الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النهب المنظم لمصر - نموذج الخصخصة -

عبد المجيد راشد

2006 / 11 / 7
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


" عمر أفندى " لا يعدو أن يكون حلقة صغيرة فى مسلسل نهب مصر ، و مئات الملايين التى نهبت فى بيع " النوبارية " والتى ستنهب فى بيع شركة " سيد " للأدوية ، و مئات الصفقات التى تمت و التى سوف تتم ، لا تحمل سوى عنوان لمسلسل واحد عنوانه "النهب المنظم لمصر " .

فالخصخصة التي تتضمن مبرراتها لبيع القطاع العام ، أنه مركز للفساد الحكومي ، قد تكون مناسبة لعمليات فساد تفوق كل ما عداها من فساد ، وبالتالي قد تؤدي لحدوث نقله في الفساد من مجرد وجود عمليات فساد في الاقتصاد إلى أن يصبح طابعاً للاقتصاد ، خاصة ، إذا تمت هذه الخصخصة في غياب الرقابة الصارمة من الأجهزة الرقابية في الدولة ، وإذا تمت في غياب الرقابة الشعبية عليها من ممثلي الشعب ، وهذه الرقابة الشعبية لا يمكن أن تتحقق إلا في ظل نظام ديمقراطي حقيقي .

وقد إنطوى برنامج الخصخصة الحكومي المصري على درجة عالية من الفساد وإهدار المال العام وهو ما يظهر في بعض الصفقات التي ستتناولها لاحقاً ، كذلك فإن إهدار المال العام وهو ما يظهر في الفارق الكبير بين أسعار بيع بعض الشركات العامة للقطاع الخاص وبين أسعار هذه الشركات وأسهمها بعد ذلك ، وأبرز الأمثلة على ذلك الشركة المصرية لخدمات التليفون المحمول التي بيعت لمستثمر استراتيجي هو نجيب ساويرس بقيمة 10 جنيهات للسهم ، وخلال عامين ارتفع السهم إلى 180 جنيهاً ، قبل أن يتراجع ضمن حالة الإضطراب وعمليات التلاعب التي تشهدها البورصة المصرية والتي وقع الآلاف من صغار المستثمرين ضحية لها .

وهناك مؤشر آخر يدلل على حجم إهدار المال العام الذي انطوت عليه عملية الخصخصة ، وهو يتعلق بالفارق بين التقديرات الخاصة بالقيمة السوقية لقطاع الأعمال العام وبين القيمة الفعلية التي بيعت شركاته بها . وقبل البدء في عملية بيع القطاع العام كانت التقديرات الخاصة بقيمته السوقية متفاوتة بدرجات عالية ، فقد أشار رئيس تحرير جريدة الأهرام شبه الرسمية في أبريل 1990 إلى أن قيمة أصول القطاع العام تتراوح بين 84 ، 100 مليار جنيه ، أي تتراوح بين 42 ، 50 مليار دولار حيث بلغ سعر الدولار في المتوسط عام 1990 نحو 2 جنيه مصري حسبما تشير بيانات صندوق النقد الدولي ، وفي نفس الوقت أشار الكاتب عبد القادر شهيب إلى أن القيمة السوقية لشركات القطاع العام تبلغ وفقاً للتقديرات الحكومية نحو 345 مليار جنيه ، ويشير رئيس الوزراء السابق د. كمال الجنزوري وكان وزيراً للتخطيط ونائباً لرئيس الوزراء في عام 1991 إلى أن قطاع الأعمال العام يحكم استثمارات قيمتها 124 مليار جنيه مصري ، أي نحو 37 مليار دولار وفقاً لسعر صرف الجنيه مقابل الدولار عام 1991 ، وهو يقصد غالباً القيمة النقدية لشركات قطاع الأعمال العام وليس القيمة السوقية لها . وفي عام 1993 أشار وكيل أول بنك الاستثمار القومي ، إلى أن القيمة الفعلية لشركات القطاع العام تزيد علي 500 مليار جنيه مصري ، أي نحو 150 مليار دولار وفقاً لسعر صرف الجنيه في العام المذكور .

وإذا كانت تلك هي التقديرات المتفاوتة لقيمة القطاع العام ، فإنه عندما كانت الدولة قد باعت 135 شركة عامة ، فإن عائد البيع كان قد بلغ حسب تصريحات د. مختار خطاب وزير قطاع الأعمال العام نحو 14.8 مليار جنيه ، كما أشار الوزير إلى أن قيمة الشركات التي مازالت مملوكة للدولة تبلغ 10 مليارات جنيه يضاف إليها 4 مليارات جنيه قيمة الأسهم المملوكة للدولة في الشركات التي تم خصخصتها ، وبذلك فإن كل قيمة القطاع العام تصبح 28.8 مليار جنيه في عام 2000 ، أي ما يقابل 8.6 مليار دولار وفقاً لسعر صرف يلغ 3.35 جنيه مصري لكل دولار وهو رقم هزيل للغاية بالمقارنة بالتقديرات الخاصة بالقيمة السوقية والدفترية للقطاع العام قبل خصخصته والتي أوردناها آنفاً . وهذا الرقم الذي ذكره وزير قطاع الأعمال العام (أكتوبر 2000) يقل عن ربع القيمة الدفترية لشركات القطاع العام ، ويقل عن عشر القيمة السوقية لشركات القطاع العام .

وتعد صفقة بيع الشركة المصرية لتعبئة الزجاجات (شركة بيبسى كولا المصرية) واحدة من أهم وأكبر صفقات خصخصة الشركات المصرية العامة حتى الآن . كما تعد عملية تقييمها والسعر النهائي الذي بيعت به نموذجاً تطبيقياً للإشكاليات والمحاذير المرتبطة بعملية التقييم أيا كان الطرف الذي يقوم بها . وتبدأ الصفقة بصدور تكليف من الحكومة المصرية في 3 فبراير 1993 لبيع الشركة وتوسيع قاعدة ملكيتها . وتم طرح كراسات الشروط للراغبين في الشراء في مارس من العام ذاته وتولي مكتب الخبرة الأمريكي (كوبر اند ليراند) تقييم أصول الشركة وقدرها بنحو 76 مليون جنيه مصري ، ورأت الشركة القابضة للصناعات الغذائية أن السعر أقل مما ينبغي رافضة نتائج التقييم ، وعند إعادة التقييم تم تقدير أقصي قيمة سوقية لها وذلك من خلال المكتب الاستشاري للشركة القابضة للصناعات الغذائية عند سعر 140 مليون جنيه وتولي بنك القاهرة عملية ترويج وبيع شركة بيبسي كولا المصرية . واستقرت الشركة المصرية القابضة على عرض رجل الأعمال المصري محمد نصير وشركاه لشراء بيبسي كولا المصرية ، وبدأت الشركة القابضة في التفاوض مع المشترين لزيادة قيمة عرضهم لشراء الشركة واستمرت المفاوضات لمدة أربعة أشهر انتهت في ديسمبر 1993 بتوقيع الإتفاق المبدئي لبيع الشركة المصرية لتعبئة الزجاجات – بيبسي كولا المصرية – إلى شركة (الكان) المصرية – محمد نصير – وشركة بيبسي كولا العالمية ، وشركة نجار بقشان السعودية وتم توقيع عقد البيع في إبريل 1994 بقيمة 157.6 مليون جنيه مصري مع شرط أن يقوم المشترون باستثمار 180 مليون جنيه مصري خلال السنوات الخمس التي تلي عملية نقل الملكية إليهم وقد توزعت الشركة المصرية بين المشترين على النحو التالي : شركة " الكان " المصرية – محمد نصير – 49% ، شركة بقشان السعودية 49% ، شركة بيبسي كولا العالمية 2% مع احتفاظ رجل الأعمال المصري محمد نصير بحق الإدارة ومن بعده ابنه . وفي أغسطس 1994 انتهت مصلحة الشركات المصرية من إجراء خصخصة الشركة المصرية لتعبئة الزجاجات صاحبة إمتياز تعبئة بيبسي كولا العالمية في مصر – بيبسي كولا المصرية ، وتم تحويلها من مظلة القانون 203 لقطاع الأعمال العام إلى القانون 159 الخاص بشركات المساهمة .... وفي العام 1995 قام رجل الأعمال المصري محمد نصير ببيع نحو 40% من حصته في الشركة إلى مجموعة بقشان السعودية ، وبذلك يصبح نصيب محمد نصير نحو 28% فقط من أسهم الشركة المصرية لتعبئة الزجاجات (بيبسى كولا المصرية) وبلغ حجم الصفقة 400 مليون دولار . وبذلك يتضح أن المشتري المصري محمد نصير قد قام بتدبير مسبق ببيع أغلب حصته إلى شريك سعودي أولاً ثم إلى شركة بيبسى كولا العالمية ثانياً ..
... وقد تعرضت هذه الصفقة لانتقادات حادة ، حيث أعلن الرئيس السابق لمجلس إدارة الشركة المصرية لتعبئة الزجاجات (بيبسى كولا المصرية) أن مصنعي المنيا وبورسعيد قدرا بمبلغ 150 مليون جنيه ، فكيف تباع 8 مصانع بها 18 خطاً إنتاجياً وأسطول لسيارات التوزيع بسعر مصنعين فقط ... وتجدر الإشارة إلى أن أرباح شركة بيبسى كولا المصرية في العام المالي 92/93 كانت قد بلغت 7.9 مليون جنيه مصري ، وفي النصف الأول من العام المالي 93/1994 بلغت أرباحها نحو 4.5 مليون جنيه . وبعد أن تم بيع الشركة حققت خسائر بلغت 10 ملايين جنيه في عام 1995 رغم زيادة المبيعات وارتفاع سعر زجاجة المياه الغازية وزيادة الإنتاج وهى خسارة مفتعلة من قبل الإدارة الجديدة للشركة بعد خصخصتها وتستهدف تفادي دفع حوافز وأرباح للعاملين وتفادي دفع ضرائب عن الأرباح وهو سلوك اعتادت عليه الكثير من الشركات العالمية .
.... ومن ناحية أخرى تعتبر صفقة بيع شركة النصر للغلايات " المراجل البخارية " علامة مميزة على الفساد الذي يمكن أن يكثف عملية الخصخصة . وتبلغ المساحة المقامة عليها الشركة 31 فداناً أي 130.2 ألف متر مربع ، وتقع الشركة في منطقة منيل شيحة على النيل مباشرة مقابلة حي المعادي ، على الجهة الأخرى من النيل .. وكانت الشركة قبل خصخصتها تضم 1100 عامل ، وكانت تنتج أوعية الضغط من طن واحد إلى 12 طن وبسعات تصل إلى 1300 طن بخار في الساعة ومراجل توليد الكهرباء وأوعية غازات سائلة ووحدات تنقية مياه الشرب وتحلية مياه البحر وغيرها من المنتجات . وكانت الشركة تحقق أرباحاً حتى العام المالي 1991 ، قبل أن تدخل في توسعات استثمارية مولتها إلى شركة " مدنية " وخاسرة قبل أن يتم بيعها ، وربما كان دفع هذه الشركة إلى هاوية الديون والخسارة عملاً متعمداً لتبرير بيعها ، لأنه ليس هناك أي منطق في دخول شركة سيتم بيعها في استثمارات جديدة توقعها في أزمة مديونية ، لكن " تخسير " الشركات الرابحة والمهمة هو سلوك تلجأ إليه الجهات المسئولة عن خصخصة القطاع العام في العديد من البلدان الناحية لتبرير بيع شركات استراتيجية تقوم بدور حيوي في الاقتصاد أمام المعارضين لهذا البيع ... وقد إسندت عملية تقييم ثمن الشركة إلى بيت خبرة أمريكي يتبع شركة " بكتل " العقارية العملاقة ، وتم تقدير ثمن الشركة من قبل بيت الخبرة المذكور بما يتراوح 16 ، 24 مليون دولار وهو سعر يقل كثيراً عن سعر الأرض المقامة عليها الشركة لو تم تقييمها كأرض بناء حيث لا يقل سعر المتر على النيل مباشرة في مساحة متكاملة وكبيرة تقع مقابلة المعادي ، عن ثلاثة ألاف جنيه للمتر بما يجعل سعر الأرض وحده يزيد عن 390 مليون جنيه أي نحو 115 مليون دولار ، وهذا يؤكد أن بيت الخبرة الأمريكي " بكتل " وضع تقديره المتدني لسعر الشركة لصالح المشترين المحتملين وعلى رأسهم الشركة الأمريكية التي تقدمت بعرض لشراء الشركة المصرية في 13/12/1994 قام مجلس إدارة الشركة بالحصول على موافقة الجمعية العامة لشركة الصناعات الهندسية ببيع الأصول الثابتة للشركة بمبلغ 11 مليون دولار ، وبيع المخزون بمبلغ 6 مليون دولار بحيث تصبح القيمة الإجمالية للشركة ومخزونها 17 مليون دولار ، وتم البيع إلى شركة أمريكية – كندية هي شركة " بابكو أند ويلكوكس " دون التزام الشركة المشترية بسداد الديون والضرائب المستحقة على شركة النصر للغلايات ، وبعد خصم هذه المستحقات ، أصبح المتبقي من ثمن الشركة نحو 2.5 مليون جنيه مصري ، أي أقل من ثلاثة أرباع مليون دولار ، وبعد عملية البيع تم إسناد عملية محطة كهرباء الكريمات بقيمة 600 مليون دولار إلى الشركة الأمريكية – الكندية المشترية لشركة المراجل البخارية .

وقد تمت هذه الصفقة على الرغم من أنه كان هناك عرض أفضل يقضي بشراء الشركة والالتزام بسداد ديونها والضرائب المستحقة عليها مع دفع عشرة ملايين دولار ، أي ما يوازي 33.5 مليون جنيه مصري آنذاك ، لكن المسئولين عن خصخصة الشركة اختاروا العرض الأسوأ في تجسيد فج للفساد وإهدار المال العام . ولأن الفساد اتخذ أبعاداً درامية في هذه الصفقة فإن الأمر انتهي بإيقاف إنتاج الغلايات العملاقة التي تعتمد عليها محطات الكهرباء ، فقد وجدت الشركة الأمريكية – الكندية التي اشترت الشركة أن مصلحتها تقتضي أن تشتري مصر المراجل البخارية من الخارج بدلاً من إنتاجها محلياً ، أما العمالة فإن صفقة البيع لم تضمن حمايتها إلا لثلاثة أعوام وبذلك كسبت الشركة المشترية السوق المصرية وأرض الشركة ودمرت واحدة من أهم صناعتنا الوطنية .

وفي نفس هذا السياق تمت عملية خصخصة شركة الأهرام للمشروبات والتي بلغ ربحها الصافي 45 مليون جنيه 94/1995 وتم بيعها بقيمة إجمالية 308 ملايين جنيه وقد كان يمكنها من خلال الأرباح الصافية فقط أن تحقق كل الثمن الذي قدرت به عند البيع خلال 6.6 سنة فقط ، وقد ظهر واضحاً حجم الفساد الذي انطوت عليه صفقة بيع الأهرام للمشروبات عندما عرضت شركة " هاينيكن " العالمية في شهر سبتمبر 2002 شراء كل أسهم شركة الأهرام للمشروبات وعددها 20.49 مليون سهم بسعر 14 دولار للسهم أي بقيمة إجمالية تبلغ 268.9 مليون دولار ، أي ما يوازي 1325 مليون جنيه مصري . وإذا خصمنا من هذا السعر ، قيمة شركة " الجونة " للمشروبات التي كانت شركة الأهرام للمشروبات قد اشترتها في فبراير 2001 بقيمة 200 مليون جنيه ، فإن السعر المروض من شركة " هاينيكن " العالمية لشراء الأهرام للمشروبات الأصلية يصبح 1125 مليون جنيه تقريباً ، أي ما يوازي 3.7 مرة قدرة السعر الذي بيعت به !!!

وعلى سبيل المثال كذلك فقد كانت شركات مثل شركات الأسمنت (أسيوط وبني سويف والإسكندرية) وكذلك فندق الميريديان وشركة الزجاج المسطح كلها نماذج فقط لأمثلة واضحة على الفساد وإهدار المال العام .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بوتين يتعهد بمواصلة العمل على عالم متعدد الأقطاب.. فما واقعي


.. ترامب قد يواجه عقوبة السجن بسبب انتهاكات قضائية | #أميركا_ال




.. استطلاع للرأي يكشف أن معظم الطلاب لا يكترثون للاحتجاجات على 


.. قبول حماس بصفقة التبادل يحرج نتنياهو أمام الإسرائيليين والمج




.. البيت الأبيض يبدي تفاؤلا بشأن إمكانية تضييق الفجوات بين حماس