الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رد متأخر على المرحوم جابر عصفور

عبد الحميد عبود

2023 / 8 / 19
الادب والفن


رد متأخر على المرحوم جابر عصفور (فجّر الله قبرَه)
حين تولى شاذلي بن جديد السلطة بالجزائر كانت أول خطوة (رمزية ) قام بها هي زيارة المقبرة ليتبول على قبر مَُدرسه ، لا ادري لم فعل ذلك لكن المهم هو تخليص الحق من الاموات حتى يعتبر الاحياء ، كتب جابر عصفور ( قبل ان يموت ) مقالة عن اللغة العربية معنونة "اصداء فرانكفورت" ونشرها في جريدة "الحياة" ، و كتبتُ في حينه للصحيفة (قبل ان تغلق ابوابها) هذا الرد ولم تنشره ، لذا أنشره الآن بعد سنوات على موت المرحوم ،
فيما يخص اللغات اعتبر غاندي ان الهند نوافذها مشرعة على كل نسيم عليل ، اما حين تتحول النسائم إلى اعاصير تهدد أسس البيت فهنا ينبغي إغلاق الأبواب وحتى النوافذ . السيد عصفور قال من جملة ما قال "… اللغات الاوروبية التي اقتحمتها الاقلامُ العربية لتتسع بها وفيها بمدى الرؤية العربية التي يتجسد بها معنى التنوع الخلاق "، أنا أقول ان هناك آلاف من الخواجات الفرنجة ولدوا وعاشوا وقبروا في بلادنا ، هل يعرف واحدا منهم اقتحم اللغةَ العربية ليثري حضارته الأم ؟ ولماذا لا نكون خلاقين ضمن لغتنا ،؟ ام ان الخلق والابداع يقترن بلغات الخواجات ! هل يعرف فرنسيا يكتب بالالمانية ، المانيا يكتب بالروسية ، ليذكر لي اسما افرنجيا واحدا كتب بالعربية ، اسما واحدا فقط . وقال كذلك "المنفى يشمل المكان واللغة " ، كيف ؟هل نُفوا من اللغة الأم ام نفوا انفسهم منها ؟ ولأي أسباب ؟ واللغةُ الأم الأم ذاتها ، لا تتنكر لابنائها ولكنهم هم العاقون ، واظنهم فعلوا ذلك طوعا او باعتبارهم لها مجدبةً وقاصرة عن التعبير عن افكارهم العملاقة ، وهنا ندخل في علاقات القوى الثقافية التي لم تتناولها بمقالتك ، والمنفى الوحيد الذي أفهمه هو المنفى اللغوي القسري الذي تحدث عنه الكاتب الجزائري "مالك حداد" حين اعتبر ان لغة المستعمِر فُرضَت عليه واغتصبته وقرر الا يعبر عن نفسه الا بالصمت . لماذا يكون التلاقح بين حضارتنا وحضارتهم من جهة واحدة وباتجاه واحد وبلغة واحدة ، لغتهم هم . وقال العصفور ايضا "ان منفى اللغة لا ينفي الهوية بالقدر نفسه ذلك ان الهوية لا يمكن اختزالها في اللغة وحدها ، وانما تتسع لما يجاوز اللغة ويتجسد في نوع الرؤية وكيفية الشعور وعلاقات التناول وزوايا النظر "(انتهى قوله) ، الامر يعتمد على الموقع الذي يعطيه كل منا للسان في مكونات الهوية ، أنا أضعه في أعلاها ، غيري يضعه في أسفلها والعصفور جابر يضعه خارجها . لكن الحقيقة كما أظنها هي ان كل مكونات الهوية خارج اللغة ترقيعٌ فاللغة هي الوعاء الحاضن الذي ان انثقب سالت منه كل المكونات الأخرى ، كان فيخته وهاينه وشيلينغ ينظرون وينظِّرون للغة للألمانية في عصر البروسية المفككة على انها فكرة عليا او روح خفاقة او اسمنت قومي او الضامن الوحيد لالمانيا موحدة مستقبلاً. وما المانع من استيعاب الرؤية الجديدة باللغة العربية ، اللهم الا القرف منها واعتبارها ناقصة دون المستوى ، وهنا بيت القصيد المضمَر بطريقة فاضحة في مقالة ناضحة بدونية ملازمة لكثير من الكتبجية العربان ، في كل مرة يتعلق فيها الامر بالخواجات ولغاتهم السامية ، وقد زرعوا في عقولنا ان كل افرنجي برنجي واذا عُرِّبَت خُرِّبت ، وكان اجدر عوض ان نحجر على اللغة العربية بحجة الاثراء والانفتاح على الآخر ان نعالج مشاكلها وما اكثرها . اللغة العربية مهددة فعلا وقد يأتي زمن وتتحول فيه إلى لاتينية معابد وخطابات مملة ، هاهي بعد جيلين من الاستقلال ترزح محشورة بين فرنسية تنهشها في المغرب ، وانكليزية تقرضها في المشرق ، انني لا افهم كيف ان شعبا متخلفا كالشعب العربي تعرض بكليته لاستعمار وانتداب ويتعرض حاليا لتبعية واحتلال ووصاية وتعرضت لغته للتهميش والاقصاء المبرمج ولا يكون متعصبا للغته ، واستغرب كذلك كيف لا يحسب المارقين من لغتنا على حضارة اللغة التي يكتبون بها ، احسبهم على من تشاء الا على اللغة التي هربوا منها طوعا وعن عقدة نقص متجذرة ، لا غضاضة عندي في ان يقرأ العربي ويستوعب لغاتا اخرى ويهضمها وتطويع ذلك