الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المثقف العربي بين المطرقة والسندان

عزالدين معزة
كاتب

(Maza Azzeddine)

2023 / 8 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


أن أزمة المثقفين العرب هي اليوم أخطر بكثير مما كانت عليه خلال مرحلة الاستعمار الأوروبي، حيث كان المثقف العربي في تلك الفترة مدافعا شرسا عن مقومات الأمة من لغة وتاريخ ودين وحرية وعدالة اجتماعية، وكانت مشاركتهم فعالة في تنوير المجتمع وايقاظه من سباته ونذكر على سبيل لا الحصر الشيخ عبد الحميد بن باديس وعبد الكريم الخطابي وسعد زغلول ومصالي الحاج وفرحات عباس وعبد الرحمن الشهبندر و إميل أده وغيرهم ..الخ
لا أحد يستطيع أن ينكر الدور الهام الذي قام به هؤلاء المثقفون السياسيون لتنوير شعوبهم وتحرير اوطانهم من الاستعمار الأوروبي.
لكن بمجرد أن نال العالم العربي استقلاله بدأ المثقف العربي يفقد تدريجيا مكانته في المجتمع ومكانته الريادية التنويرية، ليؤول اليوم إلى وضع متدن بائس وميؤوس منه، ارجعه بعض الباحثين الى خيانة المثقفين لرسالتهم وبحثهم عن المال والشهرة على حساب كرامتهم وثقافتهم، وارجعه آخرون إلى طبيعة الأنظمة العربية الشمولية الرافضة لأي نقد ومعارضة لها " لا أريكم إلا ما أرى "
هل فعلا يمثل المثقفون صفوة المجتمع ونخبه؟
فإذا ما اعترضت المثقفين مشكلة ما سواء كانت سياسية او اجتماعية او اقتصادية وغيرها، ولم يستطع المثقفون الخوض فيها ‘فإن المشكلة فيهم وليست في المشاكل، للأسف مثقفو العرب انزوا في زاوية ضيقة وسكتوا إما خوفا من الأنظمة العربية أو من المجتمع العربي الذي تغلب عليه العاطفة والمزاجية وسرعة انقياده وراء ابواق السلطة والاقلام المأجورة.
فانعزل بذلك المثقف عن المجتمع وظل بعيدا عنه، لا يهتم بمشاكله ولا يدافع عن المظلومين والمحرومين الأمر الذي أوقعه في أزمة فعلية، أفقدته مشروعيته وشككت في مصداقيته وحتى مستوى تعليمه وثقافته أمام عامة الناس، لتصبح هذه الأزمة محط نظر ومساءلة الهدف منها ليس فقط عن مكانة ودورالمثقف في المجتمع بقدر ما هي إعادة مكانته كذات فاعلة فيه. مما أدى بالعديد من المفكرين والباحثين العرب إلى مقاربة هذه الأزمة، وتصور حلول لها كل من منظوره الخاص، ليبرز من بين هؤلاء قراءات، الجابري وأركون وإدوارد سعيد وعلي حرب وغيرهم.
إن قراءة واقع الثقافة السياسية العربية تكشف عن صدمة قوية وخطيرة في نفس الوقت، ولعل أهمها: هل توجد ثقافة سياسية؟ هل يوجد مثقفون سياسيون؟ هل هي أزمة ثقافة أم أزمة مثقفين؟ ما طبيعة علاقة المثقف بالسلطة والمجتمع؟ هل يمكن الحديث عن مشروع اجتماعي وسياسي وثقافي عربي جديد؟ ما هي أسسه ومرجعتيه العقائدية والفكرية الأيدولوجية؟ ما هي أهدافه الدينية والدنيوية المادية والمعنوية؟
فهل سيبقى المفكرون العرب على ما هم عليه أم تراهم سيحققون مناخا ثقافيا وفكريا يحقق سموهم وارتقائهم الحضاري وينتزعهم من الواقع المزرى الذي وضعوا أنفسهم فيه أو وُضعوا فيه رغم أنفهم، وهل باستطاعة المثقفين العرب أن يخلقوا دورا ورؤية في عالم كل ما فيه متغير وسيبقى متغيرا؟ أمل كبير يبنيه الشارع العربي على مثقفيه ولكن هل سيكون المثقفون العرب أهلا للمسؤوليات الملقاة على عاتقهم وأهلا لما يعلقه الشعب عليهم من آمال؟
ما هو دور المثقف في المجتمع؟ وما هي علاقته بالسلطة؟ أسئلة تفرض نفسها في الوطن العربي خاصة في الأزمات المتعاقبة والعويصة. في البداية نتساءل عن مكانة المثقف في المجتمع وعن وضعيته وعن الدور الموّكل إليه. ولماذا نتكلم دائما عن أزمة المثقف؟ لماذا مثلا لا نتكلم عن المثقف العضوي في المجتمع، المثقف الذي ينتقد ويقف على هموم وشجون المجتمع، المثقف الذي يعمل على تغيير الواقع وليس تكريسه، المثقف الذي يساهم في صناعة الفكر والرأي العام، المثقف الذي يحضّر مجتمعه شعبا وقيادة لمواكبة التطور الإنساني والحضاري والتفاعل الإيجابي مع ما يحدث في العالم. في البداية تجب الإشارة إلى ضرورة النظر إلى المثقف كجزء فرعي من نظام كلي وهو المجتمع، ونتساءل هنا هل المثقف ينتج المجتمع أم أنه جزء من المجتمع. فالمثقف عادة ما يكون مرتبطا بواقعه وبمجتمعه يتفاعل معه، يؤثر ويتأثر به. لكن الإشكالية التي تطرح هنا تتمثل في ماهية وطبيعة العلاقات التي يقيمها المثقف مع الجهات المختلفة الفاعلة في المجتمع. وهنا نقف عند علاقة المثقف بالسلطة، هل هي علاقة تملق وذوبان في هذه السلطة أم أنها علاقة احترام متبادل وبذلك إمكانية التأثير وإبداء الرأي والاختلاف وصولا إلى علاقة التضاد. ما هي إذن علاقة المثقف العربي ببيئته؟ أي علاقة المثقف بالسلطة وعلاقة المثقف بالجمهور وعلاقة المثقف بالقضايا اليومية للمجتمع وعلاقة المثقف بالقضايا الطارئة. ففيما يتعلق بعلاقة المثقف بالسلطة بقيت الأمور على حالها رغم المطالبة بتجسير الفجوة الموجودة بينهم، والمحاولات القليلة التي سجلت كانت مع الأسف الشديد من قبل المثقفين إزاء السلطة ومن جهة واحدة الأمر الذي يدعو إلى التشاؤم والتحسر على واقع سلبي للغاية في عصر العولمة والثورة المعلوماتية. فالمثقف في هذه الظروف يبقى أسير نفسه يعمل ليل نهار على إرضاء السلطة والتنظير لها وتبرير كافة أعمالها سواء كانت صائبة أو خاطئة. هذه النوعية من المثقفين تسمى بأشباه المثقفين وإذا انتشرت في المجتمع فإنها تنشر ثقافة الاستسلام والرضوخ وثقافة التملق والنفاق والقضاء على بذور الديمقراطية من أساسها لأن الديمقراطية تقوم على المعارضة والاختلاف في الرأي ولا معارضة ولا رأي من دون فكر ولا استقلالية في التفكير من دون حرية وبدون مبادئ.
أما عن علاقة المثقف بالجمهور فالمعادلة هنا واضحة جدا فكلما اقترب المثقف من السلطة ابتعد عن هموم ومشاكل ومطالب الجماهير، وكلما صبّ جل اهتمامه على إرضاء السلطة وتبرير أعمالها وأفعالها وكلما أصبح همّه ذاتيا انسلخ نهائيا عن واقعه الحقيقي وعن دوره التنويري في المجتمع. ومن هنا نلاحظ أن القضايا الرئيسة والمهمة والقضايا الحية الأساسية تكاد تنعدم في أجنده المثقفين العرب وما يطرح ويناقش لا يرقى إلى مستوى الطرح الجريء والموضوعي والناقد. وأخطر ظاهرة نعيشها في أيامنا هذه هي الإعلام الفضائي العربي الذي أصبح ينظّر للفساد ويبرر الاستبداد ويدعي المهنية والحرفية والحرية والطرح الشجاع من خلال استضافة أشباه مثقفين وأقلام مأجورة لمناقشة مواضيع مهمة وحساسة بطريقتهم الخاصة، طريقة التبسيط والتسطيح والخدش والشتم والتشهير وقلة الحياء. أين نحن إذّا من تحديات الألفية الثالثة ومن القضايا المصيرية والتحديات التي تواجه العالم العربي وحالة المثقفين في هذا الوطن الكبير، سواء المهاجر منهم أو المغترب أو المستأجر أو المهمّش أو الذي أقصته القوى الخفية ومسحته من خريطة المجتمع حالة لا تستطيع أن تؤهل المثقف مهما كانت فصيلته من القيام بذلك الدور الريادي في المجتمع، ذلك الدور الذي حدده "نعوم تشومسكي" في إشهار الحق في وجه السلطة، والذي حدده الفيلسوف الإيطالي "جرامشي" في دور المثقف العضوي الذي يحمل هموم المحرومين والمهمشين والذي ينظر وينشر الوعي والفكر العمالي من أجل انتصار الغالبية العظمى في المجتمع على القلة القليلة التي تتلاعب بثرواته وخيراته.
التجارب التاريخية في وطننا العربي تشير الى مرض الاغتراب والتهميش والاقصاء الذي عانى ومازال يعاني منه المثقف العربي عبر الاجيال والعصور ففقدان الحرية والديمقراطية وانتهاك حقوق الانسان كلها عوامل أدت الى اغتراب المثقف العربي وتهميشه، داخل وطنه
حيث أصبح من الغرباء فيه لا يتعرف عليه ولا يتفاعل معه كما ينبغي لأنه إذا فعل ذلك مصيره يكون مجهولا، أو أننا نجده يلجأ إلى الهجرة طلبا للحرية ولمتنفس يجد فيه مجالا للتفكير والإبداع، لكن تبقى الغربة والعيش خارج المحيط الطبيعي للمثقف بمثابة الموت البطيء. والمثقف مهما كانت الصعاب والمشكلات والعراقيل يبقى دائما مسؤولا إزاء مجتمعه لتحقيق الأهداف النبيلة التي يناضل من أجلها وهي العدالة والمساواة والحرية والقيم الإنسانية النبيلة ومن أهمها توفير الظروف المناسبة للفكر والإبداع.
إن الأنظمة العربية كلها تقول للمثقفين ولرجال الاعلام “كونوا بين يدي السلطة كالميت بيد مُكَفنه ”، هي نفسها ثقافة “لا تجادل ولا تناقش ” ثقافة خضوع وعبودية واستعباد بمسميات مختلفة، ثقافة واحدة تلغي الحرية ولا تحترم العقل بل وتلغي وجودهما، وهي قيد للعقل وخصي للإبداع، هي ثقافة صناعة العبيد، والعبد ألة إنتاج، وليس عقلاً مبتكراً أو مبدعا، هي ثقافة تستهلك الحضارة ولا تنتجها، تقود المنتسبين لها للخروج من الحضارة بل ومن الوجود ذاته.
أزمة المثقفين والثقافة العربية بكل مكوناتها هي أنها تستخدم نفس أدوات التراث المعرفية التي أنتجت ذات التراث المعيق والمغلوط أياً كان مسماه، فقهي قومي يساري ليبرالي، وهي هنا تُعيد إنتاج نفسها بصور مختلفة وتسميات جديدة، معتقدة أنها أحدثت تجديداً وتغييراً ثقافياً بينما هي لا تزال أسيرة ذات التراث.
كن كلما تعقدت آليات الاتصال والتواصل في المجتمع وكلما اصبحت عسيرة ومفتعلة ومتملقة ومنافقة كلما زادت مشاكل المجتمع وتفاقمت، وكلما زاد سوء الفهم وانعدم التفاهم والحوار واحترام الآخر.
هذا ما يقودنا للكلام عن الثقافة التي افرزتها القوى المختلفة في المجتمع، فهذه الثقافة هي بكل وضوح ثقافة التبرير والتملق والتخدير والتزييف، وكأن الهدف في نهاية المطاف هو تجهيل الرأي العام وتخديره بدلا من توعيته والرقي به الى مستوى الفعل والمشاركة في صناعة القرار وفي تحديد مصيره ومكانته بين الشعوب والأمم.
إن المثقف ليس مجرد باحث متبحر في بعض ميادين العلم والمعرفة، ولكنه أيضًا “مسؤول” ينبغي عليه أيضًا أن ينخرط في أتون الهموم العامة لمجتمعه، وخصوصًا إذا كان المجتمع يعاني من مشاكل حارقة كالمجتمع العربي والإسلامي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فصل جديد من التوتر بين تركيا وإسرائيل.. والعنوان حرب غزة | #


.. تونس.. مساع لمنع وباء زراعي من إتلاف أشجار التين الشوكي | #م




.. رويترز: لمسات أخيرة على اتفاق أمني سعودي أمريكي| #الظهيرة


.. أوضاع كارثية في رفح.. وخوف من اجتياح إسرائيلي مرتقب




.. واشنطن والرياض.. اتفاقية أمنية قد تُستثنى منها إسرائيل |#غرف