الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حديث البيدق/افريقيا .. الماضي منبوذ و المستقبل موعود. (3)

نورالدين علاك الاسفي

2023 / 8 / 15
مواضيع وابحاث سياسية



نورالدين علاك الأسفي.
[email protected]

* هناك قوى جبارة تقوض التقدم في إفريقيا. لكن لا يجب على المرء أن يقلل من قدرة الناس على إحداث التغيير. أما آتا أيدو


و في التاريخ عبرة لم ينسها الأفارقة شعوبا و قيادات يوما و لا تني تذكر بها. فلن يكون هناك نظام دولي مرن قائم على قواعد واضحة في المستقبل، لا يشمل دورا قياديا لأفريقيا ويراعي مصالحها.
رئيس جمهورية أوغندا يوسف موسيفيني كان يقظا في ذلك المؤتمر صحفي مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، و هو يصارحه: بالرغم من أنه لم يقم أي زعيم رفيع المستوى من روسيا بزيارتنا، فقد دعمت روسيا على مدى المئة عام الماضية الحركة المناهضة للاستعمار في إفريقيا. و من خلال حديثنا الشخصي أخبرتكم أن استعمار القارة الإفريقية بأكملها قد اكتمل بحلول عام 1900، باستثناء إثيوبيا وحدها. كان ضعفنا هو أحد أسباب التي أدت إلى استعمار إفريقيا. كان الحكم في أيدي الإقطاعيين غير القادرين على الدفاع عن استقلالنا. كما دمرت تجارة الرقيق لمائة عام قارتنا، قبل الانتهاء من التقسيم الاستعماري لإفريقيا. ان القادة الإفريقيين لم يكونوا قادرين على الدفاع عن استقلال أوطانهم، وعندها بدأ الأفارقة أنفسهم في تشكيل حركات بقيادة قوى جديدة.
أول ظهور لحركات مقاومة كانت في جنوب إفريقيا مع إنشاء المؤتمر الوطني الإفريقي. فهي التي أتت بروسيا؛ و هكذا تشكلت الحركة الإفريقية المناهضة للاستعمار. ففي عام 1917 وصلت قوات جديدة إلى السلطة في روسيا. و بدأ البلاشفة في دعم نضال إفريقيا ضد مضطهديهم. وهذا هو صميم علاقات إفريقيا بروسيا. فقد دعمت روسيا والاتحاد السوفياتي الحركة الإفريقية. و بعد ذلك، و الكلام لموسيفيني: ابتسم لنا الحظ مرة أخرى في عام 1949- حين وصل الشيوعيون في الصين إلى السلطة، بالأخص أن الصين دولة كبيرة. وفي تلك المرة هم أيضا قدموا لنا الدعم. بالإضافة إلى دول أخرى أيضاً مثل كوبا وما إلى ذلك.
و عندما تظهر بعض المسائل المتنازع عليها، ويطالب البعض أن تتخذ إفريقيا موقفا ضد روسيا، و القول لموسيفيني: فإننا نرد على ذلك، ان هؤلاء الناس قد قاموا بدعمنا طوال المائة عام الماضية. فهل من المعقول أن نتخذ موقفا معارضا لهم.. لقد غفرنا لأعدائنا القدامى، أولئك المستعمرين الذين استعمرونا، أولئك الذين استعبدوا الناس وأخذوا العبيد من هنا وارتكبوا الفظائع. لقد غفرنا لهم ونحن على استعداد للمضي معهم قدما. و لكن كيف يمكننا أن نقف ضد الذين لم يلحقوا بنا أي أذى بل على العكس ساعدونا.
و من حصافة موسيفيني زاد موضحا: بالطبع، إذا أخطأت روسيا، فإننا نقول لها إنها مخطئة، كما كان الوضع عام 1968. و تذكر موقفه لما كان طالبا حيث شارك في مظاهرات في الشوارع في دار السلام ضد قرار بريجنيف إرسال قوات إلى تشيكوسلوفاكيا لإزاحة ألكسندر دوبتشيك من منصبه. و لم يفته أن يستدرك: لكن إذا لم يكن هناك أي خطأ، فلا يمكننا إدانة روسيا. هذا هو أول شيء أردت قوله لتوضيح السياق التاريخي. الذين ليس لديهم معرفة كافية بالشؤون الدولية يجب أن يعرفوا ذلك. الحقيقة هي أن قلة هم الذين يفهمون السياسة الدولية. لدى الناس فهم محدود نوعًا ما تجاه مسألة الفلسفة و الإستراتيجية، وهذا أمر غير مقبول بالنسبة لنا. موقفنا واضح. وفي إطار حركة التحرير الأفريقية، نعرف من يكون، وما يمارسه كل واحد ولماذا، وما هو الدور الذي نقوم به.
و لم يكن من بد أن يستحضر التاريخ على علاته؛ و ينتصر لنباهته. سألوني ذات مرة، في فترة الحرب الباردة: هل أنت مع الشرق أم مع الغرب؟ أجبت، بأن من يسألني ربما يعتبرني غبيا. ما السبب الذي يجعل شخصا ما يقرر أن مهمتي الأساسية تتمثل في الانحياز إلى طرف ما؟ أنا أدافع عن مصالحي الخاصة وأقيم علاقاتي مع الآخرين بناء على كيفية تأثيرهم على مصالحي.
فهل يتحول دعم روسيا إلى رمز للنضال. و ما الضريبة التي ستدفعها لتحرير العالم من الاستعمار الغربي الجديد.؟
فالمتظاهرون في النيجر حملوا أمام السفارة الفرنسية الأعلام الروسية وهتفوا: المجد لروسيا! واستقبلوا رئيس بوركينا فاسو بالأعلام الروسية. وسائل الإعلام الغربية ترى في هذا دليلا على أن لروسيا دورا في أحداث السنوات الأخيرة في إفريقيا، ولا سيما في تغيير السلطة في بعض دولها المارقة.
فلماذا علم روسيا بالذات؟ روسيا الآن في حالة حرب مع الغرب الجماعي في أوكرانيا. طالما يجري تمويل جيش العدو من قبل الغرب، واستخدام الأسلحة الغربية، وتكتيكات الناتو في ساحة المعركة، فهذا يعني أن الغرب يواجه روسيا.
و الملفت؛ أنه كان قد سبقه العلم الصيني و كاد يصبح رمزا لمحاربة الاستعمار الغربي الجديد في إفريقيا. لكن الصين تتصرف بحذر شديد فيما يتعلق بالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. وفي إفريقيا، يرون أن الصين لم تُقدم بعد على حل قضية تايوان. لذلك، فإن لعلم روسيا كل الفرص ليصبح رمزا للنضال من أجل التحرير الكامل ليس فقط لإفريقيا، إنما وجميع البلدان المضطهدة من قبل الغرب الجماعي.
في ساحات القتال في دونباس و تخومها، تجري الإجابة عن السؤال المهم الآن حول ما إذا كانت نهاية الاستعمار الجديد ستأتي، وما إذا كان بلايين الناس حول العالم سيتمكنون من الانتفاع من ثمار عملهم، أو ما إذا كانت القشدة كلها ستذهب إلى دول الغرب. إن انتصار أوكرانيا النازية، وبالتالي الغرب، سيعني أن استغلال الغرب لبقية العالم لن يستمر فحسب، بل سيتكثف. وأولئك الذين يؤمنون بالقدرة على مقاومة الولايات المتحدة وأتباعها سيصابون بخيبة أمل من احتمال هزيمة هذا الوحش.
أوكرانيا اليوم، هي في الواقع، أرض مستعمرة تدفع ضريبة دم لأسيادها الغربيين. و الجندي الروسي يحمل حرابه ليس فقط لتحرير سكان أوكرانيا من السيطرة الخارجية، بل ولتحرير سكان إفريقيا من اضطهاد الاستعمار الجديد. ويمكن أن يصبح علم روسيا في التاريخ رمزا لخلاص العالم من هيمنة الغرب.
و سيكون مبررا لترجيع صدى. لماذا تواجه فرنسا الكثير من الغضب في غرب إفريقيا؟ فقد بات من الشائع سماع دعوات بين التقدميين من غرب إفريقيا والشباب الحضري لإلغاء فرنك الاتحاد المالي الأفريقي؛ تلك العملة الإقليمية المشبوهة التي تستخدمها العديد من البلدان الناطقة بالفرنسية والمرتبطة باليورو بموجب ضمان من الحكومة الفرنسية. و يجهر منتقدوها أنها تسمح لفرنسا بالسيطرة على اقتصادات الدول التي تستخدمها ، بينما تدعي فرنسا بكل بساطة أنها تضمن الاستقرار الاقتصادي. فالاتحاد المالي الأفريقي هو عملة من الحقبة الاستعمارية لا تزال تستخدم في العديد من المستعمرات الفرنسية السابقة في إفريقيا. و المركز الإمبريالي لا يريد فك الارتباط برهان الحفاظ على مصالحه. و لنستمع لماكرون رافعا عقيرته جهارا في احد خطبه : لدينا مصالح للدفاع عنها. وأعتقد أنه عندما نتحدث عن أفريقيا، علينا أن نقولها بوضوح لأنه من الأحسن قول ذلك.
هذا الزهو بماضي الاستعمار و اليد الطولى التي ما فتئ يسلطها على مستعمراته؛ لم يكن يوما غائبا عن القرارات الإستراتيجية التي اتخذتها واشنطن في أوائل العقد الأول من القرن الحالي؛ حيث لم يتم تبنيها لعرقلة مشروع التنمية الأوروبي على أمد قصير، و إنما ترعاه ببعد نظر عقودا قادمة. فالنمو في إنتاج الهيدروكربونات في الولايات المتحدة، والضغط من أجل توريد الغاز الطبيعي المسال الأمريكي، والتفاقم المتزايد للوضع بين روسيا والاتحاد الأوروبي، بل وكتلة الناتو كلها، حلقات في سلسلة واحدة. مما جعل أوروبا في الواقع، تتحول من فاعل جيوسياسي إلى موضوع للفعل. لقد أُغلق مشروع أوروبا الكبرى، وتم تخفيض إمدادات ناقلات الطاقة من روسيا بشكل حاد. و برغم ذلك؛ و في ظل هذه الظروف، احتفظت فرنسا، التي تتلقى الكهرباء من محطاتها النووية، بمزايا اقتصادية إلى حد كبير.
فهل أتاك حديث النيجر.. الأخيرة توفر ربع إجمالي إمدادات اليورانيوم لدول الاتحاد الأوروبي، وحوالي 40٪ للصناعة النووية الفرنسية. والآن، فرنسا على الطريق المسدود.
إن الخطة الإستراتيجية الأمريكية، التي جرى إطلاقها في العقد الأول من القرن الحالي، كانت تسير على ما يرام. فمواقف فرنسا وأوروبا في إفريقيا تضعف بالفعل، وهنا نشهد تزامنا بين قرارات إفريقية داخلية مناهضة للاستعمار ومصالح أمريكية إستراتيجية تخفي المساوئ. مما يفسح المجال لعودة روسيا إلى إفريقيا من الباب الخلفي؛ لتعيد النظر فيما بات حقيقة و هو اليوم تاريخ يعاد كتابته سويا مع الدول الإفريقية المغلوبة على أمرها؛ وفق رهان سلطة البيدق؛ و ما استجد في موضعته على رقعة العالم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئيس كولومبيا يعلن قطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل ويعتب


.. -أفريكا إنتليجنس-: صفقة مرتقبة تحصل بموجبها إيران على اليورا




.. ما التكتيكات التي تستخدمها فصائل المقاومة عند استهداف مواقع


.. بمناسبة عيد العمال.. مظاهرات في باريس تندد بما وصفوها حرب ال




.. الدكتور المصري حسام موافي يثير الجدل بقبلة على يد محمد أبو ا