الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-الأزمة في النيجر مرتبطة بالصراع من أجل إعادة تقسيم العالم-

مرتضى العبيدي

2023 / 8 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


مقابلة مع عالم الأنثروبولوجيا والمخرج السينمائي والمدافع عن حقوق الإنسان في بوركينا فاسو دراغوس ويدراوغو حول الصراع الإقليمي الذي بدأ مع الانقلاب العسكري في النيجر ويشمل بوركينا فاسو ومالي.
أثار الانقلاب العسكري في النيجر، بخطابه المعادي للغرب وعلى خلفية التلويح بالأعلام الروسية، توترات إقليمية وحتى دولية فجأة. هددت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، بقيادة نيجيريا، أحد حلفاء فرنسا والولايات المتحدة في المنطقة، بالتدخل عسكريا. على الرغم من أن مؤسسات ودول الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لم تعبر عن نية التدخل المباشر، فقد أعلنت أنها تدعم هذا الإجراء. كما قررت دول مثل فرنسا وإيطاليا وإسبانيا إجلاء مواطنيها من النيجر.
كما دعمت حكومات مثل بوركينا فاسو ومالي، التي وصلت إلى السلطة من خلال الانقلابات العسكرية المتتالية، الطغمة النيجيرية بخطاب معاد للإمبريالية الغربية وأعلنت أن أي تدخل سيعتبر "إعلان حرب" عليها. ويجري نقاش في المنطقة ما إذا كان سيناريو ليبي جديد آخذ في الظهور وما إذا كانت مصالح القوى الإمبريالية في إفريقيا ستجر الشعوب إلى حرب إقليمية.
ماذا وراء الانقلاب في النيجر؟ هل هناك احتمال تدخل عسكري أجنبي وحرب إقليمية؟ ما هي علاقات إدارات دول غرب إفريقيا بالمستعمرين القدامى والجدد؟ هل الانقلابات العسكرية الأخيرة "معادية للإمبريالية" حقًا؟
هذا ما ناقشناه مع "دراغوس ويدراوغو"، عالم الأنثروبولوجيا والمخرج السينمائي وعضو حركة حقوق الإنسان في بوركينا فاسو.

ما هو السياق السياسي للانقلاب في النيجر؟ كيف تطوّرت الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في البلاد بعد استقلالها عن فرنسا عام 1960؟ ما هي العوامل التي خلقت الظروف الحالية؟
النيجر بلد استعماري جديد تهيمن عليه الإمبريالية الفرنسية بشكل أساسي. يتم استغلال الموارد المعدنية من قبل الاحتكارات الفرنسية. يتم استخراج اليورانيوم في النيجر من قبل شركة AREVA (الآن أورانو) منذ عام 1963، مما سمح لفرنسا ببناء محطات للطاقة النووية.
بالنسبة للنيجر، لم يجلب هذا الاستغلال المجحف أي فائدة للبلاد. فالعمال يتقاضون أجوراً زهيدة، وتتدهور صحتهم جرّاء ظروف العمل القاسية. والبيئة في منطقة أغاديز ملوثة بالمنتجات السامة ويعاني الكثير من الناس من مرض السرطان.
قبل الانقلاب، كانت النيجر تواجه أزمة عميقة للنظام الإمبريالي، في أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية. عواقبها هي فقر مدقع لسكان المناطق الحضرية والريفية: ارتفاع تكلفة المعيشة، والجوع في العديد من المناطق، والأوبئة، ونقص مياه الشرب لكثير من الناس ... وفي نفس الوقت، تواصل الامبريالية والبرجوازية المحلية نهب ثروات البلاد.
إن عدم الاستقرار هو ما يميز الأزمة السياسية في النيجر. فالفصائل المدنية والعسكرية المختلفة للبرجوازية قاتلت للوصول إلى السلطة والحكم بشكل أساسي لصالح الإمبريالية الفرنسية. تم استخدام الانتخابات والانقلابات العسكرية للاستيلاء على السلطة والسيطرة عليها ضد الطبقة العاملة والشعب والشباب. لكن الشعب يناضل ويطالب بحقوقه الاجتماعية والديمقراطية رغم اضطهاد الحركة الاجتماعية.
بالإضافة إلى ذلك، واجهت النيجر، مثل دول أخرى في منطقة الساحل وغرب إفريقيا، حروبًا وهجمات مسلحة من قبل الجماعات الإرهابية الجهادية لأكثر من عقد من الزمان.

كيف ترى الانقلاب في النيجر، ما هي السياسة والأهداف قصيرة وطويلة المدى؟
الانقلابيون هم الجزء العسكري الرجعي للبرجوازية وليس لديهم خطة لحل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية للشعب. فقائد الانقلاب كان قائدا عاما للحرس الرئاسي لأكثر من عشر سنوات. لكن الانقلاب يبدو وكأنه انقلاب على الإمبريالية الفرنسية لأن الرئيس محمد بازوم كان مقربًا جدًا من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. فالنيجر موقع استراتيجي للدول الإمبريالية الغربية (فرنسا، الولايات المتحدة، ألمانيا، إلخ) التي لديها وحدات عسكرية وقواعد في غرب إفريقيا.
ومع ذلك، فإن الانقلابيين يحاولون الفوز والحصول على الدعم من فصائل الجيش الأخرى. على أية حال، هم يدافعون عن النظام الاستعماري الجديد ولا يمكنهم اتخاذ موقف ضد الهيمنة الإمبريالية في البلاد.

تتتالى الانقلابات العسكرية في دول غرب إفريقيا. ومع ذلك، أعتقد، على سبيل المثال، أن المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا لم تكن أبدًا قاسية ضد حكومة انقلابية. كيف تفسر رد الفعل هذا على الانقلاب في النيجر بما في ذلك التهديد بالتدخل العسكري؟
ردة الفعل على الانقلاب في النيجر وأزمة النظام الإمبريالي والصراع بين القوى الإمبريالية مرتبطة بحروب التقسيم من أجل الهيمنة على العالم. يحتل غرب إفريقيا والنيجر مكانة استراتيجية مهمة في هذا الوضع. عندما اضطرت قوات برخان العسكرية (قوات العملية العسكرية التي شنتها القوات الفرنسية على الأرض للتنظيمات الجهادية في المنطقة) إلى مغادرة مالي، استقرت في النيجر بـ 1500 جندي والكثير من المعدات العسكرية. كما تمتلك الولايات المتحدة قاعدة عسكرية بها طائرات بدون طيار وتعتبر النيجر موقعًا استراتيجيًا في غرب إفريقيا، بينما تمتلك ألمانيا 100 جندي في النيجر. واجهت الإمبريالية الفرنسية العديد من الصعوبات بسبب الرفض الشعبي والتعبئة الجماهيرية ضد وجودها العسكري في إفريقيا. واليوم تحاول الإمبريالية الروسية أن تأخذ مكانها وتقليص نفوذها. وقع الانقلاب في النيجر في بيئة من التناقضات الحادّة بين الدول الإمبريالية.
فيما يتعلق بالتهديد بالتدخل العسكري، أعتقد أنه من الصعب على الإمبريالية الفرنسية أو الولايات المتحدة التدخل بشكل مباشر، حتى لو كان لديهم وحدات عسكرية هناك. يمكنهم استخدام الجيوش الأفريقية ومنظمة دول غرب إفريقيا (الإيكواس)، التي يقودها اليوم رئيس نيجيريا الذين وقرروا خلال اجتماعهم فرض عقوبات اقتصادية على النيجر والتدخل بوحدات عسكرية ضد الانقلابيين. مثل هذا التدخل خطير في عواقبه. يمكن أن تزعزع استقرار دول غرب إفريقيا من خلال حرب إقليمية.

فهل ترى احتمال اندلاع حرب إقليمية في إفريقيا؟
أفريقيا هي نقطة التقاء التناقضات الإمبريالية العالمية. تريد جميع البلدان الإمبريالية أن يكون لها موقع هنا بسبب مواردها المعدنية والزراعية الهائلة. الحروب الرجعية في عدة دول أفريقية (السودان، إثيوبيا، جمهورية الكونغو الديموقراطية، الصومال، بوركينا فاسو، مالي، النيجر ... إلخ) هي تطورات تمثل خطة للسيطرة على هذه الأراضي ونهب الموارد.
في غضون ذلك، هناك حديث أيضًا عن نفوذ روسيا وشركة المرتزقة التابعة لمجموعة فاغنر. وقد اتسمت الانقلابات العسكرية المتتالية في غرب إفريقيا في السنوات الأخيرة بموقف من النفوذ الغربي في هذه الدول.

تناقش وسائل الإعلام شركة Wagner الروسية شبه العسكرية والنفوذ العسكري السياسي لروسيا. شبان يرفعون الأعلام الروسية يظهرون في الشوارع وعلى شاشات التلفزيون. يُزعم أن روسيا تلاعبت بالمظاهرات العامة والمطالبات بالحرية والتحرر الوطني والاجتماعي.
يخرج السكان والشباب إلى الشوارع بسبب الفقر وغلاء المعيشة والبطالة والفساد الحكومي. إنهم يطالبون بالديمقراطية الحقيقية وطرد الجنود الأجانب والعدالة والتقدم الاجتماعي. ربما يكون لدى البعض أوهام بشأن روسيا ويعتقدون أن هذا البلد الإمبريالي يمكن أن يدعم النضالات الثورية للشعوب الأفريقية. لكن يجب على الأحزاب الثورية أن تشرح لهم مبادئ النضال ضد الإمبريالية: لا يمكن للمرء أن يثق في قوة إمبريالية أخرى لمحاربة قوة إمبريالية.

ما هو وضع الحركة العمالية والنقابية والديمقراطية الثورية واليسارية والاشتراكية في المنطقة وتنظيماتها وأشكال نضالها ودعواتها ضد الانقلابات؟
يختلف الوضع من دولة إلى أخرى. توجد نقابات في النيجر لكنها إصلاحية وانتهازية. هناك العديد من المنظمات الديمقراطية، لكن خطوطها السياسية إصلاحية، وفي النيجر يقاتل الناس في الشوارع ويطالبون بالحقوق الديمقراطية والاجتماعية والحرية والتحرير الوطني بروح معادية للإمبريالية. يحتاج هذا الكفاح إلى حزب ماركسي لينيني يقود الحركة الاجتماعية بطريقة ثورية.

من ناحية أخرى، فإن غرب إفريقيا مهددة بوجود وهجمات التنظيمات الجهادية. ما هو الوضع الحالي لهذه المنظمات؟ أين هم من هذه الصورة كاملة؟
استقرت الجماعات الإرهابية الجهادية في بلادنا، مستغلة إخفاقات الدول الاستعمارية الجديدة والأزمات الوطنية وتدمير ليبيا، غير قادرة على حماية أراضي بلادها.
أهدافها الرئيسية هي: في المجال السياسي. الإطاحة بالحكومات وإنشاء الدول الإسلامية. احتلال منطقة الساحل والصحراء بأكملها وتوسيعها إلى البلدان الساحلية حيث توجد بالفعل. ينظمون اعتداءات على مصالح القوى الغربية ومدارسها التي هي رموز ثقافتهم. في المجال الأيديولوجي، إنهم يهدفون إلى الأسلمة القسرية للشعوب. ينظمون هجمات ضد المدارس. في المجال الاقتصادي، هدفهم هو استغلال الموارد الطبيعية، وخاصة الذهب. ويتاجرون بالمخدرات والسجائر والذهب والوقود والأسلحة وما إلى ذلك، ومراقبة الحدود والمعابر والإثراء من ذلك. إنهم يريدون إقامة اقتصاد حرب مافيات بمشاركة البرجوازيين ورجال الأعمال الحثالة والسياسيين عديمي الشرف وبعض السكان المحليين الفاسدين.
أصدرت حكومتا بوركينا فاسو ومالي بيانًا مشتركًا ضد التدخل العسكري الأجنبي في النيجر، بما في ذلك على وسائل التواصل الاجتماعي، وهو الدعم الذي لفت الانتباه تحت الحجة القائلة بأن هاتين الإدارتين مناهضتان للإمبريالية. ما هو رأيك في هذا؟
وصلت حكومتا بوركينا فاسو ومالي إلى السلطة في انقلاب عسكري في عامي 2020 و 2022. فالحكومة العسكرية في مالي مدعومة من قبل الإمبريالية الروسية. لكن الإمبريالية الفرنسية لا تزال لديها العديد من المصالح الاقتصادية في مالي. جميع البنوك فرنسية (BNP Paribas و Crédit Lyonnais و Crédit Agricole)، ويسيطر احتكار Orange على الاتصالات وشبكة الهاتف. كما يخضع القطاع الزراعي (القطن) لسيطرة الشركات الفرنسية. تروّج الحكومة العسكرية خطابًا وطنيا لكنها غير قادرة على تغيير النظام الاستعماري الجديد ... فاحتكارات التعدين في كندا وأستراليا وجنوب إفريقيا، إلخ. تسيطر على قطاعات هامة من الاقتصاد ... وروسيا تتموقع الآن في مناجم الذهب.
في بوركينا فاسو، الإمبريالية الفرنسية هي القوة الإمبريالية الرئيسية التي لا تزال تسيطر على المجالات الاستراتيجية الرئيسية للاقتصاد (الزراعة، البنوك، الأغذية الزراعية، النقل والاتصالات، إلخ.) وتقوم دول إمبريالية أخرى أيضًا بتصدير الذهب والزنك واليورانيوم، إلخ من بوركينا فاسو. تركيا تتدخل لاستغلال المنجنيز والذهب. فقد وقّعت الحكومة العسكرية عقدًا مع شركة تركية لاستخراج المنجنيز والذهب في شمال البلاد.
تبيع الحكومة العسكرية الموارد المعدنية للبلاد للشركات الإمبريالية. في الوقت نفسه، يعاني الناس والشباب من الفقر ويعيشون المجاعة والأوبئة والبطالة وما إلى ذلك.
بالنسبة للحركة الديمقراطية والثورية في بوركينا فاسو، لا يمكن للانقلاب العسكري إحداث تغيير حقيقي لصالح البروليتاريا والشعب. يجب على الحزب الماركسي اللينيني والطبقة العاملة والشعب والشباب النضال من أجل الثورة وتدمير النظام الاستعماري الجديد وتحقيق التحرر الوطني والاجتماعي.
حوار أجرته الصحفية التركية أليف غورغو
ونشر بجريدة "إيفرنسال"، اللسان المركزي لحزب العمل التركي
بتاريخ 08 أوت 2023








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -