الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشيخ معروف

محمد أبو قمر

2023 / 8 / 23
الادب والفن


مات الشيخ معروف ، كانت جنازته مهيبة وكأن المدينة كلها كانت تشيعه ، وكان مقررا دفنه في مقابر الصدقة إذ ليس له عائلة ولا أقارب ، ولا أحد يعرف شيئا مؤكدا عنه ، حين اقتربت الجنازة من المقابر فجأة طار الشيخ معروف بالتابوت بينما ظل المشيعيون يركضون خلفه وهم يكبرون إلي أن حط أخيرا داخل مسجد سيدي الجندي الذي قضي معروف أيامه الأخيرة نائما علي عتبته بعد إصابته بالشلل النصفي.
أدرك المشيعيون أن الشيخ معروف يريد أن يُدفن بجوار سيدي الجندي رضي الله عنه ، حفروا له القبر علي الفور ، وبعد دفنه نصبوا له مقاما كبيرا بجوار مقام الجندي ، ومنذ ذلك اليوم صار مسجد الجندي يحمل اسما جديدا هو مسجد سيدنا معروف الجندي...
لم يكن معروف من هذه المدينة ، يقال إنه لم يكن من مصر كلها ، ويقال إنه عراقي من الموصل ، وأن الدواعش كانوا قد قبضوا عليه بتهمة الزنا ، وكان مقررا رجمه مع المرأة التي ضبطوه في حضنها ، لكنه تمكن من الهرب قبل رجمه بساعة واحدة ، غير أن هذه الحكاية لم تكن مؤكدة ، وإنما هي واحدة من الحكايات الكثيرة التي تم تناقلها عن أصله ، إذ قيل إنه ليبي من مصراته ، وتفيد رواية أخري بأنه طرابلسي من أشراف أولاد المرغني الذين يقيمون بمنطقة الحشان بطرابلس ، وكان يمثل هناك حلقة الوصل بين إحدي السفارات الخليجية بطرابلس وبين بعض الميلشيات المسلحة المنتشرة في ليبيا ، ونظرا لنشاطه وهمته وكفاءته وإخلاصه تم تسفيره إلي سوريا وإلحاقه بكتائب جيش الاسلام ، ليس كمحارب ، وإنما كمسئول عن الوحدة المختصة باستلام الأموال والأغراض المرسلة من بعض دول الخليج لتوزيعها علي المحاربين من جيش الاسلام ، ويقال إنه تمكن من الهرب بحقيبة كبيرة ملأي بالدولارات وفي نيته أن يتجاوز الحدود ويصعد علي أي سفينة متجة إلي أوروبا ليستمتع بحياة هانئة مستقرة هناك.
وبينما هو علي وشك تجاوز الحدود السورية داخلا إلي لبنان حاصرته دورية من حزب الله ، وحين قبضوا عليه ادعي أنه متجه إلي لبنان بغرض تسليم حقيبة الدولارات إلي السيد حسن نصرالله شخصيا ، أخذوا منه الحقيبة وأوصلوه إلي ميناء طرطوس ، حيث قيل إنه صعد علي سفينة متجهة إلي تونس.
وتقول حكاية أخري إن معروف لا هو عراقي ولا هو ليبي ، يؤكد أصحاب هذه الرواية أنه تونسي الأصل من مدينة سوسه ، وكان يعمل لدي محل حلواني كبير لتوصيل الطلبات إلي المنازل ، ويقال إن إحدي بنات مسئول كبير في السلك الديبلوماسي وقعت في غرامه أثناء تردده علي البيت لتسليم الطلبات ، إذ كان معروف وسيما ومهندما وبشوشا ، وكانا يتواعدان ويلتقيان ويتنزهان كحبيبين في حدائق المدينة دون علم عائلتها ، وقد استغلت الفتاة غياب أبويها عن المنزل في إحدي الأمسيات لحضور احتفال إحدي السفارات الأجنبية بالعيد القومي لبلادها واتصلت بمحل الحلواني لإرسال تورتة كبيرة ، وحين حضر معروف بالتورتة أدخلته إلي المنزل وفي نيتها مفاجأته والاحتفال معه بعيد ميلاده الذي تصادف مع احتفال السفارة الأجنبية بالعيد القومي ، لكن الاحتفال انتهي بفض بكارتها .
حين شعرت الفتاة بالحمل قررت الهرب من المنزل خوفا من أن يقتلها أبوها ، لجأت إلي معروف الذي أنكر في البداية صلته بحملها ، ولما أدرك أن الإنكار لن ينقذه من انتقام عائلتها وجد أن الهرب من البلاد هو أسلم وسيلة للخلاص من هذه الورطة فاصطحبها معه وسافرا معا بصحبة بعض الشباب والشابات الذين كان يتم تسفيرهم من تونس في تلك الأيام للإنضمام إلي صفوف المجاهدين الاسلاميين في إلي سوريا .
فور وصولهما إلي سوريا تم إلحاقهما بكائب جبهة النصرة ، دخلت هي معسكر النساء اللواتي يقمن بخدمة المجاهدين والتسرية عنهم ، فيما تم إلحاقه هو بأحد معسكرات التدريب علي الأعمال القتالية .
مرت تسعة أشهر دون أن يراها أو تراه ، ولما وضعت وليدها في معسكر النساء ، أرادت أن يري معروف ابنه ، لكن مسئولي الجماعة لما حاولوا استدعائه لم يجدوه ، بحثوا عنه في كل مكان دون جدوي ، توهم الجميع أنه ربما قُتل ، أو تاه في الصحراء ، ولم يدخل في روع أحد من أفراد الجبهة كلها أنه يمكن أن يكون قد هرب.
غير معلوم حتي الآن كيف دخل معروف إلي مصر ، بل أثناء دفنه في مسجد الجندي بمدينة المحلة كان المشيعيون يتهامسون فيما بينهم ويتساءلون في حيرة : تُري هل سقط هذا الشيخ الجليل من السماء أم خرج فجأة من رحم بقرة ، ولماذا اختار مدينة المحلة ليموت فيها ، خصوصا وأن من بين المشيعين رجال ونساء جاءوا من عدة مدن ومن قري كثيرة فورعلمهم بموته ، جاؤوا من الاسكندرية ، من سمالوط ، من دمنهور ، من دسوق ، من الفيوم ، ويقول أحد الصيادين من قرية شومان التابعة لمركز بلقاس إنه رأي معروفا خارجا من البحر مرتديا عباءة سوداء وعلي رأسه عمامة خضراء كبيرة ولم يكن مبتلا ، كل مشيع كان يحكي واقعة معجزة عن ظهور معروف في يلده ، لكن لم يخطر علي بال أحد من المشيعين لماذا كان معروف مضطرا دائما إلي الهرب من كل مدينة أو قرية نزل فيها.
كانت مدينة المحلة محطته الأخيرة ، جاء إليها من طنطا ، حيث كان يمارس هناك بجوار مسجد السيد البدوي مهنة فك الأعمال وعمل أحجبة الحب والكره والحماية من الحسد وجلب العرسان للعوانس وتحضير العفاريت ، وكان قد ذاع صيته ، وتناقل الناس خوارقه وقدراته واتصاله بعالم الجن ، وسمعت به سيدة محلاوية زوجة أحد أثرياء المحلة ، وكان زوجها عقيما لا ينجب ، وتخشي من أن يموت فيرث إخوته ثروته ولا يبقي لها غير الفتات ، فذهبت إليه في طنطا لعله يصنع لزوجها وصفه أو يستحضر له جني ينجح فيما فشل فيه جميع الأطباء وجميع السحرة ويحقق لها أمنية إنجاب الولد ، ويقال إنها حين رأته أُعجبت به ، ويقال إنه سحرها ، يقال كلام كثير عن علاقة هذه المرأة بمعروف ، لكن الثابت هو أنها لم تكتف منه بحجاب تخيطه في ملابس زوجها، أو بتعويذة تقرأها علي زوجها قبل النوم ، وإنما عرضت عليه المجيء معها إلي المحلة ليتفرغ تماما لمهمة شفاء زوجها من العقم وجعلها تنجب ولدا علي وجه التحديد من زوجها حفاظا علي ثروته .
كان زوج هذه السيدة يحبها ، وكان يشعر بمخاوفها ، وإرضاء لها خصص لمعروف سكنا في حديقة مسكنه ، وأغدق عليه بالمال والهدايا وهو يقول في نفسه : يفعل الله ما يريد ، وراح يخضع كل يوم لجلساته التي كان يقرأ عليه فيها تعاويذا ويحادث أثناءها كائنات غير منظورة ، ويطلق البخور ، ولأن الشيخ معروف كان أكولا ويبدو جائعا علي الدوام فقد كانت السيدة تعد له البط والأوز والفراخ والكفتة وتروح تحكي له عن أحوال زوجها وعن تأثره كل ليلة بما يحدث في الجلسات الروحانية.
بعد دفن الشيخ معروف وأثناء إعداد المقام له بجوار مقام سيدي الجندي كان المشيعيون من أهالي مدينة المحلة يتحادثون فيما بينهم عن المعجزة الإلهية التي جعلت يوم ولادة السيدة لطفلها الذي أطلقت عليه إسم معروف يصادف يوم إصابة زوجها بالجنون وإصابة الشيخ معروف بالشلل.
بعد الانتهاء من جميع المراسم قرأ المشيعيون الفاتحة علي روح الشيخ معروف ورفعوا خلف إمام المسجد الدعاء بأن يجعل مثوي معروف الجنة مع النبيين والشهداء والصالحين ، وأثناء تفرقهم خارج المسجد شاهدوا زوج السيدة أم معروف وهو يدور حول المسجد عاريا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انهيار ريم أحمد بالدموع في عزاء والدتها بحضور عدد من الفنان


.. فيلم -شهر زي العسل- متهم بالإساءة للعادات والتقاليد في الكوي




.. فرحة للأطفال.. مبادرة شاب فلسطيني لعمل سينما في رفح


.. دياب في ندوة اليوم السابع :دوري في فيلم السرب من أكثر الشخص




.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض