الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
بماذا تختلف الصهيونية عن النازية
سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر
(Oujjani Said)
2023 / 8 / 14
مواضيع وابحاث سياسية
مؤخرا كل وسائل الاعلام ، تطرقت لما صرح به رئيس الوزراء الإسرائيلي Netanyahoo باستحالة قيام دولة فلسطينية ، الى جانب دولة إسرائيل ، رغم ان موضوع المفاوضات انصب منذ بدء النزاع على الدولة الفلسطينية كخيار لإنهاء اقدم صراع في التاريخ دام حوالي سبعين سنة او اكثر . فموضوع النقاش ، والمفاوضات التي أدت الى مؤتمر مدريد في سنة 1982 ، وبعد فشل مؤتمر مدريد ، سيصبح الجميع في مؤتمر Oslo في سنة 1993 ، لمناقشة قضية الدولة الفلسطينية ، الذي جزم رئيس الحكومة الإسرائيلية باستحالة قيامها ، بل صرح ومن دون تأنيب ضمير باستحالة قيامها ، وهو نفس التصور تؤمن به الطبقة السياسية الإسرائيلية ، سواء من اليمين ، او من يمين اليمين ، او حزب العمال الإسرائيلي ، باستثناء الحزب الشيوعي الإسرائيلي " راكاح " الذي يملك نظرة مغايرة شكلا عن مواقف الأحزاب الإسرائيلية الاخيرة ..
ان استحالة قيام الدولة الفلسطينية ، ولو بالشروط الإسرائيلية ، كمساحة الأرض ، والاختصاصات ، وبناء الجيش الفلسطيني ولو بالأسلحة المحدودة ، التي ستتحكم دولة إسرائيل في التوريد ، وفي أنواع الأسلحة التي سيكون مسموحا بها ، هي القاعدة الأساسية ، والإيمان الاقوى الغير مشكوك فيه ، لكل ساسة إسرائيل ، وكما قلنا مع فرق في الشكل مع الحزب الشيوعي " راكاح " ، والأقليات اليسارية على يسار الحزب " ركاح " .
ان معرفة استحالة قيام دولة فلسطينية ، لان إسرائيل لن تقبلها ابدا ، واليمين الإسرائيلي المحافظ كان يصرح بها عن طريق رسالات ، حتى صرح بها Netanyahoo مؤخرا من دون التفاف ، او ارسال رسائل للقراءة ، كان اليمين المتطرف والديني الاسرائيلي يصرح بها علنا ، فغير مقبول على الاطلاق قيام دولة فلسطينية ، الى جانب دولة إسرائيل التي تملك وحدها ، ومع الولايات المتحدة الامريكية أوراق اللعبة ، وسلطة ترتيب الخيارات والاولويات ، بالنسبة للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني ، ومن قبل كان يسمى بالنزاع العربي الإسرائيلي الذي تم التحلل منه .
فهل من يقف وراء هذه التصريحات الصادمة ، لأنها كانت معروفة منذ مؤتمر Madrid ، هو دولة إسرائيل المدنية ، أي ( اللائيكية ) ، او دولة إسرائيل اليهودية ، او دولة إسرائيل الصهيونية .. وللإشارة فالأمم المتحدة سبق وانْ وصفت الأيديولوجية الصهيونية بالعنصرية ، وبالتفرقة الاثنية ، وكانت الصهيونية مرفوضة من قبل حتى أصدقاء إسرائيل . لكن بالنظر الى الدعم الأمريكي والاوربي ، ستعود الامم المتحدة للاعتراف بالفلسفة الصهيونية كغيرها من الفلسفات غير عنصرية ، ولانها تخص فقط الصهاينة واليهود دون غيرهم من الأقليات التي تعيش في إسرائيل ، وسنرى انه في الوقت الذي تراجع فيه العداء الدولي لإسرائيل ، ستعيد هذه كامل علاقاتها مع دول القارة الافريقية ، وستعترف بها الأنظمة السياسية العربية ، وسيتبادلون التمثيل الدبلوماسي ، كمصر ، والأردن ، وسلطنة عمان التي استقبلت Netanyahoo ، والامارات العربية ، والمغرب .... الخ . والسؤال هنا . لماذا الشعب الإسرائيلي يميل اكثرا نحو اليمين ، ونحو المشاريع السياسية التي تزيد الطين بلة ، في المنطقة التي عرفت حروبا كثيرة ، خسرها العرب بأجمعها .. ؟ .
أولا يجب التفريق بين دولة إسرائيل المدنية واللائيكية ، كما يريد الاعلام الإسرائيلي ترويجه للتضليل ، لان المجتمع الإسرائيلي هو مجتمع ثيوقراطي ، كريها للائيكية ، وللمدنية .. وبين الدولة اليهودية التي ستنتصر لليهود دون غيرهم من الأقليات الغير يهودية ، وبين الدولة الصهيونية المعتنقة للمبادئ اليمينية المتطرفة ، مثل حركات الإسلام السياسي في البلاد العربية . فالدولة الصهيونية ، من خلال تصريحات قادتها ، والرسائل التي ترسلها من خلال ممارسات سياسية على الأرض ، كالبناء في المستوطنات ، او استحالة قيام الدولة الفلسطينية ، او القبول بمناقشة حق العودة ، تسيئ كثيرا لدولة إسرائيل اللائيكية ، وتسيء كذلك لدولة إسرائيل اليهودية ، الأقل عنصرية من إسرائيل الصهيونية .
فالحركة الصهيونية بفلسفتها العنصرية ، حتى بالنسبة ليهود الشرق ، والعرب اليهود ، ويهود اوربة الشرقية ... تشكل عائقا امام ادعاءات وتصريحات القادة الإسرائيليين ، خاصة عندما يرفعون شعار السلام بما يرضيهم ، وبما يهدر حقوق الاخرين التي اقرتها الأمم المتحدة ، من خلال قراراتها التي اتخذتها منذ سنة 1948 ، وحتى حرب يونيو 1967 التي كانت حرب النكسة ، نكسة الأنظمة البرجوازية العربية التي خسرت كل الحروب مع الدولة العبربية ..
والقلة القليلة من المتتبعين لما كان يجري بالمنطقة ، توصلوا الى حقيقة ان السلام المُتغنّى به في المنطقة ، هو سلام الدولة الصهيونية التي تريد فرض حالة الامر الواقع ، لتصبح استراتيجية إسرائيل الصهيونية ، التي تستعمل اسم اليهود في كل تحرك وحركة ، لإبراز التناقض والاختلاف جوهريا ، حول الحضارة والفلسفة ، التي تؤمن بالأرض ، ارض إسرائيل الكبرى التي يسمونها بارض الميعاد .. فما يهم الدولة الصهيونية بتوظيفاتها الثيوقراطية ، ليس الدولة التي اصبحت معطى وواقع ، الجميع اعترف به ، وحتى الحكام العرب رغم انهم يعرفون انهم يجالسون الصهيونية باسم اليهودية ، فهم ابتلعوا السنتهم ، إزاء ما يجري وحصل ، ما دام يرددون انهم ليسوا بفلسطينيين اكثر من الفلسطينيين انفسهم ...
فعندما تنسق قيادة منظمة ( التحرير ) الفلسطينية بوليسيا ، مع البوليس الصهيوني لإخبار الدولة العبرية بالعمليات التي سيقوم بها بعض المنتفضين الفلسطينيين ، وتصبح جماعة رام الله بمثابة موظفين سامين عند الموساد Le Moussade ، و " الشاباك " ، و" الجيش " ، تكون ما يطلقون عليه بالقضية ( الفلسطينية ) ، منذ سنين في مهب الريح . ويكفي ان يتباكى الجاسوس حسين الشيخ ، ومحمود عباس ، وقيادة ( رام الله ) على دولة إسرائيل من اجل تسليمهم الضرائب ( رشاوى ) ، مقابل الخدمة لصالح دولة إسرائيل ، ليس المدنية واللائيكية ، لكن يخدمون إسرائيل الصهيونية التي يقودها اليمين المحافظ ويمين اليمين المحافظ .. وتصدر عن هذا اليمين الذي يقود الدولة الإسرائيلية عبارات عنصرية مرة في حق العرب ، ومرة في حق المسلمين ... وهكذا .. وقبل ان اتعمق في التحليل والمعالجة للموضوع ، سأطرح سؤالا بسيطا ليُبيّن ، أيّة طينة هؤلاء ( القادة ) الفلسطينيين . هل سبق لإسرائيل انْ وشت بإسرائيلي للجهاز البوليسي لدولة عربية ما ، كما تفعل قيادة رام الله ؟ . وهل سبق في تاريخ الصراع الإسرائيلي – الإسرائيلي ، ان اغتال " الموساد " او " الشاباك " ، مواطنا إسرائيليا خارج دولة إسرائيل ، او تم تسليمه لدولة خاصة عربية .. فمن قتل ياسرعرفات الذي بدوره يديه ملطخة بدم فلسطينيين في لبنان وبأوربة ؟ . من قتل ناجي العلي حنظلة بلندن .. اليس عرفات الذي ضاق من رسوماته ؟ . من نصب الفخ لاغتيال زعيم الجبهة الشعبية / القيادة العامة احمد جبريل في بيروت ؟ اليس عرفات ؟ . كم عدد الفلسطينيين سقط برصاص فلسطيني / فلسطيني ، ورصاص فلسطيني عربي ؟ وعددهم يتعدى عدد الفلسطينيين الذين سقطوا برصاص إسرائيلي . وهل سبق يوما في التاريخ ان حكمت دولة عربية على رئيسها ، كما فعلت إسرائيل التي لا تميز عند خرق القانون بين احد ، ولو كان رئيس دولة إسرائيل ، او رئيس حكومتها ، او احد وزراءها وقادتها ؟ .
اذن نحن امام دولة صهيونية عنصرية ، تضرب بالقانون الدولي عرض الحائط ، تتنكر لجميع قرارات الأمم المتحدة منذ سنة 1948 والى الآن . ولا تلتزم بتعهداتها لمن كانت تفاوضهم لترتيب شكل الدويْلة الفلسطينية المنتظرة ..
اذن فان الدولة الصهيونية ، ومن خلال تصريحات زعماءها العنصرية في حق العرب ، وفي حق الأقليات التي تعيش في دولة إسرائيل ، ومن خلال المشروع الأيديولوجي الصهيوني إسرائيل الأرض ، ومن البحر الى النهر ، تكون الفلسفة والأيديولوجية الصهيونية ، توئماً للإيديولوجية وللفلسفة النازية . كما سنوضح ادناه . لان كلاهما ، الواحد يخدم الاخر لانتصار الأيدولوجية الصهيونية اليمينية المتطرفة ، لخدمة المشروع الصهيوني ، ولتسهيل الطريق على مناصري الأيديولوجية الصهيونية للسيطرة السياسية والأيديولوجية ، التي ستسبب في ضرب الدولة الإسرائيلية اللائيكية ، وحتى اليهودية المعادية للإيديولوجية الصهيونية .. الم يتظاهر في قلب إسرائيل ، وفي قلب " نيويورك " اليهود الإسرائيليون ،حين دعوا الى ضرورة الانتهاء من المشاريع المتطرفة للصهيونية ، وهي المشاريع التي ستحطم الدولة الإسرائيلية كدولة مدنية بالمنطقة العربية . ؟ . ورغم تنظيمهم لمظاهرات ومن قلب دولة إسرائيل تناصر قرارات الأمم المتحدة ، وتبدي العداء للدولة الصهيونية ، فان البوليس الإسرائيلي ، والطبقة السياسية الحاكمة ، وهي يمين محافظ ، ويمين اليمين المحافظ ، لم يتعرضوا بالضرب والقمع لليهود الرافضين للدولة الصهيونية ، بل ان ديمقراطية إسرائيل هي من كان يحرس سلامتهم من القوى اليمينية المحافظة ، ومن اليمين المتطرف .
الكل يتذكر اثناء الاجتياح الصهيوني للبنان سنة 1982 ، وبمباركة أنظمة سياسية عربية ، كانت تبحث عن اية قشة لإنهاء الصراع بالشرق الأوسط ، الذي يهدد كيانات هذه الأنظمة ، بسبب تناقضها مع شعوبها في طرق معالجة الصراع العربي الصهيوني ، او مؤخرا الصراع الصهيوني الفلسطيني ، الذي نجح في اصطفاف حكام عرب الى جانب الدولة الصهيونية ضد القضية الفلسطينية التي تم طمسها ، وبفعل ( قادتها ) من عرفات الى محمود عباس ، ومحمد دحلان ، وحسين الشيخ .....الخ ..، الى ما فاه به معلق الإذاعة الصهيونية عندما وصل لبنان جيش " شارون " ، وهو يدخل وسط بيروت ، والنظام العربي يتفرج ، ولم يحرك مسطرة " الدفاع المشترك " التي ينص عليها ميثاق ( الجامعة ) العربية المصرية ، بحيث وفي قمة النشوة بالفرح ، ردد المذيع بوعي او بدون وعي العبارات التي يتضمنها النشيد النازي في المانية ، وفي نفس اللحظة كان " هؤلاء الرجال " الجيش الإسرائيلي يشنون حربا كاسحة ضد الفلسطينيين واللبنانيين ، مستعملين جميع وسائل الإبادة الجماعية التي تمنعها المعاهدات الدولية ، من قنابل عنقودية ، و " نابالم " ، ومواد سامة ، وقنابل الفسفور ، ولعب الأطفال الملغومة ... مخلفين عشرات آلاف القتلى والجرحى في صفوف السكان المدنيين الأبرياء .
وبجانب هذا ، قامت القوات الصهيونية بإنشاء معسكرات اعتقال في الأراضي اللبنانية المحتلة ، وزجت فيها بآلاف السكان ، مستعملة ازاءهم كل أساليب الإهانة ، والضرب ، والتعذيب ، والتجويع ، كما شهد بذلك فرق طبية من " النرويج " Le Norvège كانت تعمل بالمستشفيات الفلسطينية .
كما قامت قوات الاحتلال بتحطيم المنازل والحدائق بالجرافات والكاسحات ، خشية من العمل الفدائي في الجنوب اللبناني معقل الشيعة وحركة " أمل " الشيعية ، وحزب الله الذي لم يكن قد تقوى بعد . وكانت الدولة الصهيونية قد وضعت خطة منهجية لتدمير أحياء كاملة ببيروت الغربية الإسلامية ،وعش الحركة التقدمية اللبنانية المرتبطة مع ( الثورة ) الفلسطينية .وقد حولت الدولة الصهيونية مدنا بكاملها الى حطام من الحجارة مثل مدينة " صيدا " ، " صور " ، و النبطية ... الخ ..
ولنا ان نتساءل وقد عشنا اجتياح 1982 للبنان ، واحتلال اول عاصمة عربية امام تآمر النظام السياسي العربي ، الذي ظل يتفرج على المجازر المروعة الهمجية ، بل في الوقت الذي كانت الحرب على اشدها في لبنان ، خرجت الجزائر في مسيرات شعبية قوية ، ليس لتأييد او لنصرة الحركة التقدمية العربية والحركة الوطنية الفلسطينية في حربها المفروضة ، بل خرجوا فرحين حد الهستيريا لانتصار الفريق الجزائري على الفريق الألماني في مباريات كأس العالم ...
اذن .كيف لا تتبادر الى الذهن ، المقارنة المباشرة مع الأساليب التي استعملتها النازية في مغامراتها الخرقاء للسيطرة على العالم والإنسانية جمعاء ؟
--- نظرية التفوق العرقي :
ان أوجه التقارب بين الصهيونية والنازية ، لا تقف عند التطابق في الأساليب والمناهج ، بل تتعداها لما هو اعمق واخطر. أي القرابة والتشابه في الاختيارات الأيديولوجية والاسس النظرية ، زيادة على الروابط التاريخية التي جمعت بين العصابات الصهيونية الأولى ، والسلطة الفاشية في كل من المانيا وإيطاليا .
ولنبدأ بمقارنة بسيطة بين المفاهيم الصهيونية من جهة ، والنازية من جهة ثانية ، فيما يتعلق ب " الدولة " و " الأقلية الوطنية " .
لقد أكد منظرو النازية ، بان الشعب الألماني يشمل ، زيادة على سكان المانيا ، كل العناصر الألمانية الموجودة في بولندة ، و تشيكوسلوفاكيا ، وسويسرة ، والنمسا ، فرنسا ، البرازيل والولايات المتحدة الامريكية .. الخ .. كما يُعرّفون الأقلية الوطنية الألمانية ، كجزء من الشعب الألماني تم فصله عن منبعه ، لكنه حافظ على العناصر التي تشكل قيمة العرق .
اما الصهاينة ، فانهم يقولون من جهتهم ، ب " الشعب اليهودي الواحد " ، الذي تتواجد عناصره عبر العالم ، في حين ان إسرائيل تشكل مركزه ، ووطنه ، و ارضه ارض ميعاده ، وبالتالي ، فان جميع اليهود الذين يعيشون خارج هذا الوطن ، يشكلون " أقليات وطنية " ، تابعة للمركز الصهيوني ، ومطالبة بالولاء له ، كما انها لها واجبات اتجاهه .
وكل من الحركتين ، الصهيونية والنازية ، تعتبر ان " شعبها " ، وحده يتمتع بصفات وخصائص تميزه عن بقية الشعوب . وفي هذا السياق ، أكد هتلر Hitler ان الآريين هم مؤسسو الحضارة عبر العالم باسره . في حين ان الصهيوني " بن گريون " ، قد الح على التفوق الفكري والادبي للامة اليهودية ، بحيث ان اليهود يتوفرون على كل الخصال التي تجعل منهم شعبا مختارا ، لأنه هو الذي تمكن كما يرى " بن گريون " من خلق فكرا اصيلا ومتميزا لم تكن تعرفه لا شعوب مصر ، وبابل ، والهند ، والصين ، ولا شعوب اليونان والرومان ، وتلك المنحدرة منها والتي تعيش في اوربة في هذا العصر .
ان هذه الاطروحة الصهيونية والنازية ، تجعل الصهاينة يتقاسمون مع النازيين الأسس الأيديولوجية التي أنبنت على معاداة السامية ، رغم انهم يوظفون تلك الأسس للوصول الى نتائج مغايرة . فمقابل العرق الآري ، هناك بالنسبة اليهم العرق اليهودي الذي يعتبر اكثر نقاوة وتفوقا من غيره .
--- التعاون المباشر والروابط المكشوفة :
ان العلاقة بين الصهيونية والنازية ،لا تقف عند التشابه والتطابق فيما يخص المنطلقات والاسس الأيديولوجية ، بل تتعداها الى العلاقة التنسيقية المباشرة ، والروابط المصلحية المكشوفة ، علما بان القاسم المشترك بين الحركتين ، يبقى هو بروزهما من صلب نفس البرجوازية الامبريالية الأكثر شوفينية ورجعية . ولقد بات مؤكدا ان الزعماء الصهاينة ، كانوا على صلة تنسيق مباشرة مع الحكم النازي بألمانيا ، ومع الحركة الفاشية بشكل عام . فمنذ الثلاثينات ، شعر الزعماء الصهاينة ، بان تحالفهم مع بريطانيا لم يعد كافيا ، وانه من الضروري البحث عن حلفاء مضمونين ومتجاوبين مع طبيعة حركتهم ومبادئها . وهكذا استقبل الزعيم الإيطالي الفاشي " موسوليني " ، الزعيم " ناحوم گولدمان " وصرح له قائلا : يجب عليكم ان تنشئوا دولة يهودية حقيقية ، وان لا تكتفوا بهذا الملجأ الحقير الذي منحكم إياه البريطانيون " . وانني شخصيا من مؤيدي الصهيونية ، وسأساعدكم على انشاء هذه الدولة .
وهذه المساعدة التي يتحدث عنها الدكتاتور الفاشي الإيطالي ، قدمها حلفاءه الالمان من خلال تقتيل ملايين اليهود في مختلف البلدان الاوربية ، الشيء الذي كان يخدم موضوعيا الصهاينة ، ويعزز فكرتهم حول ضرورة تعرض اليهود للاضطهاد حتى يكونوا مضطرين للالتفاف حول الحركة الصهيونية .
وهذا طبعا كان رأي " ناحوم گلدمان " نفسه ، الذي يخشى تفتت اليهود بشكل سريع ، في حالة عدم تعرضهم للاضطهاد ، وهذا ما عبر عنه بشكل واضح عندما قال : " ان التضامن هو الذي مكن من وحدة الشعب اليهودي . وحتى بالنسبة لتقتيل ملايين اليهود من طرف النازية ، لقد عاد بنتائج مفيدة تجلت في إذكاء روح التضامن والإصرار على البقاء يهوديا " . وهذا أيضا ما ترجمه النازيون في دعايتهم من خلال شعارهم المشهور : " المانيا للألمان ، واليهود الى فلسطين " ، والذي كان يناسب تماما اهداف الحركة الصهيونية .
وفي هذا الاتجاه ، عقد النازيون مع الزعماء الصهاينة سنة 1933 ، اتفاقية تحت عنوان " عملية الانتقال هافارا " ، الرامية الى تهجير اليهود من المانيا النازية نحو فلسطين ، وذلك بتمويل من الحركة الصهيونية نفسها ، وهذا ما تؤكده " الموسوعة اليهودية " التي تقول : " في سنة 1934 صدرت تعليمات رسمية الى جميع السلطات المحلية في المانيا النازية ، تنص على تشجيع نشاط المنظمات والشبيبة الصهيونية في المانيا بهدف تهجير اليهود الى فلسطين " .
وفي سنة 1938 ، صدرت عن الحكم النازي ، تعليمات أخرى تنص على عدم مضايقة نشاط الرأسماليين اليهود ، ذلك ان " هتلر " كان في حاجة الى العملة الصعبة التي يجلبها الرأسماليون الصهاينة من اجل تسليح جيشه .. وفي نفس الاتجاه ، صدر عن وزارة الخارجية الألمانية تعميم الى سفاراتها ، وهيآتها الديبلوماسية عبر العالم يقول بالنص : " ان الأهداف التي يعمل من اجلها اليهود ، الذين يسعون الى خلق كيان خاص بهم ، وعلى رأسهم الصهاينة ، لا تختلف في شيء عن اهداف السياسة الألمانية تجاه اليهود عامة " ....
ولما شرع النازيون في التقتيل الجماعي لليهود ، استعانوا بالمنظمتين الصهيونيتين اللتين أنشئتا في المانيا ، تحت رعاية النظام النازي ، وهما " المجلس اليهودي " ، و " الرابطة الإمبراطورية ليهود المانيا " . وكان دور المنظمتين هو وضع لوائح اليهود الذين يتوجب قتلهم ، واحصاء ممتلكاتهم ، واستدعائهم الى المكان المقرر لاعتقالهم ، ومطاردة من تغيب او اختفى منهم .
وهكذا فان الصهاينة قد ساهموا فعلا في جرائم النازية ، والتقت مصالحهم مع مصلحتها في تقتيل ملايين اليهود الأبرياء ، في حين اننا نراهم اليوم يتمادون في جريمة الاعتداء على الفلسطينيين واللبنانيين ، والعرب الاجمعين ، بدعوى الانتقام لهؤلاء الأبرياء .
ان الحقيقة الساطعة ، هي ان حكام الصهاينة لدولة إسرائيل ، ليسوا أولئك اليهود الاوربيين الذين نجوا من الموت في معسكرات " هتلر " Hitler ، بل انهم يستعملون الجرائم التي ارتكبتها النازية في حق اليهود ، للتغطية على الجرائم التي يقومون بها هم انفسهم حق الفلسطينيين يوميا .
وما ممارسات التقتيل الجماعي ، " مذابح تل الزعتر " " مذابح صبرا وشاتيلا " حصريا ، واحتقار القانون الدولي ، وسياسة الهجوم والتوسع على حساب البلدان العربية " الجولان " ، والعنصرية الصهيونية التي رفعها الصهاينة الى مستوى عقيدة الدولة ... الاّ صورة طبق الأصل للعقيدة والممارسة الفاشية السيئة الذكر .
واذا كانت الحركة الصهيونية ، في دعايتها الرسمية ، تنفي على نفسها هدف التقتيل الجماعي للفلسطينيين واللبنانيين ، فان بوادر هذا الهدف ، قد تجلت في الحقيقة منذ ان شرع الصهاينة في الدخول الى فلسطين ، وقت الحماية البريطانية ، مدعين بان لا وجود لشعب اسمه الشعب الفلسطيني ، وان فلسطين ارض بلا شعب ، وبالتالي لم يبق للشعب اليهودي ، الذي ليس له وطن ، الاّ ان يتمكن من هذه الأرض ..
ان الصهيونية كفلسفة وكأيديولوجية عنصرية ، تكره شعوب الأرض ، وتؤمن بشعار " شعب الله المختار " ، ليس لها عمليا أي معنى ، دون الفتك و القضاء على الشعب الذي وجد في فلسطين ، ومنعه من أي حق لتقرير المصير واستبدال ارادته بإرادة اجنبي .
--- من الاستعمار الى التقتيل الجماعي :
عندما شرعت الحركة الصهيونية في احتلال فلسطين ، قبيل الحرب العالمية الثانية ، كانت أهدافها المحلية تتجلى في شعارين أساسيين هما : " الحصول على الأرض " ، و " التمكن من الشغل ". وكان يعني الشعار الأول ، بكل بساطة ، طرد الفلاحين الفلسطينيين من الأراضي التي اشتراها الرأسمال الصهيوني العالمي ، من الاقطاعين العرب ، بهدف إقامة الضيعات الصهيونية " الكيبوتزات " ، والتي كان دخولها ممنوعا على العرب منعا كليا .
امّا الشعار الثاني ، فيترجم مبدأ عنصريا آخرا ، هو حرمان العرب من الشغل في المؤسسات الصناعية والتجارية التي احتكرها اليهود . ولقد حولت الصهيونية هذين الشعارين تدريجيا ، لدمجهما في شعار أساسي واحد " الشغل لليهود في الأرض اليهودية " .. وكان هذا يعني حرمان الفلاحين الفلسطينيين من وسائل عيشهم ، وتحويل العمال الى عاطلين ، وفقا لمبدأ عنصري واضح . وما اشبه هذه الأساليب بتلك التي كانت تستعملها النازية داخل وخارج المانيا ، عملا بشعار " الدفاع عن مصالح الشغل الألمانية ، والتي أصدرت الحكومة الألمانية بصددها يوم 28 مارس 1933 ، تعليمات رسمية تقول حرفيا : " لا تشتروا شيئا من المتاجر اليهودية ، قاطعوا الأطباء والمحامين اليهود " .. وبعبارة أخرى ، فان الأساليب التي استعملتها النازية في حق اليهود ، هي نفسها التي طبقتها الحركة الصهيونية حيال عرب فلسطين ..
وبما ان هذه الأساليب اثارت مقاومة الفلسطينيين ، فان الصهاينة لم يترددوا في خلق فرقهم الإرهابية ، بهدف التصفية الجسدية لكل من رفض او ناضل او قاوم .. وهكذا شرعت منظمات " هاگانا " و " الارگون " ، و " ستيرن " في زرع الرعب ، والموت ، والإرهاب ، بشراسة ووحشية لم يسبق لهما مثيل ، بهدف طرد العرب الفلسطينيين من ديارهم بالقوة ، غير مترددة في ارتكاب ابشع واشنع الجرائم ، من اجل الحصول على اكثر ما يمكن من الأراضي قبل نهاية الحماية البريطانية . وهذه المنظمات الفاشية ، وعلى رأسها " الارگون " التي تزعمها " بيگن " ، هي التي استحوذت على مدينتي " يافا " ، و " حيفا " بالقوة ، وتحد لقرارات الأمم المتحدة ، وهي التي اشتهرت بعملياتها الاجرامية الوحشية في كل من " دير ياسين " ، و " كفر قاسم " ، حيث كشفت عن طبيعتها الاجرامية الشنعاء ، من خلال التقتيل الجماعي للرجال ، والنساء ، والأطفال ، والشيوخ ، مرغمة ازيد من مليون عربي فلسطيني على التشرد والرحيل واللجوء ... وهذه الجرائم كلها لم تكن محرجة للصهاينة الفاشيست ، بل كانت موضوع مفخرة وتباهي بالنسبة اليهم ، وهذا ما عبر عنه الإرهابي " بيگن " نفسه عندما قال : " لم يكن بالإمكان إقامة دولة إسرائيل لولا انتصارنا في دير ياسين " . وقد كانت صور القتل والدمار في " دير ياسين " تطبع في آلاف المنشورات ، وتوزع على سكان القرى حاملة لتعليق : " ان لم ترحلوا ، فسيكون هذا مصيركم " .. وما اشبه هذه المنشورات بتلك التي وزعها الصهاينة على سكان بيروت الغربية ، وهو يمارسون نفس أساليب التدمير والتقتيل الجماعي . فالمجرمون الذين قادوا عمليات ديرياسين ، وكفر قاسم ، هم انفسهم الذين دمروا لبنان ، وهم المسؤولون عن مجازر " صبرا وشاتيلا " ، وقانا 1 و قانا 2 ، ومجازر بيروت 1986 ومجازر غزة الأخيرة .. وهل نسيتم قتل الطفل محمد الذرة بدم بارد وهو في حضن والده من طرف الجيش الإسرائيلي ؟
--- " الحرب الوقائية " و " المجال الحيوي "
ومن أوجه القرابة بين الصهيونية والنازية ، تطابق مفهوميهما " للمجال الحيوي " و " الحرب الوقائية ".
الملاحظ ان الصهاينة لم يحددوا يوما ما مساحة الدولة التي يريدونها ، بل ان احد زعماء الصهاينة البارزين " بن گريون " ، سبق ان صرح قائلا : " ان حجم الدولة الصهيونية سيتم تحديده من خلال الحرب " .أي يجب انتظار الحرب لتغيير مرة أخرى جغرافية المنطقة ، بما يناسب ويتماشى مع أطماع الأيديولوجية الصهيونية ..
فبالإضافة الى أطروحة " إسرائيل الكبرى " من النيل الى الفرات ، التي يقول بها اليمين المتطرف واليمين المحافظ ، هناك أطماع توسعية باتت مطروحة رسميا ، من طرف الصهاينة كما صرح مؤخرا وزير صهيوني في حكومة Netanyahoo عندما قال ، ان حدود إسرائيل غير معروفة حتى الان ، والحكومة التي التزمت الصمت على تصريح وزير منها ، وامام صمت رئيس الحكومة Netanyahoo ، فقَدْ تنظم الصهيونية شروط نكبة جديدة ، وشروط نكسة جديدة ..
اما بالنسبة لشعار " الحرب الوقائية " ، فيجب التذكير هنا ، انّ اول من طرحه هم تحديدا حكام المانيا النازية ، للتغطية عن أهدافهم التوسعية الحقيقية ، كوسيلة لتحصيل مسؤولية الاعتداء للمعتدى عليه .
اذا كانت النازية قد تدرعت وراء " الدفاع عن العالم الحر والحضارة الغربية " ، والتصدي ( للخطر الشيوعي ) ،لتنفيذ مراميها التوسعية ، فإننا نرى الصهيونية أيضا تقدم كل هجوماتها واعتداءاتها ، على انها مجرد عمليات " وقائية " تفرضها الضرورة امام " الإرهاب " ، و" العداء العربي " ، ومن اجل نيل عطف الرأي العام الغربي ، والتأثير عليه ، من خلال وسائل الاعلام التي تتحكم في العديد منها ، نراها ترفع الشعارات ، وتقدم نفس التبريرات ، وتنصب نفسها ( مدافعة ) عن قيم العالم الغربي ، ضد ( الخطر الشيوعي ) بنفس الطريقة التي سلكها اسلافها في الحركة النازية .
فعيون الصهيونية اليوم مسلطة على غزو لبنان لاحتلاله ، بدعوى محاربة حزب الله ، وحركة أمل ، والمنظمات التي تصفها بالمتطرفة .. لكن ما وراء كل هذه المسرحية ليس الإرهاب او الدفاع عن القيم الغربية .. بل ابعد من ذلك ، فعيون الصهاينة احتلال جنوب لبنان ، للوصول الى نهر الليطاني ، وإقامة نظام مسيحي في الشمال .
اما بالنسبة للقانون الدولي ، وقرارات الهيئات الدولية ، فان الصهيونية لا تعتبر نفسها معنية بها اطلاقا ، اذ انها تعتبر ان ما تعمله وتقوم به ، يستند الى " حق تاريخي طبيعي " ،وهذا ما عبر عنه المنظر الصهيوني " روبير مسارحي " Robert Misrahi عندما قال : " ان للرجل اليهودي والدولة اليهودية ، الحق في العيش حسب اختيارها وخاصيتها " . وقد علق الكاتب ورجل القانون الفرنسي " فيليب دو سان روبير " Philippe de Saint Robert على هذا قائلا، ان هذا الطرح لا يختلف عن الاعتراف بان " هتلر Hitler كان له الحق كذلك في بناء الدولة النازية كما يشاء ، وتقتيل الأبرياء كما يحلو له " .. وهذا الطرح يشكل في حقيقة الامر ، مثالا ساطعا عن افراغ مفهوم الحق والقانون من محتواهما الحقيقي ، وتحويلهما الى أدوات لتبرير الظلم والعسف والاستعباد .
هكذا فان القانون الصهيوني ، يعتمد على التأويل الصهيوني لليهودية ، وينصب نفسه حاميا ، لشرف اليهود ، ونقاوة دمهم ، بنفس الطريقة التي حرّم بها القانون النازي الصادر في 15 سبتمبر 1935 الزواج المختلط بين الالماني وغيره ، وذلك من اجل حفظ " نقاوة الدم الألماني والشرف الألماني على حد تعبيره الحرفي .
واذا ما اضفنا الى هذا التطابق في الطرحين الصهيوني والنازي ، تشابه عقليتهما الشوفينية ، ومبادئهما العنصرية ، سواء على المستوى السياسي او الثقافي ، ودرجة عسكرتهما ، بدت لنا بكل جلاء ووضوح القرابة المتينة بين الصهيونية والنازية والفاشية . وهذا ما لن تغطي عنه مهارة الصهاينة وحلفاءهم في تشويه الحقائق والمعطيات ، واستبدال الاحداث بغيرها او نكرانها ، وشن الحملات الإعلامية المسمومة وسط الرأي العام .. وهي نفس الأساليب استعملتها الحركة الفاشية النازية بدون جدوى .. ذلك ان حكم التاريخ آت لا محالة ..
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. ما مدى أهمية تأثير أصوات أصحاب البشرة السمراء في نتائج الانت
.. سعيد زياد: إسرائيل خلقت نمطا جديدا في علم الحروب والمجازر وا
.. ماذا لو تعادلت الأصوات في المجمع الانتخابي بين دونالد ترمب و
.. الدفاعات الجوية الإسرائيلية تعترض 3 مسيّرات في سماء إيلات جن
.. فوضى عارمة وسيارات مكدسة بعد فيضانات كارثية في منطقة فالنسيا