الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كل هذا الحديث الإسرائيلي عن حرب أهلية مدمرة

نهاد ابو غوش
(Nihad Abughosh)

2023 / 8 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


نهاد أبو غوش
على امتداد خمسة وسبعين عاما، حافظت إسرائيل على وحدتها ووحدة مؤسساتها، وبخاصة العسكرية والأمنية والرسمية خلال كل الحروب التي خاضتها ضد العرب، كان ذلك من أبرز شروط الفوز أو الحفاظ على الذات كحد أدنى، وتلافي الهزيمة الماحقة لأن ثمة قناعة راسخة في أوساط الإسرائيليين بأن الهزيمة الأولى ستكون الأخيرة، بحيث لن تقوم لهذه الدولة الغريبة عن محيطها، والمطوّقة بالأعداء من كل جانب أي قائمة في حال تعرضها لهزيمة.
لا تخلو إسرائيل من صراعات المصالح والتناقضات الاجتماعية والسياسية والفكرية، بل على العكس، هي حاضرة وعميقة وتعكس نفسها في مختلف جوانب الحياة الإسرائيلية بدءا من أماكن السكن المقسمة حسب الأعراق والمذاهب والأصول، مرورا بلغة البيت والشارع والثقافة التي يُربّى عليها الأولاد، وصولا للحزب الذي تنتخبه التجمعات السكانية المتباينة والمجاميع العرقية والمذهبية، لكن هذه الخلافات كافة تُطوى في أيام الحرب، وقد اعتادت إسرائيل أن تتحد، مُكرهة أو راغبة لكي تتمكن من مواجهة أعدائها.
مع وصول اليمين واليمين المتطرف بزعامة بنيامين نتنياهو للحكم في اواخر العام 2022 بتنا نسمة نغمة التحذير من حرب أهلية وشيكة في كل يوم تقريبا. في مقالات الرأي والتحقيقات والبرامج الحوارية، وفي محطات التلفزيون وعلى وسائل التواصل الاجتماعي. ولا تصدر هذه التحذيرات فقط عن مفكرين وكتاب يغلب التشاؤوم على إنتاجهم، ولا عن قارئي المستقبل ومنجمين من رجال الدين، بل عن قادة سياسيين وعسكريين، أي عن رؤساء وزراء سابقين وقادة الجيش والأسلحة الرئيسية والأجهزة الأمنية فضلا عن قادة الاحتجاجات الجماهيرية التي تعصف بإسرائيل منذ مطلع العام 2023.
لو عدنا قليلا إلى الوراء لوجدنا صدى هذه التحذيرات يتردد في الدوائر الأكاديمية ومراكز الدراسات الاستراتيجية، وتحديدا في مؤتمر الأمن القومي الذي يعقد في مدينة هرتسليا كل عام، ويبحث في التهديدات الأمنية الوجودية الداخلية والخارجية التي تواجه إسرائيل كالخطر النووي الإيراني والخطر الديمغرافي الفلسطيني، إلىى جانب التناقضات الداخلية الإسرائيلية. ومع أزمة عدم الاستقرار التي واجهها النظام السياسي الإسرائيلي مؤخرا والتي تجسدت بإجراء خمس دورات انتخابية خلال أربع سنوات بين العامين 2019 و2022 ، بدأت التحذيرات من خطر الحرب الأهلية تخرج إلى العلن ولعل أبرزها كان ذاك الذي أطلقه رئيس الوزراء السبق إيهود باراك عبر مقال شهير نشرته "يديعوت أحرونوت" في مايو 2022 عرف بمقال "لعنة العقد الثامن" وفيه يحذر باراك من المصير الذي عرفته دولتان يهوديتان قديمتان في التاريخ هما دولة الملك داود ودولة "الحشمونائيم" وهما أطول دولتين عمّرتا في تاريخ اليهود، لكنهما عرفتا الطريق إلى الانهيار والخراب في عقدهما الثامن بسبب صراعات داخلية تناحرية، أي بسبب "حرب الأخوة" وهي كناية عبرية عن الحرب الأهلية.
لم يكن ما جاء به باراك مجرد نبوءة بقدر ما كان صرخة لكبح اندفاع اليمين الإسرائيلي المتطرف، وربط ما كان منتشرا لدى بعض العرافين الناشطين في الأوساط الدينية المتزمتة من خزعبلات وثقافة شعبية منتشرة في بعض أوساط اليهود الشرقيين، بالتحليلات الواقعية والموضوعية الحديثة التي ترصد التغيرات في المجتمع وعناصر ضعفه وقوته وتماسكه وانقساماته. كان واضحا أن تغيرات عميقة أصابت المجتمع الإسرائيلي الناشئ بعد فشل "بوتقة الصهر" التي نظّر لها دافيد بن غوريون في الخمسينات، ثم أثر الاحتلال الإسرائيلي المديد للأراضي الفلسطيني والتحكم بحياة الشعب الفلسطيني وقمع طموحاته الوطنية إلى وصول اليمين للحكم في العام 1977 واستقرار هذا الحكم في العقدين الأخيرين، وتراجع قيم العمل الاجتماعي والمبادرة التي أرساها مؤسسو المشروع الصهيوني ورافقت تجربة الكيبوتس لتحل معها قيم الفردية وحرية السوق المقترنة بمشاعر التفوق العرقي والتطرف.
حتى بنيامين نتينياهو التفت لما يدور من نقاشات حول نهاية إسرائيل قبل اكتمال عقدها الثامن، فوعد في العام 2017 وبما يشبه البرنامج الانتخابي، بأن يتجاوز هذه العقدة، وأن يقود إسرائيل إلى مزيد من الرخاء والتقدم والعمر الطويل ويعزز مكانتها الدولية والإقليمية، فكان هذا الزعيم اليميني بالتحديد هو الذي أدخل إسرائيل في هذه الأزمة العاصفة التي اطلقت كل الهواجس والمخاوف الكامنة.
ولأن الأزمة الحالية في إسرائيل لا ترتبط بخلافات فقهية حول القانون والديمقراطية ولا بمجرد تعديلات قضائية، بل إن هذه الأخيرة ليست سوى بداية تحكُّم قوى اليمين والفاشية الجديدة بكل مفاصل الدولة. فالتغييرات القضائية ستتبعها تغييرات تطاول النظام الاقتصادي وتعيينات كبار المسؤولين، وتسييس أجهزة الدولة بما فيها الشرطة والأجهزة الأمنية، وسوف تقلص مساحات حرية التعبير والهوامش المتاحة ل"الديمقراطية اليهودية"، ثم سينتقل الأمر للحريات الشخصية والمدنية وصولا إلى محاولات فرض نوع من الإكراه الديني على الحياة العامة ومناهج التعليم، وفي المحصلة ستضعف هذه التغييرات كل أركان القوة التي توفرت لإسرائيل، وكل ذك سيؤدي إلى إضعاف ثقة شرائح واسعة بالدولة والجيش، وتشجيع الهجرة العكسية وتأجيج التوترات الاجتماعية والإثنية.
مع إصرار الحكومة على المضي في إجراءاتها للانقلاب على القضاء، وتجاهل النداءات ودعوات الحوار والتوافق، تجددت التحذيرات من خطر الانجراف إلى حرب أهلية، وقد صدرت عن مسؤولين كبار لا يمكن التشكيك في أنهم يطلقون الكلام على عواهنه، أو في مدى اطلاعهم على حقائق المشهد الأمني والسياسي والاجتماعي، من هؤلاء رئيسا الوزراء السابقان إيهود اولمرت، ويائير لابيد، ووزراء دفاع وخارجية سابقون أمثال بيني غانتس وغابي أشكنازي وأفيغدور ليبرمان، وقادة أجهزة أمنية وبخاصة الشاباك والموساد مثل نداف أرغمان وتامير باردو. هذه التحذيرات المتكررة انتقلت سريعا إلى مخاوف الجمهور وفق استطلاعات الرأي التي باتت تظهر خشية الأغلبية من انزلاق إسرائيل نحو حرب اهلية (57% بحسب استطلاع لصحيفة معاريف، وبين 63% إلى 67% في استطلاعات القناتين الثانية عشرة والثالثة عشرة مع ضرورة التنويه إلى أن هذه الاستطلاعات في حد ذاتها متأثرة بالمواقف من التعديلات القضائية، حيث أن ناخبي اليمين هم الأقل تخوفا من الحرب الأهلية). ويذهب محلل سياسي إسرائيلي بارز هو أمنون أبراموفيتش إلى أن الحرب الأهلية في إسرائيل بدأت منذ وقت طويل، أي منذ تشرين الثاني 1995 عند اغتيال رئيس الوزراء اسحق رابين على يد المتطرف اليميني يغئال عامير. وهي تتجدد الآن من خلال عنف الشرطة والتهديدات المتبادلة بين الكتل الاجتماعية المتنافرة كالتلويح بتحشيد التشكيلات الميليشوية للمستوطنين وزجها في صراع الشوارع، أو الاستقواء بكتل جماهيرية معروفة بعنفها مثل جماعة "لا فايميليا" التي هي اساسا التراس الفريق العنصري بيتار القدس. وعلى الرغم من كل هذه الأجواء المحتقنة والقابلة للانفجار، من الصعب توقع خروج هذا الوضع عن السيطرة في الأفق المنظور ، كأن نشهد اشتباكات شوارع ومتاريس كما عهدنا في العالم الثالث، حيث ما زال الجيش الإسرائيلي موحدا وقادرا على التدخل لضبط الأوضاع، وثمة بالأساس الخيارات المدنية المتاحة ومن بينها قرار المحكمة العليا التي ستبدأ في 12 سبتمبر المقبل النظر في الالتماسات حول التعديلات القضائية. ثم هناك بالطبع ما يمكن تسميته " الدولة العميقة" التي تمثل شبكة المصالح والقوى المسيطرة فعليا على الدولة والتي لا يمكن أن تسمح لمجموعة أو لفرد كائنا من كان بجرّ الدولة إلى انتحار جماعي وخراب الهيكل الثالث.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجزائر: لإحياء تقاليدها القديمة.. مدينة البليدة تحتضن معرض


.. واشنطن وبكين.. وحرب الـ-تيك توك- | #غرفة_الأخبار




.. إسرائيل.. وخيارات التطبيع مع السعودية | #غرفة_الأخبار


.. طلاب بمعهد ماساتشوستس يقيمون خيمة باسم الزميل الشهيد حمزة ال




.. الجزائر: مطالب بضمانات مقابل المشاركة في الرئاسيات؟