الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من أجل ثقافة جماهيرية بديلة 20

عبدالرحيم قروي

2023 / 8 / 18
الارشيف الماركسي


مؤلف "الدولة والثورة" على حلقات

تعاليم الماركسية حول الدولة، ومهمات البروليتاريا في الثورة
فلاديمير إليتش لينين
الحلقة الخامسة

2-حاصل الثورة
في مسألة الدولة التي نحن بصددها لخص ماركس خبرة ثورة سنوات 1848-1851 في كتابه «الثامن عشر من برومير لويس بونابرت» بالعبارات التالية:
«… ولكن الثورة عميقة. إنها ما تزال في رحلة عبر المطهر. إنها تقوم بمهمتها بصورة منهاجية. فحتى الثاني من ديسمبر سنة 1851» (يوم قيام لويس بونابرت بالانقلاب) «أتمت نصف عملها التحضيري، وهي تتم الآن النصف الآخر. في البدء تسير بالسلطة البرلمانية إلى حد الكمال ليصبح بإمكانها اسقاطها. والآن، وقد بلغت ذلك، تسير بالسلطة التنفيذية إلى حد الكمال، تصل بها إلى تعبيرها الصرف، تجعلها في عزلة، تعرضها بنفسها باعتبارها الموضوع الوحيد لكيما تركز ضدها جميع قوى التدمير» (التشديد لنا). «وعندما تتم الثورة هذا النصف الثاني من عملها التحضيري، عندئذ تنهض أوروبا على قدميها وتهتف فرحة: ما أحسن ما تحفر أيها الخلد الهرم!.
هذه السلطة التنفيذية مع منظمتها البيروقراطية والعسكرية الجسيمة، مع آلة دولتها، المعقدة جدا والمصطنعة، مع هذا الجيش من الموظفين من نصف مليون شخص إلى جانب جيش من الجند من نصف مليون أيضا، هذه العضوية الطفيلية المريعة التي تلف كامل جسد المجتمع الفرنسي كأنها الشبكة وتسد عليه جميع المسام، قد نشأت في زمن الملكية المطلقة عند غروب الإقطاعية، هذا الغروب الذي ساعدت هذه العضوية في تعجيله». إن الثورة الفرنسية الأولى قد طورت التمركز، «ولكنها إلى جانب ذلك وسعت نطاق وصلاحيات السلطة الحكومية وضاعفت عدد أعوانها. أمّا نابليون فقد بلغ بآلة الدولة هذه درجة الكمال». والملكية الشرعية وملكية يوليوز «لم تضيفا شيئا جديدا عدا تقسيم للعمل أكبر…
…وأخيرا وجدت الجمهورية البرلمانية نفسها في نضالها ضد الثورة مضطرة إلى أن تقوي، إلى جانب تدابير القمع، أدوات السلطة الحكومية وتمركزها. إن جميع الإنقلابات قد أتقنت هذه الآلة بدلاَ من أن تحطمها» (التشديد لنا). «فالأحزاب التي خلقت بعضها بعضا في النضال من أجل السيادة كانت ترى في الاستيلاء على صرح الدولة الهائل الغنيمة الرئيسية في حال إنتصارها» (كتابه «الثامن عشر من برومير لويس بونابرت»، ص 98 و99، الطبعة الرابعة هامبورغ، سنة 1907).
في هذه المحاكمة الرائعة تخطو الماركسية خطوة كبرى إلى الأمام بالمقارنة مع «البيان الشيوعي». ففي «البيان الشيوعي» قد طرحت مسألة الدولة بصورة مجردة للغاية وبمفاهيم وتعابير عامة جدا. وهنا تطرح المسألة بصورة ملموسة ويستخلص الاستنتاج في منتهى الدقة والوضوح وبصورة حسية عملية تماما: جميع الثورات السابقة اتقنت آلة الدولة في حين ينبغي تحطيمها وتكسيرها.
إن هذا الاستنتاج هو الاستنتاج الرئيسي الأساسي في تعاليم الماركسية عن الدولة. وهذا الأمر الأساسي بالضبط، عدا أنه قد نسي بصورة تامة في الاحزاب الاشتراكية-الديموقراطية الرسمية السائدة، قد شوهه تشويها (كما سنرى فيما يأتي) أبرز النظريين في الأممية الثانية، كاوتسكي.
في «البيان الشيوعي» لخصت دروس التاريخ العامة التي تجعلنا نرى في الدولة هيئة للسيادة الطبقية وتفضي بنا إلى استنتاج لا مندوحة عنه وهو أن البروليتاريا لا تستطيع إسقاط البرجوازية إذا لم تستولي في البدء على السلطة السياسية، إذا لم تحصل على السيادة السياسية، إذا لم تحول الدولة إلى «بروليتاريا منظمة بوصفها طبقة سائدة»، وأن هذه الدولة البروليتارية تبدأ بالاضمحلال فور انتصارها، لأن الدولة لا لزوم لها ولا يمكن أن توجد في مجتمع خال من التناقضات الطبقية. في «البيان الشيوعي» لم تطرح مسألة كيف ينبغي أن تتم –من نظر التطور التاريخي- هذه الاستعاضة عن الدولة البرجوازية بالدولة البروليتارية.
وهذه المسألة بالذات يطرحها ماركس ويحلها في سنة 1852. إن ماركس الأمين لفلسفته المادية الدياليكتيكية يأخذ كأساس الخبرة التاريخية التي أعطتها السنوات العظمى، سنوات ثورة 1848-1851. وتعاليم ماركس هنا، كشأنها أبداً، هي تلخيص للخبرة على ضوء نظرة فلسفية عميقة ومعروفة واسعة للتاريخ.
لقد طرحت مسألة الدولة بصورة ملموسة: كيف نشأت تاريخيا الدولة البرجوازية، آلو الدولة الضرورية لسيادة البرجوازية؟ ماذا طرأ عليها من تغير وتطور في مجرى الثورات البرجوازية وحيال النضالات المستقلة الملازمة للطبقات المظلومة؟ وما هي واجبات البروليتاريا إزاء آلة الدولة هذه؟
إن سلطة الدولة الممركزة الملازمة للمجتمع البرجوازي قد ظهرت في عهد سقوط الحكم المطلق. وثمة مؤسستان تميزان أكثر من غيرهما آلة الدولة هذه، هما الدواوينية والجيش النظامي. وقد تكلم ماركس وإنجلس في مؤلفاتهما مرارا وتكرارا مبينين ألوف الخيوط التي تربط هاتين المؤسستين بالبرجوازية بالضبط. وخبرة كل عامل تشرح هذه الصلة بمنتهى الجلاء والبلاغة. وتتعلم الطبقة العاملة بتجاربها المرة إدراك هذه الصلة، ولذلك تفهم الطبقة العاملة بهذه السهولة وتستوعب بهذا الثبات العلم الذي يبين حتمية هذه الصلة، العلم الذي أما أن ينكره الديموقراطيون صغار البرجوازيون عن جهل أو استهتار وأمّا أنهم يعرفون به «عموماً» باستهتار أكبر ناسين أن يستخلصوا منه الاستنتاجات العملية المناسبة.
الدواوينية والجيش النظامي هما «طفيلي» على جسد المجتمع البرجوازي، طفيلي ولدته التناقضات الداخلية التي تمزق هذا المجتمع، ولكنهما بالضبط ذلك «الطفيلي» الذي «يسد» مسام الحياة. غير أن الانتهازية الكاوتسكية السائدة اليوم في الاشتراكية-الديموقراطية الرسمية تعتبر النظرة إلى الدولة كعضوية طفيلية، خاصة من خصائص الفوضوية على وجه الحصر. وبديهي أن هذا التشويه للماركسية ملائم للغاية لمصالح أولئك التافهين الضيقي الأفق الذين أدوا الاشتراكية إلى حد فضيحة منقطعة النظير وهي تبرير وتجميل الحرب الإمبريالية بتطبيقهم عليها مفهوم «الدفاع عن الوطن»، ولكن هذا هو، على كل حال، تشويه لا شك فيه .
