الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التجديد في رواية قطعة من السماء هيا عماد

رائد الحواري

2023 / 8 / 17
الادب والفن


رواية قطعة من السماء هيا عماد
العمل الأدبي الجيد هو الذي يمتع القارئ، فالمتعة أحد أهم عناصر نجاح الكتاب، وبما أننا نتحدث عن كتاب فلسطيني فهذا يضيف ميزة أخرى، فتألق أي كاتب/ة أديبا يحسب لفلسطين كما يحسب للكاتب/ة، اللافت في هذه الرواية أنها جمعت بين الشكل المعاصر والتراثي معا، وقد انعكس ذلك على أسماء الشخصيات وعلى لغة السرد، فيجد المتلقي لغة تراثية وأخرى معاصرة، كما أن استخدام الساردة اللهجة المحكية جعل الرواية قريبة من القارئ الذي وجدها تتحدث بلغته، وإذا أضفنا وجود مقاطع شعرية أمكننا القول إننا أمام عمل جديد على مستوى الشكل واللغة.
كما أن تقسيم الرواية إلى حكايات وقصص تتماثل مع "ألف ليلة وليلة" ومع نهاياتها السعيدة منح الرواية بعدا جماليا وسهل على المتلقي تناولها، وبما أن الساردة انحازت للمرأة التي جعلتها حاضرة من بداية الرواية حتى نهايتها، وأعطتها دورا إيجابيا على النقيض من الرجل الذي قدم في بعض المواضع بصورة سلبية، جعلها رواية المرأة بامتياز، ويضاف إلى هذا حضور نابلس كمكان مركزي حيث تناولتها بتفاصليها الدقيقة، جعلها تتماثل مع (وثيقة) جغرافية للمدينة، من هنا يمكننا القول إن الجمالية الأدبية والفنية تتآلف مع جمالية الفكرة، المضمون الذي تحمله الرواية.
قوة المرأة
سنحاول التوقف عند بعض تفاصيل الرواية ونبدأ من المرأة التي جاءت بصورة قوية وقادرة على تحاوز الظروف الصعبة فأثبات إرادتها وحقق ذاتها، هناك مجموعة كبيرة من النساء تم تقديمهن بصورة إيجابية "دواء القلوب" التي رفضت أن تعمل في قصر الملك، مفضلة البقاء في القرية لخدمة الناس هناك: "عذرا أيها الملك، العالم خارج القصر يحتاجني أكثر، أشكرك لكن طلبك أصعب من أن أفكر به مرتين" ص86، بهذا المنطق والقوة كانت "دوا ء القلوب" وبعد أن أستخدم الملك معها القسوة من حبس وجلد لترضخ له إلا أن ردها كان أقوى من السابق: "أفضل الموت على أن أترك الناس تموت هكذا" ص88، هذه واحدة من مجموعة كبيرة قدمن بهذه الصلابة والقوة، لهذا نجدها تنتصر على الملك، حتى أنها تجعله يغير مواقفه وينتقد نفسه وما أقدم عليه من قسوة بحقها.
إذا كانت "دواء القلوب" شخصية قادمة من التراث فهناك شخصية "سهام" المعاصرة التي تعاملت مع زوجها العميل من منظور وطني بعيدا عن كونه زوجها وأب أولادها" لا وجود له بيننا بعد الآن، فهو عميل إسرائيلي، لا أدري ما مصري أبنائي" ص162، بهذا الشكل تم تقديم بقية نساء الرواية، فغالبيتهن جئن قويات، قادرات على تجاوز المحن والشدائد.
وإذا علمنا أن المرأة تتعرض لقمعين معا، قمع الاحتلال، وقمع المجتمع الذي قدمته بهذه الصورة: "في مجتمعي تتعرض الفتاة للضغط من عائلتها في نواحي عديدة كملابسها وصديقاتها وزيارتها، وحتى داخل البيت تسلب ابسط حقوقها، مع الأيام يصبح البيت بلا متنفس، أكسجينه مزعج، فتختار الفتاة الزواج لتخرج من كل هذا الاختناق، ولا تدري أنها ذاهبة إلى الضفة الأخرى لتغرق من السيل" ص118، هذا هو واقع المرأة في المجتمعات العربية، فهي تتعرض لأكثر من قمع، أكثر من ضغط، حتى أسرتها تكون عليها وليست معها، من هنا عندما تتجاوز واقعها وتحقق ذاتها فهذا يعد انتصارا مزدوجا لها.
ضعف الرجل
في المقابل جاء الرجل بصورة يغلب عليها السلبية، فهناك أكثر من رجل جاءوا ضعاف ينساقون وراء الشهوات أو يخضعون أمام الضغوطات، يتحدث "إلياء" عن ضعفه: "لن أذهب خلف النساء بعد اليوم، ولن أحتسي الخمر، ساترك السجائر اللعينة ولن أستمع إلى الأغاني العبرية...غريزتي الذكورية تقتلني" ص14، بهذا الأفعال يكون الذكر مطلق السلبية، فهو يخضع لغريزته ولشهوته حتى لو قادته إلى الخراب الشخصي والمجتمعي.
ونجد "سامي" ابن المدينة يخضع لقرار أهله بعدم موافقتهم على الزواج من ابنة المخيم "بشرى" فيتركها تحت الضغط الأسرى.
المكان
تتناول الرواية المكان في أكثر من موضع، حيث تتناول مدينة نابلس بحاراتها ودكاكينها ومكتبتها وجبليها "عيبال وجرزيم" سنتقف عند هذا المشهد لما فيه من تفاصيل: "صانع الكنافة وجه بشوش شاربه أبيض، يرتدي قبعة بيضاء، ...في طريقنا إلى باب الساحة، جدران الحارات القديمة تختزن رائحة مطاحن القهوة، والخبز بأنواعه، والأدوات التراثية، الصابون، والتطريز، الكتب القديمة، ...مررنا بحمام الشفاء التركي، على يسارنا مسجد البيك بقبته الخضراء وعلى يميننا صبانة النابلسي" ص116، مثل هذه الدقة في الوصف يصل القارئ إلى أن الساردة تعرف المكان حق المعرفة، لهذا تناولته ليس كمان مجرد بل كمكان يضج بالحياة والحركة، وما حديثها عن بائع الكنافة في محل حلويات الأقصى إلا تأكيدا تللك المعرفة.
الطرح الإنساني
الأديب التقدمي/الوطني/القومي يعمل على رفع مكان الوعي عند المتلقين، فلا يكتفي بالحديث عن الواقع، بل يطرح ما يجب أن يكون عليه المجتمع السليم، من هنا نجد الرواية تتحدث عن رؤيتها للمجتمع المدني الذي يتعامل بروح إنسانية اجتماعية بعيدا عن التحجر والانغلاق، تقول "دواء القلوب" عن خدمة المرضى: "نترك الديانات والأعراق والطبقات الاجتماعية عندما تغرف أن هناك إنسانا يتألم" ص86، بهذه الإنسانية تعاملت الطبيبة مع المرضى، بصرف النظر عن دينهم أو مكانتهم الاجتماعية.
وعن الحب نجد هذا المقطع:
"عن الحب الذي هزم الأديان
والأيام
وبحثك عن القرآن والتوراة
وحقيقة بوذا
وكنت أنا لا ديني" ص115، إذن، الحب يتجاوز الأديان والمعتقدات، وعلى المجتمع أن يفتح الأبواب المغلقة أمام الشباب ليؤسسوا مجتمعا مدنيا متحررا من عقدة الأديان والملل، بعيدا عما يعيق هذه العلاقة.
الحكم
بما أن الرواية جاءت بلغة تراثية، وهذا يقودنا إلى وجود حكم وأقول بليغة، فعند الساردة ما تريد إيصاله لنا: "عامل الناس كما تحب أن تُعامل" ص62، وإن لم نحترق فمن سينير الطريق" ص72، عندما نحب لا نشعر بقيمة الخسائر التي نقدمها" ص74، "الذين بلا أقدام حين يستمعون إلى الموسيقى يصيرون بأجنحة" ص89، "سلاح الكاتب قلمه، يصارع فيه ضد الشر" ص96، الصداقة المزيفة والطير المهاجر، مصيرهما الرحيل حينما يسوء الجو" ص100، "الذين يسكنون ذاكرتنا منذ الطفولة لا يموتون" ص103، "لم يعد الفراق مخيفا يوم صار اللقاء موجعا" ص131، هذا الحكم والأقوال تشير إلى أن الساردة وضعت خلاصة تجربها في الرواية، وما الاختزال والتكثيف الذي جاءت به إلا تأكيدا أنها كانت حريصة على تقديم هذه الحكم بهذا الشكل وضمن الأحداث الروائية ومن خلال شخصياتها، مما جعلها ترسخ في ذهن المتلقي الذي وصلته فكرتها بطريقة أدبية وغير مباشرة، من هنا يتقبلها ويأخذ بها.
لغة السرد
هناك أكثر من لغة في الرواية منها اللغة التراثية كما هو الحال في هذا المقطع: "بلغني أيها الملك أن فتاة فقيرة تدعي "ساندي" يتيمة، شعرها أحمر ماثل للبرتقالي، تبلغ من العمر ستة عشر عاما، في غينيها لمعة من نار، تعمل في متجر للحلويات في تلك المدينة الواسعة التي تقطنها" ص102، نلاحظ وجود تفاصيل عن الفتاة وهذا يتماثل مع الحكايات الشعبية والتراثية التي تهتم بهذا الجانب من الشخصية، كما وجود "ابلغني أيها لملك" تأخذ القارئ إلى لغة ألف ليلة وليلة.
أما اللغة المعاصرة فنجدها في هذا المقطع: "وجدت نفسي الضائعة بين أسطر الكتب، تتسلق براعم الكلمات، هذا المكان سلطاني الوحيد الذي سيصلني إلى ضالتي" ص36، هذه لغة أدبية حديثة ومعاصرة، تجعل القارئ (واقعي) يعيش لغة أدب اليوم وما فيه من تعابير أدبية.
أما اللغة المحكية: "الزواج مش قطار ولا حكر ولا غيره، كل إلي تزوجوا لهاي الأسباب ظلموا شركائهم بطريقة مقرفة وتحت حجج واهية، بكفي إنك لما تضل عزابي ما راح تظلم حد ولا راح تترك ولادك للشارع" ص165، ما يحسب للغة محكية أنها تجعل المتلقي يتقرب من الرواية، ويشعر أن شخصياتها قريبة منه، فهي تتحدث لغته هو وليس لغة أخرى، وبما أنها جاءت ضمن نسق روائي بعيدا عن الحشو أو الإقحام، فهذا منح الرواية جمالية لغوية، بحيث يجد القارئ كل ما يعرفه من لغات أدبية.
صوت الأنثى
بما أن الساردة أنثى فقد وجدناها تنحاز للنساء، وأيضا وجدنا لغتها بين الأسطر، فهناك أكثر من موضع جاء يتحدث بصوتها: "كل ما لم يقله الناس قالته الغيمات، وجاءت الحروف على هيئة ندى، كنت بحاجة إلى المطر هذا اليوم" ص10، نلاحظ أن المؤنث/الغيمات تتحدث نيابة عن المذكر/الناس، ونجد صوت الأرض/الأنثى وحاجتها للمطر/ للماء.
"حبك نزل على وادي قلبي ماطرا، فتحول إلى جزيرة خضراء" ص58، الأنثى حاضرة من خلال "ماطرا، خضراء" وهذا له علاقة بخصبها وحملها بكائن جديد.
"أيتها الصباحات الماطرة تعالي: أعدك لن أحمل مظلة" ص97، في هذا المقطع نجد (انفتاح) الأنثى ورغباتها بالمطر وحاجتها له.
لغز الرواية
تتحدث الساردة عن لغز يكمن في الكلمات بقولها: "كان يكتب الكلمات بطريقة معاكسة من نهاية الكلمة إلى بدايتها، ثم يأتي بمرآة ويضعها مقابل الورقة قريبة من الزاوية ويقرأ الكتابة الصحيحة" ص71، هذه الفكرة تم تحليليها وكشفها في آخر الرواية من خلال هذا المقطع:
"(ك ن ش ع و أ ق ل ا ق ا ل
8ـ7ـ9ـ6ـ 10ـ 3ـ4ـ1ـ2ـ11ـ12ـ5" بترتيب الحروف حسب الأرقام تصاعديا من 1ـ12 (لا أقل عنك شوقا)" ص167، وهذا جعل الرواية مترابطة ومحكمة الحبكة، فالساردة لم تضع فقرة أو تناولت حدثا إلا وتابعه وعالجته روائيا.
الرواية من منشورات دار الإلام للنشر والتوزيع، نابلس، فلسطين، الطبعة الأولى 2022.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد فوز فيلمها بمهرجان مالمو المخرجة شيرين مجدي دياب صعوبة ع


.. كلمة أخيرة - لقاء خاص مع الفنانة دينا الشربيني وحوار عن مشو




.. كلمة أخيرة - كواليس مشهد رقص دينا الشربيني في مسلسل كامل الع


.. دينا الشربيني: السينما دلوقتي مش بتكتب للنساء.. بيكون عندنا




.. كلمة أخيرة - سلمى أبو ضيف ومنى زكي.. شوف دينا الشربيني بتحب