الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السينما الكتاب والجريدة ضحايا الهجمة الشرسة للعولمة !

عزيز باكوش
إعلامي من المغرب

(Bakouch Azziz)

2023 / 8 / 20
الصحافة والاعلام


ثلاث ضحايا لفورة الميديا الرهيبة، أولهم القاعات السينمائية، ثم المكتبات الثقافية ، بعدهما أكشاك الصحف والجرائد اليومية. تباعا تندحر الواحدة تلو الأخرى في زحمة صمت عولمي فجائعي. فاسحة المجال لقيم وممارسات جديدة مستحدثة . فعلى صعيد الفن السابع ، ثمة إجماع وطني من قبل النقاد في المجال السمعي البصري عموما، ونقاد الفن السينمائي على نحو خاص حول اندثار القاعات المخصصة للعروض السينمائية وامحائها لتتحول إلى فضاءات للخدمات وللاستهلاك الاجتماعي على نحو مفجع، كما أن قاعات السينما التي تم إنشاؤها مع دخول الاستعمار الفرنسي أو الإسباني في شمال المملكة بداية الخمسينيات فما فوق، قد تم إعدامها بالكامل دون رحمة أو شفقة مع استثناء نشاز. ذلك أن المتأمل في حجم وعدد قاعات السينما بالمغرب قبل أربعة عقود مضت، سيصاب بالدهشة والذهول معا. فالعدد الذي قارب الألف قاعة في عهد الاستعمار البغيض لا يتعدى اليوم بضع عشرات متناثرة على الجهات 12 بالمملكة زمن الاستقلال المجيد .
لقد بات من المؤكد أن ماضي السينما ليس كما هو عليه الحال هي اليوم مع بداية الألفية الثالثة، لا سيما مع فورة الميديا الرهيبة التي يعيشها العالم في العصر الراهن. ثمة هوة سحيقة غير قابلة للتجسير إن على مستوى عدد القاعات السينمائية المتبقية ،أو على صعيد السينما كمفهوم ثقافي تشكل في ذاكرة الإنسان إبداعيا منذ قرنين من الزمن. ومع اندثار هذه القيم الثقافية، الأكشاك الجرائد والمكتبات الثقافية بتم الإعلان رسميا عن موت القراءة بمعنى ما ،كنتاج لنقص فادح في مبيعات الكتب والجرائد الورقية وترسيخ بديل رقمي لها . كما أن اندثار قاعات السينما يفضي إلى اغتيال منهج لملكة الجمال والفن وأغدام للفرجة الجماعية. والمحصلة ،تقلص فكري وجمالي مهيب ووضع مريب، يمس ثلاثة من أسمى قيم المعرفة والثقافة الكونية عند بني البشر. محدثا شرخا عميقا في الذاكرة الثقافية بمعناها الكوني الفسيح
بمدينة تازة لم يتجاوز عدد القاعات السينمائية بداية الستينيات أربع قاعات. واحدة "سينما الأطلس" بتازة العليا ،وثلاث قاعات بتازة السفلى - كوليزي - ما جستيك - فريواطو. لكم يبدو ألأمر أشد إيلاما ،فبعدما كانت هذه العلامات مؤشرات حقيقية على بعث روح المجتمع الحداثي وتوسيع قاعدة التعلق الاجتماعي بالفن الإبداعي جماليا ، وخلق مساحة لاستقطاب الحرفيين والمهنيين والصناع إلى عالم الفن والجمال والثقافة البصرية . أصبحت اليوم مؤشرات على انحدار أخلاقي رجيم . فقاعة السينما تحولت الى مقهى تلملم أوجاع شباب الدرب بالمخدرات . أما أكشاك الجرائد فقد باتت بدورها محلات للوجبات السريعة . فيما المكتبات ليست أفضل حالا فهي عبارة عن صور وخطوط وألوان باهتة في مهب الفصول

في مدينة تطوان وبداية من فترة الثمانينيات، توزعت ست قاعات للعروض السينمائية بوسط المدينة وحدها فيما تناثرت عن خمس مسارح في أرجاء متباينة من المدينة الأنيقة على الدوام. يعتبر مسرح إيزابيل الثاني 2 أول بناية مسرحية شيدت بالمغرب عام 1860 إبان الاحتلال الإسباني لمدينة تطوان، وتشير العديد من التقارير والمصادر التاريخية أن مهندسا عسكريا يدعى "لوبيز كمارا" أشرف بنفسه على تشييد أول وأكبر بناية مسرحية بالمغرب في المنطقة المعروفة ب ” الفدان” ساحة المشوار حاليا وكان يتسع لحوالي 1882 متفرج. هناك أيضا مسرح "باهية" توقف عن تقديم الفرجة المسرحية سنة 1970 ، ليتحول إلى موقف عمومي لركن السيارات قبل أن يغلق بشكل نهائي إثر أشغال تهيئة ساحة القصر الملكي بتطوان .
ووفقا لذات المصادر ،بحي المصلى القديمة بتطوان بالقرب من باب الرموز الشهيرة يوجد مسرح الملكة فيكتوريا أو المسرح الوطني. وتبلغ مساحته 1053 متر م فيما طاقته الاستيعابية 850 مقعدا "ووفق أدبيات الاحتلال الاسباني فإن إطلاق اسم الملكة فكتوريا على هذا المسرح جاء بخلفية كولونيالية مسيحية . وعملا بوصية الملكة إليزابيث القاضية برفع الصليب على أرض إفريقيا. وفي عام 1914 سيتم تغير اسم مسرح الملكة فيكتوريا إلى "المسرح الوطني" ويعتبر مبنى مسرح فيكتوريا من أقدم البنايات المسرحية المشيدة ،والتي لا تزال إلى يومنا هذا بالمغرب إلى جانب مسرح سيرفانتس بطنجة. لكن لذات الأسباب سيغلق هذا المسرح أبوابه بشكل نهائي في منتصف الثمانينات مع بداية موجة تقلص عدد القاعات السينمائية بالمغرب نتيجة طبيعية لسطوة العصر الرقمي .
أما بحي بابييونيس بشارع الزرقطوني الذي لا يزال يعج حتى اليوم بالجالية الإسبانية ، فنعثر على بناية مسرح إيديال وقد تخصص حسب بعض المصادر في عرض الأفلام الإسبانية، وكان مسرحا عاريا وموسميا أي ثلاثة أشهر كل سنة. يتسع لحوالي 500 متفرج . ومع مرور الوقت سيتحول إلى مرآب عمومي للسيارات .
ولليهود المغاربة إسهام كبير في الاستثمار في مجال السينما . ولعل سينما فيكتوريا التي توجد بحي “مالقا” سابقا “الباريوم” حاليا وهو حي شعبي يعرف كثافة سكانية عالية تدخل في هذه الموجة . وترجع المصادر تاريخ بنائها من طرف مواطن يهودي يدعى إسحاق ميناسي بن عطار سنة 1945. وكان يدخلها الجنود العسكريون الإسبان. وهي صغيرة المساحة مقارنة مع مثيلاتها. وبعد خضوعها للترميم وإدخال بعض الإصلاحات ستنتقل ملكيتها من المواطن اليهودي إلى أحد أعيان تطوان . وفي سنة 2007 سيتم إغلاقها وبشكل نهائي.
وبجوار باب العقلة توجد سينما "المنصور" التي تورد المصادر ذاتها أن تسميتها جاءت تسميتها كتحدي لسينما فيكتوريا والتي تعني الانتصار. ووفق المصادر ذاتها فإن سينما المنصور أول من تخصص في عرض الأفلام المصرية. ثم ما لبثت أن غيرت عروضها نحو الأفلام الأجنبية الهندية والألبانية والفرنسية. وكانت على ذمة الوراثة ما تسبب في إغلاقها عام 1977. فبعد أن أقيمت فوقها عمارة سكنية، ولا تزال تستعمل حتى اليوم كمرآب للسيارات."
وفوق مساحة تقدر ب 350 م م بساحة مولاي المهدي بوسط مدينة تطوان شيد أحد المواطنين اليهود سينما" ميسيون كاطوليكا" وكانت متخصصة في الأفلام الوثائقية الخاصة بالمسيحية موجهة تحديدا للأطفال الأقل من 16 سنة. وتتسع لـ 250 مقعد. وبحلول سنة 1988 تم بيع العقار المذكور إلى شركة وفا بنك
أما بناية مسرح إسبانيول ،أو مسرح ابن العربي الطريس فتوجد بالقرب من ساحة المشوار. وقد تم تشييده في الثلاثينات من القرن الماضي . ويضم مسرحا وقاعة سينمائية لا زالت قائمة إلى اليوم . وتعود تسميته بمسرح إسبانيول الى كونه ملتصقا بالمعهد الاسباني ” سيرفانتيس ” وشيد مسرح إسبانيول مساحة 1000 متر مربع ويحتوي على 3 طبقات ويتسع لـ 1000 مقعد . وسبق لهذا المسرح أن احتضن العديد من المهرجانات السنوية ذات الصبغة العربية والعالمية .
وغير بعيد من مسرح إسبانيول تتواجد سينما مونيمنطال” بنيت سنة 1943 وشيدها” داميان سالاس كفارون” مساحتها 900 متر مربع وتتسع لـ 950 مقعد ولها واجهتان” شارع محمد الطريس والمقاومة” وعرفت إصلاحات في أواخر سنة 2008.
ويروي الصحفي حفيظ أبو سلامة أنطولوجيا سينما “ أفينيدا ” أو الشارع الكبير في روبررطاج خاص أن الأمر يتعلق بتحفة معمارية مساحتها 1100 متر بنيت سنة 1948 من طرف ” خوسي بودرا ” وكان بائع للماء بشوارع تطوان قبل الحرب الأهلية الإسبانية ثم ناقل للركاب بواسطة عربة مجرورة وهو الذي سيؤسس الخطوط الوطنية المغربية” la balenciana ” والتي ستتحول فيما بعد الى شركة ” ستيام ” وهو مؤسس المركب السياحي ” كابيلا وتحولت ملكيتها سنة 1974 الى ” الحاج بوديح ” وهو مالكها الحالي وتتسع أفينيدا الى ما يزيد عن 1100 مقعد موزعة على النحو التالي : ” كلوب 70 مقعدا” ” بوتاكا وتعني مقعد مريح 450 مقعد” و” برنسيبال 480 مقعد” وتحتوي على شرفتين ” balcon ” الأول كان مخصص لممثل السلطة الاسبانية في عهد الحماية والأخر لممثل السلطة المغربية ، وتم إصلاحها بشكل جذري وتجهيزها بأحدث التقنيات السمعية البصرية سنة 1997 .وتحتضن أفينيدا المسابقة الرسمية لأفلام مهرجان تطوان السينمائي وأسبوع الفيلم الأوروبي. "
عندما نهجر مكتبة ،ونغلق كشك جرائد ، ونعدم قاعة سينمائية ما الذي تبقى للحلم النهضوي العربي ؟ أليس في الأمر تهديد صريح بالتوجه نحو الظلام والتخلف ؟ ألا يشكل ذلك تهديدا مباشرا لكل عملية تنموية للمجتمع وفق أبعاد حداثية تساير العصر وتحاكيه؟
ألم تقدم السينما خدمة تنموية للمجتمع العربي عبر عقود مضت؟ ألم تؤثر السينما فنيا وجماليا وعلى نحو إيجابي في بلورة أحلام الشباب ؟ ألم ترسخ في أذهانهم ملامح المشروع الثقافي النهضوي باعتبار الثقافة والفن من أسمى أسس الإرتكاز لكل نهضة ؟ ألم تشكل السينما بوجباتها أطباقا فكرية متنوعة للتحرير من النمطية وفتح آفاق الخيال والإبداع ؟ ما يقال عن السينما ينسحب على الكشك والمكتبة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحدي اللهجة السودانية والسعودية مع اوسا وفهد سال ??????????


.. جديد.. رغدة تتحدث عن علاقتها برضا الوهابي ????




.. الصفدي: لن نكون ساحة للصراع بين إيران وإسرائيل.. لماذا الإصر


.. فرصة أخيرة قبل اجتياح رفح.. إسرائيل تبلغ مصر حول صفقة مع حما




.. لبنان..سباق بين التهدئة والتصعيد ووزير الخارجية الفرنسي يبحث