الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بيني و بين أبي. بين الإخوان والقاعدة

نائل الطوخي

2006 / 11 / 8
الادب والفن


لم يكن أبي يعرف الإنترنت طبعا، عرف الموبايل مؤخرا فقط، لذا ظلت التجربة العالمية بعيدة عنه، لا يتخيل أنه يمكن بسهولة التواصل لمدة ساعات مع شخص يقيم في الولايات المتحدة أو حتى في السعودية بنفس تكلفة المكالمة المحلية. ولد أبي أيام الملك، عاش في ظل الحقبة الملكية أكثر من عشر سنوات، عاش النسخة القديمة من الحركة الإسلامية، الحركة المحافظة للإخوان المسلمين، كان صعبا عليه تخيل ذلك الانفتاح اللانهائي للعنف، عندما تقرر الشرطة الأمريكية قرارا فيموت المصابون بالإيدز في أفريقيا، أو عندما تنطلق الطائرات الإسلامية لتصيب مركزي التجارة العالمي في نيويورك. كان الاستعمار في نظره هو أن تتقدم الدبابات لتحتل بلدا و تسيطر على السلطة فيه، مع كل الأعطال المتوقعة لتلك العمليات غير الرشيقة من العنف و السيطرة.
تميز جيلنا بالانفتاح، وبنفس القوة في الاتجاهين، في اتجاه العنف و في اتجاه التفهم، والانفتاح هنا يعني تحطيم الحدود بقوة. تبدو الحدود هنا أمرا قسريا. هل يضعف تأثير الدولة القومية شيئا فشيئا؟ ربما. يزداد الإيمان ب"الأمة الإسلامية" أو العالم الجديد، الغربي و الديمقراطي و الرأسمالي، بغض النظر عن الحدود الجغرافية لكل منهما. كل هذا يجعل فكرة الدولة الوطنية فكرة سخيفة و غير منطقية، مثلما يضربها في مقتل تصفح النيوزويك أو النيوليفت ريفيو على الإنترنت بدلا من انتظار وصول عدد محدود من النسخ بالطائرات.
فس نفس الوقت، كتب جيل الخمسينيات روايات عاطفية وسياسية و تاريخية و فلسفية، وكتب جيل الستينيات روايات امتزجت فيها الأنواع السابقة من السرد، وكذلك نحا نحوهم عدد كبير من الأجيال التالية، أما جيلنا فلا نستطيع إلا أن نميز فيه انفتاح الحدود بين القصة و الشعر والرواية، وبين أجناس مختلفة من الأدب، عدت سابقا أنواعا دخيلة و غير "محترمة"، مثل الكوميكس و الألغاز البوليسية والنكت الأكثر ابتذالا.
لأقل سرا، تزوج كثير من أبناء عائلتي، خصوصا الأكبر سنا من قريباتهن في العائلة، نتج عن هذا أطفال غير أسوياء تماما. برغم هذا، لدى مناقشة أي شباب العائلة في موضوع زواجه، يكون الاحتمال الأول المطروح هو الأقرباء، ثم الأقل قرابة، و هكذا, هنا يكون التزاوج بين جنسيات مختلفة ضربا من الكفر و الهرطقة.
ربما بدأت فكرة "وحدة الدم" لتكون فكرة سخيفة ابتداء من سبعينيات القرن الماضي، وتحل محلها فكرة وحدة الثقافة، وبينما رأى اليسار الاقتصاد هو المحرك الأول للتاريخ وبالتالي فوحدة العمل هي الأساس، تميز اليمين على العموم بنبذه لفكرة وحدة الدم "تراجع دول الحس القومي"، و تفضيله لوحدة الثقافة "تصدر فكرة الوحدة بين المسلمين وبعضهم البعض، الكاثوليك و بعضهم البعض، و كذلك اليهود، و على الجانب الآخر، المؤمنين بالثقافة الغربية الليبرالية، في الهند كما في أوروبا و أمريكا". حتى أمي، و قد كانت ناصرية متحمسة تؤمن بالوحدة العربية، أصبحت ترى في هذه النعرة القومية سذاجة خيالية و تفضل أن ترى المسلمين إخوة لا تحدهم حدود، بنفس القدر الذي فيه كنت أرفض مصادقة أبناء عائلتي و أفضل التعرف على أصدقاء آخرين، مكانهم في وسط البلد بالأساس، يتعاطون الكتابة والسياسة مثلي، بل و تنمو صداقاتي عبر الإنترنت لتشمل كتابا من بلدان أخرى، وهو ما يراه كان أبي و أمي سيرياه أمرا فانتازيا و غير مفهوم بالطبع.
أعتقد أن هذا فارق واضح بين الجيلين، جيل ما قبل انهيار الاتحاد السوفيتي و جيل ما بعد انهياره، و هو الحدث الأبرز خلال القرن الماضي، بعد الحربين العالميتين بالطبع مع ما ترتب عليهما، حتى وإن كان لليسار، أي للأفكار الصارمة الخاصة بوحدة الطبقة العاملة، أي دور فيه، فهذا الانتقال تم بين يمين و يمين، بين وحدة الدم و وحدة الحضارة، بدون أن يكون للعمل أي أثر مهم في هذا الانتقال.
هل يمكن التواصل بين هذين النوعين من فهم العالم؟ ربما، فالفارق ليس كبيرا للغاية، شيئا فشيئا يكتشف أبي إمكانية إرسال رسالة sms من هاتفه المحمول إلى عمتي بالولايات المتحدة بنفس تكلفة إرساله إلى عمتي بمدينة نصر، و أشرح له أن هذا لا يفرق كثيرا عن التعامل عبر الإنترنت، ويستجيب للدعاية التي تقرر أن مقاطعة وجبة كنتاكي في المطعم بمصر الجديدة سيكون له تأثير أكيد على قرارات البيت الأبيض تجاه المسلمين، الذين، مثل أمي سابقا، يحلون محل العرب في لغة حواره اليومي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فاق من الغيبوية.. تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي


.. شاهد: دار شوبارد تنظم حفل عشاء لنجوم مهرجان كان السينمائي




.. ربنا سترها.. إصابة المخرج ماندو العدل بـ-جلطة فى القلب-


.. فعاليات المهرجان الدولي للموسيقى السيمفونية في الجزاي?ر




.. سامر أبو طالب: خايف من تجربة الغناء حاليا.. ولحنت لعمرو دياب