الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في الإيمان و الإلحاد ...وطبيعة الإسلام السياسي !

نزار فجر بعريني

2023 / 8 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


أعتقد أنّ " الإيمان " و " الإلحاد "- كتعبيرين متناقضين عن وعي فطري أو مكتسب ، حول ما اتت به الإديان عن نظريات الخلق وطبيعة الخالق، وبالتالي آليات ممارسة طقوس العبادة ، هي حالة إنسانية ، شديدة الخصوصية ، ومجرّد التعبير عنها إيمانا أو إلحادا في وسائل عامّة ، وتحويلها إلى أسباب صراع إجتماعي ، تضع صاحبها - على صعيد الأفراد والجماعات و الهيئات والمؤسسات - في مستويات الصراع السياسي(١).
فجميع تمظهرات الصراع القائم على أرضيّة الدين ، وتراثه هي في الجوهر تعبيرات عن أشكال مختلفة من الصراع السياسي، المرتبطة بتناقض المصالح ، ووسائل الحصول عليها. (٢).
على غرار " الاسلام السياسي "، تتغطّى ثقافة وفكر" الإلحاد" بمفاهيم ومصطلحات كثيرة ،مثل "العَلمانية" و "الديمقراطية" والتقدمية" و"التنويرية"، و كما هي الحال مع قوى وفكر " الإسلام السياسي "،تؤدّي " ثقافة الإلحاد "ونخبه ومدارسه دورا سياسيّا بإمتياز !!
أوّلا ،
لنأخذ هذا القول ، المنسوب إلى الفيلسوف الهولندي" باروخ سبينوزا " ، الذي نشره الصديق العزيز " Hasan Hasan " على صفحته.
يُنقل " بتصرّف " عن " سبينوزا " قوله ، بعد أن قرأ كل الكتب المقدسة والمعتقدات :
( لا اعرف أن كان الله فعلا قد تكلم .. ولكن إن فعل .. فلا اعتقد أنه قال شيئا غير التالي :.. أريدك أن تخرج إلى العالم وان تتمتع بالحياة .. أريدك أن تتمتع وتغني وتعمل .. وان تتمتع بكل ما قمت به من أجلك ..
توقف عن الذهاب إلى تلك المعابد المظلمة والباردة والتي بنيتها وقلت عنها أنها مسكني !
توقف عن اتهامي بالمسؤولية عن فقرك .. لم اقل لك ابدأ أن هناك شيئا ما شريرا بداخلك .. ولم اقل أنك ارتكبت خطيئة .
توقف عن الخوف مني .. فلن احاكمك .. انا لا أعاقب .. انا الحب الخالص ..!!
اياك أن تقتل من اجلي.....
فانا لست بحاجة إليك أن تفعل هذا ....
ولا تبحث عني بعيدا .. فلن تجدني .. إنني هنا في الطبيعة .. انا الكون .. انا المحبة ".
أنتهى الاقتباس .
في هذا القول لا نجد فقط التشكيك بمصداقية ما قالته "الأديان السماوية" ، وهي الفكرة الاساسية في "ثقافة الإلحاد" ، بل أيضا نموذجا لوظيفتها السياسية؛ عندما تتجاهل سياقات الصراعات السياسية التي ظهرت فيها الأديان ، خاصّة " الإسلام " ، وتغيّب دور طبيعة النظم السياسية ، التي تخلق أو تمنع الظروف المناسبة لكي يتمتّع الانسان بالحياة .. او يتحوّل إلى قاتل باسم الله ... في جميع مراحل التاريخ اللاحقة !
"الذهاب إلى المعابد " لايأتي فقط انصياعا ميكانيكيّا لتعاليم الإديان ، بل نتيجة للظروف الاقتصادية والثقافة المجتمعية التي تصنعها وتكرّسها الدول ، بمؤسساتها واموالها واجهزتها ..والتي تدفع البشر إلى المعابد لإلتماس أمل ما في عالم الغيب ..يسكّن آلامها ، ويبقيها على حافة الحياة ..والعقل.....
الصراعات التي تبدو في الظاهر دينيّة ، طائفيّة ، وما تؤدّي اليه من تطرّف وإرهاب وقتل ، هي بالجوهر صراعات سياسية ، وترتبط بوسائل وادوات النهب ، وجهود القوى المسيطرة لتأبيد سلطانها !
إذا لم نستوعب هذه الحقيقة ، فأيّة دروس نكون قدّ تعلّمناها ، وقد دفعنا ثمنا باهظا لنهج تحويل حراك السوريين المطلبي السلمي في ربيع ٢٠١١ إلى " حروب طائفية " ، شكّلت فيه أذرع "الإسلام السياسي" رأس حربة قوى الثورة المضادة، واخطر وسائلها لهزيمة قوى التغيير الديمقراطي؟!
ثانيا ،
في الصراع الدائر على امتداد ساحات المنطقة طيلة القرن الماضي- قلب منطقة الشرق الأوسط، حيث مثلث الطاقة الإستراتيجي العالمي -بين اهداف وقوى مشروع التحرر الوطني والقومي والتغيير الديمقراطي ، وقوى الخندق المضاد ( تحالف مصالح واسع ، بمرتكزاته المحليّة والإقليمية وقياداته في مراكز النظام الرأسمالي العالمي الإمبريالي )، تتكامل ادوار تعبيرات وقوى " الاسلام السياسي" والإلحاد" في تغييب طبيعة العدو الذي يواجه قوى التحرر والدمقرطة ويمنع تحقق اهداف المشروع الديمقراطي، وفي تضليل الشعوب حول طرق ووسائل الخروج من المأزق التاريخي الذي تعيشه شعوب ودول المنطقة!!
عندما تعتبر نخب " الإلحاد " أنّ "التراث الديني " وثقافته هي ساحة المعركة الأساسيّة التي يجب على الشعوب خوضها والانتصار فيها ،كمدخل لتحقيق اهدافها الأخرى،(لأنّ "ثقافة الدين" لا تمنع تحرر العقل ، وتبقي الشعوب جاهلة بواقعها ، وطرق التغيير، بل هي أيضا الثقافة التي يستقي منها "الطغيان والإستبداد" وجوده وإستمراره!!) ؛ و تروّج نخب " الإسلام السياسي " أنّه في " العودة إلى الإصول "طريق الخلاص الوحيد، يتكامل دورهما
في تأجيج صراع " عمودي " بين ثقافتي " الإلحاد والإيمان "- يفتّت الجهد، ويقسّم الصفوف ، ويُبعد الجميع عن رؤية طبيعة عدوّهم المشترك، ويُغيّب اسباب المأزق التاريخي وما ينتج عنه من صراعات وتفشيل ؛ تلك الصراعات المرتبطة بنيويّا بطبيعة سلطات الانظمة، و بعلاقات النهب التشاركي مع مراكز النظام الرأسمالي العالمي الإمبريالي- يُنقل صراعات شعوب المنطقة ونخبها إلى ساحات معارك خلّبية ،خارج ساحات الصراع المركزي ،ويضعف ، لصالح جبهة الأعداء ، جهود وآليات نضال الشعوب في ساحة معركتهم الحقيقية :
انتزاع حقوقهم ، وبناء مؤسسات دولهم ،في مواجهة شباك وادوات النهب التشاركي ، المحلّي والاقليمي والإمبريالي ، الذي تقوده الولايات المتحدّة الأمريكية، بواقع كونها زعيمة نظام "النهب التشاركي الرأسمالي العالمي".
(٣)
◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇◇
(١)-
فكرة المقال لا ترتبط مباشرة بجريمة طعن الكاتب " سليمان رشدي" اوبحدث بوفاة الباحث الموسوعي في التراث " نبيل فياض " . فقد سبق وطرحت الموضوع للحوار الجاد في أكثر من مناسبة .
يقول الصديق " Kahlil Shikhamad
في رثاء الراحل :
"نبيل فياض لروحك السلام...
يحمل شهادة صيدلة من جامعة دمشق ومارس مهنته في بلدته الناصرية من ريف دمشق من أسرة مسلمة شافعية...
قرأ باستلهام الفلسفة الأوربية. درس اللاهوت المسيحي في الكسليك لبنان ..درس العبرية والآرامية للرجوع إلى الكتب الدينية الأصلية..
يتقن اللغة الالمانية و الإنكليزية....
القى الضوء على الأقليات الدينية وما حصل لهم من ابادات جماعية..
له حكايا الطوفان ..القرآن ككتاب مقدس ترجمة عن الإنكليزية. حكايا الصعود عن الايطالية ..مراثي اللات والعزى ..المسيح ولميثولوجيه ترجمة...وغير ذلك الكثير من المقالات والكتب ...
يعاديه رجال الدين ورجال السياسة على امتداد الوطن العربي....."
(٢)-
في مقابلة عام ٢٠٠٦ مع قناة "بي بي إس" (PBS) الأميركية، أطلق رشدي على نفسه لقب "الملحد المتشدد"، ووصف نفسه بأنه "مسلم ساقط"، معترفا بأن الثقافة الإسلامية شكلته أكثر من أي ثقافة أخرى.
زعم رشدي أن مصطلح "الآيات الشيطانية "مقصود بها آيات تم حذفها من القرآن الكريم كانت تتضمن دعاء الرسول لآلهة وثنية في مكة"، وأنه "حلت نسخة معدلة للقرآن لتتماشى مع مبدأ التوحيد الذي يقوم عليه الإسلام".
(٣)-
لنقرأ في ردّات فعل النخب المرتبطة بشكل أو بآخر بثقافة" الإلحاد" على محاولة قتل " سليمان رشدي "، وفيها تبرأة للسياق والتوقيت السياسيين :
"وكيف ستغتالون الآيات الشيطانية وهي في عقولكم وجيناتكم؟؟"
Doured Jabbour
"قلبُكَ الغبقريّ الجميل.. الذي يخوض حربه مع نزلاء العتمة وعصائب العمى الذهني والنفسي والأخلاقي وثلل الجبن والسفالة والإجرام.. يستبسل الآن باسمنا جميعاً! يستبسلُ باسم الفكر والحرية والحضارة وكرامة هذا الكوكب بأسره! اهزمهم سلمان رشدي.. اهزمهم في غيبوبتك الليلة أيضاً كما كنتَ تفعل بهم في صحوك في كلّ ساطعة نهار!"
Khalid Haj Bakri
"نستغرب ان شاب بعمر ٢٤ سنة يحاول قتل انسان تنفيذا لفتوى عمرها ٣٣ سنة . لما الاستغراب ؟ الا يقتل البشر بعضهم بسبب حادثة عمرها ١٣٠٠ سنة ؟"
Farid Haddad
و"في حادثة الاعتداء على الكاتب سلمان رشدي ، الملفت للانتباه هو التعليقات التي تدعم المعتدي وتدعو له بالنصر وحتى لو اختلفت معه دينيا .
لسنا أمام شاب تم غسل دماغه أو غررته الجائزة .نحن أمام شعوب بالجملة مغسولة الدماغ، ولا تنتمي للحياة وهذا هو المؤسف و الذي يدعو لليأس".
وداد سلوم.
في نفس الإطار ، جميع الكتب التي صدرت بغرض الرد على آراء رشدي- مثل "شيطانية الآيات الشيطانية" للداعية الهندي أحمد دايات، و"شيطان الغرب" للكاتب المصري سعيد أيوب، وهمزات شيطانية" للدكتور السوري نبيل السمان- انطلقت من أرضية الدفاع عن " الدين " وإدانة الإلحاد، دون الاشارة إلى العوامل السياسية ، إلّا عبر اتهام " الغرب الصليبي ، الكافر " بمعاداة الإسلام !!
بعد تزايد الاحتجاجات بين مسلمي العالم، نشر رشدي مقالا في صحيفة "(The Observer) يوم 22 يناير/كانون الثاني 1989 وصف فيه "النبي محمد " بأنه "أحد العباقرة العظماء في تاريخ العالم"، مدّعيا أن "العقيدة الإسلامية تعتبر محمدا إنسانا مثل باقي البشر"، وأنّ "الرواية ليست معادية للدين، لكنها محاولة للكتابة عن الهجرة وضغوطها وتحولاتها".
▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحوثيون يعلنون بدء تنفيذ -المرحلة الرابعة- من التصعيد ضد إس


.. ”قاتل من أجل الكرامة“.. مسيرة في المغرب تصر على وقف حرب الا




.. مظاهرة في جامعة السوربون بباريس تندد بالحرب على غزة وتتهم ال


.. الشرطة الأمريكية تعتقل عددا من المشاركين في الاعتصام الطلابي




.. بعد تدميره.. قوات الاحتلال تمشط محيط المنزل المحاصر في بلدة