الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فضيلة العجرمة

محمود الباتع

2006 / 11 / 7
كتابات ساخرة


(اللهم عجرم نساءنا ... ورجالنا !)

أعرف أنني قد ألاحق قضائياً بسبب هذا، وأن الكثيرين سوف لا يتفقون معي في أن نانسي عجرم مظلومة معنا، فهي تتعرض منا إلى حملات إعلامية شعواء تقودها أيدي خفية لا تريد لهذه الأمة أن تنهض من كبوتها أو تفيق من سباتها إلا على دوي المدافع وهدير الطائرات. إنها المؤامرة الدنيئة لإجهاض الحلم العجرمي ووأده في مهده.

لقد تمادى الهجوم الجائر الذي تتعرض له نانسي عجرم في غلوائه حتى أصبح تياراً جارفاً لا يمكن لأحد أن يقف في وجهه، فلا تكاد تفتح مجلة أو جريدة إلا وتجدها تتناول أخبارها بغمزٍ ولمزٍ، إن لم يكن سباباً وشتائم تتطاول على مقام الست نانسي (لا أعرف حتى الآن إن كانت آنسة أو سيدة).

شأنها شأن كل عظماء الدنيا، تترفع نانسي عن الإنزلاق إلى منزلق المهاترات التي يراد لها أن تنجر إليها، وتتحمل في سبيل رسالتها السامية، كل الإساءات بصبر لا يتقنه ولا يقدر عليه إلا العظماء، فتراها تقف شامخة كشجرة الكنار، تتلقى الحجر تلو الحجر بأناة وسعة صدر لترد على كل الحاقدين من قاذفي الحجارة بإمطارهم وبسخاء، بأطيب حبات الكنار اللذيذ، في أمثولة نادرة للتضحية والإيثار قل نظيرهما في التاريخ وكذلك الجغرافيا.

لا أخفي عليكم، فقد قررت أن أسبح ضد التيار، فأنا بكل صراحة .. أحب نانسي عجرم. قد لا يعجب هذا الموقف كثيراً من الرجال، ليس بداعي الغيرة على الأخلاق كما يزعمون، ولكن بدافع الغيرة مني شخصياً، لأنهم جميعا يعشقونها في السر، ويتطاولون عليها افتراءاً ولعناً في العلن. كلهم منافقين وجميعهم يخافون من زوجاتهم خوف السائق المستعجل من كاميرات الرادار. أما أنا فأعلنها مدوية ولن ألوي على شيء، نعم أنا أحبها ..! ليس بطولة مني لا سمح الله، حاشا وكلا، ولكن لأن حرمي المصون والحمد لله مثلي .. تحب نانسي، بل ربما لم نتفق أنا وإياها على شيء في حياتنا إتفاقنا على حب أم العجارم، و محشي ورق العنب ...
ا
لحقيقة أن حبي لنانسي حب موضوعي، وليس حباً انفعالياً عاطفياً كما هو شأننا نحن العرب. نعم حب موضوعي ذو حيثيات براغماتية، فأنا أدرك بكامل اليقين أن نانسي عجرم صاحبة مشروع حضاري متكامل لا يتجزأ ( باكج يعني) يهدف إلى الرقي بالأمة العربية إلى مصاف الأمم المزدهرة، وتتحمل في سبيل هذا الهدف كل الحملات الموتورة ضدها. وسأحاول هنا أن أوجز أهم حيثيات هذا المشروع.

تعتمد نانسي في أدبيات مشروعها هذا، تلك اللغة الشعبية الراقية، والتي يفهمها العرب أكثر من غيرهم، ألا وهي لغة الجسد، بعد أن أخفقت لغة الكلام في التعبير عن طموحات الأمة. وهي بذلك تكون قد أقدمت بجرأة على ما كنا وما زلنا نهفو إليه، ولم يقدر أحد على تحقيقه حتى الآن، ألا وهو تجديد لغة الخطاب الجماهيري، واستبدال اللغة الإعلامية المملة التي سئمنا نبرتها الخطابية المحنطة من أيام زياد ابن أبيه حتى اليوم. وهذا أول إنجازات المشروع العجرمي الطموح.

لا يقف المشروع العجرمي عند هذا الحد، بل يتعداه إلى طرح جملة من الأفكار التنويرية العظيمة، والتي تهدف إلى إعادة بناء الشخصية العربية على أسس سليمة ثابتة. أنظر مثلاً إلى رائعتها الخالدة "أخاصمك آه .. أسيبك لا" ، أليست هذه دعوة صريحة إلى إرساء ثقافة الحوار والديمقراطية وقبول الرأي الآخر؟ بالتأكيد إنها دعوة غير ملتبسة إلى ممارسة آداب الاختلاف، وذلك من خلال عبارة "أسيبك لأ" ، هذه العبارة الجامعة التي مؤداها التمسك بالآخر، وأن هذا الآخر هو منا وفينا مهما كان الاختلاف والزعل. أنهى هذا الابتكار العجرمي الفذ ما تعارفنا عليه وارتضيناه منهجاً لحياتنا وهو ثقافة الحرد، والانكفاء إلى الوراء مكتفين أيدينا، ضاربين جباهنا بسقف الغرفة ولسان حالنا يقول "أنا مخاصمك" .

لقد ابيضت صبغة كونداليزا رايس وهي تحاول تعليمنا أصول الديمقراطية دون إحراز نجاح يذكر، فهل تنجح نانسي في ذلك، أنا شخصياً لا أشك لحظة في ذلك، خصوصاً إذا تم تطبيق خطة نانسي بالكامل، والاستفادة من إخفاق تجربة خطة خريطة الطريق المريرة. وأعتذر من نانسي بشدة عن سوء التشبيه بالست كوندي، فهذه مجرد مقاربة لغوية لا غير، لزوم إيضاح الصورة وليس أكثر.

من منا يستطيع أن ينسى تلك السيمفونية الرائعة والتي تقول افتتاحيتها المجيدة " مفيش حاجة تيجي كدة ..." . أنظروا إلى بلاغة التعبير وإلى نبل الهدف. إنها رسالة واضحة توجهها نانسي إلى جماهير الأمة وخصوصاً الشباب منها، تدعوهم فيها إلى المثابرة والإصرار والعمل الدؤوب من أجل بلوغ الأهداف المنشودة بنجاح. إنها رسالة تربوية سامية تقوم فيها نانسي بتحفيز الشباب إلى النهوض بمسئوليته تجاه المجتمع والمساهمة الجادة في البناء، بدلاً من التسكع في المجمعات والاستعراض بالسيارات الفارهة المشتراة بالتقسيط على عشرين سنة، بقيمة قسط يعادل الراتب الشهري أو يزيد، وبدلاً عن استعراض النفخة الكاذبة باقتناء أحدث وأغلى الموبايلات التي تكون خاوية الرصيد غالباً، في انتظار آخر الشهر لإعادة التعبئة.

أنظر إليها وهي تهمس في أذن الشباب ناصحةً " إزعل نص نص .." ولكم أن تستنتجوا ما لهذه الدعوة الصادقة من إسقاطات واقعية تفتح الباب بجميع مصاريعه أمام التحكم بالانفعالات الطائشة والغضب اللامتناهي الذي يحلو لنا أن نطلق له العنان كيفما شاء ليجعلنا في النهاية مسخرة تنتهي بنا إلى التهزيء أمام خلق الله. أليس الغضب الإنفعالي هو ما جعلنا على الدوام ننتهي لأن نرجع في كلامنا ونلحس مواقفنا لأننا لم نحسبها كما يجب منذ البداية؟ لو كنا نعرف أن نزعل "نص نص" كما تريد نانسي، لأمكننا دراسة الموقف واتخاذ ما يلزم بشكل مناسب. إن الغضب الغير مدروس كان الوبال الأكبر علينا منذ أن اتخذناه منهجاً على طريقة "ويلك يللي تعادينا .. يا ويلك ويل".

يتواصل الإبداع العجرمي ليتحفنا بأكثر هذه الروائع نبلاً و سموّا، ألا وهي رائعتها الأخيرة "أطبطب، أدلع .." ، والتي تعد أكثر النظريات العجرمية أهمية من حيث العمق والتأثير، حيث تهدف فيها ضمن ما تهدف، إلى ترسيخ تماسك واستقرار الأسرة العربية، وذلك من خلال تشجيع المرأة العربية على الاهتمام بزوجها، وإحاطته بالطبطبة والتدليع وعدم الانشغال عنه بأحاديث التليفون أو بجلسات النميمة مع الجارات، حتى لا يلوف على غيرها، أو يطفش منها في كل مناسبة إلى سفرة عمل إلى بانكوك أو رحلة علاج في شرق أوروبا. لقد وعت نانسي أهمية الدور الذي تلعبه المرأة العربية في لم شمل الأسرة، وتدعيم الاستقرار الاجتماعي والأسري، والذي نعول عليه كثيراً في مشروع النهضة العربية المرتقب بعد عمرٍ طويل.

لقد أسهمت نانسي عجرم إسهاماً لافتاً في جمع شمل العائلة وصولاً إلى تجسيد آمال الأمة العربية، ورص صفوفها خلف مسيرة إبداعها الراقي، ويكفيها فخراً أنها شفت الكثيرين من حمى الريموت كنترول، حسمت خياراتهم، وأراحتهم من التسكع على غير هدى بين الفضائيات. فإذا كان قدماء المصريين يفخرون بالملك مينا موحد القطرين، فإن من حق الأمة العربية أن تباهي الدنيا بنانسي موحدة الاثنين وعشرين قطراً.

أرأيت عزيزي القارئ كيف أننا ظلمنا ولا نزال نظلم نانسي عجرم، وكيف أنها عانت منا الكثير من الإجحاف، وكيف أنها تستحق منا الكثير من إعادة الإعتبار؟ أقترح في هذا الصدد إلغاء جائزة نوبل للسلام التي فقدت معناها وأفرغت من مضمونها بعد حصول عدد من المجرمين عليها وأولهم المرحوم مناحم بيجن الذي استلمها وأيديه لا زالت تقطر من دماء الفلسطينيين في دير ياسين، وأيضاً بعد أن أفرغت كلمة السلام من مضمونها منذ أن اعتبر امبراطور الدنيا جلالة جورج بوش الثاني أن أخونا شارون رجل سلام.

من هذا المنطلق أقترح استحداث جائزة نوبل للعجرمة بدلاً عنها. كما أقترح منحها ولمدة عشر سنوات قادمة على التوالي إلى نانسي عجرم، وذلك على سبيل الإعتذار ورد الإعتبار.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرحة للأطفال.. مبادرة شاب فلسطيني لعمل سينما في رفح


.. دياب في ندوة اليوم السابع :دوري في فيلم السرب من أكثر الشخص




.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع