الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أنا والشَّيخُ محمَّدُ الغَزالي

علي الجنابي
كاتب

(Ali . El-ganabi)

2023 / 8 / 17
الادب والفن


لَجَّت مَواقعُ التَّواصلِ وثجَّتْ مواضِعُ التَّفاصلِ بتفسيرٍ للدّاعيةِ "محمد الغَزالي"، ذَكَرَ فيهِ معانيَ المفرداتِ {عربيٌّ، عُرْبٌ ،أعرابٌ)} في الإستعمال،
فكانَ أن فهمَ لفظةَ {العربيِّ} أنها {الخلوُّ من النَّقصِ والعيب بالتَّمامِ والكمالِ}، وليسَ العرقَ والنَّسبَ كأعراقِ غيرِه من هندٍ وسندٍ وإفرنجةَ وإسبانٍ ومن برتغال،
ولذلكَ -والكلامُ للغزالي- فقد وصفَ الحقُّ ذو الكبرياء والجلال قرآنَهُ (قُرْآناً عَرَبِيًّا): أي قُرْآناً بتمامٍ وكمال، مثلما وصفَ الحورَ العين (عُرُبًا أَتۡرَابࣰا)أي حوراً تامَّاتٍ كاملاتٍ ومن العيوبِ خوالي ، فلا فكوكَ في فيهنَّ بارزاتٍ عوالي، ولا فيهنَّ عيونٌ جاحظاتٌ ولا عرجٌ فيهنَّ ولا دوالي.
ولا أرى تفسيراً لذا تفسيرٍ متَّكلّفٍ مُتعسفٍ من الغالي مفكّرِنا "الغزالي" إلّا أنَّهُ جاءَ ليمدحَ القرآنَ وليبعدَ عنهُ شُبهةَ ذَمِّ الأعرابِ {الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا} بإستماتةٍ وبإنفعال، فتراهُ يقولُ :"حاشا لله أن يَذمَّ النَّاسَ مِن مُنطلقٍ عرقيٍّ وبمَنطقٍ عنصريٍّ"، وفاتَهُ أنَّهُ قد دَرَأَ شُبهةً صُغرى بشُبهةٍ كُبرى وضِيزى بإختلال، ورُبَّما بإستغفال، وأنّ عيونَ {العربيَّةِ) قد عَمِيَتْ بعدَما إرادَ لها الإكتحال.

ولذلك فليسَ لعَربيٍّ أن يأتيَنا وَارِداً بإشتمالِ، ليسألَ عن معنى (عَربَ يعربُ) أو (شَرِبَ يَشْرَبُ) بإنفعالٍ أو بتَعَسّفٍ وبإيغالِ؟ لأنَّهُ أبداً لن ينالَ جوابَاً عن ذا سؤالِ. ذاكَ أنَّ بناءَ لفظةِ (شَرِبَ) وكذا مَثيلاتِها في سائرِألسنةِ الأمَمِ والأَنْجال، هي آيةٌ من آياتِ اللهِ في اخْتِلَافِ أَلْسِنَتِنَا وَأَلْوَانِنا، وعلامةٌ لقدرةٍ قائمةٍ مدى الدَّهرِ وآيةٌ لهدايةِ الأجيالِ. ولو أنَّ ذا صَنعةٍ بلسانِ قومِنا جدَّ السَّيرَ بجوابٍ عن ذا سؤالِ، فسيكونُ كمَن فسَّرَ الماءَ الزّلالَ بعدَ جهْدٍ جهيدٍ بالماءِ الزّلالِ، ولكنَّ لا حرجَ على ذي الصَّنعةِ إن جالَ وصالَ في مشتقّاتِ (شَرِبَ)، فيقولَ؛ المِشْرَبةُ إناءٌ يُشْرَبُ فيهِ على إستمهالِ، والشَّوارِبُ شُعيراتٌ (سالَتْ) على الفَمِ بأَسدال، ولكن ليسَ لهَ أن يُحَلِّقَ بنا في عنانِ عجاجةٍ على أجنحَةِ فيلٍ من الأفيالِ، فيَتَقَوَّلَ علينا بمَجاجةِ من أقوال، بإنَّ الشّرْبَةَ قِرْبَةٌ والشَواربَ تعني الرجال، وأنَّ من معاني السّلطان الحجَّةَ والبرهانَ بإستعجال، فالسّلطانُ سلطانٌ والحجَّةُ حجَّةٌ والبرهانُ برهانٌ وكلٌّ لفظٍ يتمخترُ في مضارب الضّادِ عن أخيهِ بإستقلال، و(إِنْ عِندَكُم مِّن سُلْطَانٍ بِهَـٰذَا) أي: من برهانٍ مُتسلّطٍ مُبينٍ ومهيمن على ما أنزلَ الكبيرُ المتعال، أم قلوبُكمُ غُلْفٌ أقفِلَت بأقفال.

وبعيداً عمّا رَوَتْ نواميسُ اللسانِ العربيِّ مِن نَثرٍ وشِعرٍ ومن أمثال...
وبعيداً عمّا ما طَوَتْ قراطيسُ مُعْجَمِهُ من تحصيلٍ لمَعانٍ بتَأصيلٍ وإبدَال، في سحرِ بيانٍ نفيسٍ وَحدهُ مَلكهُ ذلكَ اللسانُ في حلٍّ وفي تِرحال، و(كَأَنَّ كَلاَمَ النَّاسِ جُمِّعَ حَوْلَهُ فَأُطْلِقَ فِيْ إِحْسَانِهِ يَتَخَيَّرُ) بإمتثال.
بعيداً عن ناموسٍ وقاموسٍ أقولُ فيما ههُنا بتؤدَةٍ وبلا إستعجال، وبوجيزِ حرفٍ وبلا أزيزٍ في الإسترسال، وبلا تطريزِ مافي المَعاجِمَ من شَرْحٍ لسردٍ نفيسٍ وبسطورٍ طوال، لكيلا أثقِلَ على ضيوفِ ذَرْفيَ بِغَرْفيَ ممَّا حوى نفيسُ التُّراثِ بمِكيالي:
" رغمَ أنَّهُ لا شُبهةَ البتّة لذَمٍّ عرقيٍّ في (الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا)) بل مُحال، فإنَّ محاولةَ الغزاليّ لكنسِ الشُّبهةِ بإستبسال، قد أحالَتهُ لشُّبهةٍ كُبرى إستناداً لفهمِهِ للفظة (العربيِّ) بإفتعال،
شُبهةٌ تَصفُ العَرَبيَّ دونَ سَائرِ الأُممِ بأنهُ هُوَ الجِنْسُ (التَّمامُ والكمَالُ والخَالي مِن النَّقصِ والعَيْبِ) على مدى الأجيال، وهُوَ الخلقُ الكامِلُ قبلَ الإسلامِ وكاملٌ بعدَهُ، وهوَ المعصومُ مِن كلِّ عيبٍ وإختلال، وغيرُ ملزمٍ بآيةِ (تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) في سائرِ الأحوالِ،
ذاكَ أنَّ التَّمامَ والكمالَ في العَربيِّ - وكما فهمَ الغزاليُّ - جِبِلَّةٌ فلا حاجةً لهُ لتَضَرّعٍ وإبتهال، وإذاً فالعَربيُّ خاصةً والعربُ عامةً همُ (شَعْبُ اللهِ المُختارِ) بلا تعجرفٍ ولا إستفحال،
وذلكَ لَعمري عِلمٌ مجٌّ ماتَنَاولَتهُ بلاغَةُ العَرَبِ قَطُّ في شَدوِها بينَ أحضانِ الظِلال، وفهمٌ سمجٌ ماتَداوَلَتهُ فَصاحَةُ الأعرابِ في بَدوٍ حذوَ كثبانِ التِّلال، وإنّما العَرَبُ والأعرابُ هُمُ أهلُ بيانٍ هوَ أصفَى وأوفَى مِن أن تَتَخَطَّفَهُ طُيورُ التَّكَلّفِ بإغتيال، وأحلى وإعلى مِن أن تَتَقَطَّفَهُ بثورُ التَّعسُّفِ بشَذَرٍ مَذَرٍ في إدبارٍ وإقبال. شَذَرٌ مَذَرٌ ما سَلِمَ منهُ مُفَكِّرٌ من مفكّري أمَّتنا المُعاصرينَ بإختزالٍ أو إعتزال.

و [إنَّما جُمْعُ الأعراب أعاريب، وليسَ الأعرابُ جَمعاً لعَرب، وإنَّما العربُ اسم جنس. والنسب إلى الأعراب: أعرابي، وقال سيبويه إنما قيل في النسب إلى الأعراب أعرابي لأنه لا واحد له على هذا المعنى] فتأمَّلْ يا ذا عزٍّ في ذا طويلاً فهيَ المفتاحُ لإستيضاحِ كبوةِ الغزاليّ.
فإن قيلَ لكَ إنَّ {العربيَّ} هو لسانٌ وليسَ عرقاً وهكذا قصدَ فقالَ الشيخُ الغزالي، فعلامَ دفعُ الكلامِ الى تهي ترهاتٍ بجهالةٍ أو بتَعال، فلهُ قلْ؛
"وهلِ اللسانُ إلّا إنسانٌ محمولٌ على قدمينِ بتجوال، فإن كانَ اللسانُ ذا كمالٍ كانَ الإنسانُ منعوتاً بالكمال، وإن كانَ اللسانُ ذا جهالةِ كانَ الإنسانُ موصوفاً بالجهال". ثمَّ إنَ الله جل في علاه قال {لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ ۖ أَفَلَا تَعْقِلُونَ}وهل تذكرنا الأمم إلّا بنعتِ (العربِ)على مدى الأجيال.
وأمّا قيل الغزالي أنَّ (ألفَ التَّعدي الزائدة في كلمةِ الأعراب قد نَقلت المَعنى الى النَّقيضِ كما في قَسَطَ: ظَلَمَ وأقسَطَ: عَدَلَ، وعربَ: تمَّ وخَلا مِنَ العَيبِ، وأَعرَبَ: نَقَصَ وشَملهُ العَيبُ، والأعرابُ جماعةٌ تَتَّصِفُ بصفةِ النَّقصِ في الدَّينِ)، فذاك قيلٌ لا يُرَدُّ عليهِ وأولى تركهُ بإهمال، إذ لن تجدَ صبيّاً عربيّاً ينطقُ مثلما فهمَ الغزالي:" لُعبتيَ كانت {عَربيةً} أنيقةً، لكنَّها قد أعربَتْ وباتَتْ عتيقةً بإبتذال" فذاكَ هو لدى الصبيانِ ضربٌ منَ ضروبِ المُحال.
ثمَّ مالي من خاتمةٍ بعدما خُضتُ فيما ههُنا في قيلٍ وقال، إلّا أن أستَعيرَ نًصحَ الشَّيخِ (أبن باز) في قضيةٍ ما للداعيةِ الغزالي:
( أنْ هذا لو عدَّلتهُ، وهذا لو قلتَ فيهِ، وهذا لو ما قلتَ، وفي هذا بعض المؤاخذة، حتى خرجَ الشَّيخُ الغزاليُّ وهو يقولُ: جئتُكم مِن عندِ رجلٍ من بقيةِ علماء السَّلف) بأتصالٍ بلا إنفصال.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل