الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حزب العمال الشيوعى المصرى : حقيقية موقف الأخوان المسلمين من حكم السادات

سعيد العليمى

2023 / 8 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


لانتفاض – جريدة حزب العمال الشيوعى المصرى - العدد 18- السبت 8 /9 / 1979- طبعة الخارج
- بقلم/ سميح يوسف
فى الآونة الأخيرة روجت بعض الصحف والقوى العربية لجماعة الاخوان المسلمين في مصر ، وثمنت "معارضتهم" لكامب ديفيد والسادات ( فقد ) وقعت تحركات طلابية دينية في مارس الماضي ( تجلت فى ) حركة اسلامية واسعة ذات طراز ايراني ( تهدف لأن ) تطيح بالسادات . كما روجت بعض هذه الصحف بشكل خاص لضرورة تحالف القوى الوطنية المصرية مع جماعة الاخوان المسلمين ضمن تحالف عريض لمحاصرة واسقاط السادات . وهذه الفكرة ليست بعيدة بدورها عن بعض أوساط اليسار الصرى. ولم يكن هذا الموقف الخاطئ والمشبع بالاوهام مع ذلك مقطوع الصلة عن الهلوسة الخمينية التي غزت عقول بعض الاوساط الوطنية فراحت تبشر بثورات اسلامية في المنطقة ،لا هي شرقية ولا غربية ، بدلا من كشف الجانب الرجعى الواضح للقيادة الايرانية الدينية التى تسطو الان على مكاسب الشعب الايرانى العظيم ، والقوميات المضطهدة وبدلا من اتخاذ موقف ثوري واضح من الثورة المضادة التي ارتدت وجها اسلاميا في افغانستان ضد النظام الديمقراطى الحاكم الذى يعبر بحق عن مصالح الشعب الافغانى .
واذا ضربنا صفحا في هذه الافتتاحية السريعة عن التاريخ الطويل المشبوه لجماعة الأخوان المسلمين وموقفها الرجعى على طول الخط من الحركة الوطنية المصرية قبل عام 1952 ومعارضتها لحركة 23 يوليو من موقع اليمين فاننا سنتوقف أمام موقف هذه ( سطر كامل باهت غير مقروء فى النص ) .........
مواجهتها مصريا وعربيا . ففى سياق الردة الشاملة التى قادها حكم السادات بعد الاطاحة بالجناح الاكثر تشددا من الطبقة الحاكمة وبالاخص بعد حرب اكتوبر 1973 ، فى كافة المجالات فان احد ابرز ملامح الردة الوطنية الشاملة هو احياء الطبقات والقوى الرجعية المحلية باعتبارها السند والركيزة والحليف فى كل التحولات الرجعية التى تقودها السلطة الحاكمة فكان اضاءة الضؤ الاخضر للجثث كي تبعث من قبورها : الوفد وشتى الممثلين التقليديين للبرجوازية التقليدية وكبار الملاك وعملاء المخابرات وعملاء المخابرات المركزية ( كالأخوة امين ) وفك الحراسات ، واستعادة الاملاك المصادرة من بعض الفلاحين وتنشيط القطاع الخاص ، وفتح أوسع المجالات امامه واخيرا وليس آخرا كان اطلاق حرية الحركة لجماعة الاخوان المسلمين وشتى الجماعات الدينية الاسلامية ذات الاهداف الرجعية .
ولم يكن موقف السادات من العفو عن الاخوان المسلمين واخراجهم من المعتقلات موقفا انسانيا كما يدعى دائما نظام الحكم فعلينا ادراك الدور المفيد الذى يمكن ان يلعبه اطلاق يد الجماعة وتحت اشراف السلطة في مواجهة الحركة الوطنية الديمقراطية المتنامية والحركة الشيوعية بصورة خاصة .
