الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العسكر وإمبراطورية الكذب

سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)

2023 / 8 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


العسكر طاعون الشعوب - الحلقة الثااثة

٨ - أحد تداعيات العنف والحرب هو إإستيلاء المؤسسة العسكرية على جميع وسائل الإعلام ونشر الدعاية الكاذبة والتعتيم وإقصاء الحقيقة عن الشعوب، مثلما يحصل حاليا في أوروبا وأمريكا بخصوص الحرب في أوكرانيا، حيث منعت في أوروبا وأمريكا كل وسائل الإعلام الروسية أو المساندة لروسيا. وقد ندد شومسكي Noam Chomsky، المفكر الأناركي الأمريكي بهذا التعتيم قائلا : أحد الأسباب التي أدت إلى حجب وسائل الإعلام الروسية تمامًا في الغرب، إلى جانب السيطرة والرقابة غير المسبوقة على رواية حرب أوكرانيا، هو حقيقة أن الحكومات الغربية ببساطة لا تريد أن يعرف جمهورها أن العالم يتغير بشكل كبير. قد يكون الجهل نعمة، ويمكن قول ذلك في بعض المواقف، ولكن ليس في هذه الحالة. هنا، يمكن أن يكون الجهل كارثيًا حيث يُحرم الجمهور الغربي من الوصول إلى معلومات حول وضع حرج يؤثر عليهم بطرق عميقة وسيؤثر بالتأكيد على الجغرافيا السياسية للعالم لأجيال قادمة".
وسياسة التعتيم تساندها القصص الكاذبة والمختلقة التي يروجها السياسيون لتبرير البرامج المتفق عليها مسبقا من قبل الجنرالات كما حدث في الهجوم على العراق ثم على ليبيا فيما بعد. حيث قيل لنا إن ديكتاتور العراق كان مزمعاً على استخدام أسلحة الدمار الشامل التي بحوزته، وبأن قواته قادرة على نشرها "في غضون 45 دقيقة فور تلقيها الأوامر للقيام بذلك" من خلال استعمال "مروحة واسعة من قذائف المدفعية والقنابل غير الموجهة والرشاشات والصواريخ الباليستية". حياة البريطانيين كانت على المحك مع وجود القواعد العسكرية في قبرص ضمن نطاق الهجوم. وقد عبر رئيس الوزراء البريطاني توني بلير عن هذه المسألة : "يملك صدام حسين خططاً عسكرية جاهزة وفعالة لاستعمال أسلحة كيماوية وبيولوجية، التي يمكن تفعيلها خلال 45 دقيقة، وهو يحاول بشكل نشط للحصول على أسلحة نووية". وفي خطاب آخر، دخل في تفاصيل دقيقة ومرعبة: "المواد البيولوجية التي نعتقد أن العراق قادر على إنتاجها هي الانتراكس وتوكسين البوتولينوم والافلاتوكسين والرسين، وهي أسلحة تؤدي إلى موت مؤلم ومحتم". والكل يتذكر صورة الجنرال كولن باول، وزير الخارجية الأميركي أمام مجلس الأمن في الأمم المتحدة في الخامس من فبراير 2003 وهو يحمل بيده زجاجة (تحتوي على الانتراكس) كدليل على وجود أسلحة الدمار الشامل في العراق، وقال وهو يلوح بالقارورة المزيفة : "زملائي، كل تصريح أقوم به اليوم مدعم بالمصادر الموثوقة. إن ما أقوله ليس مجرد ادعاءات. نمنحكم وقائع وخلاصات قائمة على معلومات استخبارية متينة". ولكن، كما تكشف لاحقاً، لم يكن أي من ذلك قائماً على استخبارات متينة، ومن دون أي استثناء، كل المزاعم التي بنيت حول أسلحة الدمار الشامل في العراق انهارت وتداعت خلال الأشهر اللاحقة. وتبين أن كل الأسباب التي قدمت لتبرير الحرب كانت كلها مزيفة ومختلقة.

٩ - ولكننا نتذكر أيضا صورة وزير الدفاع العراقي وهو يصرح عن قرب انتصار جيشه وهزيمة الجيش الأمريكي، رغم الدخان المتصاعد وراءه، والناتج عن بغداد وهي تحترق، ستبقى هذه الصورة مطبوعة في الأذهان لعقود قادمة، ستبقى تعبيرا عن فشل هذا الجيش وقيادته، وتعبيرا عن عدم قدرته وعجزه، وأنه لم يكن يمتلك لا الإمكانيات الإنسانية، ولا الصناعية، ولا التنظيمية للقيام بمهمة الدفاع عن العراق. وذلك لأن مهمته كانت مهمة أخرى. وهذا المثال ينطبق بطبيعة الحال على الجيش الليبي وكل الجيوش العربية والإفريقية، كما ينطبق أيضا على بعض جيوش دول آسيا وأمريكا الجنوبية. غير ان اختفاء الجيش العراقي، واختفاء وتحلل الهيكل السياسي، هو الذي وضع الشعب العراقي أمام مسئوليته الوحيدة، وهي الدفاع عن نفسه بنفسه. فبدأ في تنظيم المقاومة، مثلما فعل الشعب الفلسطيني والفيتنامي والجزائري من قبله. ونحن نعرف اليوم، وبطريقة علمية واضحة، أن المنتفع الوحيد من جيوش العالم الثالث، هو العالم الرأسمالي نفسه. إن دول أوربا الكبرى هي التي تبتلع ميزانيات ودخل العالم الثالث، مقابل الحديد والرصاص، هذا من ناحية. ومن الناحية الأخرى، تستعمل الدول الرأسمالية هذه “الجيوش” في شن حروب محلية، أو جانبية لخدمة الرأسمالية نفسها، وجعل مناطق كاملة من الكرة الأرضية في حالة توتر مستمر، وقابلة للاشتعال في أية لحظة تشاء.

١٠ - وتبدو شبكة العلاقات الدولية كشيء بالغ التعقيد، وتحتاج إلى مئات المفكرين والمتخصصين، ليصلوا إلى صورة واضحة وكاملة لهذه العلاقات، بما فيها من مصالح اقتصادية متناقضة، وقوانين دولية، واتفاقات أممية وإقليمية. غير أن الحقيقة كما هي في عريها وبساطتها، واضحة ولا تحتاج سوى إلى حسن النية للوعي بوجودها. ولا نستطيع أن نطالب ـ ولا أقول ندّعي ـ بالحرية والديمقراطية والعدالة والمساواة دون أن نضع “الجيش” والمؤسسة العسكرية بأكملها ليس فقط “بين قوسين“، وإنما إلغاءها من الوجود نهائيا، والتخلص من هذه الآلة الجهنمية التي لم تنتج حتى اليوم سوى الجثث والدمار والخراب. في تلك اللحظة فقط يمكن الحديث عن الحرية والديمقراطية والمساواة بين المواطنين. في هذه الحالة فقط يتخلص الإنسان العادي من الخوف المعشش في صدره ورأسه ومعدته.

١١ - ولا شك أن الخط الوحيد الفاصل بين عالم مستنير ومتقدم ويصبو نحو "الخير" وبين العالم المتخلف البدائي، هو التخلص من فعل "القتل" مرة واحدة وإلى الأبد، مهما كانت الأسباب والدوافع والمواقف، وبالتالي إلغاء عقوبة الإعدام على المستوى الدولي من جميع القوانين والدساتير. أما الخطوة الثانية فهي حل الجيوش المختلفة، جميع الجيوش، ونزع السلاح ومنع صناعته وإنتاجه دوليا. وبدون هذا الحل الإنساني البسيط، ستبقى البشرية تتخبط في غياهب عصور الظلام والبدائية فاقدة لأبسط المعايير الأخلاقية التي تكفل حق الحياة للجميع في عالم يسوده السلام والعدالة الإجتماعبة.
- إن الشعب المعاصر الذي يتمكن بإرادة حرة من حل الجيش وتسريحه، ويحطم كل الأسلحة المتراكمة في معسكراته المختلفة، هو الشعب أو المجتمع الذي سيمثل في الواقع، وعلى المستوى العالمي أو الدولي، وعلى المستوى التاريخي، تقدما نوعيا لا تضاهيه أقوى الأسلحة النووية الحاضرة والقادمة. وسيمثل هذا المجتمع قفزة على المستوى الحضاري لا يمكن أن تظل بدون نتائج مستقبلية. غير أنه في انتظار تحقيق هذه المعجزة، اشرب قهوتك، وصلّ للأرض والسماء أن تقينا من شر العسكر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صورة مفجعة لفلسطينية في غزة تفوز بجائزة -أفضل صورة صحافية عا


.. وسط تفاؤل مصري.. هل تبصر هدنة غزة النور؟




.. خطوط رفح -الحمراء- تضع بايدن والديمقراطيين على صفيح ساخن


.. تفاؤل في إسرائيل بـ-محادثات الفرصة الأخيرة- للوصول إلى هدنة




.. أكاديمي يمني يتحدث عن وجود السوريين في أوروبا.. إليك ما قاله