الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عندما يتفق العرب على -ظل الحمار- تحل مشكلاتهم

حسن احمد عبدالله

2023 / 8 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


في القرن التاسع عشر حدث ان سائحا من احدى مقاطعات الدولة العثمانية البعيدة عن لبنان وصل الى بيروت عبر البحر، وكان يرغب بزيارة القدس، فاستأجر من "مكاري" حماراً ليمتطيه في رحلته، وسافر برفقة المكاري (المكاري بلغة بلاد الشام هو الذي يقتني الحمير للنقل والايجار).
عند الظهر ترجل السائح عن ظهر الحمار ليتغدى هو صاحب الحمار، وكانا قد وصلا الى احدى القرى الساحلية قرب صيدا، وإذ لم يجد مكاناً ظليلاً فأراد أن يجلس في ظل الحمار فمنعه المكاري وقال: "أنا أجّرت الحمار، لكنني لم أؤجر ظله، بل احتفظت به لنفسي".
قال السائح: "ولكن ظلّ الحمار هو من توابعه، ولا يمكن فصله عنه، ويحق لي أن أتمتع به". واحتدم الجدال بين الرجلين وتطوّر الى مشاحنة وشجار.
فهرع عدد من رجال القرية وفصلوا بين الرجلين، وعندما علموا أن موضوع الخلاف بينهما هو "ظلّ الحمار"، تنطّح أحدهم فقال: "أنا أقول إن ظل الحمار هو حق من حقوق مستأجر الحمار".
فانبرى له رجل من الجانب الآخر وقال: "لا بل إن الظل لصاحب الحمار".
فأيّد بعض الحاضرين رأي الرجل الأول، وتحمس آخرون لرأي الثاني، وبدأ النقاش وحمي الجدال، وما لبث أن تطور الى مشاتمة وشجار واقتتال بين رجال القرية.
عندئذ امتطى السائح الحمار وانصرف برفقة المكاري، فيما بقي أهل القرية يتقاتلون حول قضية "ظل الحمار".
هذا الواقع اللبناني الذي يؤرخه الكاتب الراحل سلام الراسي في احد كتبه عن التراث الشعبي، وهو في واقع الحال لا يزال مستمرا الى اليوم، فاذا كانت مجازر العام 1860 وقعت بسبب اشكال بين اطفال من طائفتين مختلفتين، وتطورت الى حرب طائفية، فلا يمكن استغراب اليوم كيف لا يزال اطراف الطبقة السياسية اللبنانية لم يتفقوا على انتخاب رئيس للجمهورية، وابقاء غالبية المؤسسات الرسمية شاغرة، بل الاغرب من ذلك ان حادثة "ظل الحمار" يمكن اسقاطها على غالبية الدول العربية التي وقعت في فخ عدم الاتفاق على مشروع دولة، ما تسبب بحروب اهلية مستعرة الى اليوم، فيما تحولت شعوبها وقودا للمتصارعين على فتات، وليس من اجل مصلحة بلادهم.
لهذا ليس اللبنانيون وحدهم المهزومون، بل اذا اجلت النظر في هذه الامة لرأيتها كلها ترفع رايات الفشل، وبالتالي فان فيروسه استحكم بنخبها من المحيط الى الخليج، وبالتالي فان ما يعيشه لبنان اليوم، وما مر به من احداث وحروب طوال الخمسة عقود الماضية، والمستمرة حتى الساعة، وربما الى المستقبل البعيد، ينطبق على العرب اجمعين، الذين سيشربون من الكأس ذاتها، لانهم لم يدركوا ان الدولة ليست في زعامة فلان، او شخصية علتان، بل في المجتمع ككل، وتعاونه، واي خروج عن هذه القاعدة تعني الفوضى.
نحن امة لا نتعلم من الدروس الماضي، ولا تجارب الاخرين، لهذا لم يتعلم اللبناني من استمرار الفراغ في مؤسسات الدولة، ولا تعلمت الشعوب العربية معنى العمل بروح المجتمع كله، والتعاون بين افراده، لان الفرد تربى على الانانية، فكل منا، كعرب، يتصور ان نظافة الشارع ليست من واجباته، لهذا يرمي اوساخه فيه ويحرص على نظافة منزله فقط، فيما اذا زار اي دولة غير عربية، اول ما يتغنى به الشوارع النظيفة، وجودتها.
اللبناني نموذج للعربي الاخر، لهذا لا يمكن الخروج من المأزق اللبناني الا بعودة العرب الى المفكر العربي التاريخي عبدالرحمن بن خلدون، والتمعن بما قاله عن خراب الدول، ولاننا نقرأ مقدمته، ولا نعمل بها سنظل نختلف على "ظل الحمار".
كاتب وصحافي لبناني








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تظاهرات في إسرائيل تطالب نتنياهو بقبول صفقة تبادل مع حماس |


.. مكتب نتنياهو: سنرسل وفدا للوسطاء لوضع اتفاق مناسب لنا




.. تقارير: السعودية قد تلجأ لتطبيع تدريجي مع إسرائيل بسبب استمر


.. واشنطن تقول إنها تقيم رد حماس على مقترح الهدنة | #أميركا_الي




.. جابر الحرمي: الوسطاء سيكونون طرفا في إيجاد ضمانات لتنفيذ اتف