الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حين يَصدح الشعر..على ربى قرطاج الشاعرة التونسية السامقة نعيمة المديوني : في قصائدها المنتقاة بحذق ومهارة..تحاول الإنفلات من عقال ذاتها والإنفصال عنها لصالح المحيط...والعبور من الخاص بإتجاه العام والإنساني.

محمد المحسن
كاتب

2023 / 8 / 14
الادب والفن


حين يَصدح الشعر..على ربى قرطاج

الشاعرة التونسية السامقة نعيمة المديوني : في قصائدها المنتقاة بحذق ومهارة..تحاول
الإنفلات من عقال ذاتها والإنفصال عنها لصالح المحيط...والعبور من الخاص بإتجاه العام والإنساني.

-إن الإبداع كحرية الإرادة،ينطوي على سر دفين..(المفكر يونج)
-تونس بلد البهاء والعطاء والجمال والتجلي..بلد الشعر ذي النغمات والآهات الرخيمة (الشاعرة الفذة نعيمة المديوني)
-إننا نحتشد ضمن هذا العالم في واحدة من أكثر لحظات التاريخ ارتباك،الأمر الذي يدعونا إلى تفعيل ثقافتنا،واخصاب معطياتها والإسهام بالتالي في صناعة الراهن الثقافي الكوني (الأستاذة-نعيمة المديوني)
"الشعر عندي تدوين لحياة البشر،للألم وللخذلان،وللفرح المقبور منذ أزمنة بعيدة،ورثاء لحب مغتال..” (الأستاذة-نعيمة المديوني)
-قد يعيش الواحد منا على عتبات الألم مجهدا مكدودا،ومثخنا بالجراح العميقة والآلام العظيمة..
ولكن..ثمة حياة تستحق أن تعاش بشروط المبدع،بزهده وباستعداده الجسور للتخلي عن كل شيء في الحياة من أجل الكلمة المجلجلة التي تخترق سجوف الصمت والرداءة بعنفوان وكبرياء (الكاتب)

بحس رهيف،و هاجس لطيف،و معنى شفيف،و تركيب إيحائي كثيف..تنقلك الشاعرة التونسية المتميزة أ-نعيمة المديوني إلى عالمها،حيث المستحيل الممكن،والمحظور المباح،والذات والذات الأخرى،والرؤية النافذة،و الخيال في طقوسه الشعرية،و نمنماته التلميحية.و صوره الرمزية..
هي ذي الشاعرة التونسية الفذة التي تصوغ ابداعاتها بحبر الروح..ودم القصيدة..وتحلق بأشعارها في سماوات الإبداع حيث الصفاء والتجلي..
قد لا أجانب الصواب إذا قلت أنّ الكتّاب الحقيقيين يشتغلون بشكل دائم،في رؤوسهم وفي نصوصهم،على آليات الكتابة التي يقيمون فيها كتأملات وتقطيعات خاصة للعالم.وهم بذلك الصنيع،يرقبون الحياة والوجود من نقطة دقيقة بمثابة فتحة بابهم المكتظ بالأسئلة والإشتغال الدؤوب.
الشاعرة التونسية السامقة (أ-نعيمة المديوني) التي تكتب شعرها-على ربى قرطاج-وعلى ضفاف الأبيض المتوسط ،واحدة من هؤلاء،تشتغل بحرقة في الكتابة الشعرية،لتأسيس نفس وخيار جمالي،له تسويده وتقطيعه ونظره الخاص ليس للحياة فحسب،بل للنص الشعري نفسه الذي يغدو مرتعشا في يدها وزئبقيا وشفيف المرايا إلى حد الكسر في الرّوح..
هذه الشاعرة المتألقة تؤسس لمشهد شعري متميز،عبر استمرارية وصيرورة ذات قيمة انتمائية فذة،حيث تبيح لقلمها،لرؤاها ورؤياها،متعة التحليق في الآقاصي لتأثيث عوالم بعيدة،باحثة من خلالها عن ممرات دلالية وصورية ومديات بلاغية روحية لكونها الشعري اللامحدود،وخالقة عبر توظيفاتها متعة دلالية،ولذة تصويرية حركية،لتمارس فعلتها الكينونية الإبداعية،حالمة بولادة جديدة في رحم النص الشعري.
وأنا أضع يدي على بعض -قصائدها العذبة-أحسست،بعد تمحيص ونظر،أنّ الشاعرة-نعيمة-تكتب وفق استراتيجية في الكتابة الشعرية.
ولذا وجب-في تقديري-لفت النظر بدقة لكل الآليات والتقنيات المستعملة وفق وعي جمالي ونقدي ملازم.
وإذا حصل،سيتم تقليب قصائدها-الخصبة-مثلما نقلب المواجع الرائية،لأنّ الألم في الكتابة،له بكل تأكيد،ينابيعه الخلاقة التي تغني نهر الإبداع الإنساني بالإضافات العميقة والجميلة.
وهذا يعني أنّ نجاح المبدعة التونسية -أ-نعيمة المديوني-في جل منجزاتها الشعرية متمثّلا في عدم سقوطها في الإرهاق اللغوي والإندلاق العاطفي،فهي تملك لغتها وتعرف كيف تتلاعب بها ومعها،وتبدو رؤية الشاعرة واضحة،واعية تماما لطروحاتها كشاعرة بالدرجة الأولى،وكفنانة تعشق الرسم بالكلمات في الثانية،ففي قصائدها المنتقاة بحذق ومهارة تحاول الإنفلات من عقال ذاتها والإنفصال عنها لصالح المحيط،والعبور من الخاص بإتجاه العام والإنساني.
حين سألتها عن آفاق وتجليات الكتابة الإبداعية في-زمن فقدنا فيه الطريق إلى الحكمة-إكتفت بالقول : ”الكتابة الإبداعية لا تنطلق إلا من دوافع خاصة،أو هذا ما أفترضه دائما،لكني لا أسأل نفسي في كل مرة وأبحث فيها عن دوافع الكتابة لدي،فالكتابة-في تقديري-شكل تعبيري مثل الرسم والموسيقى والنحت وغير ذلك،وتحتاج إلى وعي كبير بالذات،وإلى قدرات أخرى بطبيعة الحال،ثم تكون هي نفسها أداة تعبيرية عن ذلك الوعي وسبيلا لتطويره.
كما قد يكون أيُّ نتاج للكتابة بحثا عن ذات يُفترض أنها موجودة على نحو ما.والشعر عندي تدوين لحياة البشر،للألم وللخذلان،وللفرح المقبور منذ أزمنة بعيدة،ورثاء لحب مغتال..” وبسؤال مغاير سألتها :” لقد تمرسنا في صناعة الأمل،و لولاه لقضينا حزنا و كمدا”،كان قد أخذنا لنفس السياق الكاتب الروسي”دوستويفسكي”منذ أكثر من مائة عام ليؤكد أنه”أن تعيش بدون أمل هو أن تتوقف الحياة”،لماذا هذا الإجماع على قدرة الأمل في مجابهة واقع لطالما تساءلنا عن جنسيته ضمن حدود أحلامنا..؟
فأجابت محدثتي-أ-نعيمة-:”يبدو أنّه علينا أن نخلقَ معادلاً موضوعياً لأزماتنا،الأمل يشكّل هذا المعادل الموضوعي.هذا من جانب،من جانب آخر فإنّ الأمل يحمل في طياته بذور الأمل التي ستنبت يوماً ما في حقول الألم،وشيئا فشيئاً ستتمدد تلك النباتات وهي تطرد أمامها الأشواك حتى تنظّف الأرض منها،وتحولها من أرض يباب إلى أرض مفعمة بعطر الأزهار.”
ثم أضافت : “ لو عدنا إلى زمن الكاتب الروسي الخالد دوستويفسكي:”أن تعيش بدون أمل هو أن تتوقف الحياة”،سنرى أنّه أطلق مقولته تلك بينما كانت بلاده تعيش أصعب ظروفها،وبعد ذلك بسنوات شهدت روسيا “الثورة البلشفية”عام 1917،تلك الثورة التي غيّرت وجه روسيا والعالم لعدة عقود.”
ثم ختمت حديثي معها بالسؤال التالي :”في عالم الكتابة،إذا ما تطرّقنا لرأي الروائية الأمريكية “بيرل باك” بأن “سرّ الاستمتاع بالعمل يتلخّص في كلمة واحدة،الإجادة”، أين نجد الشاعرة”نعيمة المديوني"بين الاستمتاع و الإجادة؟
وكانت إجابتها :”من الصعب عليّ أن أصدر أحكاماً على ما أكتب،وبالتالي تصبح الإجابة على هذا السؤال خالية من الحيادية.
بالنسبة لي أنا لا أتعامل مع الكتابة الشعرية بالخصوص كشكل من أشكال الترف والتسلية، وإنما أتعامل معها بمنتهى الجدية،احتراما للكلمة،واحتراما للقارئ الكريم..
وفي المقابل لا بدّ وأن يرصدَ الشاعر ردود الأفعال على كتاباته علّ ذلك يساعده في ضبط اتجاه بوصلته..
صحيح أنّ من حقِّ القارئ أن يحقّق قدراً من الاستمتاع أثناء قراءته،ولكنني لا أصرف جهداً في هذه المسألة،بل أصرف هذا الجهد في تطوير أدواتي الفنية،لتوصيل الرسالة التي أسعى إلى توصيلها للقارئ،مع التأكيد على ضرورة توفر الشروط الفنية بأعلى درجاتها الممكنة في النص الشعري.
في هذا الصدد،أستذكر رأيا كتبته أنت في تعليقك على إحدى قصائدي مفاده أن “نعيمة المديوني ”شاعرة تمارس إكراهاتها على نصها الشعري “
وإذ أسجّل إعجابي الكبير-بالإبداعات الشعرية-للشاعرة التونسية المتميزة أ-نعيمة المديوني التي تطمح دوما عبر كتاباتها الإبداعية إلى التطوّر والتجاوز،فإنّي أؤكّد على أنّ النص الإبداعي لن يخترق الحدود إلا بقوته الذاتية،كما أنّ حضور القارئ،بل حلوله،في الماهية الإبداعية الملغزة،هو وضع طبيعي يعكس انفتاح المبدع كإنسان على أخيه الإنسان،ويعكس انفتاح الكتابة الإبداعية الجديدة على العالم الحسي المشترك،والوقائع والعلاقات المتبادلة، وأيضًا على الأحلام والهواجس والافتراضات والفضاء التخيّلي غير المقتصر على فئة نخبوية من البشر دون سواها..
ختاما : أجراس موسيقية تدق (بضم التاء) فتنبجس من تموجاتها قصيدة رائعة بإمضاء الشاعرة الفذة أ-نعيمة المديوني،تداعب الذائقة الفنية للمتلقي،وتدغدغ مشاعره..فأستمعوا إليها ولكم حرية التفاعل والتعليق :
هذه أنا في عرين الحبّ.. طفلة صغيرة
أقتفي خطاك
أستظلّ بظلّك
قد تحرقني أشعة الشّمس فأهرع إلى عينيك مأواي
قد تصطدم قدماي بجمرة تحرقهما فأحتمي بذراعيك
تلعق نزفي
هذه أنا في لحج الهوى
أرنو قطعة سكّرٍ من ثغرك تهبني الحياة
أستلذّ بقضمها.. يهتزّ عرش الفؤاد
هذه أنا بين يديك أذوب كعروس من الحلوى
تداعب كفّي فينبت الأملُ
تقترب أنفاسُك فتعتلي خفقاتي القممَ
أعشق كلّ كلّي اذا ما ارتسمتُ في عينيك لهيبا وشبقا
إذ تجلّت حدائقك
تهديني إياك زهرة زهرة
تمتدّ أصابع الشّمس تلامس أوتار الشّوق
ترقص أفراحي
تعزف ألحان العودة
أحترق بنار الوجد
أبسط كفّي فتنفجر قُبلاتي
تنبِت لها أجنحةٌ
تحلّق مع الفراشات
تحطّ على خدّ القمرِ مرسالا لقلب سكن قلبي
تدارى خجلي....
هذه أنا كقطّةِ الجيرانِ تقترب من سور الحديقة
يضطرب خفقها
تحلُم بليلة دفءٍ
بأنفاس حارقةٍ
تمدّ يدها تمسك باقات الأيّام
رقيقةٌ قطّة الجيران تقفز كالأحلام..
كسماء ليلة صيف مطرّزة باللّائي
تصطدم بصلابة الجدران
بقسوة الأبواب
تعود وجلةً إذ انحدر بها المسير
تخاف الظّلامَ
تخاف مواءَ قططِ الطّريق
تهرع إلى بيت ظليل يأوي أحلامها
تسقط أقنعةُ التّجنّي
تسكن الرّوحُ حيث ما ولّى العتابُ
حيث أمير ليالي السّهاد
يداعب السّمر
ينسج له من أنفاسه بساطا
تنمّقه الرّياحين
تطرّزه الأقحوان وشقائق النّعمان
هذه انا كليلة العيد
أتزيّن بك
أتعطّر بأنفاس تغريني
أنسج من أحلامي رداء يدفّيني
أنت ردائي
أنت سحر أحلامي
تمتدّ يدك تمزّق سهادي
تخفي في سراديب الذّكربات أنيني
يجيئني صوت أليف
يبعثر أوراقي
يزيّن حدائقي
يعلّق بالوناتٍ مختلفة الألوان
مزاميرَ
أنسج من عبق الزّهور رداء لروحي
تجيئني كما لم تجئني يوما
أغفو على زندك
أنتقل وأحلامي إلى بلاد أليس والعجائب
يحرقني قربك
يسكرني سحرك
أنساني وأنسى كلّ الكلّ
ولا يظلّ في عينيّ غيرك
أدفن حاضري وغدي في نسائم الأمل
ولأنّك أملي لا أجد خير من صدرك مدفني
نعيمة المديوني
هذه القصيدة لنعيمة المديوني صفحة من دفتر الحنين والعشق-الصوفي-،ولوحة فنية تجمع ما بين عناصر اللون والحركة والصوت والصورة التعبيرية،وتتسم بالوحدة العضوية حيث الترابط بين وحدة الموضوع ووحدة الجو النفسي والعاطفة والاحساس الحنيني والشفافية الجميلة،وعزفت أبياتها بموسيقى عذبة وايقاع لحني جميل.
أ-نعيمة المديوني تَصدح لتبث صبابتها وتباريح حبها وحنينها ووجدانها،وتغرد نشوانة في هيامها-بالحبيب الحاضر/الغائب-،وترتل فوق ربى قرطاح،وفوق سطح الذكريات الغناء والنشيد والقصيدة-العشقية-وينبجس صوتها من تموجات الروح وصهيل القلب عذبا،شجي اللحن،رقيق الكلمة،واضح المعني،صافي الموهبة ما يستحق هذه النظرة التأملية النقدية العاجلة.
فشكرًا لك صديقتنا وشاعرتنا أ-نعيمة المديوني على روعة النص وجمال اللفظ والتعبير والمحسنات البلاغية ورقي الابداع،وبانتظار المزيد مما يجود به القلم وتتفتق به القريحة والخيال الشعري الخصب،مع خالص التحيات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صابر الرباعي يكشف كواليس ألبومه الجديد ورؤيته لسوق الغناء ال


.. وفاة والدة الفنان كريم عبد العزيز وتشييع الجنازة الخميس




.. مغني الراب الأمريكي ماكليمور يساند غزة بأغنية -قاعة هند-


.. مونيا بن فغول: لماذا تراجعت الممثلة الجزائرية عن دفاعها عن ت




.. عاجل.. وفاة والدة الفنان كريم عبد العزيز وتشييع الجنازة غداً