الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


افول الإمبراطورية المغربية

مصطفى الفاز

2023 / 8 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


بدايات التقهقر.
تعددت أساليب ووسائل التغلغل الامبريالي في المغرب، من بعثاث علمية ورحلات استكشافية وضغط عسكري واقتصادي وحماية قنصلية وغيرها. وكانت هده الأساليب والوسائل مرتبطة في اجراتها وتطورها بالتحول التدريجي للرأسمالية نحو المد الامبريالي.
نستنتج انعكاس هدا التحول في فرض النظام النقدي على المعاملات التجارية بين تشكيلة رأسمالية قائمة على أساس الربح والبحث عن أسواق لتصريف فائض الإنتاج، وتشكيلة اجتماعية قبلية تقليدية قائمة على اقتصاد الكفاف والمقايضة وادخار فائض الإنتاج. نستنتج هدا الانعكاس أيضا من خلال المعاهدات التجارية خاصة تلك التي ابرمت مع إنجلترا سنة 1856 م والتي بموجبها أصبحت الموانئ تحت مراقبة الانجليز، ومن خلال أيضا القروض المالية المشروطة التي كانت فوائدها تستخلص من نظام الجبايات المغربي.
ان صراع القوى الامبريالية على اهم موانئ المغرب يعكس التحول التجاري الدولي نحو المحيط الأطلسي ويعكس أيضا اهتمام هده القوى بالأساطيل البحرية وتطور صناعة السفن وتقلص المسافة حتى مع القارة الامريكية من شهر الى عشرة أيام فقط وسرعة ولوج السفن الاوربية الى السواحل المغربية.
طبعا هدا التحول الواضح والسريع في الضفة الشمالية للمتوسط والجمود والركود في الضفة الجنوبية يمكن البحث عن أسبابه من خلال العودة الى عدة دراسات وابحاث لعل من ابرزها الاتجاه المرتكز على منهجية البحث التاريخي المادي والدي حدد فترة القرن الرابع عشر الميلادي كنقطة تحول نحو تكريس واقع الجمود وسيطرة سلطة التقليد في افريقيا الشمالية وخاصة في المغرب, وقد كانت فترة تغيير سير اتجاه القوافل التجارية وخصوصا تجارة دهب السودان الغربي ( مالي وغانا ) وتحولها شرقا, وافول نجم المركز التجاري الرئيسي بسجلماسة منبع صعود وقوة كل الامبراطوريات التي حكمت المغرب,( يمكن التعمق في دراسة هدا التحول بالعودة الى دراسة ايف لاكوست, العلامة ابن خلدون.) ومحاولة الاوربيين الوصول الى مصادر الدهب دون الوسيط المغربي من خلال تأسيس عدة مراكز تجارية وحاميات عسكرية على امتداد الأطلسي، ونتائج حروب المائة عام بين فرنسا وانجلترا خاصة في الشق العسكري، التحول من التنظيم الروماني للجيوش الى الاشكال النظامية الحديثة مع الرغبة الملحة في تطوير الأسلحة، وفي الشق الاجتماعي حيث احتدت الازمات بين النبلاء والفلاحين ورجال الدين وأصبح النظام الاقطاعي ينتج أسباب صعود قوى ثورية جديدة استبدلت سلطة الكنيسة بقوة المال التجاري.
في المغرب كان السلطان هو المتحكم في تجارة الدهب بتحالف مع القبائل التي لم تكن تملك الأرض ولكن تملك فقط التصرف فيها مقابل الضرائب التي يسمح لرؤساء القبائل بفرضها بدورهم بادن من السلطان على فئة محددة. هنا يكمن الفرق الجوهري بين النظام الاقطاعي كنمط انتاج اوربي غربي ونمط انتاج مغاربي، الأول يملك فيه النبلاء وسائل الإنتاج ويفرضون الضرائب بكل حرية والثاني لا تملك فيه القبائل وسائل الإنتاج ولا تفرض الضرائب الا بتفويض من السلطان، علاوة على قيام القبيلة على أسس العصبية وروابط الدم والانتماء الابوي، الأول افرز من تناقضاته الداخلية شروط الثورة والتحرر والثاني كانت تناقضاته شرطا أساسيا للجمود والانغلاق.
شمال المتوسط أضحت ثمار عصر النهضة والإصلاح والاكتشافات تينع وينتشر اريجها ارجاء أوروبا بفضل صعود طبقة بورجوازية تجارية تمدد نفوذها عبر المدن/الدول ليعم بحيرة المتوسط واعينها سابحة في فضاء الأطلسي، فقد وصف شيخ المؤرخين الفرنسيين فرنان بروديل في كتابه المتوسط والعالم المتوسطي حركية الإصلاح الزراعي شمال المتوسط في نهاية القرن السادس عشر عندما "قام رأسماليو الغرب الكبار بتعهد استصلاح أراضي السهول، فظهرت حقول الأرز في اللومباردية (إيطاليا) ونظيرتها حقول ناربون واللانغكدوك (فرنسا). وفي الواقع كانت هده الاستصلاحات الزراعية مواكبة لحاجات المدن التي لم يتوقف عدد سكانها عن الازدياد".
الامراض والمجاعة والاوبئة أسلحة في يد الامبريالية.
في جنوب المتوسط وتحديدا المغرب الدي فقد عائدات التجارة عبر الصحراء ولم يعد قادرا على مجابهة التقدم التقني السريع والمدهل في الممارسة التجارية والغارق في نظام حكم سلطاني تقليدي مطلق، أصبح أكثر عرضة للأمراض والكوارث الطبيعية والاوبئة مثل ما خلفته المجاعة بين سنتي 1721م و1724م ثم مرة أخرى بين سنتي 1737م و1738م، " وفي سنة 1133 في شعبان، ماي- يونيو 1721م كان ابتداء الغلاء بالمغرب وصل وسق القمح الى أثني عشر مثقالا او ثلاثة عشر وتمادى دلك الغلاء نحو أربعة أعوام." من البديهي ونحن نقرا التاريخ ان نطرح أسئلة جوهرية من قبيل ما الدي أعاق تقدم المغرب رغم انه عرف لحظات تمدد امبراطوري مرة في عهد السلطان احمد المنصور الذهبي ومرة أخرى في عهد السلطان إسماعيل؟ وما الدي جعل تلك الابهة والسطوة العسكرية القبلية تتداعى مباشرة بعد انحلال واضمحلال السلطة المركزية؟
عقب وفاة السلطان إسماعيل سنة 1727 دخل المغرب غمار حرب أهلية طاحنة واضطرابات سياسية لمدة ثلاثين سنة، وأصبح هم السلاطين المتحاربين منصبا على جمع المال واحداث الفتن وفرض الضرائب المجحفة " أصبح الشغل الشاغل لكل من السلاطين المتصارعين على الحكم على الحكم جمع المال باي طريقة كانت، بما فيها الاقتراض التعسفي من التجار والتسلط على أصول الناس ليتمكن من الاحتفاظ بالعرش او غزوه بحد السلاح." فانتشار الحرب الاهلية والنزاعات واختلال دورة المحاصيل الزراعية قد إثر بشكل كبير على الامن الغذائي فكانت المجاعة وما خلفته من نزيف ديموغرافي وحركة هجرة غير مسبوقة وانتشار اللصوصية
"...بالفعل عرفت حركة اللصوصية خلال هده المجاعة امتدادا واسعا بفعل الجوع، ولكن أيضا بعامل الإفلات من العقاب بسبب ضعف السلطة المركزية." واللصوصية لم تقتصر على العامة بل أصبحت من سمات الارستقراطية التجارية التي اتجهت الى احتكار تجارة الحبوب مع الاوربيين الدين اغتنموا الفرصة وبدأوا في تصدير كميات كبيرة من القمح نحو المراس المغربية.
ثم يأتي دور وباء الطاعون في منتصف القرن الثامن عشر, 1742-1744, فرغم ان طريق الطاعون نحو المغرب كانت حسب الروايات التاريخية هي الجزائر شرقا التي تفشى فيها المرض الى جانب تونس ومصر، فان حركة السفن التجارية الاوربية نحو المغرب قد ساهمت بشكل جلي في دخول المرض وانتشاره بسرعة في ظل اثار المجاعة والصراع حول العرش وانعدام الامن.
لم يعد ممكنا المراهنة على السياسات السلطانية لتحقيق التوازن بين ضفتي المتوسط سواء سياسة الانفتاح او سياسة الانغلاق, الأولى اعتمدت من طرف السلطان محمد الثالث ك "منهج إصلاحي" اعتمد على الحد من سطوة الجناح العسكري (العبيد) والاستعانة من جديد بالجيوش القبلية الوفية ونهج سياسة الانفتاح الاقتصادي انطلاقا من الحامل الديني الفقهي باستصدار فتوى تجيز تصدير الحبوب الى بعض دول اوربا رغبة في تدعيم خزينة الدولة, هده الساسة ساهمت في تغيير بنية الاقتصاد المغربي الدي ظل مرتبطا بأحوال الطقس ولكنه أيضا قطع مع تقاليد ادخار فائض الإنتاج وتشجيع التصدير عبر مراسي الأطلسي حيث ازدهرت التجارة البحرية, فاراد السلطان من وراء دلك تعويض مداخيل التجارة الصحراوية. وقد اعتبر المؤرخ الفرنسي جان لوي مييج ان " انبثاق طبقة رأسمالية بدائية مغربية يشبه على نحو لافت ظهور البورجوازية اليهودية في أوروبا خلال القرن الثامن عشر، حيث اتسم التجار اليهود في كلتا الحالتين بخصائص متماثلة منها: المضاربة في الاثمان على المدى البعيد واستغلال ظرفيات الدورات الاقتصادية وتكوين الثروات بامتلاك الأراضي والعقارات. فممارسة التجارة في السلع تصديرا واستيرادا ممنوع دون الحصول على ظهير سلطاني وبالتالي لم يكن التجار طبقة بشخصية مسؤولة ومستقلة بل هم مجموعة متحدة بالرباط السلطاني المتحكم في نظام القروض المالية بدون فوائد لصالح التجار الدين يلتزمون من جهتهم بتسديد الأقساط الشهرية مقابل عائدات مالية جمركية لصالح خزينة السلطان.
هده السياسة المنغلقة في وجه إطلاق المبادرة للأرستقراطية التجارية بقوانين اقتصادية وضعية والمنفتحة في اتجاه المعاملات التجارية ما وراء بحرية قد أدخلت المغرب في جحيم المجاعة الكبرى 1778م-1782م.
والثانية اعتمدت في عهد السلطان سليمان, سياسة الاحتراز, ففي هده الفترة ضرب وباء الطاعون من جديد بين سنتي 1798م-1800م والمجاعة سنتي 1816م-1819م وموجة أخرى من الطاعون بين سنتي 1818م-1820م, وخلال هده الفترة يمكن الاحتياط من اعتبار هده السياسة احترازية على اعتبار ان البلاط السلطاني امر بتصدير القمح سرا الى فرسا رغم ازمة الغدائية وشعور الاوربيين بضعف ووهن الدولة المغربية أدى بممثليهم الدبلوماسيين بطنجة الى تأسيس المجلس الصحي الدولي والدي اعتبر من اخطر التحديات التي واجهها مغرب القرن التاسع عشر من حيث ان هدا المجلس اصبح يتخذ قرارات عاجلة تخدم التغلغل الامبريالي من قبيل فرض الحجر الصحي والحق في مراقبة السفن القادمة من المشرق ومن الموانئ الاوربية وتعيين طبيب فرنسي مفتشا صحيا بمرسى طنجة لتعزيز المراقبة الصحية بها.
هكذا تبرز العلاقة بين ظاهرة الاستعمار والامبريالية وادواتها الاقتصادية والقمعية وانتشار الأوبئة، فقد وصفها شلدون واتس في الأوبئة والتاريخ، ال " قامت الامبريالية في صراعها الدولي للسيطرة على ثروات افريقيا واسيا والامريكيتين بنقل امراض جديدة انتشرت في شكل اوبئة الى شعوب القارات تلك سواء مباشرة او عن طريق الغزو العسكري او تجارة العبيد او غير مباشرة عن طريق ما يدعيه الاوربيون ب «التنمية" أي تنمية هده الشعوب."
مظاهر الفقدان التدريجي للسيادة.
كان الانصهار المميت بين السياسة والاقتصاد وعلاقات الإنتاج البدائية وعدم تحرر الارستقراطية التجارية والامتيازات القبلية وسلطة الزوايا ومرجعية الفتاوي الفقهية وسيادة التعليم العتيق النخبوي وفشل الإصلاحات الفوقية دور مركزي في تعميق الهوة بين ضفتي المتوسط. فقد كان النصف الثاني من القرن التاسع عشر فترة استكمال معالم التحول الرأسمالي الى صياغة معالم عالم جديد يؤسس للعلاقة الاستعمارية بين المركز الأوربي الغربي وبقية العالم.
في حالة المغرب نقف في هدا التحول عند أبرز المحطات:
- هزيمة المغرب العسكرية امام فرنسا في معركة أسلي سنة 1844م وابرام معاهدة لالا مغنية سنة 1845م، هده المواجهة العسكرية أظهرت تخلف الجيش المغربي سواء من حيث التنظيم المبني على عنصري الجهاد واستنفار القبائل، او من حيث التسليح وعدم قدرته على مجابهة الترسانة العسكرية الفرنسية فكان توقيع معاهدة 1845م التي تركت امتيازا استراتيجيا لصالح فرنسا عن طريق التحكم ومراقبة الأراضي المغربية جنوب ثنية ساسي.
- المعاهدة التجارية المغربية الإنجليزية سنة 1856م والتي تبين نضج الرأسمالية الإنجليزية وريادتها في غرب اوروبا من خلال رغبة الانجليز في عدم ترك غرب المتوسط الاستراتيجي للفرنسيين والاسبان والحصول على مكاسب تجارية نفعية من أهمها تحرير المبادلات التجارية وتعزيز القدرات الاستثمارية في المراس المغربية، خاصة وان الانجليز كانوا يربطون بين تعزيز مكانتهم التجارية في غرب المتوسط وتطلعهم الى فتح قناة السويس شرق المتوسط. اما في شق التعاون الأمني فقد حصل الانجليز على حق استخدام السواحل المغربية كمرافئ لسفنها وأيضا الحق في بناء قواعد عسكرية. ونصت أيضا هده المعاهدة على اسقاط حق الانفراد بتصدير مواد معينة الا للخواص من التجار مثل مواد القمح والشعير والاغنام والصوف.
- الحرب المغربية الاسبانية 1859م-1860م والتي شهدت أيضا هزيمة الجيش المغربي واحتلال مدينة تطوان وقد تطرق فردريك انجلز لهده الحرب في مقالة بعنوان The Morish war أشار فيه الى عدم قدرة الاسبان على خوض معارك جديدة في افريقيا وتخلف العتاد العسكري وضعف تنظيم الجنود المهدد بضعف التأطير والجوع.
هده الحرب نتج عنها معاهدة أخرى فرضت التزامات مالية على المغرب (20 مليون بسيطة) تؤدى مما تبقى من رصيد الجبايات لصالح الخزينة الاسبانية، كما رسخت المعاهدة للتواجد العسكري الاسباني جنوب المتوسط الغربي بدعم من فرنسا وقد يكون في دلك رغبة الأخيرة في التضييق على المصالح البريطانية التي لم تكن تنظر بعين الرضى لاي تواجد فرنسي قبالة جبل طارق.

لقد عجزت البنى الاقتصادية والاجتماعية التقليدية على صون استقلال المغرب وارتمت السياسات السلطانية في نيران الاقتراض لسد الخصاص بين الإنتاج والاستهلاك تارة ولتمويل الصراعات حول العرش تارة أخرى، وفشلت خطط الإصلاح لتعجل بالتقهقر وفقدان السيادة، لكن أسباب الانحدار ودواعي الاقتراض والارتماء في أحضان المؤسسات المالية الدولية والقبلية السياسية والمضاربات والاحتكارات...عوامل مازالت مستمرة في النسيج المجتمعي المغربي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حاكم دارفور: سنحرر جميع مدن الإقليم من الدعم السريع


.. بريطانيا.. قصة احتيال غريبة لموظفة في مكتب محاماة سرقت -ممتل




.. عائلات المحتجزين الإسرائيليين يضرمون النيران بشوارع تل أبيب


.. بإيعاز من رؤساء وملوك دول العالم الإسلامي.. ضرورات دعت لقيام




.. بعبارة -ترمب رائع-.. الملاكم غارسيا ينشر مقطعاً يؤدي فيه لكم