الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صورة الإنسان في العصر الرقمي

قاسم المحبشي
كاتب

(Qasem Abed)

2023 / 8 / 15
العولمة وتطورات العالم المعاصر


الرقمنة مصطلح يعني تحولي النصوص والصور الفيديوهات التقليدية بوصفها معلومات إلى نسخ الالكترونية قابلة للتخزين والتفعيل والتعديل والحذف والإضافة. وتلك هي ثمرة الثورة التكنولوجية الثالثة فإذا كانت الثورة الصناعية الأولى تعني اكتشاف الطاقة البخارية واختراع المحركات.. وبدء عصر الماكينات، والثورة الصناعية الثانية هي ثورة الكهرباء والطاقة الاحفورية فأن الثورة التكنولوجية الثالثة هي ثورة الرقمنة والمعلوماتية. إنها التكنولوجيا التي غيرت العالم وصورة الإنسان فيه. فإذا تخيلنا الكائن البشري في الوضع الأصلي قبل اللغة والنار وتصنيع الأدوات لما وجدنا شيئا غير الطبيعة الفجة في حالتها البيولوجية الأولى. وسواء آخذنا بالوحي الإلهي أو التفسير الاختباري العلمي؛ يظل الإنسان هو المعني بالتحول والتغيير والتعقل والتفكير والتأمل فهو من علمه الله الأسماء كلها وجعله خليفته في الأرض. والإنسان العاقل (باللاتينية: Homo Sapiens) هو الاسم العلمي للنوع الوحيد الغير منقرض من جنس الأناسي والمعروف بهومو (باللاتينية: Homo)، الذي يحتوي أيضاً على نياندرتال وأنواع أخرى من القردة العليا. صاغ كارولوس لينيوس الاسم الثنائي للإنسان العاقل (Homo Sapiens) في عام 1758، وهو اسم لاتيني؛ الجزء الأول منه homō بمعنى الإنسان، بينما تكون كلمة sapiēns صفة بمعنى المتميز، الحكيم، أو العاقل. الكائن الوحيد الذي يمتلك القدرة على تعقل العالم ومنحه المعنى. فمن الإنسان لا من غيره انطلقت مسيرة الفكر البشري منذ أقدم العصور وقد كان جسد الكائن وعقله وحواسه وحدسه هي أدواته المتاحة للتعرف على عالمه وفهمه وتدبير العيش فيه ومازال كذلك إلى يوم الدين. فماذا لو لم يخترع الإنسان الأدوات التقنية التي ساعدته على مواجهة تحديات الحياة الطبيعية؟ من المؤكد أنه كان سيظل كائنا طبيعيا مثله مثل الكائنات الحية الأخرى . وقد عاش الإنسان ملايين السنيين مندمجا في الطبيعة في سياق حيوي سحري أسطوري لا يفرق بين الذات والأشياء والفكر والواقع ومنح للظواهر الطبيعية أسماءها الأسطورية. فلقد تصور الأولون المطر إله يصب الماء من إناء بالسماء والريح له إله ينفخها بمراوح والشمس إله لأنها تضيء الدنيا ويشعل النيران والأرض إلهة والموت إله والجمال إله والخير إله والشر إله ..الخ ويمكن تصنيف الأساطير في مجموعتين : أساطير الخلق والتكوين وأساطير التبرير والتعليل . تحاول أساطير الخلق أن تفسر أصل الكون وخلق البشر وظهور الآلهة. أما الأساطير التعليلية فإنها تهدف إلى تفسير الظواهر الطبيعية. وقد كان لكل شعب من الشعوب أساطيره المحلية التي تمنحه الانتماء والإيمان والمعنى. إذ تتعلق معظم الأساطير القديمة بكائنات مقدسة هي الآلهة. وهذه الآلهة تتمتع عند المعتقدين بها بقوى خارقة للطبيعة.لعل أهم ميزة للإنسان تكمن في قدرته على الاكتشاف والابتكار والاختراع وصنع الأدوات. وأول المدنية كهف أو مغارة أو موطئ قدم يحتله الإنسان ويجد فيه أسباب العافية والأمن والأمان فيدافع عنه وطناً في العراء قبل اللجوء إلى البيوت والعمارات وأول الثقافة خيال وتصور وتعبير وتفكير وبحث عن الأشياء التي تؤمن حياة الإنسان وتجنبه المهالك. فالبرد القارصة دفعته إلى التفكير في البحث عن الدفيء فاكتشف النار والحر الشديد دفعه للتفكير والبحث عن ظل يقيه الشمس والمطر فاكتشف الأشجار والأحجار والكهوف والمغارات وفي سبيل قطع النهر وصيد السمك اكتشف الخشب وصنع الزوارق والسفن ومن أجل مواجهة الوحوش والضواري ومنافستها في الحصول على قوته في الغابات والبراري اخترع القوس والناشب والسهم والرمح. وفي سبيل استصلاح الأرض وزراعتها ابتكر الفأس والمنجل وأدوات الحرث والري والزراعة وهكذا كان الحال مع مشكلات الحياة الأخرى وسبل حلها وتجاوزها وعلى مدى ملايين السنين من الخبرات والتجارب في علاقة الإنسان بالأشياء صارت التكنولوجيا هي أهم عوامل التغيير والتقدم والتطور. ومن لوح الخشب العائم تطورت السفن العملاقة ومن السهم الطائر تطورت الصواريخ الفتاكة ومن الحمام الزاجل تطورت وسائل الاتصالات والمعلومات ومن الكهف والمغارة نشأت ناطحات السحاب والحصون العالية ومن النار تطورت الكهرباء ومصادر الطاقة المعاصرة ولا شيء في تاريخ تطور الحضارة البشرية جاء من خارج علاقة الإنسان بالأشياء. إذ أن التاريخ التقليدي قبل الصناعي يشهد على تلك الحقيقة التاريخية الصارخة كان التاريخ قبل الثورة الصناعية يكرر ذاته بأنماط متشابهه من الحركة الدائرية التقليدية التي تدور حول فلك القوى الطبيعة للحياة الأرضية بين الأرض والسماء بما تجود به من عناصر العيش وأدواتها التقليدية الأولية ومنها( الأرض والمطر والزرع والثمر والريح والأنهار والبحار والمحطات والحيوانات والأحجار والأخشاب والمعادن ) وهكذا ظلت علاقة الإنسان بالإنسان شبه ثابتة عبر التاريخ بينما تغيرت علاقة الإنسان بالأشياء. إذ يوجد نمطان للعلاقات : علاقة الإنسان بالإنسان وعلاقة الإنسان بالأشياء ، الأولى ثابتة ومستقرة ولم تتغير في جوهرها منذ هابيل وقابيل وبنية القرابة الأولى ، إذا ما زال الناس كما كانوا في أولهم يحبون ويكرهون ويتزوجون ويتقاتلون إي بكلمة يمارسون ذات السلوك الذي كان يمارسه الإنسان الأول حواء وآدم وأولادهما يتزاوجون وينجبون ويسعون في الأرض ويفسدون ويتخاصمون ويسفكون دماء بعضهم بعضا في سبيل الاستئثار على الأرزاق والخيرات والمصالح والحاجات وهكذا ظلت السياسة على مر الأزمان هي الزمن الذي لا يمر بمعنى أن الوجود السياسي للناس في المجتمع هو وجود شبه ثابت في بنية المجتمع الأساسية، مثله مثل بنية التزاوج والتدين والقرابة. وكل لحظة من لحظات التاريخ السياسي والديني للمجتمعات تمثل الدرجة الصفر؛ وكل جيل يمسك بالخيط من أوله، ويردد في الوقت ذاته أنه يبتدع هيستيريات تحقيق الذات، والهلوسات الجماعية، والفصامات الطائفية، والهذيانات الدفاعية، والأخرى التفسيرية… وكما أن المراهق يتعلم المضاجعة دون أن يعلِّمه إياها أحد، ولكن دون أن يمارسها أفضل مما مارسها جدوده، فإن كل حقبة اجتماعية تعاود اختراع السياسة، وكأنها لم تكن قط، هي هي سياسة كل زمن، الإشكالية بصورة جوهرية. ويرى رجيس دوبريه أن هذه "القرابة المزدوجة بين السلطان السياسي والميثولوجيا والشبق الجنسي نابعة بالتحديد من أن زمن الخرافة، وزمن غريزة الحب شريكان في البنية ذاتها، بنية التكرار" وهكذا نفهم الصلة الدائمة بين السياسة والدين والمجتمع بوصفها صلة راسخة الجذور في الكينونة الأولى للكائن الاجتماعي الديني السياسي بالطبع والتطبع ! وهكذا يمكن القول إن علاقة الإنسان بالإنسان ظلت راسخة النسيج ثابتة النسق وكل ما طرى عليها طوال ملايين السنيين لا يعدو بان يكون أكثر من ديكور اسمه الحضارة والتحضر تم اكتسابه اكتسابا بقوة السلطة والتربية والقانون وحينما تنهار السلطة والقانون في مكان من مجتمعات الإنسان يعود الناس إلى سجيتهم الحيوانية الطبيعية الأنانية الفطرية في حالة حرب الجميع ضد الجميع! فأول الحضارة هو الإحساس بالخوف من عاقبة الاعتداء على الآخرين ومن الضرر الذي يصيب الإنسان من اعتداء الآخرين عليه وهو الخوف الذي نعبر عنه بالضمير والوازع ومخافة الأذى والضرر جراء القيام بالذي صار اسمه بعدما لا يحصى من الزمن والخبرات والتجارب حراما وعيبا وممنوعا ولا يجوز" فكيف ستكون صورة الإنسان في العصر الرقمي وثورة المعلومات وثورة الاتصالات وثورة الحاسبات الالكترونية والإنترنت الذي وحد كل تلك الإنجازات التقنية في إطار بات يطلق عليه اسم (الإعلام الرقمي) بوصفه: مجموعة من الأساليب والأنشطة الرقمية الجديدة التي تمكننا من إنتاج ونشر المحتوى الإعلامي وتلقيه، بمختلف أشكاله من خلال الأجهزة الإلكترونية (الوسائط) المتصلة بالإنترنت، في عملية تفاعلية بين المرسِل والمستقبِل. بحيث تكون جميع الوسائل والأدوات المستخدمة في إنتاج المحتوى الإعلامي من صحافة وأخبار وغيرها من الأدوات ومصادر المعلومات هي بشكل رقمي ومخزنة على وسط الخزن الإلكتروني وظهور المرحلة التفاعلية وتتميز بوجود نوع من التحكم الانتقالي من جانب أفراد الجمهور في نوعية المعلومات التي يختارونها، أي إن الفرد يمكن أن يكون رئيسا لتحرير المجلة التي يختارونها، مثل الفيسبوك والمدونات بأنواعها والفديوتيكس والتلفزيون الرقمي، أي أصبح الجمهور مشاركا في وسائل الإعلام بدلا من أن كونه متلقيا في الإعلام التقليدي. وفقًا لبعض التقديرات، اعتبارًا من عام 2019، هناك 3.84 مليار مستخدم لوسائل التواصل الاجتماعي في جميع أنحاء العالم؛ أيّ ما يقرب من ثلث سكان العالم. من بين هؤلاء، يمتلك 1.55 مليار شخص حسابات و/ أو يستخدمون الفيسبوك Facebook للتواصل الاجتماعي. كما يستخدم حوالي 800 مليون شخص برنامج فيسبوك ماسينجر Facebook Messenger للتواصل مع بعضهم بعضًا. وبالمثل، يستخدم 320 مليون شخص تويتر شهريًا للتواصل و/ أو للحصول على معلوماتهم اليومية، ويستخدم 900 مليون مستخدم حول العالم الواتساب WhatsApp. هذا الاستخدام الواسع لمنصات التواصل الاجتماعي يجعلها فاعلًا مركزيًا في الثقافة المعاصرة لا يمكن بأي حال تجاهل تأثيره على المستويين المعرفي والوجودي. إذ أن التكنولوجيا الرقمية لم تِحدث فقط تحولاً في العالم، بل تمكنت من خلق عالمها المجازي أيضاً، فأقمار الإرسال التلفزيوني الصناعية اليوم مكنت الناس على طرفي الكوكب من التعرض بانتظام لطائفة واسعة من المحفزات الثقافية وهي تؤثر فعلياً في أنماط وحياة وتطلعات كل الأمم، وهكذا لم تعمل العولمة على خلق عالم موحد، فهي ليست مرادفاً للتعبير (عالم واحد)، بل هي تتجه أكثر فأكثر إلى خلق نظام متشابك لعوالم متصلة، أي مرتبطة فيما بينها. وبهذا المعنى ندرك أهمية ثورة الإعلام الجديد في الاتصالات والمعلومات وتجليها الأبرز “الإنترنت” الذي يفضي على المدى البعيد إلى توسيع أفق الإعلام الجديد والمعرفة الإنسانية وتحريرها وتبادلها وتعميق الروابط الثقافية بين البشر، ويسعى إلى تكوين المجتمع العالمي المعلوماتي الذي يعيد تشكيل واقعنا الإنساني. فمن نجن؟ وماذا ستكون في المستقبل؟ وكيف نعيش في العصر الرقمي بينما لا زلنا في المجتمع العربي نتصارع مع الجن والشياطين تم اختلاقها قبل ألاف السنين؟ حول تلك الأسئلة وما يتصل بها سوف تكون مقاربتنا لموضوع بحثنا في ثلاثة محاور أساسية.  
 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القناة 12 الإسرائيلية: المؤسسة الأمنية تدفع باتجاه الموافقة


.. وزير خارجية فرنسا يسعى لمنع التصعيد بين إسرائيل وحزب الله في




.. بارزاني يبحث في بغداد تأجيل الانتخابات في إقليم كردستان العر


.. سكاي نيوز ترصد آراء عدد من نازحي رفح حول تطلعاتهم للتهدئة




.. اتساع رقعة التظاهرات الطلابية في الولايات المتحدة للمطالبة ب