الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من أجل ثقافة جماهيرية بديلة 24

عبدالرحيم قروي

2023 / 8 / 22
الارشيف الماركسي


مؤلف "الدولة والثورة" على حلقات

تعاليم الماركسية حول الدولة، ومهمات البروليتاريا في الثورة
فلاديمير إليتش لينين
الحلقة الثامنة

4-تنظيم وحدة الأمة

«…وقد ورد بوضوح تام في موجز التنظيم القومي الذي لم يتوفر للكومونة الوقت لوضعه بتفصيل أكبر، إن الكومونة يجب أن … تصير الشكل السياسي حتى لأصغر قرية» …والكومونة هي التي كان عليها أن تنتخب «منتدبي الأمة» في باريس.
«…والوظائف القليلة، ولكنها الهامة جدا، التي كانت ستظل في يد الحكومة المركزية لم تكن لتلغى، -ومثل هذا الزعم كان تزويرا عن عمد- بل كان يجب نقلها إلى موظفي الكومونة، أي إلى موظفين ذوي مسؤولية محددة تحديدا دقيقا…
… ووحدة الأمة لم تكن لتفصم، بل بالعكس كانت ستنظم عن طرق البناء الكوموني. وكان لوحدة الأمة أن تصبح حقيقة واقعة بالقضاء على سلطة الدولة التي كانت تدعي بأنها تجسيد لتلك الوحدة، ولكنها كانت ترغب في أن تكون مستقلة عن الأمة، مستعلية عليها. أمّا في الواقع، فلم تكن سلطة الدولة هذه إلاّ بمثابة الزائدة الطفيلية على جسم الأمة … وكانت المهمة هي بتر أجهزة الاضطهاد البحتة التابعة للسلطة الحكومية القديمة، وانتزاع الوظائف المعتادة من سلطة تطمع بأن تكون فوق المجتمع وتسليمها إلى خدم المجتمع المسؤولين».
إن كتاب المرتد برنشتين «ممهدات الاشتراكية ومهام الاشتراكية-الديموقراطية» الذي ذاع صيته على نمط هيراسترات يظهر لنا على الوجه الأوضح لأي مدى لم يفهم الانتهازيون في الاشتراكية-الديموقراطية المعاصرة –وقد يصح القول: لم يرغبوا في أن يفهموا- محاكمات ماركس هذه بالذات إن هذا البرنامج «من حيث مضمونه السياسي يشبه في جميع سماته الجوهرية شبها كبيرا جدا اتحادية برودون … ورغم كل الاختلافات بين ماركس و«البرجوازي الصغير» برودون (يضع برنشتين كلمتي «برجوازي صغير» بين قوسين مزدوجين ينبغي لهما حسب رأيه أن يضفيا على التعبير شيئا من النكهة) فإن مجرى التفكير عندهما في هذه النقاط متقارب لأقصى حد». وما من شك –يتابع برنشتين- في أن أهمية المجالس البلدية في ازدياد، ولكن «يبدو لي من المشكوك فيه أن يكون واجب الديموقراطية الأول إلغاء (Auflosung حرفيا: حل) الدول الحديثة وتغيير (Umwandlung: قلب) تنظيمها تغييرا تاما كما يتصور ماركس وبرودون، أي تشكيل مجلس الأمة من مندوبين عن مجالس الأقاليم أو المحافظات التي تتألف بدورها من مندوبين عن الكومونات، بحيث يزول بصورة تامة شكل التمثيل الوطني السابق بأكمله» (برنشتين، «ممهدات»، ص 134 و136، الطبعة الألمانية، سنة 1899).
إنه لمن منتهى الفظاعة أن يخلط المرء نظرات ماركس بصدد «القضاء على سلطة الدولة، على الطفيلي» مع اتحاد برودون! ولكن ليس من باب الصدفة، لأنه لا يمكن حتى أن يخطر ببال الانتهازي أن ماركس لا يتكلم هنا البتة عن الاتحادية باعتبارها نقيض المركزية، بل عن تحطيم آلة الدولة القديمة، البرجوازية، الموجودة في جميع البلدان البرجوازية.
لا يخطر ببال الانتهازي إلاّ ما يراه من حوله من بيئة التافهين صغار البرجوازيين والركود «الإصلاحي»، أي يضطر بباله مجرد «المجالس البلدية»! أما ثورة البروليتاريا فقد أضاع الانتهازي حتى المقدرة على التفكير بها.
إن هذا مضحك. ولكن البليغ الدلالة أن أحدا لم يجادل برنشتين حول هذه النقطة. فقد دحضه كثيرون ولاسيما بليخانوف في الأدب الروسي وكاوتسكي في الأدب الأوروبي، ولكن لم يتحدث لا هذا ولا ذاك عن هذا التشويه لماركس من جانب برنشتين.