لاثراء العربية ، اما ان يكتب بتلك اللغات فهذا هو المروق عينه . قال العصفور كذلك "وقد احسنت اخبار الادب بأن ترجمت مختارات ل… وغيرهم من الكتاب الناطقين بغير العربية الذين اصبحوا فخرا للثقافة العربية وصوتها الصاعد الناطق بلغات العالم الذي لا يزال يرى فينا اشباه بن لادن وفي ثقافتنا ثقافة ارهاب" لا لا يا دكتر ، حلفتك بالقفص يا عصفور ( فبعض العصافير من طراز جابر تزقزق في القفص وتسكت وهي على الغصن ) ، كل هذا النيك لا يحبّل ، وكل هذا التبييض والترقيعٌ لا يغير من واقع الحال الشاحب، ثلاث اطنان من عربانك الكاتبين بالافرنجية لا يقدرون ان يعدلوا صورة الارهاب ، لسبب بسيط هو ان هؤلاء انفسهم هم الوجه الآخر للارهاب وهم ذاتهم سر ديمومته ، اذا شئت محاربة الارهاب فعليك محاربة اسبابه : التسلط انعدام الحريات ، حالات الطوارئ ، والرؤوساء المتشبثين بالكراسي ، عليك ان تقول كلمتك في موضوع الولاية الخامسة لمبارك، ولي لقمتك الذي كان لك، لك وحدك "شرف" ان تكون آخر وزير ثقافة له ، لكنك خرست في هذا الموضوع الحساس لدرجة تدعو للظن بأن ثمة اتفاقية ضمنية بينك وبين الريس ، يشتري سكوتك عن التوريث بسكوته عن مناصبك ، هكذا تحكومننا انت وهو من قبريكما تحكمونا إلى الابد ، كما يقال في "بورصة المحروسة الكل رابحون"، ارجع لموضوع اللغة … التغرب هو من بين الاسباب التي أججتْ التطرف ، يمكن ان يؤدي استفحال الغربة اللغوية إلى مجيء بن لادن آخر برداء جدانوفي يكون اختصاصه لا تدمير الابراج العالية ولكن قص الألسن .( كما كان يفعل الخمير الحمر مع من يتكلم لغة استعمارية او يفتح على اذاعة بي بي سي ) لماذا لا ندافع عن صورتنا المشوهة بلغتنا الأم ، ولنترك المترجمين يترجمون، ولا وجه شبه بين المتعصب للغته والمتعصب اطلاقا، فالتعصب اللغوي ينتفي من تلقاء ذاته حين لا تعود اللغة مهدَّدَة . الحرية والديمقراطية ليستا حاجة تُستورَد من حضارة مهيمنة ولا اعتمادا للغتها ، بقدر ما هما نتيجة لحتمية تاريخية وصراع في طريق وعر ، ومثلما ان الغولاغ الستاليني قد صان بطريقة ما وحدة اللغةَ الروسية ورّوَّسَ غير الروس ، وكما ان المقصلة الفرنسية ايام الثورة جعلت من اللسان الفرنسي اللغة الواحدة والوحيدة للجمهورية الوليدة ، فلا شك ولا ادنى شك عندي بأن الغولاغ الصحراوي هو وحده من سيصون اللغةَ العربية من المفرطين والعابثين والمهاودين ، وكم اتمنى لو يكذبني التاريخ ويوفر علينا أهوالا كهذه ، سوى ان هذا "الوعي الزائف" بالمسؤولية اللغوية عند مخاتيرنا اولي الحل والعقد يرجِّحُ هذه الفرضية الدموية ويؤكد ايضا اننا بحاجة لمجلس امن قومي لغوي بديلا عن كل المجامع اللغوية التي تشبه الجامعة العربية في "فاعليتها" ، وما اجدرنا ان نخفف من انسياقنا وراء اللغات الاعاصير وان نلتفت أكثر إلى لغات نسائم عليلة تفيدنا وتستفيد منا ، لغات تتعايش معنا وتتعرض لقمعنا وجهلنا واغفالنا كالكردية والامازيغية والتماشقية والسريانية وغيرها ، فنعطيها مكانها ومكانتها في جامعاتنا لان بلادنا هي بلادها ولأن هذه اللغات لغاتنا ، تغنينا وتغتني بنا ، ويا ليتني سمعتُ السيد عصفور يقول حرفا واحدا عن الترجمة من وإلى لغات مجاورة لنا كالفارسية والتركية والاوردو والسواحلية واليابانية والصينية . انني لا انفي عن أي انسان حقه بأن يتعلم ما يشاء من لغات وان يتكلمها ويقرأ بها لا بل انصح بذلك ، اما ان يكتب بتلك اللغات فهذه خيانة للغة الام ، ان مهمة المارقين اللغويين هو تسلية الروح الاوروبية الباحثة عن الاكزوتيكية والغرابة ومجد استعماري بائد متجدد ، فالخواجات لا يطلبون منا اكثر من ان نقدم انفسنا لهم كما يشتهون النظر الينا ، قرودا بمؤخرات حمراء ،








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تسجيل سابق للأمير الشاعر بدر بن عبد المحسن يلقي فيه أبيات من


.. الفنانة غادة عبد الرازق العيدية وكحك العيد وحشونى وبحن لذكري




.. خلال مشهد من -نيللى وشريهان-.. ظهور خاص للفنانة هند صبرى واب


.. حزن على مواقع التواصل بعد رحيل الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحس




.. بحضور شيوخ الأزهر والفنانين.. احتفال الكنيسة الإنجيليّة بعيد