الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من أجل ثقافة جماهيرية بديلة 21

عبدالرحيم قروي

2023 / 8 / 19
الارشيف الماركسي


مؤلف "الدولة والثورة" على حلقات

تعاليم الماركسية حول الدولة، ومهمات البروليتاريا في الثورة
فلاديمير إليتش لينين
الحلقة السادسة

3-وضع ماركس للمسألة في سنة 1852*
في سنة 1907، نشر مهرينغ في مجلة «Neue Zeit» («نويه تسايت») (25،2،164) فقرات من رسالة وجهها ماركس إلى فيديميير في 5 مارس سنة 1852. وقد تضمنت الرسالة فيما تضمنت المحاكمة الرائعة التالية:
«وفيما يخصني ليس لي لا فضل اكتشاف الطبقات في المجتمع المعاصر ولا فضل اكتشاف صراعها. فقد سبقني بوقت طويل مؤرخون برجوازيون بسطوا التصور التاريخي لصراع الطبقات هذا، واقتصاديون برجوازيون بسطوا تركيب الطبقات الاقتصادي. وما أعطيته من جديد يتلخص في إقامة البرهان على ما يأتي: 1) أن وجود الطبقات لا يقترن إلاّ بمراحل معينة من تطور الإنتاج (historische Entwicklungsphasen der Produktion)، 2) أن النضال الطبقي يفضي بالضرورة إلى ديكتاتورية البروليتاريا، 3) أن هذه الديكتاتورية نفسها ليست غير الانتقال إلى القضاء على كل الطبقات وإلى المجتمع الخالي من الطبقات…»
في هذه الكلمات تيسر لماركس أن يفصح بجلاء مدهش، أول، عنا يميز تعاليمه بصورة رئيسية وجذرية عن تعاليم مفكري البرجوازية المتقدمين والأكثر عمقا، وثانيا، عن كنه تعاليمه بشأن الدولة.
الأمر الرئيسي في تعاليم ماركس هو النضال الطبقي. هذا ما يقال وما يكتب بكثرة كثيرة. بيد أن هذا غير صحيح. وعن عدم الصحة هذه تنتج، الواحد بعد الآخر، التشويهات الانتهازية للماركسية وينتج تزويرها بحيث تصبح مقبولة للبرجوازية. ذلك لأن التعاليم بشأن النضال الطبقي لم توضع من قبل ماركس، وهي بوجه عام مقبولة للبرجوازية. ومن لا يعرف نضال الطبقات ليس بماركسي بعد، وقد يظهر أنه لم يخرج بعد عن نطاق التفكير البرجوازي والسياسة البرجوازية. إن حصر الماركسية في التعاليم بشأن النضال الطبقي يعني بتر الماركسية وتشويهها وقصرها على ما تقبله البرجوازية. ليس بماركسي غير الذي يعمم اعترافه بالنضال الطبقي على الاعتراف بديكتاتورية البروليتاريا. وهذا ما يميز بصورة جوهرية الماركسي عن البرجوازي الصغير (وحتى الكبير) العادي. وعلى هذا المحك ينبغي التحقيق من الفهم الحق للماركسية والاعتراف الحق بها. ولا غرو إذن، عندما وصل تاريخ أوروبا عمليا بالطبقة العاملة إلى هذه المسألة، إذا كان جميع الانتهازيين والإصلاحيين ناهيك عن جميع «الكاوتسكيين» (وهم أناس يترددون بين الإصلاحية والماركسية) قد أصبحوا تافهين يرثى لهم وديموقراطيين صغار بورجوازيين ينكرون ديكتاتورية البروليتاريا. فكراسة كاوتسكي «ديكتاتورية البروليتاريا» التي صدرت في غشت سنة 1917، أي بعد صدور الطبعة الأولى من هذا الكتاب بوقت طويل، هي نموذج لتشويه الماركسية على نمط صغار البرجوازيين وللتبرؤ منها بحطة فعلا من الاعتراف بها بالقول نفاقا (راجع كراسي: «الثورة الاشتراكية والمرتد كاوتسكي»، بتروغراد وموسكو، سنة 1918).
إن الانتهازية المعاصرة بشخص ممثليها الرئيسي، الماركسي السابق كاوتسكي، تنطبق تماما على الوصف الذي أعطاه ماركس للموقف البرجوازي، لأن هذه الانتهازية تحصر نطاق الاعتراف بالنضال الطبقي في إطار العلاقات البرجوازية. (وضمن هذا النطاق، في إطاره، ما من ليبرالي مثقف يرفض «مبدئيا» الاعتراف بالنضال الطبقي!). إن الانتهازية لا توصل الاعتراف بالنضال الطبقي حتى الأمر الرئيسي بالذات، حتى مرحلة الانتقال من الرأسمالية إلى الشيوعية، حتى مرحلة إسقاط البرجوازية والقضاء التام عليها. وفي الواقع لا بد لهذه المرحلة من أن تكون مرحلة نضال طبقي لا نظير لشدته، مرحلة تتخذ أشكاله فيها حدة منقطعة النظير، وبالتالي لا بد لدولة هذه المرحلة من أن تكون دولة ديموقراطية من نوع جديد (لأجل البروليتاريين والمعدمين بوجه عام) وديكتاتورية من نوع جديد (ضد البرجوازية).
وبعد. لن يتفهم فحوى تعاليم ماركس بشأن الدولة إلاّ أولئك الذين أدركوا أن ديكتاتورية الطبقة الواحدة ضرورية ليس فقط لكل مجتمع طبقي بوجه عام، ليس فقط للبروليتاريا التي أسقطت البرجوازية، بل أيضا لمرحلة تاريخية كاملة تفصل الرأسمالية عن «المجتمع اللا طبقي»، عن الشيوعية. إن أشكال الدولة البرجوازية في منتهى التنوع، ولكن كنهها واحد: فمجتمع هذه الدول هي بهذا الشكل أو ذاك وفي نهاية الأمر ديكتاتورية البرجوازية على التأكيد. ويقينا أن الانتقال من الرأسمالية إلى الشيوعية لا بد وأن يعطي وفرة وتنوعا هائلين من الأشكال السياسية، ولكن فحواها سيكون لا محالة واحدا: ديكتاتورية البروليتاريا.
الفصل الثالث
الدولة والثورة.
خبرة كومونة باريس سنة 1871. تحليل ماركس
1-بم تتلخص البطولة في محاولة الكومونيين؟ من المعروف أن ماركس قد حذر العمال الباريسيين قبل الكومونة بعدة أشهر، في خريف سنة 1870، مبرهنا أن محاولة إسقاط الحكومة تكون حماقة اليأس. ولكن عندما فرضت على العمال المعركة الفاصلة في مارس سنة 1871، وعندما قبلها هؤلاء وغدا الإنتفاض أمرا واقعا، حيا ماركس الثورة البروليتارية بمنتهى الحماسة رغم نذير الشؤم. لم يتشبث ماركس بشجب دعي لحركة «جاءت في غير أوانيها» على غرار المرتد الروسي السيئ الشهرة عن الماركسية بليخانوف الذي كتب في نوفمبر سنة 1905 مشجعا نضال العمال والفلاحين، ثم، بعد ديسمبر سنة 1905، أخذ يصرخ على نمط الليبراليين: «ما كان علينا حمل السلاح».
ولكن ماركس لم يكتف بالإعجاب ببطولة الكومونيين الذين «هبوا لمهاجمة السماء» حسب تعبيره. ففي هذه الحركة الثورية الجماهيرية، وإن كانت لم تبلغ الهدف، قد رأى خبرة تاريخية ذات أهمية كبرى، خطوة معينة إلى الأمام تخطوها الثورة البروليتارية العالمية، خطوة عملية أهم من مئات البرامج والمحاكمات. وقد وضع ماركس نصب عينيه مهمة تحليل هذه الخبرة واستخلاص الدروس التكتيكية منها وإعادة النظر في نظريته على أساس هذه الخبرة.
«فالتعديل» الوحيد الذي اعتبر ماركس من الضروري إدخاله على «البيان الشيوعي» قد استوحاه من خبرة الكومونيين الباريسيين الثورية.
إن آخر مقدمة لطبعة ألمانية جديدة من «البيان الشيوعي» وقعها مؤلفاه معا تحمل تاريخ 24 يونيو سنة 1872. وفي هذه المقدمة يقول المؤلفان كارل ماركس وفريدريك إنجلس أم برنامج «البيان الشيوعي» «قد شاخ اليوم في بعض أماكنه».
«… وبوجه خاص برهنت الكومونة أن «الطبقة العاملة لا تستطيع أن تكتفي بالاستيلاء على آلة الدولة جاهزة وأن تحركها لأهدافها الخاصة» …»
والكلمات الموضوعة ضمن القوسين المزدوجين في هذا المقتطف قد اقتبسهما المؤلفات من كتاب ماركس: «الحرب الأهلية في فرنسا».
وهكذا، إن ماركس وإنجلس قد اعتبرا درسا من الدروس الأساسية الرئيسية التي أعطتها كومونة باريس على درجة من الجسامة بحيث أدخلاه في «البيان الشيوعي» باعتباره تعديلا جوهريا.
ومما هو بليغ في مدلوله أن الإنتهازيين قد شوهوا هذا التعديل الجوهري بالذات، وأن تسعة أعشار قراء «البيان الشيوعي»، إن لم يكن تسعة وتسعين بالمائة منهم، يجهلون التأكيد على معناه. وسنتناول هذا التشويه بالتفصيل فيما يأتي، في فصل خاص بالتشويهات. أمّا هنا فحسبنا أن نشير إلى أن «المفهوم» المبتذل الشائع لعبارة ماركس المعروفة التي أوردناها يتلخص في زعم مفاده أن ماركس يؤكد هنا فكرة التطور البطيء خلافا للاستيلاء على السلطة وهلم جرا.
والحقيقة هي العكس تماما. تتلخص فكرة ماركس في أن واجب الطبقة العاملة هو تحطيم «آلة الدولة الجاهزة» وكسرها، لا الإكتفاء بمجرد الاستيلاء عليها.
ففي الثاني عشر من أبريل سنة 1871، أي في أيام الكومونة بالذات، كتب ماركس إلى كوغلمان:
«… إذا ما ألقيت نظرة إلى الفصل الأخير من كتابي «18 برومير» رأيت أني أعلنت أن المحاولة التالية للثورة الفرنسية يجب أن تكون لا نقل الآلة البيروقراطية العسكرية من يد إلى أخرى كما كان يحدث حتى الآن، بل تحطيمها» (التشديد لماركس. وفي الأصل كلمة zerbrechen). «وهذا هو الشرط الأولي لكل ثورة شعبية حقا في القارة. وفي هذا بالذات تتلخص محاولة رفاقنا الباريسيين الأبطال» (ص 709 في «Neue Zeit»، 20، 1، سنة 1901-1902). (صدرت رسائل ماركس إلى كوغلمان بالروسية فيما لا يقل عن طبعتين أشرفت على تحرير احداهما وقدمت لها).
في هذه الكلمات: «تحطيم الآلة الدولة البيروقراطية العسكرية» أعرب بإيجاز عن درس الماركسية الرئيسي بشأن واجبات البروليتاريا في الثورة حيال الدولة. وهذا الدرس بالذات لم يقتصر «تأويل» الماركسية الكاوتسكي السائد على نسيانه تماماً بل وشوهه تشويها!
وفيما يخص الفقرة التي يرجع إليها ماركس من «18 برومير» فقد أوردناها كاملة فيما تقدم.
وتنبغي الإشارة بوجه خاص إلى نقطتين من فقرة ماركس المذكورة. أولا، أنه يقتصر استنتاجه على القارة. وقد كان هذا مفهوما سنة 1871، عندما كانت إنجلترا ما تزال نموذجا لبلاد رأسمالية صرف، ولكنها خالية من الطغمة العسكرية ولحد بعيد من البيروقراطية. ولذا استثنى ماركس إنجلترا حيث كانت الثورة، بما في ذلك الثورة الشعبية، تبدو آنذاك ممكنة، وكانت ممكنة بدون تحطيم «آلة الدولة الجاهزة» كشرط أولي.
في الوقت الحاضر، في سنة 1917، في عصر أول حرب إمبريالية كبرى، يسقط تحديد ماركس هذا. فإنجلترا وأمريكا، أكبر وآخر ممثلي «الحرية» الأنجلو-سكسونية في العالم قاطبة، بمعنى انعدام الطغمة العسكرية والبيروقراطية، قد انزلقتا بصورة تامة في المستنقع الأوروبي العام، المستنقع القذر والدامي للمؤسسات البيروقراطية والعسكرية التي تخضع لنفسها كل شيء، وتخمد كل شيء. «فالشرط الأولي لكل ثورة شعبية حقاً» هو، في الوقت الحاضر، في إنجلترا وأمريكا كذلك، تحطيم وتدمير «آلة الدولة الجاهزة» (التي أعدت في هذين البلدين خلال سنوات 1914-1917 لدرجة الكمال «الأوروبي»، الامبريالي العام).