لقد أضاع الانتهازي مقدرته على التفكير الثوري والتفكير بالثورة إلى حد أنه ينسب إلى ماركس «الاتحادية» ويخلط بينه وبين مؤسس الفوضوية برودون. أمّا كاوتسكي وبليخانوف الراغبان في أن يكونا من الماركسيين الأرثوذكس وفي الذود عن تعاليم الماركسية الثورية فيصمتان عن ذلك! وهنا يكمن جذر من جذور الإبتذال المفرط للآراء بصدد الفرق بين الماركسية والفوضوية، ذلك الابتذال الذي يلازم الكاوتسكيين والانتهازيين على حد سواء والذي سنتحدث عنه فيما بعد.
لا يوجد للاتحادية أثر فيما أوردناه من محاكمات ماركس عن خبرة الكومونة. يلتقي ماركس وبرودون بالضبط فيما لا يراه الانتهازي برنشتين. ويفترق ماركس وبرودون بالضبط فيما يراه برنشتين وجه الشبه.
يلتقي ماركس وبرودون في كون الاثنين يناديان بـ«تحطيم» آلة الدولة الحديثة. وهذا الشبه بين الماركسية والفوضوية (برودون وباكونين على حد سواء) لا يريد أن يراه الانتهازيون ولا الكاوتسكيون لأنهم حادوا عن الماركسية في هذه النقطة.
ويفترق ماركس عن برودون وكذلك عن باكونين في مسألة الاتحادية على وجه التحقيق (فضلا عن ديكتاتورية البروليتاريا). الاتحادية تنبثق مبدئيا عن النظرات البرجوازية الصغيرة للفوضوية. إن ماركس من القائلين بالمركزية. وفيما أوردناه من محاكماته لا يوجد أي تراجع عن المركزية. فقط الناس الذين حشيت رؤوسهم حشوا «بالإيمان الخرافي الأعمى» البرجوازي الصغير بالدولة يستطيعون أن يروا في القضاء على آلة الدولة البرجوازية قضاء على المركزية!
ولكن إذا ما أخذ البروليتاريون وفقراء الفلاحين بأيديهم سلطة الدولة وإذا تنظموا بملء الحرية في كومونة ووحدوا عمل جميع الكومونات في ضربات يوجهونها ضد الرأسمال، في تحطيم مقاومة الرأسماليين، في نقل الملكية الخاصة للسكك الحديدية والمصانع والأرض وغيرها إلى الأمة بأسرها، إلى المجتمع بأسره، أفلا يكون ذلك من المركزية؟ أليس ذلك بالمركزية الديموقراطية المستقيمة أشد الاستقامة؟ بله المركزية البروليتارية؟
لا يمكن البتة أن يخطر لبرنشتين ببال احتمال مركزية طوعية، توحيد طوعي للكومونات في أمة، تلاحم طوعي للكومونات البروليتارية في أمر تحطيم السيادة البرجوازية وآلة الدولة البرجوازية. فبرنشتين، شأنه شأن جميع ذوي الذهنية البرجوازية الصغيرة، يتصور المركزية بمثابة شيء لا يمكن فرضه والإبقاء عليه إلاّ من أعلى، وعن طريق دواوين الموظفين والطغمة العسكرية.
لقد أشار ماركس عمدا، وكأنه توقع إمكانية تشويه نظراته، إلى أن اتهام الكومونة بالرغبة في القضاء على وحدة الأمة وفي إلغاء السلطة المركزية هو من التزوير المتعمد. وقد تقصد ماركس استعمال تعبير «تنظيم وحدة الأمة» لكيما يعارض المركزية البرجوازية والعسكرية البيروقراطية بالمركزية البروليتارية الواعية والديموقراطية.
ولكن… قد استمعت لو ناديت حيا. والحال، أن الانتهازيين في الاشتراكية-الديموقراطية الحديثة لا يريدون بتاتا أن يسمعوا بالقضاء على سلطة الدولة، ببتر الطفيلي.
5- القضاء على الطفيلي، على الدولة
لقد أوردنا أقوال ماركس المناسبة وعلينا أن نردفها بأقوال أخرى له.
لقد كتب ماركس:
«… إن النصيب المعتاد للابداع التاريخي الجديد أنه يعتبر صنوا لأشكال قديمة أو حتى لأشكال بائدة للحياة الاجتماعية تشبهها مؤسسات جديدة بعض الشبه. وهكذا، أن هذه الكومونة الجديدة التي تحطم (bricht-تكسر) سلطة الدولة الحديثة اعتبرت بمثابة بعث لكومونات العصور الوسطى… بمثابة اتحاد للدول الصغيرة (مونتيسكيو، الجيرونديون)،… بمثابة شكل مضخم للكفاح القديم ضد التمركز المفرط…
… إن التنظيم الكوموني كان سيعيد إلى الجسم الإجتماعي جميع القوى التي ابتلعتها حتى ذلك الحين «الدولة»، تلك الزائدة الطفيلية التي تقتات على حساب المجتمع وتعيق تقدمه الحر. وهذا وحده كان يكفي لأن يتقدم بعث فرنسا…
…أن التنظيم الكوموني كان سيضع المنتجين الريفيين تحت القيادة الروحية للمدن الرئيسية في كل منطقة ويؤمن لهم هناك، في شخص عمال المدن، الممثلين الطبيعيين لمصالحهم. إن وجود الكومونة انطوى في حد ذاته، وكشيء بديهي، على الإدارة الذاتية المحلية، ولكن ليس كنقيض لسلطة الدولة التي تغدو منذ الآن زائدة».
«القضاء على سلطة الدولة» التي كانت «زائدة طفيلية»، «بتر»ها، «تحطيم»ها؛ «سلطة الدولة تغدو منذ الآن زائدة» -بهذه التعابير تكلم ماركس عن الدولة في تقديره وتحليله لخبرة الكومونة.
كتب كل ذلك منذ نصف قرن تقريبا ويتأتي الآن أن نقوم بما يشبه الحفريات لنوصل إلى إدراك الجماهير الغفيرة تعاليم الماركسية غير مشوهة. فعندما حل عهد الثورات البروليتارية الكبرى الجديدة، في هذا العهد بالضبط نسوا الاستنتاجات التي خلص إليها ماركس من تتبع آخر ثورة كبرى حدثت في حياته.
«…إن تعدد الشروح التي استتبعتها الكومونة وتعدد المصالح التي وجدت فيها تعبيرا عنها يثبتان أنها كانت شكلا سياسيا مرنا للغاية، بينما كانت جميع الأشكال السابقة للحكومة أشكالا للإضطهاد من حيث جوهرها. وكان سر الكومونة الحقيقي هو هذا: كانت، من حيث الجوهر، حكومة الطبقة العاملة، كانت نتاج كفاح طبقة منتجين ضد طبقة المستأثرين، كانت الشكل السياسي الذي اكتشف أخيرا والذي كان يمكن في ظله أن يتحقق التحرر الاقتصادي للعمل…
ولولا هذا الشرط الأخير لكان التنظيم الكوموني أمرا مستحيلا ولكان غشا…»
لقدانصرف الطوباويون إلى «اكتشاف» الأشكال السياسية التي ينبغي أن تحدث في ظلها إعادة تنظيم المجتمع على أساس الاشتراكية. وقد أشاح الفوضويون بوجوههم عن مسألة الأشكال السياسية بوجه عام. وقبل الانتهازيون في الاشتراكية-الديموقراطية البرلمانية كحد لا يمكن تخطيه وعفروا جباههم في الركوع والسجود أمام هذا «المعبود» وأعلنوا من الفوضوية كل نزعة إلى تحطيم هذه الأشكال.
لقد استخلص ماركس من كامل تاريخ الاشتراكية والنضال السياسي أنه لا بد للدولة أن تزول وأن الشكل الإنتقالي لزوالها (الانتقال من الدولة إلى اللادولة) سيكون «البروليتاريا المنظمة في طبقة سائدة». ولكن ماركس لم يأخذ على عاتقه اكتشاف الأشكال لهذا المستقبل. لقد اقتصر على تتبع التاريخ الفرنسي بصورة دقيقة، على تحليله وعلى استخلاص الاستنتاج الذي قادت إليه سنة 1851: تقترب الأمور من تحطيم آلة الدولة البرجوازية.
وعندما اندلعت حركة البروليتاريا الثورية الجماهيرية أخذ ماركس، رغم إخفاق هذه الحركة، رغم قصرها، رغم ضعفها البين، في دراسة ما اكتشفته من أشكال.
الكومونة هي الشكل الذي «اكتشفته أخيرا» الثورة البروليتارية والذي يمكن في ظله أن يتحقق التحرر الاقتصادي للعمل.
الكومونة هي أول محاولة تقوم بها الثورة البروليتارية لتحطيم آلة الدولة البرجوازية والشكل السياسي الذي «أُكتشف أخيرا» والذي يمكن ويجب أن يستعاض به عن المحطَّم.
وسنرى فيما يأتي من البحث أن الثوريين الروسيين في سنتي 1905 و1917 تابعتا قضية الكومونة في حالة أخرى وفي ظروف أخرى وأنها تثبتان تحليل ماركس التاريخي العبقري.

يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ”شكرا للمتظاهرين في أمريكا“.. هكذا كانت رسائل أطفال غزة للجا


.. شعارات المتظاهرين الداعمين لغزة في جامعة كاليفورنيا




.. بدر عريش الكاتب الوطني للجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي في تصر


.. عبد الحميد أمين ناشط سياسي و نقابي بنقابة الاتحاد المغربي لل




.. ما حقيقة فيديو صراخ روبرت دي نيرو في وجه متظاهرين داعمين للف