وبالفعل ومنذ عام 1972 وحتى الان قامت جماعة الاخوان بدور بالغ الاهمية في حماية النظام وتحولت جمعياتهم العلنية لمعاقل معاداة الشيوعية ، والحركة الوطنية الديمقراطية المعادية لاستسلام السادات وخيانته وقمعه للحريات الديمقراطية الخ . وكانوا الاحتياطى الثابت للسلطة في انتفاضات 1972، 1973 وشكلوا "جبهة " ثابته من المباحث وعملاء البوليس ، ورفضوا جملة وتفصيلا البرنامج الوطنى الديمقراطي للحركة الطلابية . وبعد حرب اكتوبر 73 بعد خفوت الحركة الجماهيرية التلقائية وقيام السلطة بأوسع حملة تأديبية ضد القوى والوطنية والديمقراطية كانت الجماعات الاسلامية ( الاشكال العلنية للاخوان) رجل البوليس الجاهز دائما لقمع اى تحرك وطنى معادى للسلطة باعتباره من اعمال الشيوعيين الكفرة والملاحدة وقاموا بدور الميليشات الفاشية ( بالسلاح الابيض) ضد اى بادرة وطنية وقد اخذ هذا الدور شكل الظاهرة ، بالاخص في الجماعات والمعاهد المصرية باعتبارها بؤرة قوية للمعارضة الوطنية الديمقراطية لنظام الحكم . وبالفعل فقد كافأتهم السلطة باعطائهم المزيد من الشرعية وحرية الحركة فسمحت بظهور مجلة الدعوة ( الشهرية) الناطقة باسم الاخوان المسلمين والتى توزع علانية وعلى أوسع نطاق فى شتى انحاء البلاد عبر اجهزة التوزيع الرسمي ، وسمحت بطباعة وبتداول كل كتبهم ومنشوراتهم بشكل شرعي واطلقت العنان لتنكيل الجماعات الاسلامية في كل مكان خاصة في الجامعات فى حين وجهت اقسي الضربات ومن كل نوع للقوى الديمقراطية والشيوعية بدءا من الإعتقالات والفصل من الجامعات والمصانع والمحاكم العسكرية وتلفيق القضايا وصولا الى التضيق على الكتب والمطبوعات والادبيات العلنية ذات الطابع الوطنى والتقدمي .
وبالفعل لقد قام الاخوان بالدور المطلوب منهم على خير وجه بما يتناسب مع سياسة السلطة الجديدة . فلقد كانوا أحد المعاول الهدامة في تحطيم كل منجزات وايجابيات عهد عبد الناصر، بالحملات الواسعة التى قاموا بها عبر مجلاتهم ومطبوعاتهم وشتى انشطتهم ، بالتصفيق لديمقراطية السادات ، والهجوم على المواقف الوطنية لعهد عبد الناصر من منطلق انهزامي رجعى وشن اوسع دعاية في مواجهة الاتحاد السوفيتي ، والمعسكر الاشتراكي والتهليل"لواطنية" السادات في طرد الخبراء السوفيت وتصفية العلاقات مع المعسكر الاشتراكي ، وتخصيص جزء محترم من مجلاتهم لشن حملات ظالمة ضد "الاستعمار الروسي"المزعوم وضرورة تحرير المسلمين من حكمه الخ...... كما باركوا كافة الخطوات الرجعية التي قام بها السادات في فك الحراسات، وانعاش القطاع الخاص ،وايدوا اى خطوة تهدف لتصفية القطاع العام (باعتباره من بقايا العهد الشيوعي لعبد الناصر كما يظنون) وايدوا بلا تحفظ سياسة الانفتاح الاقتصادى (عدا بارات شارع الهرم) واضافوا الى كل ذلك مواقفهم الرجعية السلفية التقليدية لشتى مظاهر التحضر والفكر العقلانى العلمانى (حتى من قبل المفكرين البرجوازيين) والقائلة بضرورة تطبيق الشريعة الاسلامية فى مواجهة الديمقراطية والعلمانية وحقائق العصر ، وكانوا وراء العديد من الفتن الطائفية التى استهدفت تسعير العداء الطائفى ضد الاقلية المسيحية . وكان التمويل السعودى يصل علانية الى جماعة الاخوان المسلمين عبر السفير السعودى بالقاهرة باسم دعم جمعيات السنة المحمدية وغيرها من الجماعات الاسلامية التى تمثل الواجهات العلنية لجماعة الاخوان .
اذن المعارضة الخجولة لكامب ديفيد (المقدسات الاسلامية في القدس والعداء الطائفي لليهود) ليست سوى قطرة في محيط ، ولايمكن ان تشكل سياقا لموقف وطنى او حتى شبة موقف وطنى بحد ادنى من التماسك ، خاصة وان هذه المعارضة غير البريئة على الاطلاق ترتبط بالمزايدة المنافقة لجماعة الاخوان المسلمين
هنا مربط الفرس في المشاكل التى نشأت بين السلطة وبينها في الآونة الاخيرة . ومشكلة السادات مع الاخوان لا تخرج عن مشكلة السلطة المصرية مع القوى اليمينية والرجعية التي اطلقتها بنفسها من عقالها كي تدعمها في مرحلة الخيانة الوطنية . فلم تكن هذه القوى الرجعية ادوات طيعة فى يد السلطة بل سعت لاهدافها واطماعها الخاصة وقد اصابها بدون شك وهم الديمقراطية التى يرسخها ويحميها انور السادات شخصيا . ولكن شكل حكم البرجوازية الذى يستند لحكم الفرد البونابرتي لا يتسع لمثل هذه الطموحات ، وكذلك الازمة السياسية الاقتصادية التى يعانيها النظام لا تتسع لترف اى اشكال من المعارضها المفلوته سواء من اليمين او اليسار ، على ارض تنامي السخط الشعبي مهما يكن مكبوتا وفى شروط العزلة العربية (المؤقتة) ولكن االمؤثرة مع ذلك على استقرار النظام .