عبر جميع الثورات البرجوازية التي شهدت أوروبا عددا عديدا منها منذ سقوط الاقطاعية، يجري تطوير وإتقان وتوطيد هذا الجهاز الدواويني والعسكري. فالبرجوازية الصغيرة، مثلا، هي التي تنجذب لجانب البرجوازية الكبيرة وتخضع لها لحد كبير عن طريق هذا الجهاز الذي يعطي الفئات العليا من الفلاحين وصغار الحرفيين والتجار وغيرهم مقاعد مريحة وهادئة ومحترمة نسبيا تجعل الجالسين فيها فوق الشعب. أنظروا، مثلا، ما جرى في روسيا في غضون نصف سنة تبعت 27 فبراير سنة 1917: كراسي الدواوين التي كانوا يفضلون إعطاءها فيما مضى لزمرة المائة السود قد غدت غنيمة يتهافت عليها الكاديت والمناشفة والاشتراكيون-الثوريون. لم يفكر هؤلاء في الجوهر بأية إصلاحات جدية، محاولين تأجيلها «حتى الجمعية التأسيسية» وتأجيل الجمعية التأسيسية شيئا فشيئا حتى نهاية الحرب! أمّا في أمر اقتسام الغنيمة، في أمر اشغال مناصب الوزراء ونواب الوزراء والمحافظين والخ. والخ.، فلم يتباطئوا ولم ينتظروا أي جمعية تأسيسية! إن لعبة التراكيب لقوام الحكومة لم تكن في الجوهر غير إفصاح عن اقتسام وإعادة إقتسام «الغنيمة» الجاري من أعلى إلى أسفل، في البلاد من أقصاها إلى أقصاها وفي كامل الجهاز الاداري المركزي والمحلي. والنتيجة، النتيجة الموضوعية لستة أشهر -من 27 فبراير حتى 27 غشت سنة 1917- لا تقبل جدالاً: الاصلاحات قد أجلت وتقاسم مقاعد الدواوين قد جرى و«أخطاء» التقاسم قد أُصلحت بإعادة التقاسم عدة مرات.
ولكن بمقدار ما تتكرر «إعادة تقاسم» الجهاز الدواويني بين مختلف أحزاب البرجوازية والبرجوازية الصغيرة (بين الكاديت والاشتراكيين-الديموقراطيين والمناشفة، إذا ما أخذنا روسيا مثلاً)، يتبين بصورة أوضح للطبقات المظلومة والبروليتاريا في مقدمتها عداء تجد جميع الطبقات المستحكم حيال المجتمع البرجوازي برمته . ومن هنا تجد جميع الأحزاب البرجوازية بما فيها الأكثر ديموقراطية ومنها «الديموقراطية الثورية» نفسها أمام ضرورة تشديد تدابير القمع الموجه ضد البروليتاريا الثورية وتعزيز جهاز القمع، أي آلة الدولة بالذات. ومجرى الأحداث هذا يحمل الثورة على «تركيز جميع قوى التدمير» ضد سلطة الدولة، يحملها على أن تضع أمامها لا مهمة تحسين آلة الدولة، بل مهمة تحطيمها والقضاء عليها.
إن ما دفع إلى طرح المهمة بهذا الشكل ليس المحاكمات المنطقية، بل مجرى الأحداث الواقعي، الخبرة الحية التي أعطتها سنوات 1848-1851. ومما يبين لنا مدى ثبات وقوف ماركس على قاعدة الواقعية من الخبرة التاريخية كونه لم يطرح بعد في سنة 1852 بصورة عملية المسألة التالية: بأي شيء يستعاض عن آلة الدولة هذه التي ينبغي القضاء عليها. ذلك لأن الخبرة لما تعط في ذلك الحين مادة لهذه المسألة التي طرحها التاريخ على بساط البحث فيما بعد، في سنة 1871. في 1852، لم يكن بإمكان المرء أن يقرر على أساس التتبع التاريخي وبدقة العلوم الطبيعية غير واقع أن الثورة البروليتارية قد واجهت مهمة «تركيز جميع قوى التدمير» ضد الدولة، مهمة «تحطيم» آلة الدولة.
رب سائل يسأل عما إذا كان من الصحيح تعميم خبرة وملاحظات واستنتاجات ماركس وتطبيقها على محيط أوسع من تاريخ فرنسا خلال ثلاث سنوات، 1848-1851؟ لتحليل هذه المسألة نذكر في بادئ الأمر بملاحظة لإنجلس، ثم ننتقل إلى بحث الوقائع.
لقد كتب إنجلس في مقدمته للطبعة الثالثة من كتاب «الثامن عشر من برومير»:
«… فرنسا هي البلاد التي سار فيها دائما نضال الطبقات التاريخي، أكثر مما في أية بلاد أخرى، حتى نهايته الفاصلة. وفي فرنسا كانت تتشكل في الخطوط جلية إلى أقصى حد تلك الأشكال السياسية المتغيرة التي كان يتحرك ضمنها هذا النضال الطبقي والتي كانت تتجلى فيها نتائجه. وفرنسا التي كانت مراكز الإقطاعية في القرون الوسطى والتي كانت منذ عهد النهضة البلد النموذجي للمَلَكية الرتيبة المتجانسة، قد حطمت الإقطاعية في الثورة الكبرى وأقامت سيادة البرجوازية صافية صفاء كلاسيكيا لم يعهد في أي بلد من البلدان الأوروبية الأخرى. وفي هذه البلاد يظهر نضال البروليتاريا التي ترفع رأسها، ضد البرجوازية السائدة، بشكل حاد لا تعرفه البلدان الأخرى» (ص 4 من طبعة سنة 1907).
لقد شاخت الملاحظة الأخيرة ما دام ثمة انقطاع قد وقع منذ سنة 1871 في نضال البروليتاريا الفرنسية الثوري، رغم أن هذا الانقطاع، مهما كان طويلا، لا ينفي البتة احتمال أن فرنسا ستبرز في الثورة البروليتارية المقبلة باعتبارها البلد الكلاسيكي لنضال الطبقات حتى نهايته الفاصلة.
ولكن لنلق نظرة عامة على تاريخ البلدان المتقدمة في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.إننا نرى أن العملية نفسها قد جرت بصورة أبطأ وبأشكال أكثر تنوعا وعلى مسرح أوسع جدا: من جهة، عملية تكوّن «السلطة البرلمانية» سواء في البلدان الجمهورية (فرنسا، أمريكا، سويسرا) أو في البلدان الملكية (انكلترا، ألمانيا لحد ما، إيطاليا والبلدان السكاندينافية، الخ.)، ومن الجهة الأخرى، عملية النضال من أجل السلطة بين مختلف أحزاب البرجوازية والبرجوازية الصغيرة التي كانت تقتسم وتعيد اقتسام «غنيمة» المقاعد في الدواوين مع بقاء أسس النظام البرجوازي هي هي، أخيرا، عملية اتقان وتوطيد «السلطة التنفيذية»، جهازها الدواويني والعسكري.
وما من شك في أن تلك هي السمات العامة للتطور الحديث كله للدول الرأسمالية بوجه عام. خلال ثلاث سنوات، 1848-1852، أظهرت فرنسا بشكل سريع وحاد ومركز نفس مجريات التطور الملازم للعالم الرأسمالي بأكمله.
والإمبريالية على الأخص –وهي عصر الرأسمال البنكي، عصر الاحتكارات الرأسمالية العملاقة، عصر صيرورة الرأسمالية الاحتكارية إلى رأسمالية الدولة الاحتكارية- تظهر تعزز «آلة الدولة»لحد خارق واتساع جهازها الدواويني والعسكري اتساعا منقطع النظير من جراء تشديد القمع الموجه ضد البروليتاريا إن في البلدان الملكية أو في البلدان الأوسع حرية، أي البلدان الجمهورية.
إن التاريخ العالمي يدفع الآن دون شك، في نطاق أوسع بما لا يقاس من سنة 1852، إلى «تركيز جميع قوى» الثورة البروليتارية على «تدمير» آلة الدولة.
أما بم تستعيض عنها البروليتاريا فقد أعطت كومونة باريس مادة حافلة بالعبر في هذا الخصوص.
يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تغطية خاصة | الشرطة الفرنسية تعتدي على المتظاهرين الداعمين ل


.. فلسطينيون في غزة يشكرون المتظاهرين في الجامعات الأميركية




.. لقاءات قناة الغد الاشتراكي مع المشاركين في مسيرة الاول من اي


.. بالغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه..شرطة جورجيا تفرّق المتظ




.. الفيديو مجتزأ من سياقه الصحيح.. روبرت دي نيرو بريء من توبيخ