الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


«من دهْنو سقّيلو..» مهزلة زيادة الرواتب: باقية وتستمر

ضيا اسكندر

2023 / 8 / 17
الادارة و الاقتصاد


لا أظنّ أن هناك شعباً في الدنيا له تجارب مريرة مع زيادة الرواتب والأجور، كالشعب السوري الذي أصبح كالغريق الذي يتعلق بقشة تنتشله من هذا الواقع المزري الذي يعيشه.
فقد أصدر رئيس النظام السوري بشار الأسد مرسومين تشريعيين رقم 11 و12 يقضيان بإضافة نسبة 100 بالمائة إلى الرواتب والأجور المقطوعة لكل من العاملين المدنيين والعسكريين والمتقاعدين. حيث أصبح الحد الأدنى للراتب (185,940) ليرة سورية، في الوقت الذي يحتاج فيه المواطن ليعيش في الحد الأدنى من الكرامة الإنسانية مليون ليرة للفرد الواحد. وهذا ما نصّت عليه المادة 40 من الدستور السوري لعام 2012 على أن: «لكل عامل أجر عادل حسب نوعية العمل ومردوده، على ألّا يقل عن الحد الأدنى للأجور الذي يضمن متطلبات الحياة المعيشية وتغيُرها». أي أن المرسومين الآنفَي الذكر يخالفان ما نصّ عليه الدستور.

مشكلة الرواتب والأجور مزمنة في سوريا
إن مشكلة رواتب القطاع العام بشقّيه المدني والعسكري ذات جذور تاريخية ممتدة لنصف قرن من الزمن، ففي عهد حافظ الأسد، كان موظفو القطاع العام يعانون لسنوات طويلة من تردّي قيمة رواتبهم نتيجة السياسات الاقتصادية المتبعة آنذاك، وهو ما استمر لاحقاً في عهد بشار الأسد.
وتاريخياً، فإن زيادة الرواتب تصدر بمراسيم تشريعية عن رأس النظام، منذ عهدي حافظ وبشار الأسد، ولم يسبق أن صدرت هذه الزيادات عن مؤسسات الدولة المعنية بالأمر، كما لم يسبق أن نفعت أي مطالبات أو ضغوط بزيادتها، في ظل غياب أي دور حقيقي لمجلس الشعب أو الأحزاب أو النقابات، منذ السيطرة عليها وتدجينها من قبل حافظ الأسد في ثمانينيات القرن الماضي.

زيادة الرواتب في سوريا لم تكن حقيقية تاريخياً؛ لأن الكتلة النقدية التي كانت تخصص لها، لم تحصل بسبب زيادة الإنتاج.
من المعروف أن زيادة الرواتب في سوريا تحصل تقريباً بمعدّل كل سنتين؛ فقد شهدت الفترة الممتدة ما بين 2000 – 2010، صدور 7 مراسيم تشريعية خاصة بالرواتب.
في المقابل، شهدت الفترة الممتدة ما بين 2011 – 2023 عدداً أكبر من المراسيم التشريعية الخاصة بذلك، إذ أُصدر 14 مرسوماً تشريعياً منذ آذار عام 2011، شمل بعضها زيادات خاصة بالعسكريين فقط.
إلا أن كل تلك الزيادات لم يكن لها أيّ تأثير إيجابي على حياة المواطنين المعيشية، بل زادت الأمور سوءاً وارتفعت معدّلات التضخم إلى درجة غير مسبوقة في تاريخ البلاد وخاصةً في السنوات الأخيرة.
وتأتي الزيادة الأخيرة من خلال ما رُوِّج من أن النفقة الناجمة عن تطبيق هذا المرسوم ستكون من خلال رفع ما تبقّى من الدعم. أي «من دهنو.. سقّيلو»؛ فقد أوضح رئيس حكومة دمشق بالفم الملآن في البرلمان بآخر جلسة له، أن النظام ذاهب لرفع الدعم الحكومي عن المحروقات وتحرير أسعارها، زاعماً أن هذا سيتزامن مع زيادة في الرواتب، متهماً بعض الجهات بأنها تعتاش من الدعم، حيث تسرق أكثر من نصفه بآليات إدارية.

ردود فعل المواطنين الغاضبة
امتلأت صفحات التواصل الافتراضي بالتعليقات المنددة بهذه الزيادة التي لا تغني ولا تسمن من جوع، لأنهم يجدونها ضحكاً على اللحى، إذ إنهم سيأخذون الزيادة على الراتب، ويدفعونها مرة أخرى، فما الفائدة من هذه العملية، خصوصاً مع تغيّر سعر المحروقات كل شهر؟
وكما هو معروف، فإن ارتفاع أسعار الوقود في سورية يترافق مع ارتفاع أسعار كل السلع الأخرى في السوق وارتفاع أجور الخدمات عامة، ما لا تتناسب مع الزيادة في الأجور والرواتب، وفي حالة رفع الدعم سيرتفع سعر كل شيء، مهما كان نوع المادة، وبالتالي سيكون المواطن أمام غلاء عام وليس فقط في المواد التي رُفع عنها الدعم.
ورفع النظام السوري منذ بداية العام الجاري أسعار الوقود، وخاصة البنزين، أكثر من مرة، كان آخرها نهاية تموز الماضي، وهي المرة الخامسة خلال أقل من 8 أشهر. وكانت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك قد رفعت أمس أسعار مادتي البنزين والمازوت لمختلف الفئات لتصبح الأسعار الجديدة في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام: المازوت المدعوم 2000 ل.س (كان 700 ل.س)، البنزين 90 أوكتان (المدعوم) 8000 ل.س (كان سعره 3000 ل.س)، البنزين 95 أوكتان 13500 ل.س (كان سعره 10 آلاف ل.س).

على ماذا يعتمد المواطن السوري في تأمين معيشته؟
يعاني قطاع الرواتب أسوة بباقي القطاعات في البلاد، والأكيد أن الموظفين لا يعتمدون بشكلٍ رئيس على رواتبهم التي لا تكاد تكفي عدة أيام، فهناك من يعتمد الحوالات المالية القادمة من الخارج، أو العمل بوظيفة ثانية في القطاع الخاص، وربما يمتد إلى الاعتماد على مصادر دخل غير مشروعة؛ نتيجة الفساد المالي والرشاوى في الدوائر والمؤسسات الحكومية. أما بالنسبة للعسكريين فعلى الرغم من الزيادات الخاصة بهم، فهناك مصادر أخرى للدخل جميعها غير مشروعة، سواء عبر عمليات التعفيش، أو الإتاوة وفرض الخوّة على المدنيين والسيارات التجارية العابرة على الحواجز.

متى تكون زيادة الرواتب والأجور حقيقية؟
يجمع خبراء الاقتصاد على أن الزيادة الحقيقية التي يمكن أن يشعر بها المواطن بتحسّن في معيشته نتيجة زيادة راتبه، هي عندما تستند على كتلة نقدية من مصادر تمويل حقيقية، وفي الحالة السورية فإن المطارح الحقيقية التي من شأنها أن تزيد الكتلة النقدية المخصصة لزيادة الرواتب يمكن تحصيلها مما يلي:
- محاربة الفساد الكبير والاستيلاء على المنهوبات عبر تنفيذ المبدأ الشهير «من أين لك هذا؟». وتغيير القوانين والتشريعات التي ينشأ عنها الفساد، والتي تُبعد المستثمرين عن المساهمة في العملية الإنتاجية.
- تأميم شركتي الخليوي ورفد خزينة الدولة من وارداتها.
- محاربة الهدر والتهرب الضريبي الذي يستهلك أكثر من 40% من الموازنة العامة للدولة.
- الاهتمام بالزراعة والصناعة وتدوير عجلة الإنتاج ومن ثم التصدير. عبر حلّ أزمة الطاقة من كهرباء ونفط وغاز وما إلى ذلك.
- الحدّ من استيراد السلع الكمالية لتوفير العملة الصعبة، والاقتصار على ما يحتاجه المواطن من مواد أساسية.
- الاستغناء التدريجي عن التعامل بالدولار والاعتماد على الدول الصديقة في التعامل التجاري معها باستخدام العملات الوطنية بدلاً من الدولار.

فهل تقدِم حكومة دمشق على تنفيذ ما ورد أعلاه؟
أعتقد أن الجميع يعرف الإجابة؛ من أن جميع الأزمات التي يعاني منها الشعب السوري مردّها البعد عن الحلّ السياسي للأزمة السورية، وبالتالي بقاء منظومة الحكم الحالية في سدّة السلطة. وأن ألف باء التغيير الجذري الشامل والعميق لكلّ هذه المنظومة تغييراً حقيقياً، يكمن في تنفيذ القرار الأممي (2254)، وإلا فإن الأزمات سوف تستفحل وتزداد معها معاناة المواطنين، الذين بات الفقر يكتسح أكثر من 90% منهم. واضطر الكثير منهم إلى اتخاذ خيارات صعبة للغاية لتغطية نفقاتهم.
أخيراً، إنّ مؤشرات الغضب داخل الشارع السوري تتراكم يوماً بعد يوم، وذلك نتيجة القناعة الواسعة بأنّ من يسيطر على الأمور في سورية هم بالضبط فئة الـ 10% الناهبين، العابرين للطوائف والأديان والقوميات، الذين يركزون كل جهودهم على منع الحل، وعلى تعميق نهب السوريين، وتجريف من تبقّى منهم في سورية.
ولكن، وكما يقول المثل «دوام الحال من المحال»، فالشعب السوري شعبٌ حيّ أبيّ، يستحق الحياة ويستحق ما هو أفضل، ولا يمكن أن يبقى راضخاً لهذه المذلّة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجزائر في المرتبة الثالثة اقتصاديا بأفريقيا.. هل التصنيف يع


.. ما تداعيات قرار وزارة التجارة التركية إيقاف جميع الصادرات وا




.. عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم الجمعة 3-5-2024 بالصاغة


.. بلومبرغ: تركيا تعلق التبادل التجاري مع إسرائيل




.. أبو راقية حقق الذهبية.. وحش مصر اللي حدد مصير المنتخب ?? قده