الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأثر الإرادي الإباحي المركب / يحاكي الجنسانية المنحرفة في رواية هسيس اليمام / للروائي العراقي سعد سعيد

جعفر كمال
شاعر وقاص وناقد

(تôôèô‏ ؤôéôم)

2023 / 8 / 16
الادب والفن


تقدم لنا الرواية الجنسانية المعاصرة في المنطقة العربية تماثلها بالتثنية في مقبولية شغف الغرائز البديهية المفعولة في النفس، و"النفس أمارة"، والواضح السري في العلاقة المثلية عند العرب هي مستوردة من المجتمعات الأوروبية، وفي العلن الإباحي بين النساء يتداني أفق التَّعْرِيض المتحول في العلاقات الغرامية، وبالخصوص بين المرأة والمرأة، وهذه حالة نادر وجودها في المجتمع العربي، لأن هكذا ممارسة مباحة لا أول في أوَّليتها، لأن عفة المرأة في مجتمعنا تستوصف منيف العلياء، فقد عجز الواصفون عن كنتها، فهو بالجلال مقدس بجلالها، ومن منظور هكذا وفاق بين عاشقتين لبعضهما، وهذه النكرة في واقع الحال غير مستساغ، وإذا اردنا أن نقيس هذا السلوك نجده يتصف بإضافة الإعارة في حالتين أساسيتين تتصف بالمنظور العام المضمن بالعلياء عند البعض، والعكس عند البعض القليل جدا، في حين يكون الاعتبار الإنساني واضح الوفاق الموحد بين المرأة والرجل، منذ قديم الزمان قد تقدسَ وتوحدَ بالرفعة في مقام فقهه، وللحالتين حدود الإعتاق في:
أولهما: أصبح نصيب الرواية العراقية واسعَ البيان والجدية بلغة شفافة مباشرة، وبعطاء يكشف عمّا تعالجه هوية التَّفهيم الثقافي.
وثانيهما: توسع تفكيك السرد في المذهب التشخيصي الذاتي تأثره المتمرد بتعزيز التَّعدية من أصل يشظى ميوله باتجاهه التَّفريع المُتَخَيّلْ للمناص مع هوى الميول الغربي.
كما هو الحال عند الروائية حنان الشيخ، في روايتها: "إنها لندن يا عزيزي " والتقدير الذي حازت عليه رواية: "هسيس اليمام " الذي نحن بصدد تناولها، على موسوعة رياض النقد الثقافي العربي، عندما أصبح انتشارها متحفظاً عليه في حيز مضغوط ضمن تأثير الجماعة أصحاب الميول المتشددة، مع أنها حازت على التقدم الطَّبيعي المتقدم عند الكثير من القراء، أصحاب المرحلة العمرية بين العشرين والخمسين من الذكور والأناث، وعلى ضوء هذا التفاعل أتسع شأنها في وسط يتوافق تكاثف إحساسها الشمولي، وقد صدرت كتب نقدية مهمة للغاية ذاتها في هذا الخصوص مثل كتاب: " موسوعة الجنسانية العربية والإسلامية. الجزء الأول، والجزء الثاني." وقد شاركتُ بهما واحتمال صدور الجزء الثالث في الشأن ذاته وقد تستحصل هذه الرواية موقعها في الكتاب، وسوف أعمل على أن أتبنى إصدار الجزء الثالث مع مجموعة من النقاد العرب، ولهذا فقد أمست الرواية الجنسانية مثلها مثل الغالبية من الثقافات العالمية، عند روجيه مرتان، على اعتبار أن الأدب الأوروبي أول من بدأ في هذا التوجه حتى أصبح هذا التناهد واضحاً عند المتلقي الغربي بتَمكين زولا البيولوجي، وبهذا توسع هذا الاتجاه حتى أخذ يطل على المتلقي العربي من نافذة ضيقة خاصة في مواجهة الأحزاب الإسلامية المتطرفة، أو تلك الفصائل العميلة للصهيونية العالمية، وغايتها تمليك إرهاب المفاهيم النكرة بأثر الحقد الصارم، لأنها تزرع التسويغ المتطرف في العادات والتقاليد على صعيد المنظومة العشائرية غير الواعية والمحمومة بشقاء البسطاء.
وهكذا حتى تحين مجابهة الزمن من بوابة المنظور الأوسع للتاريخ الفكري، حيث تحل الحتميات الفكرية المتمردة على توشيع اختلافها، محل الشقاء العاطفي من منظور لابد أن نسميه هواء الخطيئة أي تمرد الشيء على الشيء، وهو رفع الإضمار عن جهة الشعور حتى تتوضح مقبوليته في عقول الشباب المنفتحة ضمن الوسط الرومانتيك المثالي، ولعل هذا التسرب الإبداعي أخذ يزيد الموقف تعقيداً كما أشرنا في مواجهة الميول المتطرفة، لكنه ومع هذا التحفظ أخذ ينتشر ويتوسع في هذا العهد أبان صلة التنافر بين العلماني، وبين جماعة التَّوكيْل التوابع، وهو من يقيم الغير مقام نفسه في التصرف بخيرات أهله، ولكن بأثر الثناء للوطن تعددت المحاولات التي تبناها بعض الروائيين ومنهم الروائي المغربي الطاهر بن جلون، والروائي غائب طعمة فرمان، والروائي والقاص العراقي جنان جاسم حلاوي، ومنهم أيضا الروائي الذي نحن بصدد روايته الجَمْعِيَّة الأستاذ سعد سعيد.
تُعد الهوية الاتصالية بين زمنية الإنسان في تاريخ ابتدائه الأدبي حتى المعاصرة تعبر عن موسوعة يتسع تماثلها فوق فن الوصف الواقعي، الذي ينفتح فيها التمكين كوسيلة للتواصل وسفر نحو الآخر، بتأثير الحالة الاعتبارية من منظور الماهية النوعية الجادة بأفق ظهورها، وهي تصالح بديعها القائم على سياقات تتوسع في الحكمة، حيث تروي مصباتها المؤونة الفكرية بكونها مُفعّلة وليست مفعولة، سواء أكان هذا في بعض أعمال الروائي الحياتية أم بالتقدم والتأخر في المهارة الحيوية الخاصة بالخلق الذاتي التصويري، في مساق يجيز أثر الحكمة وهي تشاطر زمنها المعرفي، وهكذا فالعلم الروائي الذي طرق أبوابه سعد سعيد هو مختار لمبدأ التلقي الواسع، على ما ترتئيه الحالة الإجمالية الذهنية، بوازع متخيل الإشارات الماهرة التي تظهر بها الأدلة والحجج بسياق الضروريات السردية، المقنعة في مسلماتها حسب ما تراه الذات التي تأخذ صاحبها باتجاه تنوير الاجتهاد الإبداعي، وتلك حالة تعرض للإنسان بسبب المهارة المعنوية الفكرية، ومع هذا فالأمر يبقى متبايناً بالإمتاع وخصوصية منظور المُتَلقي في مراد خلوته، من كونه يثبت قبوله بالدليل الراجح بالتمكين المتقن بالعليَّة بما كان أقرب من غيره في هذا النص المتميز الذي حاز على مبدأ الرتبة الاحترافية، بكونه الفاعل الجدي بالتطور الموسوعي اللائذ بخزانة علمية محكمة، بعد أن أصبح هذا الفن الروائي مدهشاً، يقول عنه الناقد "ر.. م البيرس" "انه فن مدهش بقمة مهارته الفنية ورهافته! 1".
ومن رؤية أخرى نجد طغيان العقل الديني عند اتباع الأفكار السوداء المنحرفة يتسع في مُؤشرات تسبب الفاجعة الاجتماعية المطيعة لأفكارهم المتطرفة، بأثر الخطاب الايديولوجي المعادي للقيمة النوعية التي تحارب التطرف وتنحو بجدية على أن تتوسع عملية نجاح الحالة التنويرية المتفقة مع تطورات علم المعاصرة على اختلاف مناحيها، ومع هذا الصراع بين التعصب السلوكي من المتشددين الذين يتخذون من الدين غطاءً يمررون ما يستحصلون بواسطته من الفوائد الذاتية، سواء أكانت هذه الفوائد من داخل بلدانهم، أم بواسطة العمالة لبلدان أخرى، بأثر مفهوم الاتّفاقيات العامة التي تغطي على مصالحهم الخاصة، وهنا يتفق فيها العموم والخصوص بين الآمر وعميله أو عبده، فيكون معمم الدين له وجه يحتمل أموراً شاذة، ومع هذا تبقى الجرأة والشجاعة عند الأديب العراقي تواجه العقول السوداء من مبدأ التضاد بأن تكون الحالة الإبداعية مسبوقة بمادة التكوين الحضاري، وهنا يعتقد المتطرف بفهمه الخاص أن الاختلاف هو حالة غير صحية في بناء المجتمع، حتى وان كان على طرفي نقيض في تفصيل تلك المحتملات على أن يكون واردها الإثْبَات في معالجة الآثار السلبية بوازع العمل على احترام حرية الرأي، وهذا ما يجعل الإجمال العام ينحصر بقوالب دينية متطرفة، بتأثير يجعل من الأدب المجدد للبنية المنفتحة نحو التنوير حالة مذمومة وناقصة الأخلاق.
وفعلاً فإن السرد يستنير بسحر الحداثة إلى مجالات تتبنى انفتاح رؤية المجتمعات الحرة المؤمنة بدور الكلمة الشجاعة، في الدفاع عن حقوق الرأي بشكله العام، وهو ما يجعلنا نكشف عن الظاهر الحداثي في بنيته التشكيلية المعاصرة حيث نجدها في رواية "يا كوكتي" للقاص والروائي البصري جنان جاسم حلاوي،
البيرس، ر.. م: كتاب تاريخ الرواية الحديثة، ترجمة جورج سالم، منشورات بحر المتوسط، بيروت، الطبعة الثانية 1982، ص 98.
وروايات أخرى مثل رواية " أسرة تيبو" ورواية "توماس هاردي" ورواية "دربوفيل" ومن خلال هذا المعيون التطوري أصبح شأن التجديد حالة ملحة لتغير العقل العربي وتخليصه من أعداء التمدن الحضاري، ومع ما نحن فيه فالتاريخ لا يَكذِب ولا يُكَذَب عند أصحاب الحكمة والدراية العلمية، مع أننا نسير باتجاه التقاليد المستحدثة وإن قصرت سعتها، ولكن فالمسيرة الإنسانية سوف تحدث شأن الانقلاب وإن طال حكم الساسة العملاء، ونحن على بينة أن المثقف حتى وإن لم يكن أديباً إلا أنه سيعمل على الخلاص من مرارة العمالة للحضن المعادي لحرية الإنسان العربي، وبتقديرنا فإن الناس تؤيد كل ما هو جريء، مثل نصوص أدبية شهيرة كالرواية التي نحن بصدد تناولها، ورواية "النخلة والجيران" ورواية "نهر جاسم" ولذلك يجب الإحاطة في إدراك الشيء بكماله الظاهر والباطن من خلال توسع الكتابات الأدبية العربية باتجاه النص الحر الملحمي في العصر الحالي، كما هو الحال في أوروبا التي كانت تستحضر المصائر المتداخلة في التثوير الأدبي من خلال رؤيتها الاجتماعية، فمن "شارل سوريل" إلى "ستندال" بين رواية "فيض القريحة" إلى "أدب الشطار"، خاصة في الرواية المستهترة عند الروائي روجيه مرتان، وغوتيه، عندما اشتغل كل منهما على تمرد الرواية العاطفية على سعة الحالة الجنسية المباشرة، وهنا فالثورة الأدبية في أوروبا لم تنحن لحكم الكنيسة المتطرف منذ عصر النهضة ليومنا.
وبتقديري علينا أن نحذر مما حدث لمؤلفات ومجلدات ذات شأن عظيم قد منعت من التداول، أو تم حرقها أو تمزيقها على مستوى الصعيد العربي والإسلامي، ولكن البعض منها بقيَّ حاضراً في مكتبات أوروبا، وبعض الدول العربية، وعليه يجب علينا أن نهتم ونحترم القيمة الأدبية على اختلاف اتجاهاتها التي تعني الحالة القصية السردية أو الشعرية بدون خجل أو حرج، بل الخطأ هو أن لا نتابع أو نقف ضد هذا التوليف الإبداعي الايجابي في اتجاهه فذلك هو الموقف السلبي، لأن محاولة ترحيل أو لفلفة التنوير الحداثي عند الفرد أو المجموعة فذاك يحصل عند المتطرف أو الجاهل في أمور التنوير الإبداعي، وعليه لنا أن نتابع الأخذ بيد الكاتب صاحب تعدد الحالة الأدبية التنويرية على اختلاف جناسها من أجل التركيز على توظيف التَّداني الأفضل، وفي هذه الحالة نكون قد أوفينا بالرد بقوة على كل من يعتقد أن أدب الأيروتيك يعتبر أدباً غير مرحب به في عصرنا، خاصة استشراق عدة نصوص وكتابات انتشرت في حوزة القارئ العربي، خاصة تلك التي تناولها النقد العربي الثقافي المحكم، التي تتضمن الضد حتى تظهر المصداقية على اتجاه أوسع في تناولها لمثل هكذا تنوير علمي ايجابي، بعد أن أصبحت هذه النصوص مثيرة وجادة في اشباع المختبر الذاتي بالوصل مع مفاهيم رؤية الميتافيزيقا المجردة.
وهنا يتضح العديد من التساؤلات والانتقادات، ولكن يبقى تاريخ الواقعية تاريخاً مؤثراً، والجهل جهلاً له أسبابه الظَلامية. وبهذا فالسؤال الذي يفرض نفسه هو لماذا اختفى هذا النوع من الأدب من الكتابات العربية في زمن بزوغ عصر النهضة العربية؟ هل هو الخوف من تعقيد المجتمع العربي أم التوجس من معرفة حقائق الحياة المستقلة وتفاصيلها الذاتية؟ أو أن التحرر المعنوي يعتبر في نظر البعض ضَلالة؟ أمّا التَّفهيم الذي يطرح تكاثف التجديد في النص الحداثي هو ما يعمل على تقريب تمييز التلميح الذي يستحق رد فعل قبول متعة المتلقي بأعمال ذلك المبدع، خاصة بعد أن يتضح السبب في العثرات التي يسببها الكثير من الأشخاص الذي لا يحفظ التاريخ أسماءهم، ولكن علينا أن نكشف أولاً عن حقيقة الميول العميلة لدور بعض الدول التي أقامت لها السيطرة على الحدود الدينية لتخضع تلك الدول لسيطرتها مثل الدولة الفارسية، والدولة التركية، والسبب أن تصنع لها مجتمعات عربية عميلة بسبب المعتقد في التعدد الطائفي السفسطائي العميل لهم، ومع هذا السقوط تجدنا نحن اليساريين نحافظ على الحريات علناً بطبيعتنا الوطنية اللازمة لمستوياتنا القمرية التوليدية، مبتعدين عن المواجهة السلبية التي تسبب الدمار الذي يحارب سبيلنا الديمقراطي المؤرخ بتأثيرات معرفة ميولنا النصوح المسالمة بوضوح سلوكنا بهدوء الجزء الذي لا يتجزأ، وهو المُلاحَظ علينا.
ومن باطنية رواية "هسيس اليمام" تظل علاقة الإنسان بجسده علاقة شرعية مباحة لا يخدشها نظام أو كتل متطرفة، هكذا تعامل الروائي الأوربي مع مجتمعه أمثال بلزاك وزولا وأليوت وبودلير وآخرين ممن طورا الفكر وتطورا به من خلال جودة الأدب من معيون فضاء فلسفي واقعي، بعد أن اتخذه المعاصرون في أزمان اختلفت ثقافاتها، مبشرون بمبدأ التعايش المثالي المُؤَسس لفعل يبلور البديل في مراحل التطور الفكري، حيث كان السرد العاطفي المثالي في العصور الماضية هو الأقرب إلى الإباحي بين الرجل والمرأة متمثلاً في الرواية العربية بشكلها العام في فترة تراءت فتمثلت بالتحرر الشخصاني معتمدين على دائرة جاذِبة الإمكان الذاتي المعبر عن الرغبات الجامحة، وقد تزايدت المؤلفات الجنسانية في السبعينات من العصر المنصرم تعبر عن المنطق الذي يعكس الأفضلية من خلال معتقدها التحرري في قراءة مثل هذه المؤلفات الصريحة لدى المشتغلين بهذا الإنجاز الذي يعد أحد العلوم الأدبية ذات المعيار المقتدر على وضع القاري أمام صور جنسانية مرئية، وقياس ذلك تمثل بالسرد الحر ذوي النيات الحسنة، ولعل أهم إنتاج في هذا السياق نجده عند الروائي الذي نحن بصدد تناوله الأستاذ سعد سعيد، من منظور معيار يتسع فيه العقل المجازي، أو الخيال الأقرب للصورة الشعرية، وكأنه يحاكي المعنى الذي كرسته الرواية الإنكليزية " ضياع في سوهو"، لكولن ولسن حيث يقول: "عن الناس الذين يمثلون أنهم يعيشون حريتهم، ويتساءل: من أنا؟ وماذا سأفعل؟ 3 " وكما أن هناك أيضاً من لم يكن قد يغلط ويغالطه العارفون بذلك، ولهذا السبب نحتمي بالاتجاه الذي مثله شكسبير في توليف النص الأدبي قوله: " وكما أنه قد تستوظف الدلالة كمضلات في القياسات وذلك تحقيق النيات في شرعية المادة أو معاشرة المجاز على غير موضع نبأ الألفاظ 4" وعلى هذا الأساس تبنى الكثير من الأدباء العرب هذا النهج الذي أصبح أداة الاتصال الذي يبيح التقاء القراء في جونا المعاصر، بجودة بيانها المتمثل بالمنطق التصويري الميتافيزيقي، حتى أخذ السرد يُفَعلْ الذوق الجنساني فيزداد وعيَّها بتأثير تداولها بين الشباب بشكل خاص، وبعض العامة.
أعتمد الروائي سعد سعيد منطق حكاية سرد المزايا الجنسية السرية غير المألوفة في المجتمعات الإسلامية، مع اقتناعه التام أنه يعمل على زج الأسلوب والدفع به إلى القارئ العربي بشكله الخاص، على أن تذيع روايته أنتشارَ الفكرة المحرمة، بمعيون يخالف التشكيلات الأيديولوجية الإسلامية المتطرفة، بأثر سلوكها المنقاد نحو التطرف بفعل الأمر الصادر على الدوام من قيادة العم سام، خاصة وأن هذه الرواية تتفاعل من معيار تجاهر به العلنية من ممارسات جنسية بين المرأة والمرأة المعروفة ب"المثلية"، كذلك هو الحال بين الرجل والرجل ولكن بشكل أكثر انحرافاً في توسع انتشاره منذ زمن بعيد، مع أن الروائي سعد سعيد لم يتطرق إلى الحلقة الثانية الذكورية، في هذه الرواية من منظور تلاقي الاشتقاق الشاذ، وكأن الروائي يسمو إلى تقطيع الرواية إلى ثلاثة اتجاهات مجازية مختصرة وهي:
أولاً: اشتقاق بيان العرفان المحكم في تصورات الشبق الجنسي بصورته السرية.
2- ولسن، كولن: رواية ضياع في سوهو، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1980، ص111.
3- طاليس، أرسطو: كتاب منطق أرسطو، دار القلم، بيروت، الطبعة الأولى 1980، ص 781.
ثانياً: بسط البرهان من منظور أسس التفضيل في ممارسة الجنس امرأة لامرأة، كما لو أنهن في حال رجل لامرأة.
ثالثاً: البنية الجنسية التي استخدمها الروائي من وازع العلاقات الاجتماعية، وهي تسترعي توظيف الرؤية بصورة التباين الحميمي الذي يمنح الإذن بإتيان الفعل حسب ما يطلبه الفاعل.
وطبعا هنا يكمن التشخيص الأنثوي على أساس الهسيس الجنسي بين المرأة والمرأة التي أسماها الروائي "اليمام" بسياق يجمع الحبيبتين بسرير واحد، فتبدأ الأنوثة تتناص مع المرجلة أن تلامس جسد أنثاها حتى الوصول إلى المبغى الحقيقي في إشباع الرغبات من أنثى لأنثى، ثم تستمر اللمسات تساق على المكان الحساس في جسد المعشوقة من قبل العاشقة، فيحصل الهسيس المطلق بالتناسق مع البديل الذكوري المبرمج، من خلال الرؤية الشاملة للحالة الجنسية. كما لو أن العين على الجسد تشهق، ولا يكتفي حوز الملموس يستعير لزمن أحمق لعروض شهوات تتناسق في خاطرها الملبي لهذا الباعث الشيطاني، فلا قائم بينهن يستعير سوى جسدين يتساويان بالفسيولوجي ببعضهما البعض، والفرق أنهما يتحدان بما يستجاز لرغبة ثائرة في النفس، يقول ابن عربي: " في قبسة على الموطأ وان البيع والنكاح عقدان يتعلق بهما 5" وهذه الأصول والعروض والشروط والأحكام بين الرجل والمرأة بالحلال مؤسسة أزلية يتساهل بمقتضاها عقد القسمة والتولية والسلم.
أما ما نحن في كلها الجمعي فيه سياقٍ جواز أَداء إتيان أسلوب الاسْتِدراك الذي لم يعتاد علية القارئ العربي في قراءاته، إلاّ أنه أصبح مجازاً في أداء السلم الجنساني الروائي العربي، بعد ما كان محصوراً عند الأديب الأوروبي، يعني أن العلاقة الثقافية بين الروائي والمتلقي لا تخلو الحال من خلاف بين الأثنين، أو تراضي يكون مؤثراً بزيادة أو نقصان بقدر ما تؤثر الأسلوبية من معيون فصاحة الرواية الباطنية بتفضيل الاحاسيس المنحرفة، وطلب المتعة حتى وإن كانت بواسطة الاغتصاب، من قبل جهل الكائن المضطرب الذي لا يستطيع أن يعبر عن مشاعره الغرامية الصادقة بالمباشرة، وهنا يقول بول غادين حول هذا: " ان الرواية تجيب عن فضول الإنسان نحو الإنسان الذي يستطيع أن يمضي مثله من أحط الأشكال إلى أسماها 6 ".
وبدءاً اتسعت الرواية الجنسانية بدون شروط تذكر من قبل دور النشر بكونها لا تتنافى مع النوع الأدبي الجنساني، وهنا ففي رواية " هسيس اليمام" لم يكن الثمن الاجتماعي أو الديني مؤثراً في جواز المأثور الأخلاقي بمعنى مفهوم العلاقة الجنسية أو الصورة الجِسميَّة بعد أن أجاز وأشتهر في الأدب العالمي ومنها بعض البلدان الاسلامية، وعليه فالروائي سعد سعيد قدم لنا سردية عاطفية إنسانية تتمتع بحق حرية الجنسانية المختارة للفرد سواء أكان ذكرا أم أنثى، من منظور الضوء المضغوط بالمغايرة وهذه الحالة قد تأتي بالثمن إلى أجل يجمع بما تشابهت به الأعضاء الجسدية في الفراش لما يستجاز به التلاقي بالرغبة التي تحكم الطرفين، يعني أن الشهوة إذا وقعت على بعضها البعض بما ولد من جناس الأعضاء المتشابهة فلا يختصر المشتهي للتكوين الجنسي الذي يملكه الفرد بثمن الرغبة الحسية القائمة على المشتهى العاطفي الظاهر بيانه
4- محي الدين بن عربي، محي الدين أبي عبد الله: كتاب رسائل ابن عربي: دار المدى، سوريا دمشق، الطبعة الأولى 1998، ص 278.
5- غادين، بول: الرواية، منشورات عويدات باريس، الطبعة الثانية 1982، ص 219.

في النفس، وما تؤول إليه الذات المتحمسة لهذا المشتهى للخيار الجامح بما أجازت به الرغبة بواقع العامل المعنوي حيال شهوتها.
ومن منظور رؤيتنا لهذا الطالع الملبي لرسالة "النهي عن المنكر" بطابعها المألوف في العالم الثالث الإسلامي، الذي اختاره الروائي من طوالع تتمثل بالأضداد بصورتها المشخصة في مجاز يفسر الطبيعة السردية الروائية العربية لزمن كان مألوفا بأسلوبيته التقليدية، فوجد الروائي العربي انّه يحاور السرد العاطفي على قطيعات الميول الجنسي المنحرف، وهكذا أراد سعد سعيد أن يكشف عن طبائع تؤرخ الحداثة الأدبية، حيث يتشكل النقيض لِمَا هو غير مألوف أو نادر في تمام رؤية تدل على من جاز له زَرعْ المحاكاة الأدبية الأقرب إلى تثوير الإشراق العاطفي غير المحصن بطبيعته المتمردة لقارئ يتحد مع الملاذ وإن جرى فلا غِنَى عن نقضه بلا نزاع، فالعادة أن المتلقي العربي يود أن يشبع غريزته بالصورة التي تحاكي التثوير والتوضيع الجنسي بين الحين والآخر بتأثير جدي مختلف عن الروتين الذي اعتاد عليه الروائي العربي في الماضي المتمثل بجيل نجيب محفوظ، حتى يدعم منعطف باستشهادات يوحى له من مناقب الاختلاف أن تتمثل سرديته بنزعة الحداثة، وخاصة في الرؤية الجنسانية بين الوجود والعدم، وذلك في تجاوز خنق الحالة المأخوذة من أفق الروتين الذي اِعتاد عليه الكبت القاسي المعقد في توريد النص العربي، مع أن كامبانيون في زمنه قارن الحداثة الاجتماعية بالحالة الأدبية بأسلوب نقدي قاسٍ في قوله: " نتكلم عن الحداثة: أيكون حديثاً ما يقطع مع التقليد؟ أيكون تقليداً ما يقاوم التحديث؟ وفق علم الاشتقاق، لذا فالكلام عن تقاليد حديثة سيكون، والحالة هذه عبثاً. 6"
في تناولنا لهذا العمل الروائي الجنساني الشجاع الذي يكشف لنا عن وسوسة سهاد الشاذة في وضوح مؤلم يكشف عن بعض الحقائق المُرة والمحصنة بالحفظ والأمان من شك العين الباحثة عن الآفاق المتخلفة على العضد المجتمعي خوفا من الطرق العبثية، ولكن ما يجده صاحب هذه الرسالة المتمردة تكشف لنا عن طبائع المحسوس في الأنفس العِفَّة بالمختصر الذي يأخذ دوره في مجال طبيعة النوايا الجريئة بأثر تنوع مواضيعه من سيكولوجية واجتماعية وتصويرية، تلك الحالات المشخصة بالنوايا الذاتية أنّ الحياة تستدعيها لرغبة التداعي في الفجور المتمرد، هو ذا ما تشتهيه سهاد على ما يطاوعها الوضع الذي يؤكد وازع الإخراج النفسي إلى واقع رضا الرغبة، ونحن نتفاعل مع نصاب الرواية في دليلنا المتمثل حيث يتم تسليط الآفاق التي نجدها متمردة في تجاورها المحكم بتصنيف واقعية فعل علم المطالع على الحقائق المتمثّلة للنص المُشاء.
نبدأ بالتساؤل بين النظر والذات العارفة بالإرادة المتمثلة بين الخصم وصاحب التشريع في إحكام العلاقات الاجتماعية، كما أراد نتالي في جرأة تحصن روايته " عجائب الدنيا" وهو يستهل مبعثه العلمي بالأسئلة والأجوبة التي يحكمها النِصَاب السردي بوجوده الواقعي، بحسب القسمة المتخيلة في البحث والمعالجة، كما هو الحوار بين العلن والإشارات للمغزى غير المنطوق برؤية شرح المختصر الوسيط عند بروست في أعماله المتمردة. وفي هذا النحو المجرد نتبين مرادنا وهو ما يشير إلى الفعل بالحجة، وذلك هو الشعور بالحواس الباطنة، والرغبة بالمُوَاطَأة في رضا المبغى، والمجرد، والجدلي المرضي، والمرائية المدورة على أجناس تحكم بعضها بالدلائل، كما لو أن النص يُفَعل من النقيض الذي يَحل بالمُحل فيتغير به الحال، في الكلم المنفتح على المُرَكب الصّورِي، مقابل ما يوده القارئ
2- كامبانيون، أنطوان: كتاب مفارقات الحداثة الخمس، دار المواقف للنشر والتوزيع، اللاذقية، الطبعة الأولى 1993، ص5.
المتابع للنص يجذبه لشاطئ غير متناهي، تشده بَرَاعَة الاسَتِهْلال المتبسم، ونحن يأخذنا التداني إلى ترصيع المودة بين صديقتين:
- عذراء! .. معقولة؟
همست وهي تحتضن صديقتها:
- حبيبتي هديل.
- " تعانقتا بكل حرارة السنين التي مرت منذ أن إلتقتا لآخر مرة، إلى أن قالت هديل:
- يا الله يا عذراء، مازلت جميلة جداً.
قالت ذلك وهي تتطلع في وجهها بإعجاب واضح، قبل أن تضيف:
- بل أنتِ الآن أجمل بكثير.
وهي تحاول أن ترد الإطراء، تداعت ذاكرتها إلى يوم زواجها الذي شعرت به وكأنهُ حَدَثَ في زمن سحيق، كانت هديل موجودة يومها.. تذكرت كيف أصرت عل اخبارها كم هي جميلة كعروس كلما التقتا، كان عرساً رسم له أن يكون متميزاً.. وكان.. ولكن!"
وكأن الروائي سعد سعيد وضع المقدمة في لقاء الصدفة بين عذراء وهديل كما لو أنه يشاور التمهيد بالحجة الملزم واقعها بين تَمَاثُل الغايتين، من منظور أن يحقق إرادة التَّرجيح بين الزميلتين في إظهار صفة المودة بينهما، بينما هو في واقع الأمر أخذ يؤسس في مقدمته بسياق أن يضع الحبكة الذكية على منبر حساب يرسم الخطوط الواسعة، حتى تجمع ما يتعلق بالرضا واللطف بين المرأتين، للطلب الباطني الذي ترسمه هديل من معيون ميولها العاطفي، لأنها أخذت تثيرها لعلاقة بطابع يشعرها برغبة في عناق صاحبتها، ولكنها تضع المقصود باللمس دون أنْ تبوح به، بتلك الغريزة التي تمهد لها حيث تنتظرها الحكمة لآت تنتظره يُطَيّب خاطرها ومشاعرها السرية، والقلب فيها ينقبض انقباضاً عذباً وكأنها بحاجة للعناق المستمر.
تبدأ هديل ترحب بعذراء بنفس حنونة تثير لحظة التلاقي المهموس، حيث كانت العلاقة في الماضي روحية بين الفتاتين، وكأن هديل وجدت ضالتها العاطفية المحملة بالرغائب الذاتية ولو أن هذا الحدس غير ملموس، أمام هذا الشكل من الخيال العذب الذي يلازم الحبيبة لحبيبتها، وهذا لا تعتبره هديل مبتذلاً، بقدر ما هو غرام روحي يسكن جوانحها بالعفاف، بيد أنها ألقت السلام كتحية جمالية اجتماعية، اغتنت بالمرامي الطبيعية بماهيتها، ولكن ما ترمي إليه هديل في نفسها هو الخيال الرومانسي بما تعتريه الرغبات المشار كتمها للإباحة العاطفية المؤنسة بطبائع العطف بأثر التثوير الجسدي، من خلال هذا الشكل الإنساني بصفته الروحية التجريدية الملازمة لعصر الحداثة، وفي الوقت ذاته نجد هديل تباشر بهمهماتها التي تدفعها نحو جريان الشوق الذي يصعب على الإنسان البوح به بوازع التعبير عن رغباتها الاضطرارية لحبيبتها وصديقتها عذراء، حيث تزف التحايا مفعمة باللمس المحترف الذي لا يمكن استبعاده عن اللمع الشبقي في عين حبيبتها عذراء، قائلة لها برغبة تعصف فيها الشهوة " يا الله يا عذراء ما زلت جميلة جداً" ودائرة الشبق تجتاح هديل بضجة عاطفية خفية يجعلها تتمنى لو أن عذراء تفهم طبيعة علاقتها بصديقتها فقد اشتدت حاجتها لها على أن تكون معها في خلوة خاصة.
فهي وفي هذه الأثناء تقيم خيالا لا يمكن استبعاده عن حواسها الثائرة، على أمل أنْ يتحقق هذا العناق بحنان عاطفي يحتمل ما كانت عليه عذراء في الماضي حتى تلك اللحظات السامرة، وهو أنّ جمالها مازال هو هو يؤنس خاطرها وكل شأنها، وما عليها إلاّ أن تحتمل مأخذ تنهدات الرغبة، وكأنها تلامس نبض هديل كيف يحنو عليها، وهو يتمنى خاطر عذراء أنْ يعانق خاطرها، ومع هذا الوصف الدقيق من الروائي فمن الملائم أن ننحني لبلاغة النص الجنساني الذي يختلط بالرغبات التي توحي جذورها أن تكون علاقتها من نوع يجمعهما بحياة لها طعم أشبه بطبع المراهقة في المكان الذي تتمناه الرغبة بينهما، وعلى رأي الناقد العبقري يوسف سامي اليوسف حيث يقول: " يمكننا القول بأن المشهد الذي يصور العلاقات الجنسية في الكنيسة في أوروبا، هو مثال قاطع على اتضاع العلاقات الجنسية تؤكده نار الشهوة التي تعبر عن الدعارة المقدسة، كما يسميها فريزر 7". ووفقاً لهذا العهد في العلاقات الجنسية بين النساء من جهة، وبين الرجال من جهة أخرى والتي تسمى " بالمثلية ". وهنا استشعرُ أنّ قارئ هذه الرواية لا اظنه يعيش الملل، بل العكس بفضل الأسلوبية التي استخدمها الروائي سعد سعيد، فقد فتح أبواب التمدن الجريء على مصراعيّه بأصوات تعبر عن الحداثة الصريحة في قوانينها الاجتماعية كما هو الحال في المعيون الأدبي الأوروبي، الذين استخدموا مهارة مبكرة ما بعد الواقعية، بعد أن اشتغلوا على مادة التفعيل الروائي على أساس الحب السري أو المخفي، على اعتبار هذا الحب يشكل مبعثاً روحياً، باعتباره يجد الفن الروائي معبراً عن الإلهام الفني عند الأديب سواء أكان شاعراً أم روائياً، أم قاصاً، وفي بيان هذه البيئة الفنية أخذ الروائي سعد ينتج لنا روايته الجريئة في بلد تحكمه العمامة المستوردة، من مشهد أو بيئة فاض تمدنها الضروري للحرية الفردية بعد التجاوز الحاصل عند بعض الروائيين العرب، فالأداة السردية المحكمة التي بسطها الروائي سعيد تدعو إلى جعلها تمتزج بالرخاء الغرامي التصويري المحرم، ومن هذا الأسلوب التوليدي في منهج الرواية العربية استطاع سعد سعيد التفوق المؤثر على القارئ العربي، بسياق محاور السرد الحداثي الذي يقع في هذا المستوى، ضمن الأطر التي تستدعي أن نسميها
بالنهج الواقعي الجديد، فلو دخلنا إلى أسلوبية الرشاقة الجنسية في هذه الرواية لوجدنا اللغة عند الروائي سعيد محكمة في بلاغة النحو فهو يختار المحرم لكي يبدع بتوليده، باعتباره تجاوز الممنوع التقليدي، فحرر النص الروائي من السرد الروتيني من قصص اجتماعية مكررة عند الكثير من الروائيين العرب، وهنا يمكننا أن نتساءل كيف للروائي أن يكون جريئاً إلى هذا البعد من النجاح الذي تجاوز به العادات والتقاليد المعقدة، من خلال الروتين الدائم الذي يضحي به في مشيئة المجتمع العربي، وهنا نأخذ من الرواية بعض أمثلة تعبر عن غايتنا النقدية كما نجدها:
تابعت صوت الهاتف وهو يرن في الطرف الآخر حتى أتاها صوت سهاد وهي تقول:
3- يوسف، سامي اليوسف: كتاب ت، س، إليوت، دار منارات للنشر، عمان، الأردن، الطبعة الأولى، 1986.

- هلو هيفاء. قالت بأقصى ما تستطيع من ثبات بعد معاناتها الطويلة من التردد قبل الاتصال:
- أهلا سهاد.
- " شلونج عيني؟ "
- " زينه " ثم سكتت قليلا قبل أن تضيف:
- ما أدري "
- " ليش ما تدرين؟
- أدرى ".
- " راح اتخبل سهاد "
- " لج ليش "
- حاولت أن ألهي نفسي، ولكنني فشلت.. نيران رغباتي متقدة وجسدي يصطخب.
- لقد قلت ما عندي يا عزيزتي، والقرار لك سمعت قهقهة عالية عبر الهاتف قبل أن تقول سهاد:
- " ليش تخافين؟
- خائفة لا تحبلين مني؟ " ابتسمت حين سمعت ذلك، ولكن بالها كان مشغولاً بملاحظة أن سهاد لم يعد يهمها أن تخفي نياتها ثم قالت بجدية:
- لا سهاد.. ما تدعوني إليه لم يخطر لي ببال.
- وهل ستلتقين يوميا بمثلي؟ طبعاً لا يخطر لك ببال.. اسمعيني جيداً هيفاء، أنا جادة طبعاً، ولكن صدقيني، لو كانت هناك أية مخاطرة لما عرضت عليك الأمر. قاطعتها هي قائلة:
- أنا فقط لا أستطيع أن أتصور الأمر.
- اسمعيني فقط الآن.. لقد فقدت شريكتي مؤخراً.. خانتني فطرتها.. كنت أحبها كثيراً، وطبعاً أغار عليها، ولكنها لم تفهم ذلك.. أنا يا هيفاء مخلصة لأحبتي، فإن وافقت سأعاملك كحبيبة، " وخليج بعيوني". مرة أخرى لم تجد ما تقوله، فتابعت سهاد قائلة:
- عرضي لكلينا.. ارجوك افهمي.
لم تستطع إلا أن تنتبه لنبرة الصدق الواضحة في كلمات سهاد، فزاد ذلك في محنتها.. في أعماقها، كانت تريد التجربة لأنها شبه متأكدة من عجزها عن ايجاد بديل ذكري عن زوجها، ولكنها لم تستطع أن تتقبل فكرة سهاد ولذلك بدأت تبكي من شعورها بالقهر.. قالت من بين دموعها:
- لا أعرف يا سهاد.. لا أعرف. فأتاها صوت سهاد الواثق قائلاً:
- لا بأس هيفاء.. حين تعرفين.. اتصلي بي."
ترى أيهما أقرب إلى الواقع في مثل هكذا علاقة تشير إلى الجنس بين امرأتين عربيتين؟ تشكلت عبر حياة أرادتها سهاد أن تغلق أبواب الروتين الجنسي بين الرجل والمرأة، حتى تنفتح تلك العلاقة بشكل جمالي بين المرأة والمرأة كما هو الحال في المجتمع الأوروبي وخاصة في فرنسا، لتكون تلك العلاقة تعبر عن محاولة متمدنة للقضاء على دكتاتورية الرجل بعبودية مطلقة، فإن أمراً واضحاً وجلياً يجب أن يعم هذا المجتمع المحصور جناسه على طرف واحد مشتق بين الرجل والمرأة بسنَةٍ مأثورةٍ حتى يخرج إلى سياحة منفتحة تشوق فاعليتها من شجاعة مثلتها سهاد بعفوية جنسية تلتهب في رغباتها الباطنة، لتكون الرجل بدون ذكر في حالةٍ تشجو بها الرغبة الغرامية في لحظات الإضجاع، وفي صفاء هذا الخيال تزايدت رغبات سهاد لصديقتها هيفاء طلبا لممارسة الجنس معها، فقد سبق لسهاد أنها اغرمت بجسد هيفاء وجمال أثارها منذ زمن دراستهن في الجامعة قبل هذا اليوم، ببعض ما أنتهى من علاقة شهوانية مقتصرة على ما هو أقرب إلى الميول من طرف المغرمة بصاحبتها هيفاء، ومع هذا فهي تميل بين نفسها وميولها الجنسي إلى الاستخارة في بعض ما تظنه حاصل في الإفهام لعلها تنجح في إرضاء صاحبتها بالقبول أن تتمناها عارية بين يديها.
إذن فالعاشقة للجنس الأنثوي الواضح في قولها لصاحبتها: " ليش تخافين قابل تحبلين مني؟ " في هذا الوضوح المباشر بلذتهِ أن تستضيء عندها الرغبات الولهى في قولها: " حاولت أن ألهي نفسي، ولكني وجدت نيران رغباتي متقدة وجسدي يصطخب. " ترى هل هذا التوليف النفسي دليل الرغبة وانفجار الشهوات بلسان يشادي الغرام صاحبة لصاحبتها، تتخيل جسد حبيبتها المشابه لجسدها بكل ما فيه من تقاسيم الأنوثة، توضح في قولها الجريء: " أنا يا هيفاء مخلصة لأحبتي، فإن وافقت سأعاملك كحبيبة، " وخليج بعيوني" إن الصدق في قول سهاد اصطفى برغباتها المولعة بجسد هيفاء، بينما نجد هيفاء في حيرة من أمرها.. هل تقبل العرض الجنسي وتتعرى بحضن سهاد أم لا!! هو التردد غير الرافض لمثل هكذا مغامرة شهوانية تربط الصديقتين بعضهما بالبعض، ولكن كيف لهيفاء أن تثق بامرأة شاذة مثل سهاد؟ مع أن انعتاق الشهوات أخذت تسري في جسدها، والقبول سهل وعري الجسد لذيذ فَلِمَ لا؟
وهكذا وفي سياق فطن يستمر الروائي سعد سعيد يعلي من سياق الرغبات الروحية التي تدور في مماحكة أنوثة أشبه بعبادة امرأة لامرأة أخرى، وكأنها لا تستهوي الذكر بذات المشتهى الذي تستهوي به مثيلتها بتلك المناجاة، والدليل واضح وضوح الشمس بظاهر أفعالها، وثورة شهوتها المفعمة بالسخاء والرضا كلها تجتمع في هسيس يصطفي في الروح فلا مجال للعزوف عنها بل هي تتقد في كل ساعة أو ربما لحظة تثور وتشتهي، والروائي هنا يأخذنا إلى فنية عفوية للمشتهى كما هو الحال فيما نقرأ:
" بقلب مرتجف، ضغطت على زر الجرس، وسرعان ما فتح الباب لتظهر سهاد، كادت أن تسقط أرضا من الاضطراب.. بدت سهاد فائقة الجمال في نظرها بشكل غير متوقع.. كانت متزينة وكأنها على موعد مع حبيب! احتضنتها سهاد وقبلتها وهي تهمس:
لم أصدق اذني حين اتصلتِ.. أهلاً بك يا حبيبتي.
قادتها إلى حيث جلستا في المرة الأولى.. سألتها إن كانت ترغب في شرب شيء، ولكن معدتها لم تك مستعدة لتقبل شيء، شعرت بها وكأنها قد تحولت إلى صخر.. رفضت فجلست سهاد قريباً منها.. ابتسمت لها.. ردت الابتسامة، فازدادت قرباً.. تساءلت في داخلها " ما الخطوة القادمة؟ ولكنها فوجئت بسهاد وهي تنشد بصوت منخفض ولكنه عميق إلى درجة أنها شعرت به صادر من غَورٍ لا قرار له:
" مطر، مطر، وصديقتها معها ولتشرين نواح
والباب تئن مفاصله ويعربد فيه المفتاح
شيء بينهما.. يعرفه اثنان، أنا والمصباح"
وبعد الشعر أخذ اللقاء بين المرأتين يأخذ من النظرات الموحية للرغبة الجنسية أن تحقق غايتها بينهما بما اشتهته هيفاء وجاءت من أجله، وفعلا فقد اختلط الواقع على المعشوقة أي الأنثى هيفاء، بينما نجد سهاد أخذت تقترب من المعشوقة تداعب شعر حبيبتها بحنان ورغبة للاقتراب أكثر، وكأنها تطلب الزحف إلى مكان في جسد هيفاء أقرب للإثارة كالنهد.. فالتصقت بنهاد في حيز أكثر حساسية، بينما شعرت نهاد بدفء يتسرب إليها من جسد سهاد الملاصق لجسدها، وهي خاضعة مسلوبة الإرادة للرغبة بما تمارسه سهاد بمغريات التنقل على جسد مولع بالمشتهى الأنثوي، فشعرت بحرارة البلل وقد تسرب بين فخذيها فازدادت شهوتها واستسلمت لعاشقتها إلى درجة أنها لم تستطع أن تعترض حين بدأت سهاد تقبل حلاوة عنق هيفاء، وتمتص شحمة أذنها، وهيفاء تتلوى وتستسلم وتطلب المزيد خاصة بعد أن أخذت أنامل سهاد الذكية تحرر قميص هيفاء وتداعب النهدين والحلمتين المنتصبتين، في حين كانت هيفاء تتنهد وتطلب المزيد بعد أن أصبحت أسيرة رغبات عاشقتها سهاد، حتى أخذ البلل يزحف على ساقيها من الداخل، فكم تمنت لو أن سهاد رجل لنزعت ما عليها من ثياب واستسلمت لمحراثه المكلوم، ولكن سهاد عندها مثل ما عندي، ومع هذا تجدها مستسلمة وراغبة وعاشقة ما تشتهيه صاحبتي الملهوفة لجسدي.
وفي تحولات أخرى فقد توسعت الشهوة بين المرأتين حتى مس الجسدان الشبق بينهما بدون حاجز يذكر بعد أن إبتل جسديهما وسط الفخذين، فسجدت سهاد على جسد هيفاء العاري كما يفعل الرجل وهو يركع على جسد المرأة، فاضطجعت نهاد على جنبيها بطول قامتها تفتح فخذيها وتلوع بصوت مسموع، وسهاد تغرف ما تشتهي من طلب يطيل ويلح نجواه بين الفخذين وترضع بهوى المتعة وكأنها لم تمارس الجنس من قبل، وفي هذا تقول "المرأة الرجل": " هناك طرفان.. طرف ايجابي وطرف سلبي، الطرف الايجابي يغوي كالرجل، وطرف سلبي يستجيب كالمرأة" هذه الحكمة المشوهة تذكرنا بوالتر ستيس في قوله: " أن الوضعين قد خالفهم الصواب عندما زعموا أن هذا المعيار أو هذا الأسلوب مجحف بحق المرأة المنقادة للصم 8" تمتعت سهاد ببلاغة التحليل الدقيق لما تجده يحررها من الشذوذ الجنسي، خاصة وأن سهاد ربما تتمتع بشهوتها مع المرأة أكثر مما هو عليه مع الرجل، وهذا مما يسمى باللواط.
نستمر بالتداول حتى نزداد تعمقاً في شكلية المغامرات الملحمية الخيالية المتعلقة بالشاذ المردود الذي يجيء على خلاف القياس التقليدي ولا يقبل عند الفصحاء، بأسلوبية سردية طافت غرابتها بالمنتهك العاري، الدال على الاختلاف الحاصل في الرواية العربية في موضوعة الجنسانية بين المرأة والمرأة، بمفردات توافقت مع ماهية المجاز المفعل المرسل بجزءه الذي لا يبوح المباشرة الفاحشة أن يُمارس النكاح المثلي، ففي ذَكَرْ الرجل يجد الروائي سعد سعيد له أسماء عديدة مثل: " المحراث، والمدق، ريشاته، العضو السخيف، الحقنة و"السلبوح المنتصب" وفي مجاز أعضاء المرأة الجنسية حيث يستخدم الألفاظ المساوية للشتم أو الازدراء مثال ذلك: " "استكحبنا"، تلال مؤخرتي". وما بين الرجل والمرأة نتناول الجنس الحرام أو ما يسمى بالعلاقة المدنية، حيث يكون الاتصال الجنسي خارج قوانين سَنّها النظام الديني على البشرية، فأصبحت تلك القوانين تسمى بالزواج الشرعي، وهو أن يمارس الرجل شهوته المباحة مع المرأة المستجيبة بحرية مطيعة، ومن حق الرجل أن يجذب زوجته للخدمة المستمرة سواء أكانت تلك الطاعة في ممارسة الجنس أم بما يجعل الزوجة تؤدي كافة رغبات الزوج بدون نقاش يذكر، لأنها مُوكلة بالظواهر والمقاصد والخدمة، بينما الرجل وفي...
8- سيتس، والتر: كتاب فلسفة والتر سيتس، دار التنوير للطباعة والنشر، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 2009، ص39.
الحال ذاته رقيب على الأفعال التي لا تغيب عن النظر، ولكن للمرأة رأي يختلف عن ما تراه في المجانسة، المحكومية عندها في الشكل وحسب، أما ما تشتهي فهو مباح لها بسهولة ولا تستغني عن الخيانة بشيء، وهي السبيل الذي يرضي رغباتها وليس ما تخشاه، لأنها تعشق الرَوَغان واجتهاد الخيانة عندها ليس معه سهوٌ، فهي بإمكانها أن تخترق العلاقة الزوجية في السر والعلن، مع أنها تعرف جيداً أن للمراقبة علامات منها واضحة، ومنها زيادة الفعل بإظهار الهيبة في شجاعتها، والتمرد عندها تسليط لإشباع استدراج رغباتها لما تشتهي حتى إذا تطلب ذلك حبسها في وحدة مرة، لكنها حتى وان خلوت فلا تقل خلوت بل تقل اشتهيت تمردي، وهنا كما يقول الروائي للمتابع بتأثير في صورة جنسية يطرح فيها الروائي الخيانة عند المرأة مع صاحبها حيث نقرأ ما بين الرجل والمرأة في موضوعة الخيانة:
" بعد أن شعر بانهيار مقاومتي نهائياً، أدارني ليلتهم شفتي بشفتيه ويقحم لسانه عنوة في فمي، لم يحاول أن يأخذني إلى مكان آخر، بل جعلني استلقي على أرض المطبخ رفع منامتي، شعرت بخجل كبير لأنني لم أك أرتدي لباس داخلي، أنزلت تنورتي لكنه رفعها مرة ثانية ومنعني من انزالها، ثم راح يعالج حزامه ويسقط بنطلونه ليكشف عن سيفه، رأيته فأثارني لأنه كان يفوق خنجر عواد حجماً وطولاً.. شعرت ببل يكاد يعلن عن نفسه عياناً.. فعرفت أنه مقتحمي الليلة لا محال فأغمضت عيني له."
عالج الروائي الحالة النفسية المشبعة بالشبق الثائر في رغبات الشهوة عند المرأة، وطبيعة استسلامها لمجرد رؤية السيف "الذكر"، وتلك الحالة النفسية تستطيب لمهوى الأنثى أن ترى ذكر الرجل ثائراً منتصباً، وذا هو الأسلوب الذي يثير المتعة للقارئ أنه أصبح يتابع الأحداث بدقة تشد حالته النفسية بطعم لغة تتصل بالتعبير الجنسي المُشَاهَد الذي يليق باللغة الجنسانية القاهرة، كما يقول في هذا العماد الأصفهاني: " الخيانة عِلةٌ قائمةٌ بنفسها، فإذا كان لابد منها أصبحت شبيهة بالمرض النفسي، فذاك أمرٌ عظيم9 " وبهذا يجعل القارئ يتأمل برغبة جامحة ما سوف يحدث بعد هذا الوصال السري بلغة تمتد إلى خطوة أخرى أكثر إثارة عندما يتصل الطرفين بالعري الكامل مع شرح يأخذ المتلقي إلى محسوس الرغبة وملاذها المتصلة بالواقع العيني، وهكذا يكون التشابه الجنسي بين الممارسة الحرام والإضجاع الحلال مختلفا كما يلي:
1- فالأول يكون أكثر متعة مما هو عليه من الممارسة الرسمية الموقع عليها بالزواج الشرعي، فيعتبر مفهوم هذه الممارسة يحددها المشتهى بين الجسد الراغب لتلقي الإضجاع الحرام.
2- والثاني: تنطوي رغبة العقل والجسد في حالة المشتهى للحلال المطعم بالروتين.
3- أن حقيقة كل ممارسة في هذه الحالتين مستقلة ومختلفة بالركيزة التي تجمعهما الشهوة بمحسوس طبيعة المواقف بنتاج الفعل المرغوب به متى شاءت النفس عند تلاقي الجسدين، وهو ذا فالضاجع يتمثل بالمشتهى وهو مجهز بالقابليات والرضا المعين له، وفي الواقع فان الممارسة تختلف في تلقي متعة الشهوة الحرام لأنها حالة قد تكون نادرة وصعبة الحصول عليها، وربما تتحقق بالصدفة والمواعيد المعقدة، أما الممارسة في التلاقي بين الزوج والزوجة فهو أشبه بالروتين الذي لابد منه،
4- 9- أصفهاني، العماد: كتاب معجم الأدباء، دار أحياء التراث العربي، بيروت- لبنان، الطبعة الأولى 1923 ص 125.
ولئن سعيت أن أضع تقديري في تحليلي للنص السردي الروائي لا أجده يكلف القارئ عناء تقبله لكذا نص يعتمد إقامة وزن لموسوعة الفكر، وبهذا يدلنا أستاذ الياس مرقص في تحليله العقلي لموضوعات جما حيث يقول: " إن الركيزة الأساسية والطبيعية لمثل هكذا مواقف هو أن الإنسان عليه أن يختار مخدّات يرتاح رأسه عليها من منظور شرط الاجتماع في الحياة البشرية 10"
وفي المقطع المتمم لدراستنا هذه نتناول تفصيل الاِحساس المتقد في المجال الذي لم يستطع أي فن آخر أن ينتهكه، لأن الكاتب المميز الأستاذ سعد سعيد وهو واحد من الروائيين العرب ممن تربع على مهارة الرواية الجنسانية، حيث يأخذنا إلى أتجاه آخر صعب ومعقد على الإنسانية الحقة على أن تكون هذه الممارسة تهين الرجولة.. لنقرأ:
"لم انتبه مبكرا لكنه كان يصر على أن ارتدي أحلى الفساتين، لم يهتم لأسعارها ما دامت مثيرة.. أنا فسرت الأمر على أنه يردني أن أبدو الأجمل بين النساء، ولابد أن تكون الإثارة إحدى مميزات الجمال عنده، هكذا ظننت ولذلك سايرته، ثم سكتت وهي تتطلع في وجه هديل التي لم تنبس بشيء، بل بادلتها النظرات بصمت، فأكملت بعد قليل:
لاحظت اهتمام الرجل بي.. أقصد أصدقاءه، فحاولت أن أنبهه لذلك، ولكنه لم يهتم، بل كان يبتسم لي ويقول لي: "لا تكوني متزمتة" أحياناً كنت أشعر بالغضب ولكنني آثرت الصبر للابتعاد عن المشاكل معه.
يستمر الروائي في صقل السرد ليضع مقدمات يريد بها أن يكون الدخول إلى شذوذ يختلف عن سابقته، ونحن نتواصل في ذات الخصل، ولكن بعد أن نختصر السرد المطول إلى الدخول المباشر فنقرأ:
"حتى كان يوم طلب مني خدمة بعدما عدنا من حفلة في بيت أحد أصدقائه.. طبعا أبديت له استعدادي لفعل كل ما يريده مني، ولكنه فاجأني... بل قولي طعنني. ثم سكتت، فقالت هديل الذي كان الفضول قد وصل عندها إلى أقصاه، ما لذي طلب منك؟ قولي.. ولكن عذراء نظرت إليها بعينين مغرقتين بالدموع، وقالت بصوت بدا وكأنه نشيج: لا أستطيع أن أقولها بسهولة يا هديل، ألم تفهمي، ألم يُوضَح لك كلامي ما كان يريد! لم تستطع هي أن تخمن ما كانت تقصده فاستغربت لسؤال صاحبتها قالت:
لا تحيريني يا عذراء. أرجوك أخبريني، ولكن عذراء لم تقل شيئاً، بل أصرت على صمتها فأكملت هي:
هل طلب منك أن تقتلي شخصاً من أجله، أفلتت ضحكة من بين دموع عذراء فقالت:
لعنك الله يا لك من مهرجة! فضحكت هي الأخرى وقالت:
فأخبريني إذن لا تحيريني يا عزيزتي
قالت عذراء بعد قليل من التفكير:
11- مرقص، الياس: كتاب المذهب الجدلي والمذهب الوضعي، دار الحقيقة، اللاذقية، سوريا، الطبعة الأولى 1991، ص5.
بالحقيقة هو لم يطلب بوضوح، ولكن كلماته كانت كافية تماماً لإيضاح هدفه.. كان مقاولاً كما تعرفين ومصالحة مرتبطة بموظفين كبار في الدولة حينذاك، ولذلك طلب مني أن أداري مديراً في دائرة ما، مسؤول على صفقة كبيرة كان في سبيله لإبرامها.
فتساءلت هديل باستغراب:
تداري! ماذا يعني ذلك؟
فضحكت عذراء مرة أخرى وهي تقول:
يا لبراءتك يا حبيبتي! ألم تفهمي بعد؟
بدت لها مدلولات الكلام أوضح هذه المرة، ولكنها رفضت أن تتقبل الأمر كما بدا لها.. ثم قالت:
لا يا عذراء أرجوك قولي لي أن الأمر ليس كما فهمته للتو.
فبدا الحزن واضحا على وجه عذراء وهي تقول:
بل هو الأمر كما فهمت بالضبط يا هديل.
شعرت وكأن شيء ما ضربها على معدتها، فقالت بغضب:
يا للهول! " طلع كواد يعني؟؟ " فارتسمت ابتسامة على شفتي عذراء وقالت:
نعم يا عزيزتي.. " كواد ".
توزع هذا الحديث بين امرأتين صديقتين، وفي هذا تشتكي عذراء زوجها لصديقتها هديل الذي يأمرها بفعل الفحشاء، وهو ما سُميّ: " بالزوج القواد لزوجته" وتلك حالة يراها بالتحديد هذا الرجل " المخنث " متعة يحكمها الشذوذ، وملاذها عنده تجدها مكروهة عند العامة والقوانين الشرعية والروحانية والإلهية، كما أكد عليها العلماء الراسخون بالعلم المتأهلون بتفسير النور الرحماني مثل العلامة المجتهد محمد حسين فضلله، وسبب ذلك أن النفس التي تتصف بهذا الفعل المشين متفرعة بأمراضها لقبول الملائم لشخصيتها الناقصة، بالصفات التي يمتاز بها ذلك الرجل وهي تساور الروح بمحسوس يجده " القواد " لذة من لذات الدنيا، ومكرهها أعظم كراهة من السقوط الشاذ عند الإنسان غير الطبيعي بهذا المستوى المنحرف، ولذا فهذه الصفات تجدها تلائم صاحبها حيث تجعله حاكماً لأفعاله المريضة يفعل بها ما يشاء دون أي خجل يذكر، وربما تنسبُ هذه النفسية بحسب النسبة العقلية، أو الطبع الجسماني الفسيولوجي، بينما نجد ضبط الأخلاق النبيلة تهادن الصفات الحميدة بين الجمع البشري المخصوص بالكمال النفساني المفعم بالغيرة على شرفه وما يرتبط بها من وجود مؤثر بالسلوك الحسن، وهنا فالفرق بين الشاذ المنحرف الجاهل، وبين المبارك بالنجاعة النقية الصافي من الأخطاء المنحرفة نعرفها على قياس الوزن التالي:
الأولى: أما أن تكون الشخصية مشخصة بالمرض النفسي، وأما اتسمت بالتربية المنحرفة منذ الطفولة بوصفها الشيئي المهين.
الثانية: نقومها بالصفات الحميدة من حيث طبيعة الشخصية الناجعة التي يمتاز بها من يتمتع بالجمع الجلالي.
وأما القلة من البشرية هي من طوع الضعف الأخلاقي المُنْصَرِف الذي يحكم عليه بالتنافي، وهذا ما جعل الزوجة تندب حضها بزوجها عندما وجدته يتمتع بصفات المخنث، وهي تؤكد حقيقة زوجها لصاحبتها بقولها: " نعم يا عزيزتي هو هكذا: " كواد ".

1- البيرس، ر.. م: كتاب تاريخ الرواية الحديثة، ترجمة جورج سالم، منشورات بحر المتوسط، بيروت، الطبعة الثانية 1982، ص 98.
1- ولسن، كولن: رواية ضياع في سوهو، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1980، ص111.
2- طاليس، أرسطو: كتاب منطق أرسطو، دار القلم، بيروت، الطبعة الأولى 1980، ص 781.
3- غادين، بول: كتاب مشكلات أبي عبد الله، محي الدين أبن عربي: كتاب رسائل ابن عربي، دار المدى، سوريا دمشق الطبعة الأولى 1998، ص 278.
4- الرواية، منشورات عويدات باريس، الطبعة الثانية 1982، ص 219.
5- د. بدوي عبد الرحمن: كتاب منطق أرسطو، الجزء الثالث، دار القلم بيروت – لبنان، الطبعة الأولى 1980، ص250.
6- كامبانيون، أنطوان: كتاب مفارقات الحداثة الخمس، دار المواقف للنشر والتوزيع، اللاذقية، الطبعة الأولى – 1993، ص5.
7- يوسف، سامي اليوسف: كتاب ت، س، إليوت، دار منارات للنشر، عمان، الأردن، الطبعة الأولى، 1986.
8- سيتس، والتر: كتاب فلسفة والتر سيتس، دار التنوير للطباعة والنشر، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 2009، ص39.
9- أصفهاني، العماد: كتاالب معجم الأدباء، دار أحياء التراث العربي، بيروت- لبنان، الطبعة الأولى 1923 ص 125.
10- ، الياس: كتاب المذهب الجدلي والمذهب الوضعي، دار الحقيقة، اللاذقية، سوريا، الطبعة الأولى 1991، ص5.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أسيل مسعود تبهر العالم بصوتها وتحمل الموسيقى من سوريا إلى إس


.. فنانو الشارع يُحوِّلون العاصمة الإسبانية مدريد إلى رواق للفن




.. كريم السبكى: اشتغلنا على فيلم شقو 3 سنوات


.. رواية باسم خندقجي طلعت قدام عين إسرائيل ولم يعرفوها.. شقيقته




.. كلمة أخيرة - قصة نجاح سيدة مصرية.. شيرين قدرت تخطي صعوبات ال