الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المطران المُغيَّب في عيد ميلاده الـ75

سعيد لحدو

2023 / 8 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


لم يكن خطف وتغييب المطرانين يوحنا ابراهيم وبولس يازجي منذ عشرة أعوام ونيِّف، حادثاً عرضياً وقع في أجواء الفوضى العارمة التي اجتاحت سوريا في بدايات الثورة ضد النطام، وتهافت العصابات المسلحة المتعددة الانتماءات والمرجعيات والأهداف لتحصيل مكاسب مادية، كطلب فدية وما شابه. لكن حادثة الخطف هذه والتغييب المثير لألف إشارة استفهام، والتي لم تترك أية آثار خلفها، هي بلا شك، حادثة مدروسة ومخطط لها بعناية فائقة تتعدى بكثير إمكانات وأهداف أية مجموعة مسلحة عادية مهما كانت غاياتها وقدراتها. مما يعني أن هناك أجهزة مخابراتية محددة وبدرجة عالية من الخبرة والإمكانات هي التي قامت بهذه الجريمة.
وفق مجريات الأحداث التي تلت جريمة الخطف تلك، وربما التصفية ، بدا من الواضح أنها لم تتم لأهداف ومنافع مالية حيث كان وما زال محبوهما مستعدين لدفع ملايين الدولارات لإعادتهما سالمين لكنائسهم ورعيتهم. لكن الأمور لم تجرِ بهذا المنحى. بل على العكس تماماً، حيث تم طمس أي أثر لهما ولخاطفيهما كي لا تبقى أية إشارة، مهما كانت بسيطة، قد تدل على الذين قاموا بهذه الجريمة، مما يجعل الشك أقرب إلى اليقين بدوافع هذه الجريمة التي لاريب أنها مرتبطة بالوضع السياسي في سوريا، وموقف الكنائس المسيحية منه، وبخاصة بعد ثورة الشعب السوري بكل تنوعاته وألوانه في بداية الأحداث، للمطالبة بالحرية والعدالة والمساواة للجميع. وبالنظر لموقف رجال الدين المؤثر خارج دائرة المطبلين والمصفقين منهم للنظام مع كل مساوئه، يأتي موقف بطريرك الكنيسة السريانية التي كان المطران يوحنا إبراهيم المرشح الأول لترأسها وخلافة البطريرك زكا عيواص بعد تقادمه بالعمر والمشاكل الصحية التي كان يعاني منها.
وهنا كان جرس الإنذار يرن في مكاتب أجهزة مخابرات النظام للإسراع في إبعاد كاهن مهم كالمطران يوحنا الذي عُرِف عنه الشجاعة والجرأة والموقف المبدئي والكاريزما التي يصعب على النظام شراء ذمة هكذا شخصية وإلحاقها بزمرة التابعين والمطبلين له. وبخاصة إذا صعد إلى كرسي البطريركية، حيث سيكون لمواقفه صدى أوسع، ليس على المستوى المحلي فقط وإنما الدولي أيضاً. مما سيحرج النظام ويجعل مواجهة تلك المواقف أكثر صعوبة وأبلغ ضرراً.
لقد تميز المطران يوحنا ابراهيم دائماً بقوة الشخصية منذ كان راهباً. كما تمتع بالكثير من سعة الاطلاع والنظرة المستقبلية لدور الكنيسة ورجالاتها وأتباعها في بناء مستقبل واعد للمجتمع السوري ككل بمختلف انتماءاته الدينية والطائفية والسياسية. كما كانت له علاقات قوية مع جميع التيارات والأطراف السورية المتنوعة، وتعداها إلى بناء علاقات متينة مع دولة الفاتيكان وقوى ومؤسسات دولية عديدة. واستخدم تلك العلاقات على الدوام في خدمة الدور الروحي والوطني الذي رسمه لنفسه على مدى تاريخه الكهنوتي. حتى إنه قام قبيل اختطافه بزيارة للفاتيكان واستدعى أحد معارفه من أبناء الكنيسة، وهو معارض معروف، للقدوم إلى روما والتشاور بهذا الشأن لمحاولة لعب دور ما في إنهاء المشكلة السورية بتوسط الفاتيكان أو قوى دولية أخرى. وربما هذا كله، إلى جانب شخصيته القوية والمبادئ التي تحلى بها، كانت السبب الرئيس والدافع الأكبر لاختطافه وإبعاده نهائياً عن المشهد والدور الذي كان مزمِعاً أن يقوم به. وفي أغلب الظن فإن اختطاف رفيقه المطران يازجي لم يتم باعتقادنا، إلا للتمويه والتغطية على أهداف جريمة الاختطاف تلك.
والحادثة الأخرى التي تدعم قناعتنا هذه هي دفع عدد من الزعران وعملاء جهاز المخابرات العسكرية لتهديد مطران الجزيرة والفرات متى روهم بالسلاح الناري وتوجيه الشتائم البذيئة له في دار المطرانية بالحسكة لأنه رفض تشكيل ميليشيا مسلحة من أبناء أبرشيته، لدعم النظام في مواجهة الشعب الثائر. وقد أدت هذه التهديدات بالقتل، التي كانت جدية وإلى أبعد الحدود، إلى تخلي المطران متى روهم، مجبراً عن أبرشيته واللجوء إلى أوربا. وقد كان هدف هذه التهديدات من عملاء المخابرات العسكرية، إما قتل المطران على يد هؤلاء وبالتأكيد دون أية محاسبة، أو إجباره على الهروب، وذلك لأنه في الحقيقة وكما هو معروف للجميع، كان المرشح الثاني لكرسي البطريركية إن لم يكن الأول. لأنه كان ينعم بتأييد البطريرك زكا عيواص حينها.
في عيد ميلاد المطران يوحنا ابراهيم الخامس والسبعين، ماتزال جريمة الاختطاف مفقودة الأثر لأي متابع، رغم انكشاف وهزيمة معظم الميليشيات المسلحة التي كانت تشير إليها أصابع الاتهام. ومن بينها داعش، المتهم الأكبر جماهيرياً أو إعلامياً، رغم القبض على الآلاف من مقاتليها وأنصارها. ومنهم قياديين في أعلى المراكز. وهذا يضع علامة استفهام كبيرة أمام هوية المسلحين (المتطرفين) الذين قاموا بعملية الاختطاف، ابتداءً بالفرقة الشيشانية الروسية والتي قيل بأنها من خطف المطرانين وتوجهت بهما إلى جهة مجهولة، قد تكون إحدى نقاط النظام للقيام بهكذا عمليات. والجميع يعرف التعاون المخابراتي السوري-الروسي على أعلى المستويات لتجسيد أهدافهما المشتركة باستخدام الدم السوري وغير السوري.
كما يعرف الجميع أيضاً كيف اعتقل النظام معظم السياسيين السوريين المعارضين، في الوقت الذي أفرج فيه عن أعتى المتطرفين الإسلاميين وعددهم تجاوز الثلاثمائة وأربعين متطرفاً إسلامياً في شهر أيار 2011 بينهم الجولاني قائد جبهة النصرة حالياً وكذلك زهران علوش قائد جيش الإسلام الذي اغتالته قوات روسية لاحقاً. ومن المؤكد كان بين هؤلاء ضباط من المخابرات السورية وضعوهم في السجن مع المتطرفين بمهمة سرية بعد أن أطالوا لحاهم ليتمكنوا لاحقاً من قيادة المجموعات الإرهابية المختلفة وبينها داعش بعد أن تم الإفراج عنهم بقرار من بشار نفسه. وذلك لتنفيذ المهمات القذرة التي يُكلفون بها وتلقى مسؤوليتها على الإرهابيين.
يضاف إلى هؤلاء قرابة خمسمائة إرهابي من داعش سهَّل رئيس الوزراء العراقي المالكي هروبهم بخدعة مكشوفة في شهر تموز 2014 ليصلوا إلى سوريا وينضموا إلى داعش ويقودوا عملياتها هناك.
هذه الألاعيب المخابراتية الدنيئة سهلت بالطبع تنفيذ عمليات إجرامية على أوسع نطاق. ومنها خطف وتصفية أية شخصية يشكل وجودها الفاعل خطراً على النظام وأساليبه في مقاومة الشعب السوري بالقتل والخطف والإخفاء والاعتقال القسري الممنهج. وبوجود هذا العدد الكبير من عملاء المخابرات بين هذه المنظمات الإرهابية المتطرفة، يصبح من السهل إزالة آثار أية جريمة من هذا النوع وإخفاء أدواتها البشرية لاحقاً كي لا يبقَ أحدٌ شاهداً على ماحدث. وإن بقي بعضهم، فهي خطة مدروسة لتسليمهم إذا تطلب الأمر لاحقاً لمحكمة العدل الدولية ككبش فداء فيما إذا تيسر يوماً ما لهذه المحكمة جلب كبار المجرمين في النظام ورئيسه إلى المساءلة وحكم العدالة.
لقد آمن المطران يوحنا ورفيقه المطران بولس يازجي، وكذلك الأب باولو والكاهن الهولندي فرانز فان در لوغ بالقيم الإنسانية السامية انطلاقاً من إيمانهم المسيحي في خدمة الحق والعدالة والحرية. وضحوا بحياتهم من أجل تلك المبادئ، ويُنتظر من أصحاب الشأن ورؤساء الكنائس المسيحية عامة وكل من يحمل الروح الإنسانية والوطنية، عمل مايتوجب عليهم وفق إيمانهم ومبادئ عقيدتهم بالأخوة الإنسانية، بتكريم من استشهد من هؤلاء الرموز الخالدة وأمثالهم. وإجراء بحث جدي وشامل من قبل مؤسسات مقتدرة عمن جرى تغييبه لكشف مصيرهم وإراحة ضمير الإنسانية. لأن هذه الحركة ستكون أجمل وأثمن هدية في عيد ميلاد كل من قدم نفسه وروحه من أجل الإنسانية أجمع وليس فقط السوريين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السيسي يحذر من خطورة عمليات إسرائيل في رفح| #مراسلو_سكاي


.. حزب الله يسقط أكبر وأغلى مسيرة إسرائيلية جنوبي لبنان




.. أمير الكويت يعيّن وليا للعهد


.. وزير الدفاع التركي: لن نسحب قواتنا من شمال سوريا إلا بعد ضما




.. كيف ستتعامل حماس مع المقترح الذي أعلن عنه بايدن في خطابه؟