الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أثر السواد على السارد في رواية -حر انفرادي- محمد عزام

رائد الحواري

2023 / 8 / 15
الادب والفن


أثر السواد على السارد في رواية
"حر انفرادي"
محمد عزام
شخصيات الرواية محدودة، فهناك خمس شخصيات، الأم وابنتها والصاحبة، الحبيب وزوج الأم، وهي تتحدث عن علاقات محرمة، بطل الرواية "الحبيب" والابنة، وبين ابنة الأم وبينة زوج الأم، وبين الابنة والصاحبة وزوج الأم، فهناك علاقات متشعبة وكلها متعلقة بالجنس، فزوج الأم لا يشبع ولا يرتوي من النساء، فهو زير نساء بكل معنى الكلمة، عاشر الأبنة كما يعاشر الأم: "زوج الأم يعاشرها كما يعاشر الأم" ص50، فالرواية بمجملها علاقات محرمة، علاقات غير سوية، إن كانت من الذكور "زوج الأم والحبيب" أم من النساء الثلاث، فكلهن مارسن الجنس للمتعة وبطريقة غير شريعة، حتى الأم التي كانت تشاهد ابنتها مع زوجها لم تبدي أي اعتراض وفضلت أن تبقي الموضوع (ضي الكتمان) حتى تحصل على حصتها من المتعة، فهي لا تريد التفريض بهذا الماء الذي يروي ظمأها ويلبي حاجتها، هذا هو محور الأحداث في الرواية، فالرواية من ألفها إلى ياءها تتناول هذا الموضوع، مما جعل الأحداث تبدو وكأنها مكررة.
وبخصوص المكان فقد حدد بالإسكندرية، وقد ذكرت بعض الأحياء فيها. مما يجعل الروية مصرية بمكان أحداثها وبشخصياتها.

زوج الأم
سنتوقف قليلا عند طبيعة شخصيات الرواية ونبدأ بشيخ الجنس "زوج الأم" الذي قدمه السارد بهذه الصورة: "زوجها الخائن كم ركع بين أقدامها يطلب المزيد من اللذة والشهوة، لم تبخل عليه أغدقت عليه بكل ما تملك في جسدها، لم يشبع منها يريد المزيد وكان في ابنتها الجميلة العذراء...تشم رائحة ابنتها بين ثنايا الوسائد وما أكثرها تفوح على الفراش... عليها الصبر ومتابعة الخائن زوجها عسى أن تجدها" ص150و151، من هنا كان "زوج الأم" وحش جنسي لا يشبع ولا يرتوي، ولم يكتف بالجماع بصورة فردية بالأبنة، فإخذها وصاحبتها معا في الفراش: "هو يريدهن لا يفرق في المتعة بين السمينة والصاحبة، قبض على يد السمينة يريد أن تدخل معه ليرى ما وقع المفاجأة على الصاحبة" 92، هذا الرجل يفعل كل ما تمليه عليه شهوته، فلا نجد يملك أية كوابح/موانع أخلاقية أو إنسانية أو دينية، فالجنس والمال هو كل ما يهمه من الحياة.
يحدثنا السارد عن الابنة بعد أن ذهبت تبحث عن الحبيب: "عثر عليها زوج أمها لم يرحمها من المعاشرة يمسك بها بيد من نار وليدها الرضيع، ترضخ له خوفا على ثمرة حبها مع الحبيب" ص 100، فالمشهد هنا أقرب إلى عملية اغتصاب منها إلى عملية (عادية) متفق عليها بين الاثنين، فعندما استخدم السارد: "لم يرحمها من المعاشرة" أكد أن هناك عملية جنسية بالإكراه وليست بالقبول والتوافق، فهناك حمل في أحشائها تريد الابنة المحافظة عليه، وزوج الأم يسوقها غصبا إلى فراشه ممسكا بيدها، كل هذا يعطي صورة عن طبيعة هذه الشخصية التي تتعامل مع الجنس بصورة غير طبيعية.
وعن علاقته بالمال وكيف ينظر إليه: "ستزول كل هذه النقائض عن مطارحته ابنة امرأته الراحلة في فراشها وإن كان فراش الحبيب أو فراش السمينة، معه ما يعمى صده عن فعل ما يريد، بريق الذهب الأصفر وسطوة النقود تفتح كل شيء من أشياء الدنيا" ص119، من هنا نقول أننا أمام شخصية متوحشة لا تلل ولا تحرم، تتصرف كغول وتبتلع كل ما تراه أمامها دون إي رادع.
من هنا كانت نهايته قصاصا عادلا له ولأفعاله المحرمة والمتوحشة: فقد قمن الحبيبة والصاحبة بالإيقاع به وسرقة كل ما يملكه من مال: "عرفن أن يسقطوه على أم منخاره بين أفخاذ تغريه حتى يصلوا إلى ما وصلوا إليه من سرقة كل ما يملك...طعنات الزوال تأتيه متلاحقة وشديدة الألم" ص122و123، إذن نهاية عادية لهذا المتوحش جنسيا والقذر أخلاقيا.
الابنة
الأبنة التي تعودت على ممارسة الجنس وعرفت المتعة من خلال زوج أمها، فأردت الحصول عليه من خلال "الحبيب" بعيدا عن رائحة فم زوج أمها القذرة وعن ممارسته المتوحشة معها، فكان "الحبيب" هو اختيارها للحصول على المتعة: "وهي تريد الإمساك به ولا سبيل في الاستغناء عن حبه والتلذذ بع كل مساء وأحيانا في الصباح، هكذا هي قانعة حالمة حبيبة وغن كانت في طريق الحرام...رددت في سرها.. أتركوا لي حبيبي أنعم به، فكل شيء عليها فان" ص34، فهي تمارس الرذية كزوج أمها، لكنها لا تجبر الحبيب على ممارس الجنس غصبا، وهذا ما يجعل علاقتهما (عادية) لكنها عندما شاركت الصاحبة الجنس في فراش زوج الأم كانت غير شاذة، فكان بمكانها رفض هذا الفعل والتصدي لرغبات زوج الأم، لكنها تمادت في الجنس حتى كان متنفسها في الحياة، من هنا تعترف بما قامت به من فحش ورذيلة بقولها: "أنا من زنت مع زوج من ولدتني، وأنا الذي خدعته وأخذت أمواله وحشرته فب ذل الشهوة وخسارة الدنيا والآخرة، أنت كم شاركت في كل أعمالي وأوساخي، تردين، امتلاكه وحدك وتركي في تيه فقدك وفقده، لن تقدري من الفرار مني والغياب عني، والفوز بالحب" ص139، إذن نستنتج أن الابنة تحمل شيئا من الأخلاق، وما قيامتها بالقصاص من زوج الأم إلا نابعا من (التزامها وميلها للعدالة، لكننا نجدها تتوعد صاحبتها رغم أنهما تتشاركان في كل شيء، في الفراش، في النيل من زوج الأم، وهذا ما يجعلها غير مكتملة الطهارة والتوبة.
الحبيب
الحبيب بطل الرواية يتماثل مع بقية الشخصيات بميوله الجنسية" يريد التنقل مع كل الفاتنات الجميلات السمينات والقصيرات النحيفات" ص19، فهو يحمل شيء من الحب مساعدة الأخرين وتقديم العون لهم، ونجده رجل فقير يعمل قدر المستطاع على توفير احتياجاته: "هناك شيء واحد ينغص عليه السكن معها، غياب ورحيل شيخها الأعمى يجبره بمد يد العون في المساعدة في تكاليف العيش وإن كالنت قليلة" ص30، فهو أقرب الشخصيات إلى الحالة السوية، لكنه عند المواقف الحاسمة يتقهقر إلى الخلف تاركا "الحبيبة" تواجه مصيرها بعد أن اكتشف أهل الحي ما يقومان به من رذية: "لم يبذل من الأسباب للاحتفاظ بها أو الدفاع عنها ورد شرفها الذي سلبه وامتعه بالليل والنهار، كيف تدور الدنيا بهذه الطريقة ويخذلها بل ويتخلى عنها" ص37، إذن هو شخصية مهزوزة، غير واضحة، وغير قادرة على اتخذا موقف وقت الشدة وفي اللحظة المناسبة، من هنا نجد عندما يطلب منه الزواج من الحبيبة يكون بهذا الحال: "لا يستجيب ويكذب أهو يهرب كما فر من لقاء المأذون، كانت شروطه الأولى في مزاولة الحب والتمتع بها كيفما يشاء" ص47، وهذا ما يجعل كافة شخصيات الرواية غير مقبولة اجتماعيا ولا أخلاقيا.
هيمنة السارد
أحداث الرواية قاسية ومؤلمة، والشخصيات بمجملها كانت ضعيفة وأقدمت على فعل الرذيلة وبصورة متطرفة، من بما أن السرد الروائي جاء من خلال السارد العلمين فقد مارس السارد أشد أنواع القمع على تلك الشخصيات، فوجدناه يقمعها ويمنعها من التحدث بحرية، كما هو الحال في هذا المشهد: "آه آه آه أيها الحبيب استمع وانصت وافتح قلبك واقترب مني، آه آه آه من قلبي وحيرته آهه من أشواقي ولوعتي، همت بخلع جلبابها وما تحته من الأغطية، ستتعرى وستكيد ستلهب أركان غرفته المغلقة، سيسمع أنين وحنيني وعذابي ولآلامي" ص82، نلاحظ وجود أكثر من شكل للسرد، فمرة يأتي من خلال السارد الخارجي، ومرة من خلال أنا الساردة، مرة ينفتح السارد على الحبيبة لتتحدث بما في نفسها، ومرة يقمعها ويتدخل قاطعا عليها كلامها، مما جعل شكل تقديم المقطع أقرب إلى حالة قمع للحبيبة، وهذا يقودنا إلى العقل الباطن للسارد الذي أراد أن يعاقب شخصيات روايته على ما فعلن من رذيلة وما كن فيه من اندفاع وراء الشهوة والسعي بكل السبل نحو المتعة واللذة.
السارد والحبيب
نشير إلى أن الرواية من ألفها إلى ياءها جاءت بصيغة السارد الخارجي، العليم الذي يتحكم في كل مجريات الأحداث، فهو يمارس (سطوته) على الأحداث والشخصيات حتى وجدناه (يقمعها) وبقسوة.
هناك مؤشرات إلى وجود علاقة بين السارد والحبيب كما هو الحال في هذا المشهد: "لن يتراخى في لملمة صفحاته الورقية وترتيبها وتسويتها في هذا اليوم وهذه الساعة" ص157، فهنا الحديث متعلق بالسارد أكثر منه بالحبيب، فمن يرتب الأورق ويسويها هو السارد وليس الحبيب.
وفي مشهد آخر يطلق العنان لنفسه ليتحدث بكل حرية عما يحمله في داخله من وجع: "أنا المحب والعاشق والزاني هي حياتي التي أحياها ولا أحب أحد أن يتدخل في أفعالي وحبي وعشقي لكل ما هو جميل وأحبه لم أحاسب على هذه الأشياء، عجيب يا وطن ترى كل المفاعيل وكل ما يؤدي إلى المهالك والضياع والخراب، لصوص وخونة وعملاء لكل من يريد أن يغتصب الوطن" ص160، فهنا المتحدث هو السارد وليس الحبيب، من هنا نجده يذكر الوطن لأول مرة في الرواية، فبدا وكأنه خرج عن النسق الروائي، وأخذ يتحدث كمواطن يعاني من الهموم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، فطبيعة "النحب" كما قدمها السارد تؤكد ضعفه وعدم قدرته على اتخاذ قرار حاسم وقاطع كما هو الحال في هذا المقطع.
وفي خاتمة الرواية نجده يتحرر تماما من السرد بصوته عن شخصية المحب، ويتحدث بصوته هو كراوي عن نفسه، فكان صوته جديدا ومغايرا لما ألفناه عن "المحب" المهزوز والضعيف: "أشار إلى صفحاته وأوراقه، الآن انهي رحلاتي الغائبة والمختفية، لم يقدر أحد من إسكات فكري والخوض في عقلي وسماع الأنين قلبي، الآن أنهي قصتي ويأتي من يكتب بعدي ويكمل رسالتي وروايتي... سأنهي عمرك لن تكوني مرآة كما كنت ستكونين ورقة من ضمن صفحاتي، أخرج قلمه الأسود وضعها فوق صفحاته كتب عليها بالخط العريض (تمت)" ص161و162، فالصوات هنا جاء بصيغة أنا المتحدث وهذا الأمر كان قليل الاستخدام في الرواية، وبما أنه جاء في خاتمة الرواية، وبهذا الوضوح والقوة فإنه يعد تجاوزا/تمردا لما كان سائد من سرد، فكسر وتير السرد بهذه الحدة يعد ثورة على أحداث الرواية وعلى شخصياتها التي انساقت وراء شهوتها ووراء اللذة، دون وجود أي جوانب أخلاقية أو اجتماعية تحد من ذلك الاندفاع الشرس والمتوحش نحو الجنس.
الجنس
الحدث الأساسي في الرواية هو الجنس والحديث عنه، من هنا نجد العديد من المشاهد وضعها السارد تحث عنه، منها هذا المشهد: "هن على وفاق في مقاسمته الفراش بل التفنن والإبداع في اكتمال خطوات المتعة، لم يتمنى أن تصل به مشاهدة اللذة في العروض واهتزاز الفراش بهن جميعا لم تصبر إحداهن على أن تنتظر، ...الثلاثة في فراش واحد ومتعة واحدة" ص57و58، نلاحظ أن الجنس ها ليس (عادي) بل شاذ، فهناك أكثر من شخصين يقومان بالعملية الجنسية، وهذا ما جعله جنس (أسود) لا يحدث المتعة للمتلقي بل الاشمئزاز والامتعاض، وهذا ما يجعلنا نقول: إن أحداث الرواية قدمت "الجنس) وهو شيء جميل ومرغوب للقارئ، بصورة قاسية وشاذة مما جعله يكره هذا الفعل وينفر منه، ويأخذ موقفا قاسيا ممن أقدم على فعله بهذا الشكل الشاذ، فالشخصيات الرواية شهوت شيء جميل وقدمته بصورة قذرة/ متوحشة، فكان لا بد من القصاص منها وقمعها كما فعل السرد في خاتمة الرواية.
الرواية من منشورات دار رقمنة الكتاب العربي، ستوكهولم، السويد، الطبعة الأولى 2023.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمة أخيرة - كواليس مشهد رقص دينا الشربيني في مسلسل كامل الع


.. دينا الشربيني: السينما دلوقتي مش بتكتب للنساء.. بيكون عندنا




.. كلمة أخيرة - سلمى أبو ضيف ومنى زكي.. شوف دينا الشربيني بتحب


.. طنجة المغربية تحتضن اليوم العالمي لموسيقى الجاز




.. فرح يوسف مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير خرج بشكل عالمى وقدم