والاطماع الخاصة للاخوان فى السلطة انتعشت بعد هذه السنين المتوالية من الحرية الكاملة في الحركة العلنية والسرية ، واعادة تقوية جهازهم التنظيمي، وتوسع جمهورهم ونفوذهم واعتقادهم بان ديمقراطية السادات تتسع لمثل هذه الاوهام . ولا شك ان ظاهرة الخميني التي اشعلت اوهام بعض القوى الوطنية واليسارية لابد انها انعشت آمال جماعة الاخوان المسلمين في مصر ، كما في البلاد الاخرى المجاورة دون ان يكون لهذه الآمال بالضرورة اساسا واقعيا في امكانية الاستيلاء على السلطة . ولكن السلطة الحاكمة لن تسمح اساسا لجماعة الاخوان بالتمادي في هذه اللعبة امتداد لنفس منطقها ازاء شتى انواع المعارضة التي تخرج من يدها ، ولا تتحول لمجرد دمى وديكورات لاعطاء المظهر الديمقراطي اللطيف للحكم . وقد جاء قانون الاحزاب رافضا في احد بنوده لاى حزب يقوم على اساس دينى ، وهو بند موجه اساسا للاخوان المسلمين ، اى ان السادات يحدد بذلك الخط الاحمر الذى لا يجب ان تتجاوزه جماعة الاخوان ، اى لا تنشط في السياسة والعمل السياسي وتقصر دورها على المجال الدينى البحث ( لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين) لانه يدرك ان الاخوان لو تحولوا الى حزب سياسي شرعي فسيكونوا خصما مقلقا لنظام الحكم فى سعيهم للوصول للحكم .
وبالفعل فقد قام السادات بمبادرة ذات مغزى يوم 11/8/1979 خلال لقاء عقده في الاسماعيلية مع رجال الدين ، استقدم فيه عمر التلمسانى رئيس تحرير مجلة الدعوة (والذى من المفترض ان يكون المرشد العام للاخوان) وقام مع الاخوان بمساومه علنية اذيعت في الاذاعات ونشرت في الصحف المصرية . في هذا الاجتماع وبخ السادات الاخوان ، ومجلة الدعوة ، وعمر التلمسانى شخصياً في حضوره ، على كل التطاولات التى حدثت فى المجال السياسي ، وبالاخص التحركات التى جرت فى مارس . واكد على شعار لا دين في السياسة ولاسياسة في الدين ، وقال أنه يتحدث لعمر كرب عائلة ، وليس كرئيس جمهورية لأن جماعة الاخوان غير شرعية ، وغير مجازة قانونيا (ويا سبحان الله على ديمقراطية السادات التى تتغاضى عن الشرعية وتستند للاقناع والاقتناع) . وقال انه يتحدث بشكل اخوى لجماعة الاخوان التي لاتزال مجلتهم (الدعوة) مستمرة في الصدور ، ولا يزال جهازهم الحزبي يعمل وكافة انشطة الجماعات الدينية التابعة للاخوان مجازة . وقال ان الاجهزة البوليسية تعلم الهياكل التنظيمية الاخوان بالاسم ، ولكنه لم يأمر باعتقالها ، ولكن موقفه هذا لن يستمر بعد الان اذا لم تعدل جماعة الاخوان عن سلوكها وتكف عن التدخل في السياسة (عن معارضة السادات) ، وتقتصر على النشاط الدينى واعتبر السادات ان هذا هو الإنذار الاخير . وقد استحضر عمر التلمسانى كي " يمسح بكرامته الارض" كما يقال. فقد قال السادات ان التلمسانى طلب لقاءه عدة مرات ولكنه رفض الى ان قابله صباح ذلك اليوم اى 21 /8 وقد حول السادات اللقاء الى الى محاكمة لتجاوزات الاخوان ومجلتهم الدعوة وعمر التلمسانى . وتحدث عمر التلمسانى كالتلميذ البليد متأسفا ومعتذرا ومؤكد انه لا يمكن ان يشتم او يسب او يحقد وانه لا يستطيع ان يتحمل هذه الاتهامات من رب الاسرة الذى من المفروض ان يستجير به المظلوم فإلى من يوجه شكايته ؟ ليس سوى الله العلى القدير واكد انه لا يستحسن هذه الاتهامات وهو الذى يتمنى لحكم السادات ان يطول لاقصى مدى لأن الاخوان تمتعت فيه باقصى درجات الحرية . ورد عليه السادات كالاب الرحوم وقد هدأت لهجته : لقد أرسلت لك تحذيرات عبر وزير الداخلية على ما تنشره بمجلة الدعوة وانا لا ادعى . ورد عليه التلمسانى قائلا : أنه سيصاب بمرض اليم لا شفاء له منه بسبب هذه الاتهامات من رب الأسرة. وأكد أنه رفض وسيرفض اى لقاء مع الشيوعيين وهنا اب السادات خجلا وتواضعا وقال معليش ياتلمسانى سنضرب صفحا عما مضى ولنفتح صفحة جديدة .
وأنهى السادات هذه المسرحية المدبرة لاذلال رمز الاخوان المسلمين أمام الشعب كله ، وللتأكيد أنه تحت امرته وجناحه ، واستكمل الصفحة بالاعلان عن تشكيل مجلس اسلامي اعلى يضم الجماعات الاسلامية كلها في مصر، لتجتمع كأسرة واحدة تتدارس فى كل الأمور الهامة التى تستجد وتمس مصير الأسرة . وهكذا فقد تمت الصفقة بين السادات (الذى لا يود الاستغناء عن دعم قوى رجعية هامة ولا يود توسيع دائرة القمع طالما ان مجال الاحتواء قائم ) وبين الاخوان المسلمين الذين لا يجدون مبررا قويا للدخول في مواجهة شاملة مع النظام ) على ان يتوقف الاخوان عن معارضة السادات ويستمرهو فى اعطاء الغطاء الشرعي لكافة تحركاتهم الرجعية ، ولكن بالتنسيق وتحت الحراسة المشددة للسلطة . وليعبر هذا التحالف المعلن عن نفسه في هذا ( المجلس الاسلامي الاعلى).
وطبعا هذا الاتفاق الصفقة ليس نهائياً فقد تحطمه اى تطورات سياسية مقبلة تداعب طموحات الاخوان الخاصة ، واهم ما فى هذه الصفقة موقف الاخوان الحقيقي من حكم السادات ومن الحركة الوطنية ومن اى حركة على يسار الاخوان . ( اكد التلمسانى انه رفض وسيرفض الالتقاء باى عناصر شيوعية او يسارية وانه رفض الاجتماع بحزب التجمع ، ولعله بهذا قد احرج بما فيه الكفاية عناصر التجمع التي سال لعابها من أجل التحالف مع الاخوان المسلمين . واهم ما فى هذه الصفقة انها كشفت بما لا مزيد عليه ان جماعة الاخوان المسلمين لا تنطلق في معارضة السادات من اى منطلق مبدئى ولا من شبهة اى موقف وطنى .
وفي النهاية نؤكد ان حزبنا وكافة القوى الوطنية والديمقراطية الحقيقية لا تفصل – نضالها ضد حكم السادات والطبقة الحاكمة عن نضالها ضد القوى الرجعية والفاشية والعميلة في المعارضة باعتبارها نفس المعركة الواحدة ضد الاعداء المشتركين . وضد برنامجهم الرجعي مهما تباينت التفاصيل . وان شن اوسع نضال وطنى ديمقراطي على اساس البرنامج الثورى القائم على المعارضة الوطنية الحازمة لكل حلقات خيانة النظام ، وديكتاتوريتة الفاشية هو اكبر ضمانة لمحاصرة نشاط القوى الدينية الرجعية . والتى لابد بشكل خاص من فضح مراميها واهدافها المشبوهة ودور الثورة المضادة الذى يقوم به الاخوان في اكثر من بلد عربي واسلامي ، وبأقصى تعاون مع الرجعية السعودية على رأس النظم الرجعية العربية . واخيرا وليس آخرا المعارضة الحازمة للأفكار الانتهازية العاجزة التى تروج مصريا وعربيا عن ضرورة التحالف واقامة " الجبهة" مع جماعة الاخوان المسلمين في مصر بدعوى التخلص من السادات : ولنا عودة اخرى لشعار اسقاط السادات وشعار الجبهة المتحدة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي