرها الكثير مصاديق لما موجود.
البعض يقول ان الطبقة السياسية هي من شوهت العملية السياسية، وانها من اظهرت فساد بعضها البعض وهي من اعترفت بالفساد، فالحكومة الحالية امام مهمة صعبة وشبه مستحيلة، في اعادة الثقة بين الحاكم والمحكوم، لان الفساد دخل في ادق التفاصيل، وانه تحول من مافيا وعمل عصابات الى عمل مؤسسات، والى مهنة واستنزاف للمال العام وشبكات يصعب تفكيكها، فعلى رئيس وزراء الحكومة الحالية اذا اراد النجاح، ان يغير شخصياته وادواته، وجلب اناس اهل دولة واختصاص وامكانية ونزاهة وعدم ارتباطهم بالأحزاب، ناس تفهم وليس قاط وارباط وسيارة ونظارات شمسية، وتحميل الناس مسؤولية التبليغ عن كل خرق وسرقة ومعالجة الامر بالسرعة الممكنة، فالنظام الديمقراطي يريد خدام وليس حكام، واعادة الثقة تتطلب تضحية وابعاد المخربين والوصولين والمنتفعين، وتنفيذ العقوبة الرادعة، وترك التسويف وانتظار نتائج التحقيقات المطولة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -