الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قيامة وطن ، محمد عبد الكريم يوسف

محمد عبد الكريم يوسف
مدرب ومترجم وباحث

(Mohammad Abdul-karem Yousef)

2023 / 8 / 17
كتابات ساخرة


قيامة وطن


عندما يدخل الوطن في كل خلية من خلاياه دوار الحروب يعاني الكثير الكثير من فقدان البوصلة وتدخل قيادة الوطن في دوامة من أين أبتدي وأين أنتهي ومن أتى أولا البيضة أم الدجاجة. ويشعر المواطن أنه مزروب في حظائر الضغط النفسي فلا كهرباء منتظمة ولا ماء منتظم ولا خدمات منتظمة ويبدأ " المزروب" في لعن الظلمة والبحث عن مخارج تقيه شرور نتائج الحرب و ولايلاتها.

لن نشغل بالنا بالضنى والعناء القاهر من بطء الانترنت وتلال النفايات والأرصفة المتهتكة وجحيم الأمبيرات ولهيب أسعار المحروقات وبطر جنون الأسعار وفقدان الدواء بحجة الغلاء وارتفاع اسعار الأخضر الملعون وخطر الدخول للمشافي الخاصة والعامة و غياب الأطباء الاختصاصيين نتيجة التسريب والتثريب والتشريد الممنهج للخبرات وغيمة اليأس المزرقة والتي تحمل في داخلها جنين مستقبل مخيف.

ولن نشغل بالنا أيضا بسماع أخبار الصباح التي تشبه النباح في اسطوانتها المشروخة . يوجعني أن أستمع إلى صوت أخبار المساء التي تشبه النقيق. يؤلمنى اختراع المخترع مما يسمى "الخبير الاقتصادي " والمحلل السياسي" المنتوف كأي فروج يحلم به والمجلوب من هامش دفاتر الأيام. ويثقل كاهلي النائب التائب الذي يدلي بدلوه في أزمة الأزمات وقصة القصص والأيقونة التي نتفرج عليها ونضعها أمامنا نصلي لها بكل طقوس الأرض التوحيدية وغير التوحيدية أن تنفرج بقدرة قادر.

اليوم ، هذا الصباح ، التقيت مع مجموعة أساتذة في الجامعة ، وكنا نناقش تفاصيل أيامنا، قلت لهم أنتم لا تقومون بواجبكم في تعليم طلابنا تعليما جيدا احترافيا . ابتسم أحدهم وقال كيف استنتجت ذلك ؟ ابتسمت وقلت له من المنتجات الموجودة في السوق وفي مراكز صنع القرار.
تقول لي صديقة لي تعيش على بعد مئات الأميال مني : كم أحسدك على هذا الترف الفكري الذي تمتلكه. ليتها تعلم أن حس النكتة ما هو إلا استجابة للأزمات وهناك من يضحك من الفرح ومن يضحك من الألم.

بالأمس جاءني شاعر وقال سأهدي ديوني للأمير. ابتسمت كثيرا وقلت له: كيف يمكن أن تهدي ديوانك للأمير الرجعي. لقد علمونا طول سنين حياتنا الرسمية أن الإمارات والمشيخات والممالك ما هي كنوتات متخلفة لا تمتلك مقومات الحياة. ليتبين لي في زيارتي الأخيرة لهم أنهم قاب قوسين أو أدنى من أعلى درجات التطور والتقدم ، ونحن شعب الله المختار تسكننا الحيرة من واقعنا وعجزنا من مقاربة حكيمة لواقعنا المرير ، ولا زلنا نكرر جدلنا البيزنطي الرجل المناسب في المكان المناسب لنزحلفها لتصبح الشهادة المناسبة في المكان المناسب بغض النظر عن حاملها . صرنا شعبان شعب المعاني وشعب المباني ، شعب المعاني يصفق بكل غباء العالم لقاهرية وشعب المعاني لا يكترث بما يجري حوله يعيش في ثبات عميق ويعاني من الانفصال عن الواقع كمن لم ير ما جرى .

يقال في تقارير الأمم المتحدة أننا مهددون بالعطش والجوع ، ويقززني أننا أميون نجهل القراءة ونستيعن بالتمائم وأبراج رأس السنة لنحل مشاكلنا . مهددون بالعطش وماؤنا يذهب نصفه للبحر. مهددون بالجوع ونحن أغنى دول العالم وأكثر قدرة على الاكتفاء الذاتي . نعين الشهادة المناسبة في المكان المناسب ونحن نمتلك الرجل والمرأة المناسبة لكن لنضعه على الرف أن نجبره على ترك العمل والاستقالة ليستفيد من خبراته غيرنا. ببساطة نحن نحول شعب الله المختار إلى شعب الله المحتار.

يحزنني أن نستجدى الشفقة والاعاشة والاعانة بينما نتغابى عمدا وقصدا عن واقعنا المرير الذي نصنعه بأيدينا . نحن باختصار صناع الفقر والعوز والبؤس . نلعن واقعنا ، نمرخ رؤوسنا وقيمنا بالوحل ، نلعن الظلام دون أن نشعل شمعة ونساهم في قيامة الوطن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاصيل ومواعيد حفلات مهرجان العلمين .. منير وكايروكي وعمر خي


.. «محمد أنور» من عرض فيلم «جوازة توكسيك»: سعيد بالتجربة جدًا




.. فـرنـسـا: لـمـاذا تـغـيـب ثـقـافـة الائتلاف؟ • فرانس 24 / FR


.. الفنانة نجوى فؤاد: -أنا سعيدة جدًا... هذا تكريم عظيم-




.. ستايل توك مع شيرين حمدي - عارضة الأزياء فيفيان عوض بتعمل إيه