ثانيا، تستحق انتباها خاصا ملاحظة ماركس العميقة منتهى العمق القائلة أن تحطيم آلة الدولة البيروقراطية والعسكرية هو «الشرط الأولي لكل ثورة شعبية حقا». ويبدو مفهوم الثورة «الشعبية» هذا مستغربا على لسان ماركس. ويبدو أن بإمكان البليخانوفيين والمناشفة الروس، اتباع ستروفه هؤلاء الذين يريدون أن يُعتبروا ماركسيين، فقد شوهوا الماركسية تشويها ليبراليا حقيرا بحيث لم يعودوا يرون معه غير معارضة الثورة البرجوازية بالثورة البروليتارية، وهم فوق ذلك يفهمون هذا التعارض بجمود ما بعده جمود.
إذا ما أخذنا على سبيل المثل ثورات القرن العشرين فلا بد من الاعتراف طبعا بأن الثورتين البرتغالية والتركية هما على حد سواء ثورتان برجوازيتان. ولكن لم تكن لا هذه ولا تلك ثورة «شعبية» لأن جمهور الشعب، أكثريته الكبرى، لم تبرز بصورة ملحوظة، نشيطة ومستقلة، بمطالبها الخاصة الاقتصادية والسياسية لا في هذه الثورة ولا في تلك. وبالعكس فإن الثورة البرجوازية الروسية في سنوات 1905-1907، وإن كانت لم تصب من النجاحات «الباهرة» ما أصابته أحيانا الثورتان البرتغالية والتركية، قد كانت دون شك «شعبية حقا»، لأن جمهور الشعب، أكثريته، فئاته الاجتماعية «السفلى» البعيدة الغور والرازحة تحت وطأة الظلم والاستثمار، قد نهضت مستقلة وطبعت مجرى الثورة بأكمله بطابع مطالبها هي، بطابع محاولتها هي لأن تبني على طريقتها مجتمعا جديدا مكان المجتمع القديم الجاري هدمه.
في سنة 1871، لم تكن البروليتاريا تشكل أكثرية الشعب في أي بلد من بلدان القارة الأوروبية. لم تكن الثورة تستطيع أن تكون ثورة «شعبية» تجذب للحركة الأكثرية حقا، إلاّ إذا شملت البروليتاريا والفلاحين. فهاتان الطبقتان كانتا تؤلفان «الشعب» في ذلك الحين. ويوحد هاتين الطبقتين واقع أن «آلة الدولة البيروقراطية والعسكرية» تظلمهما، تضغط عليهما وتستثمرهما. وتحطيم هذه الآلة وكسرها هو مصلحة «الشعب» الحقيقية، مصلحة أكثريته، مصلحة العمال وأكثرية الفلاحين –هو «الشرط الأولي» للتحالف الحر بين فقراء الفلاحين والبروليتاريا؛ وبدون هذا التحالف لا تكون الديموقراطية وطيدة ولا يمكن التحول الاشتراكي.
ومن المعروف أن كومونة باريس كانت تشق طريقها إلى مثل هذا التحالف، وهي لم تبلغ الهدف بحكم جملة من أسباب ذات طابع داخلي وخارجي.
إذن، فعندما تكلم ماركس عن «الثورة الشعبية حقا»، راعى ببالغ الدقة النسبة الفعلية بين الطبقات في أكثرية دول القارة الأوروبية في سنة 1871، دون أن ينسى للحظة خصائص البرجوازية الصغيرة (الخصائص التي كثيرا ما تكلم عنها وأكثر عنها الكلام). وقد قرر، من الجهة الأخرى، أن «تحطيم» آلة الدولة نفرضه مصالح العمال ومصالح الفلاحين على السواء وأنه يوحدهم ويضع أمامهم واجبا مشتركا هو القضاء على «الطفيلي» والاستعاضة عنه بشيء ما جديد.
بأي شيء على وجه التحقيق؟
يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بدر عريش الكاتب الوطني للجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي في تصر


.. عبد الحميد أمين ناشط سياسي و نقابي بنقابة الاتحاد المغربي لل




.. ما حقيقة فيديو صراخ روبرت دي نيرو في وجه متظاهرين داعمين للف


.. فيديو يظهر الشرطة الأمريكية تطلق الرصاص المطاطي على المتظاهر




.. لقاء الرفيق رائد فهمي سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي