الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رواية للفتيان دروفا ـ نارانا طلال حسن

طلال حسن عبد الرحمن

2023 / 8 / 17
الادب والفن


رواية للفتيان






دروفا ـ نارانا






طلال حسن




شخصيات الرواية
ــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 ـ دروفا ـ نارانا

2 ـ الملكة

3 ـ الملك

4 ـ الكاهن

5 ـ الطبيب

6 ـقائد الجيش

7 ـ المرضعة سويني

8 ـ الحكيم نارادا




" 1 "
ــــــــــــــــ

اشتدّ المرض على الملك ، وظلت الملكة إلى جانبه ، وإن كان قلبها أيضاً ، ينبض قلقاً إلى طفلها ، الذي لم يتجاوز بعد الشهرين من العمر .
وإلى جانبها ، ظل الطبيب العجوز ، وقائد الجيش ، الذي يهابه الجميع ، كما لم تفارقها جواريها ، ولا المرضعة ، التي سهرت ليل نهار على الأمير دروفا .
حتى كانت ليلة ، راح الملك ينطفىء فيها ، كما تنطفىء شمعة أضاءت فترة طويلة ، ونظرت الملكة إلى الطبيب ، وكأنها تطلب النجدة منه ، لكنه أطرق رأسه حزيناً ، دون أن يتفوه بكلمة واحدة .
ومالت الملكة على الملك ، وقالت بصوت حزين قلق ، تغرقه الدموع : مولاي .
وفتح الملك عينيه الخابيتين ، وتمتم : دروفا .
ومدت الملكة يديها ، وضمت يده ، وقالت : اطمئن ، دروفا بخير ، إنه مع المرضعة سويني .
ورفع الملك عينيه إلى قائد الجيش ، فمال القائد عليه قليلاً ، وقال : مولاي ، كن مطمئن البال ، الملكة والأمير ، وكذلك المملكة ، في حمايتي .
وشعرت الملكة بيد الملك ، تجمد بين يديها ، فرفعت عينيها إليه ، وشهقت باكية ، فقد رأت أن ذبالة الشمعة ، قد استسلمت لمصيرها ، وانطفأت .
ومدّ القائد يديه الخشنتين ، وأنهضها بشيء من الرفق ، وقال : تعالي ، يا مولاتي ، لقد رحل الملك .
وتوقفت الملكة لحظة ، فقد لمست في صوته نبرة غريبة ، ورفعت عينيها إلى وجهه ، ولمحت في عينيه القاسيتين ، لمعة غريبة ، لم ترتح إليها .
وغطى الطبيب وجه الملك بدثاره ، ثم التفت إلى الملكة ، وقال بصوته الشائخ الحزين : مولاتي ، ارتاحي في جناحك ، واتركي الأمر لي وللقائد .
ومضت الملكة ، بخطوات متعبة ، تحيط بها جواريها ، وهي تقول : أعلموني بما ستقومون به ، أريد جنازة تليق بالملك الراحل العظيم .
وانحنى الطبيب ، وقال : أمر مولاتي .
وقال القائد ، وهو ينحني قليلاً : ابقي في جناحك ، يا مولاتي ، وسأكون على اتصال بك دائماً .
وخرجت الملكة من الغرفة ، دون أن تتفوه بكلمة ، ومضت إلى جناحها ، وعند باب الجناح ، قالت لجواريها : اتركوني وحدي الآن .
وتوقفت الجواري حائرات ، ودخلت الملكة جناحها ، وأغلقت الباب ، وأسرعت المرضعة سويني إليها ، وقبل أن تتفوه بكلمة ، قالت الملكة : دروفا ؟
فقالت المرضعة سويني : أرضعته قبل قليل ، يا مولاتي ، وهو الآن مستغرق في النوم .
ونظرت الملكة إليها بعينين دامعتين ، وقالت : أيتها المرضعة ، دروفا أمانة في عنقك ، حافظي عليه ، وارعيه ، كما لو كان ابنك .
وتطلعت المرضعة إلى الملكة مذهولة ، ولم تستطع أن تتفوه بكلمة واحدة .












" 2 "
ــــــــــــــــ

ودّع الناس مليكهم ، وساروا وراءه حزانى ، تتقدمهم الملكة ، ثم الكاهن والقائد والطبيب ، حتى مثواه الأخير ، في المقبرة الملكية .
وعادت الملكة إلى القصر ، تكاد تتهاوى من الحزن والتعب ، يصحبها الكاهن والقائد والطبيب ، وسرعان ما مضت إلى جناحها ، ولاذت بفراشها ، واستسلمت لموجة قوية من البكاء .
وأقبلت عليها المرضعة سويني ، بعد قليل ، وقالت بصوت حزين : مولاتي .
واعتدلت الملكة ، وكفكفت دموعها ، وقالت ، دون أن تنظر إليها : نعم .
فمالت المرضعة سويني عليها ، وقالت : مولاتي ، الأمير الصغير مستيقظ .
ونهضت الملكة من فراشها ، وقالت : لا تخرجيه من غرفته أبداً ، تعالي نذهب إليه .
وذهبت الملكة ، والمرضعة في أثرها ، إلى الغرفة المجاورة ، وأخذت الأمير بين ذراعيها ، وقبلته بشفتين تبللهما الدموع وغمغمت : آه ..
وقالت المرضعة سويني : مولاتي ..
فقالت الملكة بصوت تخنقه الدموع : جلالة الملك .. رحل في وقت .. غير مناسب .
فقالت المرضعة : مولاتي ، الآن أنتِ الملكة .
ونظرت الملكة إليها ، لكنها لم تتفوه بكلمة واحدة ، فهي في داخلها قلقة ، خائفة ، تشعر بالحيرة والخوف ، وخاصة من نظرات القائد المريبة .
وكما توقعت ، جاءها الكاهن والقائد ، بعد بضعة أيام ، في الأمر الذي طالما حاما حوله ، وانحنيا لها ، وقال الكاهن : مولاتي ، عرش الأجداد خال ، والآلهة العظيمة لا ترتاح إلى ذلك .
وأيده القائد قائلاً : الناس ، يا مولاتي ، قلقون ، فالمملكة مازالت بدون ملك .
وقالت الملكة بصوت متعب حزين : أنا معكما ، لكن ..
وصمتت الملكة ، فقال الكاهن : الملك الراحل نفسه ، يتطلع إليكِ من العالم الآخر ، ويريد أن تحافظي على عرش الأجداد .
وقال القائد : أنت ولية العهد ، والناس يحبونك ، كما كانوا يحبون الملك الراحل .
فقالت الملكة : أمهلاني عدة أيام .
لكن القائد لم يمهلها عدة أيام ، فقد جاءها وحده بعد يومين ، ودخل عليها في جناحها ، وقال : مولاتي ، جئت وحدي هذه المرة ، لدي حديث خاص .
ونظرت الملكة إليه ، وقلبها يخفق بشدة ، فقد لمست في صوته اللمعة ، التي طالما لمحتها في عينيه ، وقالت : إنني متعبة ، دع هذا الآن .
وقال القائد : أنت شابة ، وقد يطمع فيك أحد أعدائنا ، أنا أولى بك منهم ، أنا .. أريدكِ .
وأشاحت الملكة برأسها مترددة ، وقالت : الأمير صغير ، وأنا لا أريد أن ..
وقاطعها القائد قائلاً : لن أدع الأمير الصغير ، يكون عقبة بيني وبينك ِ .
ولاذت الملكة بالصمت ، وقلبها يخفق بشدة ، وقالت : دعني أفكر .
وقبل أن يغادر القائد جناحها ، قال : الأفضل أن لا تتأخري ، فالقضية مهمة للغاية ، احسمي الأمر ، وإلا حسمته بنفسي ، خلال أيام قليلة .







" 3 "
ــــــــــــــــ

فكرت الملكة ، وهي في دوامة من الخوف والقلق ، ما العمل ؟ القائد سيحسم الأمر خلال أيام ، وعليها هي نفسها ، أن تحسم الأمر ، وإلا .. فات الأوان .
هل تترك الأمير للقائد ؟
إنه لن يرحمه ، وقد قالها صريحة ، إنه عقبة ، وسيزيل هذه العقبة .
وفي داخلها تلفتت حولها ، لمن تستشار ؟
وإلى من تلجأ ؟
ومن يستطيع أن يحمي الأمير دروفا ، أو يؤثر في القائد لتلجأ إليه ؟
لا أحد أمامها ، في المملكة كلها ، عدا نفسها ، إلا المرضعة .. سويني .
وجنّ جنون المرضعة ، حين حدثتها الملكة بالأمر ، فهي تعرف القائد ، تعرف عناده ، وتعرف قسوته ، وقد وافقت الملكة ، في أنه لن يرحم العقبة ، التي تحول دون رغبته ، وأنه يمثل خطراً على الأمير الصغير .
الوقت يمرّ ، يمرّ بسرعة ، وساعة الحسم تقترب ، والأمير الصغير دروفا ، في خطر ؟
والآن ، ما العمل ؟
هذا ما تساءلته الملكة ، فقالت المرضعة سويني : مريني ، يا ملكتي ، وأنا أطيع .
فقالت الملكة حائرة : إنني لم أعد قادرة على التفكير ، أنت اقترحي عليّ .
ولاذت المرضعة سويني بالصمت مفكرة ، فقالت الملكة : ذكرتِ لي مرة ، أن أباكِ كان صياداً .
فقالت المرضعة : نعم ، يا مولاتي ، وقد غضب عليه أمير مملكتنا ، فهرب إلى هذه المملكة .
وصمتت برهة ، ثم قالت : أذكر ، وأنا صغيرة ، قبل أن يأتي بي أبي إلى هنا ، أنه كان لنا كوخ صغير ، في غابة وراء الجبال .
وبدا الانقباض على الملكة ، وقالت مترددة : هذا المكان بعيد ، وشديد الخطورة .
فقالت المربية : ليس أخطر من بقائه هنا ، يا مولاتي ، تحت رحمة القائد .
وقالت الملكة بصوت تخنقه الدموع : نعم ، أنت محقة ، يا سويني .
وأطرقت رأسها لحظة ، ثم رفعت عينيها إلى المرضعة ، وقالت : من الصعب أن أفارق صغيري ، وهو في هذا العمر ، ليتني أستطيع أن أهرب معكما .
فقالت المرضعة سويني : هذا ما أتمناه ، يا مولاتي ، لكنه أمر يبدو مستحيلاً .
وهزت الملكة رأسها موافقة ، وقالت : وفيه خطورة على صغيري ، فمن السهل متابعتي ، وإلقاء القبض عليّ ، وعليكما أيضاً .
وضمت الأمير الصغير إلى صدرها ، وقالت : فلنستعد ، وننفذ هذه الخطة ، بأسرع وقت ممكن ، وإلا فات الأوان ، وحسم القائد الأمر على طريقته .














" 4 "
ــــــــــــــــــ

لم تعرف الملكة ، كيف تناهى إلى القائد ، ما أقدمت عليه ، بالتعاون مع المرضعة سويني ، رغم أنّ خطة عملها ، ولحظة الصفر ، كانت سرية تماماً .
لقد فوجئت ، قبيل منتصف النهار ، في اليوم التالي ، بدخول القائد إلى جناحها ، دون استئذان ، فوقفت في مواجهته بشيء من التردد ، وقالت : أراك تدخل عليّ هكذا ، حسن ، تفضل .
وقال القائد : مولاتي ..
وقاطعته الملكة متشجعة : أيها القائد ، هذا جناحي الخاص ، ويفترض أن تستأذن .
وتساءل القائد ، دون أن يلتفت إلى اعتراضها : أين الأمير الصغير ؟
فقالت الملكة : الأمير ابني .
واحتج القائد قائلاً : إنه ولي العهد .
وقالت الملكة بشيء من الحزم : وأنا المسؤولة عنه ، أنا الوصية ، وليس أحداً غيري .
ولاذ القائد بالصمت لحظة ، ثم قال : أريد أن أفهم ، لماذا هرّبته مع المرضعة .. سويني .
وصمت القائد لحظة ، ثم قال : لقد طاردهم جندي ، وأردت أن يعودوا بهم سالمين ، لكن الحارس الذي رافقهما ، تصدى لهم ، وجرح واحداً منهم ، مما أضطرهم إلى قتله .
وشهقت الملكة قائلة : يا ويلي ، والأمير الصغير ؟ ابني دروفا .
فردّ القائد قائلاً : للأسف ، استطاعت المرضعة سويني أن تهرب به .
وبدا شيء من الارتياح على الملكة ، فقال القائد : لن تفلت هذه المرضعة من يدي ، مهما كلف الأمر .
ونظر إلى الملكة ، وقال : إن الجنود يبحثون عنها ، وعن الأمير الصغير دروفا ، وسيعثرون عليهما ، إن عاجلاً أو آجلاً .
لكن الجند ، الذين بثهم القائد في كل مكان ، لم يعثروا عاجلاً ، على المرضعة والأمير الصغير ، لكنه لم ييأس من العثور عليهما آجلاً ، مهما كلف الأمر .
وخلال هذه الفترة ، لم يكد يفارق الملكة ، ولم يسمح لأحد أن يتصل بها ، عدا أنصاره من الجواري ، والنساء اللواتي يشجعنها على الارتباط به .
حتى كان يوم ، اختلى بها وحده ، وقال لها : مولاتي ، يبدو أنك فهمتني خطأ .
ونظرت إليه ، وقالت : مهما يكن ، فإن همي الأول أن أضمن سلامة ، ابني الأمير الصغير .
وحدق القائد فيها ، وقال بنبرة تشي بالتهديد : الضمان الوحيد أن تكوني لي .
لم توافق الملكة على الاقتران بالقائد مباشرة ، وحاولت أن ترجىء ذلك ، إلى ما بعد جلوسها على العرش ، وتنصيبها ملكة على البلاد .
لكن القائد أقنعها ، بشيء من اللين ، والوعود بعدم ملاحقة الأمير الصغير ، أو محاولة إيذائه ، فوافقت أن يكون جلوسها على العرش ، والاقتران به ، في يوم واحد ، وهذا ما جرى .












" 5 "
ــــــــــــــــ

منذ سني فتوته الأولى ، لاحظ دروفا أن الكائنات الحية ، التي يراها حوله في الغابة ، بدءاً من الطيور ثم الأرانب ، بل وحتى الثعالب ، كانت حين تراه ، تتوقف وتنظر إليه ، ثم تتراجع خائفة ، وتلوذ بالفرار .
وما إن تجاوز الخامسة عشرة من عمره ، حتى بدأت تخافه الخشوف والغزلان ، و صغار الدببة ، وحتى الذئاب ، التي تخافها جميع الحيوانات .
وقد حدث المرضعة سويني ، التي لا يذكر أنه رأى غيرها في حياته ، وصار يسميها أمي ، عما يجري له مع حيوانات الغابة ، فتقول له حائرة : من يدري ، لعلها صدفة ، يا بنيّ دروفا.
وغالباً ما كانت تحذره من الحيوانات ، وخاصة الكبيرة والشرسة منها ، فتقول : بنيّ ، كن حذراً ، ففي الغابة حيوانات متوحشة خطرة .
لكن هذا لم يمنع دروفا من التوغل في الغابة ، والتعرف على المزيد من الحيوانات ، ومحاولة التقرب منها ، وإقامة علاقة تشبه الصداقة معها .
وذات يوم ، لاحق صغير غزالة ، وسط الغابة ، يريد أن يمسك به ، ويأخذه معه إلى الكوخ ، ليربيه ويدجنه ، لعله يرافقه في تجواله ، في أرجاء الغابة .
لكن الخشف استطاع أن يراوغه ، ويفلت منه متوغلاً في أجمة كثيفة الأشجار ، وتوقف دروفا ليحدد بالضبط ، المكان الذي اختفى فيه الخشف .
وقبل أن يتحرك ، سمع وقع أقدام ، بين أشجار الأجمة ، وبدل صغير الغزالة ، فوجىء بوعل ضخم ، له قرون كبيرة ، يبرز من بين الأشجار .
وفغر دروفا فاه مذهولاً ، وتمتم قائلاً : يا للعجب ، لم أرَ من قبل ، مثل هذا الغزال .
ونظر الوعل إليه ، وقال : لو وصلت في تجولك إلى الجبل ، لربما رأيت مثلي .
واتسعت عينا دروفا مذهولاً ، فقال الوعل : ثم إنني لست غزالاً ، بل وعلاً .
وقال دروفا : أنت تتكلم !
فقال الوعل : هذا ما أراده لي الحكيم نارادا .
وتمتم دروفا : نارادا !
وتابع الوعل قائلاً : لكن غيرك ، يا دروفا ، لا يسمعني ، ولا يراني ، وبالتالي لا يفهم ما أقولهلكَ .
ولاذ دروفا بالصمت ، لا يدري ماذا يقول ، فنظر إليه الوعل ، وقال : سيدي دروفا ، إن أمك تنتظرك ، وتريدك أن تذهب إليها .
ومرة أخرى ، فغر دروفا فاه ، وقال : أمي !
وقال الوعل : أنت لا تعرفها ، يا سيدي ، عد إلى الكوخ ، واسأل سويني عنها .
فقال دروفا : لكن سويني هي أمي .
وقال الوعل : اسألها ، وستقول لك الحقيقة .
وصمت لحظة ، ثم قال : إذا أردت أن آخذك إلى أمك ، في أي وقت ، فما عليك إلا أن تتمتم باسمي ، وستراني في الحال إلى جانبك .
وكما ظهر الوعل فجأة ، اختفى فجأة ، دون أن تتاح الفرصة لدروفا ، أن يقول كلمة واحدة .










" 6 "
ــــــــــــــــ

على غير عادته ، عاد دروفا إلى الكوخ متأخراً ، فقد تجول في الغابة ، على غير هدى ، يفكر فيما قاله ذلك الوعل الضخم .
وانتظرته سويني قلقة ، فهي لا تخاف عليه من حيوانات الغابة فقط ، بل من جند القائد ، الذين طاردوها عند هروبها به ، وقتلوا الحارس الذي أرسلته الملكة معهم ، ليرافقهم حتى الكوخ ، وليكون فيما بعد حلقة اتصال بين الملكة وبينهما .
وطوال هذه الفترة ، وخاصة في السنين الأولى لهربها بالأمير الصغير ، كانت قلقة من محاولات القائد للوصول إليهما ، والفتك بهما ، ولاحظت أكثر من مرة ، آثار أقدام في الجوار ، أهم جند القائد ، أم ماذا ؟
وإذا كان هذا قد أقلقها ، فإنها عانت طويلاً من الحيرة ، فهي لا تعرف أوضاع الملكة ، ولا ما يمكن أن تريده الآن ، وما الذي يجب أن تفعله مع الأمير ؟
وخفق قلبها فرحاً ، حين تناهى إليها وقع أقدام ، إنه دروفا ، لكن وقع أقدامه ، على غير العادة ، بطيء ثقيل متردد ، ماذا جرى ؟
وفتحت باب الكوخ ، وبدل أن يعانقها دروفا ، كما يفعل كل مرة ، وهو يقهقه ، ويقول : أكاد أموت جوعاً ، هاتي قبلة أولاً ، يا أمي .
وجدته يقف بالباب ، ينظر إليها مفكراً ، وتغاضت سويني عما رأته ، وقالت بصوت يشي بقلقها : دروفا ، لقد تأخرت ، يا بنيّ .
لكن دروفا لم يرد عليها ، وظل ينظر إليها صامتاً ، فتنحت قليلاً ، وقالت محاولة أن تضفي شيئاً من المرح على صوتها : لابد أنك جائع ، تعال .
ودخل دروف الكوخ ، وتشاغلت سويني بإعداد سفرة الطعام ، لكنها توقفت قلقة ، حين قال دروفا : دعي الطعام الآن ، دعيه .
والتفتت إليه ، وإذا هو ينظر إلها ذات النظرة الثابتة المقلقة ، فقالت : دروفا ، لقد انتظرتك ، دون أن آكل لقمة واحدة ، لنأكل معاً كالعادة .
وقال دروفا ، أخبريني ..
وخفق قلبها قلقاً ، إنها لم ترَ دروفا هكذا من قبل ، فماذا جرى ؟ ولاذت بالصمت منتظرة ، فقال دروفا : لقد سألتك مراراً عما يحيط حياتنا من غموض ، لكنك كنت تبعدينني عن هذا الموضوع .
وعلى غير إرادة منها ، سالت على خديها دموع صامتة ، فنظر دروفا إليها ، مغالباً تأثره ، وقال : لا أريدك أن تبكي ، أريد الحقيقة .
ومدت المرضعة يديها ، وعانقته باكية ، فقال : لم أعد صغيرا ، حدثيني عن كلّ شيء .
وكفكفت المرضعة دموعها ، وهي تنظر إليه مترددة ، فتساءل قائلاً : أنت عزيزة عليّ ، لكنك لست أمي الحقيقية ، من هي أمي .
قالت سويني : لابد أنك جائع ، يا دروفا ، كل أولاً ، وسأقول لك الحقيقة كاملة .













" 7 "
ــــــــــــــــ

عرف دروفا الحقيقة كاملة ، حدثته سويني عنها بالتفصيل ، ولادته ، موت أبيه الملك ، وخوف أمه الملكة عليه ، من قائد الجند .
وحدثته أيضاً ، كيف بذلت الملكة جهداً مستميتاً لحمايته ، واضطرت في سبيل ذلك ، إلى إبعاده عنها ، وإرسالها معها إلى المجهول .
وها قد مرت أكثر من ستة عشر عاماً ، منذ أن غادرت به القصر ، وهربت تحت جنح الظلام ، ووصلت به بشق الأنفس ، إلى هذا المكان .
وما أن انتهىت سويني من حديثها ، وكان قد حلّ الليل ، حتى نهض دروفا من مكانه ، وقال : كان عليك أن تصارحيني بالحقيقة منذ سنين .
فنظرت سويني إليه ، وقالت : لا تلمني ، يا بنيّ ، إنني أنفذ أوامر الملكة .
وتمتم دروفا بشيء من التأثر : أمي .
وقالت المربية : نعم ، إنها أمك الحقيقية .
ونظر دروفا إليها ، وقال : أنتِ أيضاً أمي .
فقالت المرضعة : بل أنا مرضعتك وخادمتك ، يا مولاي دروفا .
فقال دروفا بحماس : كلا ، لا تقولي هذا ، أنتِ أمي ، وستبقين أمي .
ثم تطلع إلى الخارج ، وقال : لقد آن أن أذهب إليها ، إنها تناديني .
وقالت المرضعة : بنيّ ..
وتابع دروفا قائلاً : ولابد أن ألبي نداءها .
وقالت سويني بنبرة توسل : القائد ، يا بنيّ ، ظالم ، لم يرحم أحداً ، ولن يرحمك .
فقال دروفا : هذا الظالم ، سيدفع ثمن ظلمه ، على يديّ ، ولن أرحمه .
وتشبثت سويني به ، وقالت متوسلة : بنيّ ..
فقاطعها دروفا قائلاً : لا أدري ما الذي حلّ بأمي الملكة ، ومن يدري لعلها سجينة ، أو ..
وصمت لحظة ، ثم تطلع ثانية إلى الخارج ، وقال : سأذهب إليها ، مهما كلفني الأمر .
ولاذت سويني بالصمت ، ثم قالت : المسافة طويلة ، من هنا إلى الملكة ، والطريق محفوف بالمخاطر ، وأنت لم تمشه من قبل .
فنظر إليها ، وقال : لدي الوعل .
وتمتمت المربية : الوعل !
فقال دروفا : لقد أرسله لي الحكيم نارادا .

وفغرت سويني فاها مذهولة ، وتمتمت بصوت لا يكاد يُسمع : الحكيم نارادا !
وتابع دروفا ، وكأنه يحدث نفسه : قال لي ، إنه سيحضر حين أطلبه ، وسيأخذني حيثما أريد ، وفي أسرع وقت ممكن .
وهزت سويني رأسها ، ثم قالت : مهما يكن ، الظلام خيم ، يا بنيّ ، ابقَ هنا الليلة ، وامض ِ فجر الغد ، إلى حيث تريد .
ورقدت سويني في فراشها ، وراحت تنصت في تأثر ، إلى دروفا وقد استغرق في النوم ، وفكرت أن عليها أن تتحدث مع دروفا ، قبل أن يغادرها ، ويرمي نفسه إلى المجهول والتهلكة .










" 8 "
ــــــــــــــــ

مع الفجر أفاق دروفا ، وإذا سويني قد أفاقت قبله ، وجلست تنتظره في فراشها ، فنهض قائلاً : طاب صباحكِ ، يا أمي .
ونهضت سويني بدورها ، وقالت : طاب صباحك ، يا بنيّ دروفا .
وراح دروفا يستعد للخروج ، فاقتربت منه سويني ، وقالت : بنيّ ..
وقاطعها دروفا برفق : أمي ، لقد انتهينا من هذا الموضوع ، لابد أن أذهب إلى أمي الملكة ، ولن أتراجع مهما كلفني الأمر .
وقالت سويني : أنا أيضاً لا أريدك أن تتراجع ، إن الملكة بأحوج ما تكون الآن لك ، ولكن أريد أن تستعد للأمر ، فالقائد قويّ وقاس .
ونظر دروفا إليها ، وقال : حسن ، أشيري عليّ ، فأنت تعرفينه أكثر مني .
وقالت سويني : أنت قوي ، وشجاع ، لكنك وحدك ، والقائد ظالم ، ومحاط بجند كثيرين .
وفتح دروفا باب الكوخ ، ومضى إلى الخارج ، وهو يقول : أعرف هذا ، سأذهب لأحرر أمي ، ولن يردني عن ذلك أي خطر .
ولحقت به سويني ، وقالت : أعرف من يساعدك ، ويحقق كلّ ما تريده .
وتوقف دروفا ، فقالت المرضعة : نارانا .
والتفت دروفا إليها متسائلاً : نارانا !
ونظرت سويني إليه ، وقالت : نارانا ليس فقط فائق القوة ، بل هو وحده من سيغلب القائد ، ويجرده من كلّ قواه الظالمة .
وصمتت سويني لحظة ، ثم قالت : هذا ما تنبأت له الساحرة العظيمة ، منذ أن صار قائداً للجند .
وبحماس قال دروفا : أريد أن أصل نارانا هذا ، يا أمي ، دليني عليه .
وهزت سويني رأسها ، وقالت حائرة : لا أحد يعرف مكانه ، يابنيّ .
فقال دروفا : إنه غير موجود إذن ، وعليه فليس أمامي إلا أن أعتمد على نفسي .
وهمّ دروفا أن يمضي ، فأسرعت سويني إلى القول : بل موجود ، ويمكنك أن تصل إليه ..
وقاطعها دروفا : هيا ، أخبريني ، أريد أن أصل إليه ، بأسرع وقت ممكن .
ولاذت سويني بالصمت لحظة ، ثم رفعت عينيها إليه ، وقالت : الحكيم نارادا يعرفه جيداً ويعرف مكانه ، اذهب إليه .
وابتعد درونا عن سويني خطوات ، وصاح بأعلى صوته : أيها الوعل .
وعلى الفور ، وأمام أنظار المرضعة المذهولة ، ظهر الوعل ، وقال بصوت لم يسمعه غير دروفا : ها أنا ، يا مولاي ، دروفا .
وبقفزة واحدة ، صار دروفا فوق ظهره ، وقال : خذني إلى الحكيم نارادا .
وعلى الفور ردّ الوعل ، وهو ينطلق كالسهم بدروفا : أمر مولاي .
لم تسمع سويني كلام الوعل ، وهو يحدث دروفا ، لكنها رأته ينطلق به كالسهم ، وسرعان ما اختفيا في الأفق البعيد .








" 9 "
ــــــــــــــــ

كالسهم انطلق الوعل الضخم ، في سماء صافية خالية من الغيوم ، وعلى ظهره دروفا ، والريح الشديدة تطاير خصلات شعره الطويلة .
وبد لدروفا ، وهو يتلفت حوله ، أن أشجار الغابات ، والجداول والأنهار ، تفرّ مذعورة إلى الوراء بسرعة البرق ، وكأنها تهرب خائفة من وحش كاسر .
ولاح جبل من بعيد ، يكاد يسد الأفق ، والثلوج الناصعة البياض ، تكلل هامته العالية ، وتزينه الغابات الخضراء ، التي تمتد حتى القمة .
وإذ راح الجبل ، المكللة قمته بالثلوج ، يقترب شيئاً فشيئاً ، وبسرعة خارقة ، مال دروفا على الوعل قليلاً ، وقال : يبدو أننا اقتربنا من مسكن الحكيم نارادا .
فردّ الوعل ، وهو ينحدر نحو الأسفل : نعم ، يا مولاي ، وستمثل بين يديه بعد قليل .
وبالفعل ، وبعد قليل ، حام الوعل مرتين ، فوق كهف منعزل ، يكاد يختفي بين الأشجار العملاقة ، وسرعان ما حطّ قرب مدخل الكهف ، وقال : مولاي ، هذا هو مسكن الحكيم نارادا .
وهبط دروفا عن ظهر الوعل ، وتوقف أمام مدخل الكهف ، فقال الوعل : أدخل ، يا مولاي ، الحكيم نارادا ينتظرك .
ونظر دروفا إلى الوعل ، ثم استدار ، ومضى متردداّ إلى داخل الكهف ، ورغم العتمة الشفافة ، رأى رجلاً نحيلاً ، ذا لحية طويلة بيضاء كالثلج ، فحياه قائلاً : طاب صباحك ، يا مولاي .
وابتسم الحكيم ، وقال : أهلاً ومرحباً ، عرفت أنك ستأتي ، وقد جئت في الوقت المناسب .
ونظر دروفا إليه مندهشاً ، وقال : يبدو أنك تعرفني ، يا مولاي .
وردّ الحكيم قائلاً : وأعرف كلّ شيء عنك .
وقال دروفا : مادمت تعرف كلّ شيء ، يا مولاي ، لابد أنك تعرف إذن لماذا جئت .
وهزّ الحكيم نارادا رأسه ، فقال دروفا : إنني بحاجة إلى البطل نارانا ، وقالوا إنك تعرفه .
فقال الحكيم نارادا : كما أعرفك .
وقال دروفا : لن أحرر أمي الملكة ، وأسترد العرش ، إلا بوقوفه إلى جانبي .
فقال الحكيم نارانا : هذا صحيح .
وتساءل دروفا : أين هو ؟
وابتسم الحكيم نارانا ، دون أن يردّ ، فقال دروفا : أريد أن أراه ، وأتعرف ..
وقاطعه الحكيم نارانا قائلاً : كما أعرفه أنا ، كذلك أنت .. تعرفه .
وتساءل دروفا : أين هو ؟
فردّ الحكيم نارادا : إنه يقف أمامي .
وفغر دروفا فاه على سعته مندهشاً ، ثم قال : مولاي ، هل تعني .. ؟
فابتسم الحكيم ، وقال : نعم ، نارانا هو أنت .
ولاذ دروفا بالصمت ، فقدم له الحكيم ناراداسيفاً براقاً ، وقال : خذا هذا السيف ، يا دروفا ، وقد لا تحتاجه ، فالحق إذا انتصر بدون سيف ، كان أفضل .
وأخذ دروفا السيف ، وراح يتأمله مذهولاً ، فقال الحكيم نارادا : اذهب إلى أمك الملكة ، وعرش آبائك وأجدادك ، وستراهما ، وبسهولة ، بين يديك .












" 10 "
ــــــــــــــــــ

كما طار الوعل الجبلي بدروفا ، وأخذه إلى الحكيم نارادا ، فإنه طار به ثانية ، منطلقاً به هذه المرة ، إلى القصر الملكي في المدينة .
وطوال الطريق ، راح يفكر في ما قالته سويني عن أمه الملكة ، وكيف أنها اضطرت إلى إبعاده عنها ، خوفاً من قائد الجند .
لكنه في الوقت نفسه ، كان يراجع ما قاله الحكيم ، وخاصة بعد أن قدم له السيف ، وقال له : بنيّ قد لا تحتاج إلى السيف ، فالحق إذا انتصر بدون سيف ، كان أفضل .
وأفاق دروفا على الوعل ، يخاطبه قائلاً : مولاي ، أنظر ، تلك هي المدينة .
ونظر دروفا ، حيث أشار الوعل ، ولاحت له ملامح المدينة ، بيوت ، وحدائق ، ومعابد ، وشوارع تغص بالناس .
وحام الوعل حول وسط المدينة ، ثم بدأ يهبط مقترباً من القصر الملكي ، وهو يقول : سنهبط الآن ، يا مولاي ، في حديقة القصر ، وسأختفي على الفور ، فإذا احتجت لي ، يكفي أن تتمتم باسمي ، فأحضر في الحال .
وهبط الوعل بهدوء في الحديقة ، وما كاد دروفا ينزل عن ظهره ، حتى اختفى تماماً ، وكأن الأرض انشقت ، وابتلعته .
وفي الحال ، أحاط بدروفا ، عدد كبير من الجنود ، وأسلحتهم الماضية مهيأة في أيديهم ، لكنهم ما إن نظروا إليه ، حتى توقفوا هلعين ، وقد جحظت أعينهم ، وسرعان ما استداروا ، ولاذوا بالفرار .
وتناهى إلى الملكة ، جلبة غريبة في القصر ، فغادرت غرفتها لتعرف ما يجري ، فأقبلت عليها إحدى الجواري ، وقالت خائفة : مولاتي ، هبط شاب غريب في الحديقة ، لا أحد يدري من أين ، والسيف في يده .
واتجهت الملكة إلى الحديقة ، وهي تقول للجارية : اذهبي إلى الملك ، وأخبريه بما رأيتِ .
وتوقفت الجارية حائرة ، وقالت : أمر مولاتي .
وخرجت الملكة إلى الحديقة ، ورأت دروفا يقف والسيف في يده ، لكنها بدل أن تتوقف ، وتلوذ بالفرار ، اقتربت منه ، وعيناها لا تفارقان عينيه ، واقترب دروفا منها ، وقال : الملكة !
وهزت الملكة رأسها ، دون أن ترفع عينيها عن عينيه ، فتمتم دروفا : أمي .
وهنا أقبل الملك ، ترافقه فتاة شابة ، وحولهما عدد من الجنود المدججين بالسلاح ، وصاح الملك بدروفا : توقف ، من أنت ؟
والتفت دروفا إليه ، وقد رفع سيفه قليلاً ، متهيئاً للقتال ، وقال : قائد الجند ؟
وتوقف القائد متردداً ، ثم صاح بالجند : اقبضوا عليه ، وخذوه إلى السجن .
وتقدم الجند خطوات ، ثم توقفوا ، وسرعان ما تراجعوا مذعورين ، واقتربت الفتاة من الملكة ، وقالت : ماما ، من هو هذا الشاب ؟
فردت الملكة قائلة : إنه أخوك ، يا بنيتي .
وفغرت الفتاة فاها قائلة : أخي !
وتقدم دروفا من الملك ، والسيف في يده ، وقال : أنت لا تعرفني ، أيها القائد ، لكنك ستعرفني في الحال .
وحدق الملك فيه مرعوباً ، وقال : نارانا !
ورفع دروفا سيفه ، وقال : نعم ، نارانا ، وأنت تعرف أن نهايتك ، ستكون على يدي .
وهمّ دروفا أن يضربه بسيفه ، ويقضي عليه ، لكن الفتاة أسرعت ، ووقفت بينهما ، وهي تقول : توقف ، توقف يا أخي ، إنه أبي .
وتوقف دروفا ، والتفت إلى أمه مستفهماً ، فاقتربت الملكة منه ، وقالت : نعم ، يا بنيّ ، هذه أختك .
واحتضن القائد ابنته ، ثم نظر إلى دروفا ، وقال : لقد حافظت على عرشك ، وأمك الملكة زوجتي ، هي الوصية على العرش ، حتى تعود .
وصمت لحظة ، ثم قال : وها قد عدت ، يا نارانا ، وسأخدمك كما خدمت أباك .. الملك الراحل .
وأرخى دروفا يده بالسيف ، حين تناهى إليه صوت الحكيم نارادا : " الحق إذا انتصر بدون سيف كان أفضل " .
ومدت الملكة يدها ، وأخذت بيد دروفا ، وقالت : هيا إلى الداخل ، يا بنيّ .
فتوقف دروفا ، وقال : عليّ أن أذهب أولاً إلى أمي الثانية سويني ، وأعود بها إلى القصر .
فقالت الملكة : هذا حقّ ، يا بنيّ ، اذهب وسننتظركما ، على أحرّ من الجمر .
وذهب دروفا ، محلقاً على ظهر الوعل ، في رحلته الأخيرة ، ليعود إلى القصر ، بأمه المرضعة ، التي رعته في الغابة أكثر من ستة عشر عاماً .

24 / 3 / 2013








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد


.. تفتح الشباك ترجع 100 سنة لورا?? فيلم قرابين من مشروع رشيد مش




.. 22 فيلم من داخل غزة?? بالفن رشيد مشهراوي وصل الصوت??


.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??




.. فنانة تشكيلية فلسطينية قصفولها المرسم??